وفد برلماني نسائي يروج للمناصفة    إغلاق السوق المركزي لبيع الأسماك بشفشاون: قرار رسمي لحماية الصحة العامة وتنظيم النشاط التجاري    هاليفي يٌثني على "حماس".. ونتنياهو يٌقيل رئيس جهاز أمن "الشاباك"    نتنياهو يسعى لإقالة رئيس "الشاباك"    واقع الأطفال في ألمانيا.. جيل الأزمات يعيش ضغوطات فوق التكيفات    التعادل ينصف مباراة "الماط" والرجاء    فوز الحسنية و"الجديدي" في البطولة    بوجلابة يكتب: "فيييق أحبّي !!"    توقع بتوقف تام للملاحة البحرية بمضيق جبل طارق بسبب رياح قوية وأمواج عاتية    شبهة اغتصاب تلميذات بقرية كيكو    كارثة بيئية وصحية في سوق سيدي حساين بطنجة.. هل تتدخل السلطات لمحاصرة الفضيحة؟    "طنجة تتألق في ليلة روحانية: ملحمة الأذكار والأسرار في مديح المختار"    حادثة سير خطيرة قرب طنجة تسفر عن وفاة وإصابات خطيرة    نشرة جوية إنذارية بالمغرب    مغربية تتوج ببطولة العالم للملاكمة    البطولة: المغرب التطواني يفرض التعادل على الرجاء البيضاوي بعقر داره    إسبانيا تمنح المغرب مليون يورو لاقتناء 10 سيارات إسعاف    نشرة إنذارية.. رياح قوية مع تطاير الغبار وتساقطات ثلجية مرتقبة بالمملكة    مدرب الوداد موكوينا يتحدث عن إمكانية الرحيل بعد التعادل مع اتحاد طنجة    المغرب يرحّل ثلاثة إسبان موالين للبوليساريو بعد محاولتهم دخول العيون بطريقة غير قانونية    الإعلام الفرنسي يصف المغرب ب"إلدورادو حقيقي" للمستثمرين و"وجهة الأحلام" للمسافرين    ارتفاع مخزون السدود المغربية بنحو 35% بعد موجة الأمطار الأخيرة    وزير الداخلية الفرنسي يتوعّد بالاستقالة في حال تراجع باريس أمام الجزائر    مجلس بنك المغرب: إجماع على الإبقاء على سعر الفائدة الرئيسي    وداد برطال تتوج بلقب بطولة العالم للملاكمة النسائية في صربيا    توقعات احوال الطقس ليوم الاثنين.. أمطار وثلوج    اليمن.. الحوثيون يهددون بمواجهة "التصعيد بالتصعيد" وواشنطن تعلن مقتل العديد من قادتهم    اسكتلندا.. حمزة إغمان يمنح الفوز لرينجرز في ديربي غلاسكواسكتلندا.. حمزة إغمان يمنح الفوز لرينجرز في ديربي غلاسكو    البحيري: سعداء بالتتويج بلقب البطولة    هبات رياح قوية مع تطاير الغبار وتساقطات ثلجية مرتقبة يومي الاثنين والثلاثاء بعدد من مناطق المغرب    لا أيمان لمن لا أمانة له ...    الأدوية الأكثر طلبا خلال رمضان المضادة للحموضة و قرحة المعدة!    الغلوسي: الفساد يتمدد بفعل غياب الديمقراطية وقوى الفساد تنشر التخويف وتُشرّع لنفسها    إحياءا لروح الوحدة والاستقلال.. وفد من الشرفاء العلميين يزور ضريح محمد الخامس ترحما على روحه الطاهرة    ترامب يجمّد عمل إذاعات أمريكية موجهة إلى الخارج    عواصف وأعاصير تخلف 33 قتيلا على الأقل في الولايات المتحدة    ارتباك النوم في رمضان يطلق تحذيرات أطباء مغاربة من "مخاطر جمّة"    "الثقافة جزء من التنمية المحلية" عنوان أجندة مجلس مقاطعة سيدي البرنوصي    انخفاض جديد في أسعار المحروقات بالمغرب..    الإهانة في زمن الميغا امبريالية: عقلانية التشاؤم وتفاؤل الإرادة.    العدالة والتنمية يحمل الحكومة مسؤولية التأخير في إعادة إيواء متضرري زلزال الحوز    ضبط أزيد من 18 ألف قنينة من المشروبات الكحولية في مخزن سري بالناظور    نسيم عباسي يتيح أفلامه السينمائي للجمهور عبر "يوتيوب"    "آتو مان" أول بطل خارق أمازيغي في السينما: فيلم مغربي-فرنسي مستوحى من الأسطورة    المغرب يتصدر إنتاج السيارات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا    من الناظور إلى الداخلة.. عضو في كونفيدرالية البحارة يكشف عن التلاعب بأسعار السمك    الجزائر واكتشاف البطاقة البنكية: بين السخرية والواقع المرير    استمرار ضطرابات الجوية بالمغرب طيلة الأسبوع المقبل    ملكة الأندلس تتربع على عرش الجماهيرية دون منازع    تتويج "عصابات" بجائزة "فرانكوفيلم"    فيضانات وانهيارات أرضية تجتاح شمال إيطاليا (فيديو)    تأثير مرض السكري على العين و عوارض اعتلال الشبكية من جراء الداء    أبرز المعارك الإسلامية.. غزوة "بني قينقاع" حين انتصر النبي لشرف سيدة مسلمة    الغذاء المتوازن و صحة القلب في رمضان !!    فرنسا تعلن استيراد الحصبة من المغرب    أهمية الفحوصات الطبية خلال شهر رمضان    ظاهرة فلكية نادرة مرتقبة فجر يوم غدٍ الجمعة    أداء الشعائر الدينيّة فرض.. لكن بأية نيّة؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ياسمينة خضرا: حين التقيت زوجتي فهمت أنني أكثر الرجال حظا

بمناسبة مهرجان الرواية الذي استقبلت خلاله ستة عشر مدينة، من بينها فيرون، ثمانية عشرة كاتبا، ما بين 25 فبراير و 9 مارس 2013، التقت كل من السيدتين كوسي سالي وجولييت فيردناد (راديو فرنسا الدولي)، الكاتب محمد مولسهول، الذي عُرف باسم زوجته ياسمينة خضرا، وأجريتا معه الحوار التالي:
{ أود أن أعرف تأثير ثقافتك الجزائرية المرتبطة جدا بفرنسا. ما هو تاُثيربلد نشأتك، أصلك في اختيار رواياتك للتيمة التي تطرح، بوجه الخصوص، المواجهة بين الشرق والغرب؟
وُلدت في الجزائر، في الصحراء الجزائرية. اسمي محمد مولسهول. وُلد هذا الاسم سنة 1942. وهو اسم أول شيوخ الصحراء، وأنا سليل شجرة الأسياد التي اختارت دائما من بين شيوخها الحكماء، الشعراء والعلماء. على مدى ستة قرون، لم تعرف الصحراء أية حرب: كنا نمثل سويسرا إفريقيا، ثم حل الفرنسيون ببلادنا من غير بطاقة دعوة. لقد شوشوا علينا. سنة 1830، احتلوا الجزائر العاصمة، ثم انطلقوا في غزو البلاد كلها. إلا أن مقاومة قبيلتي تصدت لهم. لقد قتلناهم فعلا. كان جدي آخر شيوخ الصحراء. لقد فصلوه، عزلوه عن الحكم؛ عاش بعدها البؤس الأكثر قسوة. لذلك، فإن الغرب قد أربك معاييري إلى حد ما. لم نتمكن منذ ذلك الوقت من استرجاع وجهتنا الصحيحة. التحق والدي بجيش التحرير الوطني سنة 1956 وأصبح ضابطا في جيش الأدغال. استرجعت الجزائر استقلالها سنة 1962، وسنة 1964 منحت والدي هدية، حاضرا: كنتُ الهدية.
في التاسعة من عمري ألحقوني بمدرسة عسكرية. قضيت حياتي كلها في ذلك العالم. و بموازاة تكويني العسكري، لم أفتقد أبدا ميولاتي ككاتب: ولدتُ لأجل الكتابة، إلا أني كنت طفلا خضوعا ككل الجزائريين، لنا تقدير ديني لآبائنا. اختار لي أبي مهنة عسكرية، ولم يكن من حقي أن أقول له لا. كبرت داخل ثكنة على البحر الأبيض المتوسط؛ كانت قلعة رهيبة، مرعبة. كانت الأشباح تزورنا ? يبدو ? ليلا، كانت الأروقة تطلق صفيرا طوال الليل، وكانت الأبواب تصفق؛ كنا نسمع بكاء داخل المراحيض: كنا نسمع أطفالا يبكون. كبرت، إذن، في هذا العالم المرعب، وكانت وسيلتي الوحيدة للإفلات هي القراءة. كل كتاب أفتحه كان، بالنسبة لي، فتحة أشقها في جدارالقلعة وأخرج لاكتشاف حب المناظر الاحتفالية، سافرت إلى روسيا وإلى أعماق البرازيل. سافرت كذلك إلى إيطاليا واكتشفت، في النهاية، أن العالم رائع وأن الناس لم يكونوا كلهم يرتدون الزي العسكري. كان هناك شعراء ، مبدعو ألعاب سحرية ومخرجو أفلام جميلة. سعيت، إذن، إلى اكتساح العالم الذي سُلب مني، وشرعت أنا أيضا في الكتابة. في الحادية عشرة من عمري، كتبت « محمد الصغير» وهي قرصنة ل « لو بوتي بوسي». سعيت بعد ذلك إلى أن أكون في مستوى الكتاب الذين هدهدوني، وحاولت أن أشبههم، وأنا اليوم تركيب كل ما قرأته. وبما أنني كنت في ذلك العالم السجني أو في أعماق الصحراء، كان يكفيني أن أفتح كتابا لكي أتكلم مع العالم كله. وخلال تلك الأيام، أدركت أن بإمكان الكاتب أن يتحدث إلى العالم كله وأن بإمكانه أن يمنح الرفاهية لأي كان وفي أي مكان كان. يقال بأن أفضل صديق للإنسان هو الحصان، الكلب أو البندقية؛ أما أنا، فأرى أن أفضل صديق للإنسان هو الكتاب.
{ لدي فكرتين: أولا الاسم. قلت لنفسي، طيب ها هي امرأة تكتب، هذا رائع ! كنت أعرف أن النساء، على مر التاريخ، هن اللواتي كان عليهن إيجاد اسم مستعار مذكر للتمكن من النشر. لماذا كان على رجل أن يختار اسم امرأة كاسم مستعار؟
انطلقت في الكتابة باسمي الحقيقي. نشرت في الجزائر وفرنسا ستة كتب وبدأت أحقق صيتا، لكن الجيش لم يرغب في أن يظهر اسمي في الصحافة. كنت نموذجا سيئا للجنود. سنة 1988 حصلت على جائزة صغيرة في فرنسا: كانت القطرة التي أفاضت الكأس. فرضوا علي إذن لجنة للرقابة: كانت اللجنة تتشكل من جنود معظمهم لم يقرأ ولو كتابا واحدا طيلة حياته. كان الأمر قاسيا بالنسبة لي: لم يكن بإمكاني قبول ذلك. توقفت إذن عن الكتابة. كنت آنذاك بتمنراصت، في أعماق الصحراء الجزائرية؛ كنت متزوجا ولم يكن لي أبناء بعد.
لم تكن بتمنراصت أوبيرا، ولا سينما ولا ملعب: لم يكن بها أي شيء. سألتني زوجتي: « لماذا لا تختار اسما مستعارا إذا كنت تفكر في مواصلة الكتابة فعلا؟ «. ليس للاسم المستعار في الجزائر أية أهمية، لأن بإمكان الجيش استدعاء الناشر والاطلاع على العقد لمعرفة مُوقعه. عندها قالت لي زوجتي: « سأوقع العقود بدلك».
« لقد منحتني اسمك مدى الحياة؛ وأنا أمنحك اسمي لأجل النجاح». زوجتي سيدة براغماتية، لا تعرف شيئا في الشعر، بل لا تحب أن ننظم فيها شعرا. الدليل على ذلك أنني أخصص لها كل القصائد التي أكتبها. إني أغنيها، أقرظها، أدللها ؛ وهي بصدد إعداد العشاء في مطبخها، أدخل بحزمة أوراقي. أشرع في إنشاد شعري لها. تستمع إلي للحظات ثم تقول: «متى سنلتحق بالمائدة؟»
حين كنت صغيرا، كنت أعتقد أنني ملعون. لم أكن أفهم لماذا أعيش بين يتامى ولي قبيلة تحيط بي. لم أكن أفهم لماذا ينبغي أن أكون جنديا وقد وُلدت لأجل الكتابة. لم أكن محظوظا مع الفتيات: غالبا ما كنت ضحية خياناتهن. لذلك كنت أعتقد أنني ملعون.
خلال الحرب الإرهابية التي شهدتها الجزائر، كنت جنديا، ضابطا؛ انخرطت في تلك الحرب مدة ثمان سنوات. كانت زوجتي تراني أخرج كل صباح، ولم تكن متأكدة من عودتي ليلا. الطائرة المروحية الوحيدة التي كان مسموحا لها بالتحليق في سماء وهران، هي مروحيتي. كان بالإمكان أن يأخذوني وأنا أتناول الغذاء بين أبنائي، لأجد نفسي في ساحة بها أموات، أناس قتلوا. كلما كانت زوجتي تراني وأنا أخرج، تكون متأكدة أنها تراني للمرة الأخيرة، إلا أنها لم تستسلم أبدا.
عشت فترات صعبة حين حللت بفرنسا كذلك، لأنني كنت معروفا في العالم قبل وصولي إليها؛ وصلت فاكتشف الناس رجلا خلف اسم مستعار مؤنث، والأنكى أن الرجل كان جنديا.
يعتقد بعض المثقفين أنه يتعذر على جندي أن يكون كاتبا، لذلك اعتبروني أيا كان. كنت بالنسبة لهم جاسوسا، رجلا يخدم النظام الجزائري. اعتبروني مقرصنا لم يكن هو مؤلف كتبي، وكادوا يقنعونني بذلك في وقت من الأوقات. لقد عشت البشاعة المصفاة والنذالة الأكثر فعالية: لم أتعرف على نفسي في هذا العالم. أنا قروي ولد في الصحراء، ونحن نرى أن على الإنسان أن يجسد استقامته. إذا لم تكن له شجاعة قناعاته، فهو لا يستحق أي شيء، لا يستحق الاحترام.
قررت مغادرة فرنسا والعودة إلى الجزائر. كانت زوجتي موافقة على ذلك؛ قررت ذلك لأجلها هي: لم أكن أسمح لنفسي برؤيتها حزينة بسببي. سجلت الأطفال إذن في المدرسة الجزائرية: سافرت إلى باريس لتوديع ناشري الذين دعموني كثيرا، لكن الأمر لم يكن يرجع لهم. كنت عند ناشري ? في انتظار ساعة التوجه إلى محطة القطار -، تناولت حزمة أوراق وشرعت في الكتابة، وواصلت وأنا في الطريق من مكتب الناشر إلى محطة القطار. واصلت الكتابة في البيت. بعد مرور شهرين، كنت أنهيت « الاغتيال «. حدث ذلك كما لو أن الأدب لم يسمح لي بالعودة، أدركت أن الكاتب ينبغي أن يكون جنديا جيدا وأن لا يفر من ساحة المعركة. بقيت حيث كنت وأقنعت كل أعدائي. وأنا محظوظ اليوم لأن أعمالي تترجم في العالم بإسره: إضافة إلى عيني زوجتي، أنهل قوتي من عيون قرائي.
اكتشفت أمرا أساسيا: ليست وسائل الإعلام، ليست الأوساط الثقافية، هي التي تصنع الكاتب؛ إن القارئ هو الذي يصنعه، ونحن من دون القراء حروف ميتة. إذا كنت قد تجاوزت العوائق السابقة، فلأن ورائي آلاف القراء وهم الذين أوصلوني إلى فيرون.
{ إنك محظوظ ! شدني عنوان « المعادلة الإفريقية «؛ دفعني إلى أن أفكر طويلا. يمكن القول بأن الكلمتين متناقضتين: معادلة / إفريقية. تدفعني المعادلة إلى التفكير في عالم الرياضيات... هل يمكن أن توضح لنا كيف اخترت هذا العنوان؟
الأمر بسيط للغاية: وسنبقى في عالم الرياضيات والمعادلة: المعادلة هي البحث عن مجهول، وإفريقيا مجهول كبير بالنسبة للعالم كله. وقد حاولت أن أُجعلها معروفة أكثر. ما الذي نعرفه عن إفريقيا، إذا ما استثنينا الوصلات الإشهارية، الفلاشات التلفزية، الصومال بأمواج منفييه، بحروبه، بأوبأته، بأمراضه، بمجاعته؟ ذلك كل ما نراه من إفريقيا.
لقد أبعدت قليلا هذه الواجهة المرعبة. ساءلت إفريقيا حول ما لديها من أمور أساسية لأنني كنت بتلك البلدان. أعرف النيجر، مالي، التشاد، موريتانيا، وقد التقيت في هذه البلدان، حيث البؤس شرط يومي، أناسا رائعين. إنهم فقراء إلا أن سخاءهم استثنائي: أناس ودودون، متواضعون، عفويون. بإمكانك أن تزور أية قرية إفريقية، وسيتقبلونك كما لو كنت المسيح: لن يكون مطلوبا منك أن تطرق الباب، سيفتح في وجهك من تلقاء نفسه. سيتقاسمون معك الطعام القليل المتوفر لديهم: يتقاسمون معك ثمرهم وأرائكهم لتشعر أنك بين أهلك، وهذه هي الإنسانية بالنسبة لي - لا علاقة للإنسانية بالتيكنولوجيا، بما يشبه الحداثة أو العولمة. أرى أن الإنسانية تعيد للكائن البشري كامل حيائه، كامل قواه باحترامه للإنسان. أؤكد لكم أنني التقيت راع بمالي أعطاني درسا قويا في القول المأثور وفي الفصاحة. كان الراعي مع عنزاته، تائها في الصحراء وقد أرعبه حضوري لأنني كنت أشوش على عالمه، أخذنا نتكلم وكنت أغار من سلاسة لغته ووضوح أفكاره. لكن، للأسف، فالمثل العليا، هي التي تحكم حيواتنا اليوم. لقد سبق لي أن عشت أمرا طريفا: كنت في طائرة تقلني إلى النرويج. كانت ناشرة أعمالي مصرة على حضوري، لأن وسائل الإعلام كانت تطلب مقابلتي. كنت في الطائرة، فقدموا لنا أهم جريدة في النرويج. لم يكن لدي ما أقرأه، شرعت في تصفحها فوصلت صفحة مزدوجة بها صورة لي: أسعدني ذلك فالتفت إلى جاري في المقعد، وكان يقرأ الجريدة نفسها، كنت أعتقد أنه سيكون سعيدا هو الآخر حين يكتشفني. أخذ الوقت الكافي للقراءة: إنه يرى وجها لا يقول له شيئا ثم يقلب الصفحة دون أن يكون له ما يقوله. إنني بصدد مقاومة هذه الاختزالات وإثبات أن الموهبة إنسانية. الموهبة ليست ملكا لا لأوروبا ولا لإفريقيا ولا لآسيا: الموهبة ملك للإنسانية. ذلك صعب، إلا أنني أطمح إلى تحقيقه يوما ما.
{ لكل واحدة من شخصياتك حكايتها الخاصة بها؛ وتدخل كلها ضمن حكاية أكبر. هناك لقاءات وصراعات وهناك ثنائيات هي أيضا جزء من الحياة: الصديق / العدو، الخير / الشر، الثري / الفقير... المتحضر / المتوحش...
وتلزمني طريقة التجاوز هاته بإعادة صياغة سؤالي. كنت أود أن أطلب منك أن تحدثنا عن هذه الشخصيات. كلمة موجزة لمساعدتك على التعمق: تتوقف كل واحدة منها على الأخرى؛ لا توجد حقيقة. والبطل هو كورت الذي يبدو أنه يجسد مساوئ الإنسان عموما والغرب على نحو ما. مع ذلك، وكما قالت خضرا: يتمكن من إتمام مسار، بحثا عن ذاته. لكن ليس كورت وحده، هناك أيضا هانز وبرينو، الفرنسي،، باسم شخصي إيطالي. هناك إفريقيا؛ هناك أوربا إلا أنهما بعيدتين الواحدة عن الأخرى. هناك شخصان آخران، بوجه خاص، أحببتهما وكرهتهما في الوقت نفسه: جوما وبلاكمون...؟ ثم كاولو... اسمه كاولو، لكنه يريد اسما مستعارا وسيختار شيئا خاصا أخفيه عليك وسيدهشك كثيرا.
{ هل يمكنك أن تحدثنا عن هذه الشخصيات؟
بدء، الرواية هي رواية سوء التفاهم. فالحقد ينجم بوجه خاص عن عدم المعرفة، وأنا أفضل الجهل عن عدم المعرفة. حين نجهل، فنحن لا نعرف،أما حين ننكر، فنحن نعتقد أنا نعرف. وفي هذا الكتاب الذي ألفته، هناك قول إفريقي مأثور: من لا يعرف أنه لا يعرف كارثة، ولا أحد في النهاية لا يعرف أنه لا يعرف لأن لجوبا أيضا نمط مثالي تجاه الغربيين: إنهم يكرهونه لأنه لا يستطيع فهمهم. وككورت لا يحب الأفارقة لأنه لا يعرف عنهم أي شيء، فأول لقاء له بالأفارقة كان لقاء عنيفا: كان هو نفسه ضحية عنف بشع. فقدَ زوجته وكان يعتقد، وهو يذهب إلى إفريقيا، أنه يمنح نفسه سفرا مشفيا. كاولو هو الآخر لا يفهم. لكن القضية ليست كونه لا يعرف الغرب أو إفريقيا: إنه يحمل المشكلة فيه: لا يعرف من هو. وحول هؤلاء الناس أناس يعرفون من هم، إلا أنهم لا يدركون الشر الذي يصدر عنهم. نحن في القرن الإفريقي حيث تحولت الحياة إلى مغامرة تقريبا. تحولت الحياة إلى رحلة في عالم خطير، حيث لم يعد هناك معنى لحذلقة الحياة ، حيث نحاول البقاء بكل الوسائل ونصبح بشعين لأننا لا نتوفر على حجة دامغة. لقد حاولت إذن تجميع كل هذا في كتاب لكي أوضح عجزالناس على بلوغ النضج. لقد حاولت لكني لا أعرف إذا كنت أفلحت أم لا. على راديو « فاهرنت « كنا نسمع الصيغة التالية في معظم الاوقات « ليست الثروة ما نملكه، بل ما نمنحه للآخرينن «. مهما بلغت ثروتنا، وإذا عجزنا عن التقاسم، فذلك يعني أننا فقراء. لقد حاولت دائما أن أتقاسم لكي أكون ثريا، وإذا كنت اليوم أشعر بأنني ثري، فذلك راجع بكل ببساطة إلى كون آخرين تقاسموا معي. أرى أن الإنسان يظل، بعد مرور آلاف السنين، .ساكن كهوف حديث. لقد حققنا تطورا استثنائيا في العلم، بلغنا الاتقان التيكنولوجي، نقاوم السرطان والملاريا أيضا، ومع ذلك فنحن نصنع، بشكل مواز، طائرات بإمكانها تدمير أمة خلال جزء من الثانية.
آه، أن نفهم الإنسان ! بينما الحياة مجرد نفثة. ما أقوله لأبنائي، لأصدقائي: لا تمثل الحياة شيئا على الإطلاق. وعلينا نحن أن نصنع منها شيئا ذا قيمة. أعتقد أن أحسن الناس، أولئك الذين يتجهون نحو الآخرين بأفكار سعيدة. حاولنا، لفترة طويلة، أن يسيطر بعضنا عن البعض الآخر. إلى ماذا أفضى بنا كل ذلك؟ وهذه الحروب كلها، بماذا أفادتنا؟ يقال بأننا خرجنا من كابوس كي لا نعيشه ثانية. لكن بمجرد أن يحل السلام، نشرع في الإعداد للحرب. إننا كما لو كان كل جيل منا يطالب بنصيبه من المآسي. شخصيا، لا أستطيع فهم ذلك. ما يجعلني أدير له ظهري وأحاول أن تكون لي فائدة ما، لأن الميول الأول للإنسان، بحكم تعريف الطبيعة وقانونها، هو أن تكون له فائدة ما. إننا نتحدث عن سمو الأعراق، في حين أنه لا يوجد سوى عرق واحد، في حين أن العالم لم تحكمه سوى علاقات القوة. أتطلع إلى أن تحكمه، في يوم من الأيام، علاقات التفوق. إلا أن ذلك لن يحدث بين عشية وضحاها: علينا أن نواصل الأمل. هل أجبت على سؤالك؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.