في هذا الحوار يتحدث هانس سووبودا الذي يرأس مجموعة التحالف التقدمي للاشتراكيين والديمقراطيين بالبرلمان الأوروبي، عن رهانات تفعيل التعاون والحوار مع المغرب من خلال الاشتراكيين المغاربة، حول القضايا التي تشكل موضوع انشغال مشترك بين بلدان الشمال والجنوب. ويحلل مدى الخسارة التي تتكبدها شعوب المنطقة بفعل تعثر بناء الاندماج المغاربي. هانس سووبودا شارك في منتدى الاشتراكيين والتقدميين المغاربيين والأوروبيين الذي انعقد بمراكش يومي الخميس والجمعة 14 و 15 نونبر 2013 بمبادرة من المنتدى التقدمي الشامل و الفريق الاشتراكي بمجلس النواب ومجموعة التحالف التقدمي للاشتراكيين والديمقراطيين بالبرلمان الأوروبي، في موضوع «من أجل مغربي كبير تقدمي : الأمن و التنمية و الديمقراطية بالمغرب الكبير». } اجتمعتم بمراكش مع نظرائكم الاشتراكيين في البرلمان المغربي، و مع قيادات الأحزاب الاشتراكية بالمغرب الكبير، ما هي رهانات مشاركتكم في مثل هذه المبادرات؟ اسمح لي أن أذكر بحقيقة جوهرية. لابد من التعاون بين الشمال والجنوب لتمكين شعوبنا من تجاوز الأزمات التي تؤثر كثيرا على استقرارهم الاجتماعي و الاقتصادي والأمني . بالنسبة لنا فمد جسور الحوار والتعاون مع العالم العربي من خلال المغرب، يشكل بعدا استراتيجيا في نظرتنا لتدبير القضايا التي تهمنا بشكل مشترك . لدينا أفكار وخبرات ومشاريع ينبغي لنا وضعها رهن إشارة نظرائنا في جنوب المتوسط. وخاصة مع أولئك الذين نتقاسم معهم نفس القناعات والمبادئ أي الاشتراكيين الديمقراطيين . مثلما ينبغي أن نستفيد من خبراتهم . إن الملفات الكبرى التي تقض مضجع شعوبنا اليوم، لا يمكن تدبيرها إلا على أساس التعاون والتضامن. أتساءل هل يمكن أن نجد حلا لمعضلة البطالة بشكل منفرد؟ هل يمكن أن نصل إلى تدبير إشكالية الهجرة، وتطويق أسبابها، ومعالجتها بمنطق إنساني عادل بشكل أحادي و منغلق؟ وكذلك الأمر بالنسبة للمسألة الأمنية و قضية الإرهاب بل وحتى التنمية والبناء الديمقراطي ، كلها قضايا لها امتدادات و ترابطات معقدة بين الشمال والجنوب . بالنسبة للمغرب، مثلا، وإذا اقتصرنا على القضايا الثنائية فقط ، هناك سلسلة من الملفات التي تستدعي الحوار المتواصل و النقاش المستمر، منها مثلا ملف الصيد البحري الذي يشكل ملفا حيويا بالاتحاد الأروبي والمغرب على السواء، وكذلك الفلاحة، وتشجيع الاستثمار لخلق فرص الشغل، ودعم الإصلاحات، وتنسيق رؤيتنا للتهديدات الأمنية القادمة من جنوب الساحل . } هل تشاطرني الرأي إذا قلت أن العالم يدفع ثمنا غاليا في حال تراجع القوى الاشتراكية الديمقراطية؟ ما هو مشكلنا اليوم ؟ إنه بوضوح جعل الثروة في خدمة العدالة الاجتماعية، لتكون مجالا لتقاسم الرفاه، بعيدا عن الأنانية التي تعصف بتوازن العالم و بحق الجميع في مجتمع منصف. إن التضامن يشكل قيمة مفتاحا في هذا السياق. فمراكمة الثروة من دون نتيجة إنسانية تنعكس على شروط عيش الناس وعلى استفادتهم المتساوية من فرص التنمية، يشكل مصدر خطر كبير على المجتمع الإنساني برمته. ولما قلته ترجمة مباشرة على المستوى الاقتصادي، فكل التوازنات المالية ينبغي أن تحترم المعادلة الاجتماعية. } بناء مغرب كبير تقدمي ، هو موضوع منتدى مراكش ، لكنه بناء تعثر إنجازه أكثر من اللازم. مارأيكم في هذه القضية؟ سأبعث برسالتين تهمان سؤالك. المغرب الكبير ليس مفيدا فقط لبلدان المنطقة المغاربية، بل حتى لإوروبا. فالاندماج الإقليمي يقوي فرص استغلال آفاق واسعة في مصلحة الطرفين بالجنوب والشمال. لذلك فإرادتنا هي إيجاد تحقق فعلي للاتحاد المغاربي. وغياب هذا الاتحاد يضيع على أبناء المنطقة حظوظا وافرة للتنمية والعيش الكريم، وفي هذا الغياب فرص مجهضة للإقلاع الاقتصادي والاجتماعي، وتكلفة غياب الاتحاد جد باهظة، لذلك لا نرى مبررا للاستمرار في عدم تنفيذ هذا البناء . أما الرسالة الثانية فهي أن قضية الصحراء لا ينبغي أن تشكل عائقا أمام تقوية التعاون بين المغرب و الجزائر . بل بالعكس يجب أن يعمل الطرفان على استغلال المجالات المتاحة للتعاون بينهما لتحقيق رفاه الشعبين . وأعتقد أن البلدان المغاربية، إذا ما حققت اندماجها، فستقوي حظوظ الاستفادة ليس فقط من أروبا بل من أقطاب أخرى كالخليج مثلا. } التطورات بجنوب الصحراء، تدفع المسألة الأمنية و التهديدات الإرهابية إلى واجهة الاهتمامات المشتركة .كيف تنظرون إلى هذا الملف؟ سواء بالنسبة لبلدان المغرب كبير أو بأوروبا، التنمية والديمقراطية شرط للأمن والاستقرار. الأمر يتعلق أيضا بملف آخر يفرض ضغطا كبيرا على الدول والمجتمعات و السكان ، هو ملف الهجرة، إذ أن السياسة المتكاملة في هذا المجال لا تقف عند حدود الإجابة عن سؤال كيف ينبغي أن نتعامل مع هؤلاء المهاجرين الذين يصلون إلى بلداننا؟ ولكن أيضا كيف يمكننا العمل بشكل مشترك على القضاء على الأسباب التي تدفع الناس إلى مغادرة بلدانهم . إن المقاربة التي نحملها للتنمية والاستقرار والديمقراطية هي التي تحدد مدى نجاعة النتائج التي نصل إليها في أرض الواقع . أما البحث عن الأمن من خلال مفهوم ضيق للأمن فلا يؤدي إلى نتيجة، والبحث عن الاستقرار السياسي بنظرة سياسية ضيقة، فلا يؤدي إلى شيء مقنع. لا يمكن للمجتمعات أن تحافظ على استقرارها والفوارق تنهشها، وفرص الاستثمار المحدث للشغل تتضاءل، وإمكانية الاستفادة من التنمية تظل غير متساوية وسبل المشاركة الديمقراطية ليست مفتوحة في وجه الجميع . } ما سمي بالربيع العربي ، عرف منعطفات غير مطمئنة، ماهو تقديركم لمستقبل المنطقة في ظل ما يجري فيها ؟ عموما، في المغرب وبعض بلدان العالم العربي هناك مسلسل ديمقراطي. في الجزائر هناك استقرار لكن من دون توجه واضح نحو الديمقراطية، إذ هناك نوع من الاختناق . و في تونس يمكننا أن ننتظر حلا على المدى القريب . لكن في مصر فالأمر مختلف. الحل في نظري هو أن تعرف هذه البلدان مسلسلا هادئا من الإصلاحات، قد يكون بطيئا لكن متوجه بوضوح نحو المشروع الديمقراطي . } وماذا عن الأزمة التي تجتازها بعض بلدان الاتحاد الأروبي؟ الحكومات المحافظة ضعيفة جدا . والبنك المركزي الأوروبي يقوم بمجهود مهم للتقليص من نسبة العجز ، لكن نحن في حاجة لمزيد من الأموال لفتح المجال لمزيد من الاستثمارات للتقليص من البطالة التي تتزايد باستمرار، إذ هناك 27 مليون أوروبي من دون شغل اليوم ، أي بدون أمل . } قضية التطرف الديني، تمثل انشغالا مشتركا بالنسبة لأوروبا و المغرب العربي .. نعم . ولدينا رأي واضح في هذا الأمر . يجب احترام كل الديانات والمعتقدات، بعيدا عن الحقد والعنصرية . لكن ينبغي أيضا احترام القواعد والقوانين الديمقراطية المعمول بها، مثلما لا يجب على هذه القوانين أن تخرق هذه الحقوق. ينبغي أن نفصل بين مجال المعتقد و مجال الدولة، و في إطار هذا الفصل يجب ضمان الاحترام المتبادل بين الديانات، إذ لا ينبغي لأحد أن يستعمل معتقده كقاعدة لإهانة معتقدات الآخرين و دياناتهم . و في هذا السياق يظل الحوار مع المغرب جد مهم، لأن المغرب يقدم نموذجا يثبت أن الإسلام دين سلم وانفتاح، لا يتعارض مع احترام حقوق الإنسان. لذلك فالتعاون بين أروبا و بلد كالمغرب جد اساسي لتبديد سوء التفاهم الحاصل حول حقيقة الإسلام. } أسألكم عن طبيعة العلاقة التي تربطكم بالاشتراكيين المغاربة؟ تربطنا علاقات قوية، ولدينا معهم حوار ونقاش حول القضايا الجوهرية التي تهمنا بشكل مشترك . ولذلك قمنا بزيارة إلى الأقاليم الجنوبية، إذ لا يمكننا حل نزاع ما دون الوقوف عن قرب عن ما يجري على ارض الواقع، وكذلك باعتماد أسلوب الحوار لإيجاد السبل الممكنة للحل هذا النزاع . } في هذا السياق، ما هي نظرتكم لحل النزاع حول الصحراء؟ ينبغي حل هذا النزاع بشكل سلمي . وإذا وصلنا إلى حكم ذاتي قوي و مضمون من قبل المغرب و الهيئات الدولية و في مقدمتها الأممالمتحدة ، فإن ذلك سيكون حلا مقبولا . زرت تندوف قبل سنوات، رأيت فيها ملامح حياة منظمة، لكنني رأيت شبابا بلا عمل ولا مستقبل. لذلك ينبغي إيجاد حل لهذا الصراع. المغرب لا يمكن أن يقبل أن تنفصل الصحراء عنه . وأغلبية السكان ترغب في حكم ذاتي مع ضمانات قوية، تهم الاستفادة من الموارد الاقتصادية والطبيعية ، أي ما يضمن لهم عيشا كريما . وأعتقد أن هذا هو السؤال الأساسي، فإذا أردنا أن نحسن ظروف عيش السكان، وتطوير الإنتاج، فإن الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية سيكون حلا مقبولا. المهم ألا يكون الأمر متعلقا بحكم ذاتي شكلي، لكن بحكم ذاتي مضمون بحق التصرف في الموارد التي تتيح إمكانية نهوض اقتصادي واجتماعي ينعكس إيجابا على حياة الناس . ولهذا فأنا مقتنع أن هذه الإمكانية تتيح حلا معقولا و مقبولا لهذا النزاع .