لفتيت يدعو لمواجهة فوضى وتجاوزات وتدني خدمات سيارات الأجرة على خلفية وضع نهج جديد        "ذا تيليغراف": المغرب الوجهة السياحية الأولى في إفريقيا لعام 2024    الولايات المتحدة.. تعيين كريس رايت وزيرا للطاقة في إدارة ترامب الجديدة    صراعات عائلة السيوفي في الدراما الجديدة المُثيرة "نقطة سودة" يومياً عبر شاشة "5MBC"    إلقاء قنبلتين ضوئيتين باتجاه منزل نتنياهو        طقس الأحد.. نزول أمطار مع هبوب رياح بعدد من مناطق المملكة    استمرار توقيف أجور 18 أستاذا يفجر غضب حقوقيين ويضع وزارة التربية في قفص الاتهام    عمور و السعدي يقصان شريط النسخة السابعة لمهرجان الزربية الواوزكيتية    مقتل 65 فلسطينيا في قصف إسرائيلي    بيع هيكل ديناصور عملاق بستة ملايين يورو قرب باريس    مراهقون يعبثون بالأمن الطرقي بواسطة دراجات نارية مستأجرة في شوارع طنجة    ترامب يعين "كارولين ليفيت" متحدثة باسم البيت الأبيض في إدارته الجديدة    لقاء بالداخلة يناقش مبادرة الحكم الذاتي    وزير الصحة: نصف المغاربة عاشوا ويعيشون اضطرابات نفسية    جمعية فنون تقدم أحدث إعمالها الفنية و التراثية أغنية " لالة منانة" من أداء المجموعة الموسيقية لأكاديمية ميزينوكس    أكبر الشركات العالمية تواصل إبداء اهتمامها بالطريق السيار الكهربائي الداخلة-الدار البيضاء    بالصور.. ارتفاع كمية المؤثرات العقلية التي تم حجزها بميناء طنجة المتوسط إلى أزيد من 188 ألف قرص مهلوس    المنتخب المغربي يُحقق الفوز الخامس توالياً في تصفيات كأس إفريقيا 2025    الجامعة الملكية للملاكمة تنتخب بالإجماع عبد الجواد بلحاج رئيسا لولاية جديدة    صحيفة بريطانية تستعرض الوقائع التي تجعل من المغرب الوجهة السياحية الأولى في إفريقيا    ندوة حول موضوع الفلسفة والحرب: مآزق العيش المشترك    حصة تدريبية خفيفة تزيل عياء "الأسود"    أسباب اندلاع أحداث شغب في القليعة    الرايحي يقنع موكوينا قبل مواجهة الرجاء في "الديربي"    انعقاد الاجتماع الإقليمي للمدن المبدعة لليونيسكو بتطوان من 19 إلى 22 نونبر الجاري    حريق ياتي على العديد من المحلات التجارية في سوق الجوطية بالناظور    تراجع طفيف في ثمن البنزين في محطات الوقود    المغرب يعزز جهوده لإغاثة فالينسيا عبر إرسال دفعة جديدة من الشاحنات ومعدات الشفط    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    منظمات مغربية تدين تحيّز الإعلام الهولندي للاسرائيليين في أحداث أمستردام    عمر حجيرة: لا ترضيات في التعديل الحكومي    تعهدات في مؤتمر وزاري في جدة بمقاومة مضادات الميكروبات بحلول عام 2030 (فيديو)    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    من أصول مغربية.. وزيرة هولندية تهدد بالاستقالة بعد أحداث أمستردام    المحامون يتوصلون إلى توافقات مع وزارة العدل    جائزة المغرب للشباب تحتفي بالتميز    السكوري يكشف تشكيل لجنة حكومية تدرس منح دعم للكسابة في العالم القروي لمواجهة فقدان الشغل    المرتجي: التراث اللامادي بين المغرب وهولندا أفق جديد للتعاون الثقافي    حشرات في غيبوبة .. "فطر شرير" يسيطر على الذباب    منع جمع وتسويق "المحارة الصغيرة" بالناظور بسبب سموم بحرية    أنفوغرافيك | أرقام مخيفة.. 69% من المغاربة يفكرون في تغيير وظائفهم    صانع المحتوى "بول جايك" يهزم أسطورة الملاكمة "مايك تايسون" في نزال أسطوري    السوق البريطاني يعزز الموسم السياحي لاكادير في عام 2024        دراسة تكشف العلاقة بين الحر وأمراض القلب    الأمم المتحدة.. تعيين عمر هلال رئيسا مشاركا لمنتدى المجلس الاقتصادي والاجتماعي حول العلوم والتكنولوجيا والابتكار    مغاربة يتضامنون مع فلسطين ويطالبون ترامب بوقف الغطرسة الإسرائيلية    "باحة الاستراحة".. برنامج كوميدي يجمع بين الضحك والتوعية    "طاقة المغرب" تحقق نتيجة صافية لحصة المجموعة ب 756 مليون درهم متم شتنبر    مقابلة مثالية للنجم ابراهيم دياز …    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    وكالة الأدوية الأوروبية توافق على علاج ضد ألزهايمر بعد أشهر من منعه    ارتفاع كبير في الإصابات بالحصبة حول العالم في 2023    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ياسمينة خضرا: حين التقيت زوجتي فهمت أنني أكثر الرجال حظا

بمناسبة مهرجان الرواية الذي استقبلت خلاله ستة عشر مدينة، من بينها فيرون، ثمانية عشرة كاتبا، ما بين 25 فبراير و 9 مارس 2013، التقت كل من السيدتين كوسي سالي وجولييت فيردناد (راديو فرنسا الدولي)، الكاتب محمد مولسهول، الذي عُرف باسم زوجته ياسمينة خضرا، وأجريتا معه الحوار التالي:
{ أود أن أعرف تأثير ثقافتك الجزائرية المرتبطة جدا بفرنسا. ما هو تاُثيربلد نشأتك، أصلك في اختيار رواياتك للتيمة التي تطرح، بوجه الخصوص، المواجهة بين الشرق والغرب؟
وُلدت في الجزائر، في الصحراء الجزائرية. اسمي محمد مولسهول. وُلد هذا الاسم سنة 1942. وهو اسم أول شيوخ الصحراء، وأنا سليل شجرة الأسياد التي اختارت دائما من بين شيوخها الحكماء، الشعراء والعلماء. على مدى ستة قرون، لم تعرف الصحراء أية حرب: كنا نمثل سويسرا إفريقيا، ثم حل الفرنسيون ببلادنا من غير بطاقة دعوة. لقد شوشوا علينا. سنة 1830، احتلوا الجزائر العاصمة، ثم انطلقوا في غزو البلاد كلها. إلا أن مقاومة قبيلتي تصدت لهم. لقد قتلناهم فعلا. كان جدي آخر شيوخ الصحراء. لقد فصلوه، عزلوه عن الحكم؛ عاش بعدها البؤس الأكثر قسوة. لذلك، فإن الغرب قد أربك معاييري إلى حد ما. لم نتمكن منذ ذلك الوقت من استرجاع وجهتنا الصحيحة. التحق والدي بجيش التحرير الوطني سنة 1956 وأصبح ضابطا في جيش الأدغال. استرجعت الجزائر استقلالها سنة 1962، وسنة 1964 منحت والدي هدية، حاضرا: كنتُ الهدية.
في التاسعة من عمري ألحقوني بمدرسة عسكرية. قضيت حياتي كلها في ذلك العالم. و بموازاة تكويني العسكري، لم أفتقد أبدا ميولاتي ككاتب: ولدتُ لأجل الكتابة، إلا أني كنت طفلا خضوعا ككل الجزائريين، لنا تقدير ديني لآبائنا. اختار لي أبي مهنة عسكرية، ولم يكن من حقي أن أقول له لا. كبرت داخل ثكنة على البحر الأبيض المتوسط؛ كانت قلعة رهيبة، مرعبة. كانت الأشباح تزورنا ? يبدو ? ليلا، كانت الأروقة تطلق صفيرا طوال الليل، وكانت الأبواب تصفق؛ كنا نسمع بكاء داخل المراحيض: كنا نسمع أطفالا يبكون. كبرت، إذن، في هذا العالم المرعب، وكانت وسيلتي الوحيدة للإفلات هي القراءة. كل كتاب أفتحه كان، بالنسبة لي، فتحة أشقها في جدارالقلعة وأخرج لاكتشاف حب المناظر الاحتفالية، سافرت إلى روسيا وإلى أعماق البرازيل. سافرت كذلك إلى إيطاليا واكتشفت، في النهاية، أن العالم رائع وأن الناس لم يكونوا كلهم يرتدون الزي العسكري. كان هناك شعراء ، مبدعو ألعاب سحرية ومخرجو أفلام جميلة. سعيت، إذن، إلى اكتساح العالم الذي سُلب مني، وشرعت أنا أيضا في الكتابة. في الحادية عشرة من عمري، كتبت « محمد الصغير» وهي قرصنة ل « لو بوتي بوسي». سعيت بعد ذلك إلى أن أكون في مستوى الكتاب الذين هدهدوني، وحاولت أن أشبههم، وأنا اليوم تركيب كل ما قرأته. وبما أنني كنت في ذلك العالم السجني أو في أعماق الصحراء، كان يكفيني أن أفتح كتابا لكي أتكلم مع العالم كله. وخلال تلك الأيام، أدركت أن بإمكان الكاتب أن يتحدث إلى العالم كله وأن بإمكانه أن يمنح الرفاهية لأي كان وفي أي مكان كان. يقال بأن أفضل صديق للإنسان هو الحصان، الكلب أو البندقية؛ أما أنا، فأرى أن أفضل صديق للإنسان هو الكتاب.
{ لدي فكرتين: أولا الاسم. قلت لنفسي، طيب ها هي امرأة تكتب، هذا رائع ! كنت أعرف أن النساء، على مر التاريخ، هن اللواتي كان عليهن إيجاد اسم مستعار مذكر للتمكن من النشر. لماذا كان على رجل أن يختار اسم امرأة كاسم مستعار؟
انطلقت في الكتابة باسمي الحقيقي. نشرت في الجزائر وفرنسا ستة كتب وبدأت أحقق صيتا، لكن الجيش لم يرغب في أن يظهر اسمي في الصحافة. كنت نموذجا سيئا للجنود. سنة 1988 حصلت على جائزة صغيرة في فرنسا: كانت القطرة التي أفاضت الكأس. فرضوا علي إذن لجنة للرقابة: كانت اللجنة تتشكل من جنود معظمهم لم يقرأ ولو كتابا واحدا طيلة حياته. كان الأمر قاسيا بالنسبة لي: لم يكن بإمكاني قبول ذلك. توقفت إذن عن الكتابة. كنت آنذاك بتمنراصت، في أعماق الصحراء الجزائرية؛ كنت متزوجا ولم يكن لي أبناء بعد.
لم تكن بتمنراصت أوبيرا، ولا سينما ولا ملعب: لم يكن بها أي شيء. سألتني زوجتي: « لماذا لا تختار اسما مستعارا إذا كنت تفكر في مواصلة الكتابة فعلا؟ «. ليس للاسم المستعار في الجزائر أية أهمية، لأن بإمكان الجيش استدعاء الناشر والاطلاع على العقد لمعرفة مُوقعه. عندها قالت لي زوجتي: « سأوقع العقود بدلك».
« لقد منحتني اسمك مدى الحياة؛ وأنا أمنحك اسمي لأجل النجاح». زوجتي سيدة براغماتية، لا تعرف شيئا في الشعر، بل لا تحب أن ننظم فيها شعرا. الدليل على ذلك أنني أخصص لها كل القصائد التي أكتبها. إني أغنيها، أقرظها، أدللها ؛ وهي بصدد إعداد العشاء في مطبخها، أدخل بحزمة أوراقي. أشرع في إنشاد شعري لها. تستمع إلي للحظات ثم تقول: «متى سنلتحق بالمائدة؟»
حين كنت صغيرا، كنت أعتقد أنني ملعون. لم أكن أفهم لماذا أعيش بين يتامى ولي قبيلة تحيط بي. لم أكن أفهم لماذا ينبغي أن أكون جنديا وقد وُلدت لأجل الكتابة. لم أكن محظوظا مع الفتيات: غالبا ما كنت ضحية خياناتهن. لذلك كنت أعتقد أنني ملعون.
خلال الحرب الإرهابية التي شهدتها الجزائر، كنت جنديا، ضابطا؛ انخرطت في تلك الحرب مدة ثمان سنوات. كانت زوجتي تراني أخرج كل صباح، ولم تكن متأكدة من عودتي ليلا. الطائرة المروحية الوحيدة التي كان مسموحا لها بالتحليق في سماء وهران، هي مروحيتي. كان بالإمكان أن يأخذوني وأنا أتناول الغذاء بين أبنائي، لأجد نفسي في ساحة بها أموات، أناس قتلوا. كلما كانت زوجتي تراني وأنا أخرج، تكون متأكدة أنها تراني للمرة الأخيرة، إلا أنها لم تستسلم أبدا.
عشت فترات صعبة حين حللت بفرنسا كذلك، لأنني كنت معروفا في العالم قبل وصولي إليها؛ وصلت فاكتشف الناس رجلا خلف اسم مستعار مؤنث، والأنكى أن الرجل كان جنديا.
يعتقد بعض المثقفين أنه يتعذر على جندي أن يكون كاتبا، لذلك اعتبروني أيا كان. كنت بالنسبة لهم جاسوسا، رجلا يخدم النظام الجزائري. اعتبروني مقرصنا لم يكن هو مؤلف كتبي، وكادوا يقنعونني بذلك في وقت من الأوقات. لقد عشت البشاعة المصفاة والنذالة الأكثر فعالية: لم أتعرف على نفسي في هذا العالم. أنا قروي ولد في الصحراء، ونحن نرى أن على الإنسان أن يجسد استقامته. إذا لم تكن له شجاعة قناعاته، فهو لا يستحق أي شيء، لا يستحق الاحترام.
قررت مغادرة فرنسا والعودة إلى الجزائر. كانت زوجتي موافقة على ذلك؛ قررت ذلك لأجلها هي: لم أكن أسمح لنفسي برؤيتها حزينة بسببي. سجلت الأطفال إذن في المدرسة الجزائرية: سافرت إلى باريس لتوديع ناشري الذين دعموني كثيرا، لكن الأمر لم يكن يرجع لهم. كنت عند ناشري ? في انتظار ساعة التوجه إلى محطة القطار -، تناولت حزمة أوراق وشرعت في الكتابة، وواصلت وأنا في الطريق من مكتب الناشر إلى محطة القطار. واصلت الكتابة في البيت. بعد مرور شهرين، كنت أنهيت « الاغتيال «. حدث ذلك كما لو أن الأدب لم يسمح لي بالعودة، أدركت أن الكاتب ينبغي أن يكون جنديا جيدا وأن لا يفر من ساحة المعركة. بقيت حيث كنت وأقنعت كل أعدائي. وأنا محظوظ اليوم لأن أعمالي تترجم في العالم بإسره: إضافة إلى عيني زوجتي، أنهل قوتي من عيون قرائي.
اكتشفت أمرا أساسيا: ليست وسائل الإعلام، ليست الأوساط الثقافية، هي التي تصنع الكاتب؛ إن القارئ هو الذي يصنعه، ونحن من دون القراء حروف ميتة. إذا كنت قد تجاوزت العوائق السابقة، فلأن ورائي آلاف القراء وهم الذين أوصلوني إلى فيرون.
{ إنك محظوظ ! شدني عنوان « المعادلة الإفريقية «؛ دفعني إلى أن أفكر طويلا. يمكن القول بأن الكلمتين متناقضتين: معادلة / إفريقية. تدفعني المعادلة إلى التفكير في عالم الرياضيات... هل يمكن أن توضح لنا كيف اخترت هذا العنوان؟
الأمر بسيط للغاية: وسنبقى في عالم الرياضيات والمعادلة: المعادلة هي البحث عن مجهول، وإفريقيا مجهول كبير بالنسبة للعالم كله. وقد حاولت أن أُجعلها معروفة أكثر. ما الذي نعرفه عن إفريقيا، إذا ما استثنينا الوصلات الإشهارية، الفلاشات التلفزية، الصومال بأمواج منفييه، بحروبه، بأوبأته، بأمراضه، بمجاعته؟ ذلك كل ما نراه من إفريقيا.
لقد أبعدت قليلا هذه الواجهة المرعبة. ساءلت إفريقيا حول ما لديها من أمور أساسية لأنني كنت بتلك البلدان. أعرف النيجر، مالي، التشاد، موريتانيا، وقد التقيت في هذه البلدان، حيث البؤس شرط يومي، أناسا رائعين. إنهم فقراء إلا أن سخاءهم استثنائي: أناس ودودون، متواضعون، عفويون. بإمكانك أن تزور أية قرية إفريقية، وسيتقبلونك كما لو كنت المسيح: لن يكون مطلوبا منك أن تطرق الباب، سيفتح في وجهك من تلقاء نفسه. سيتقاسمون معك الطعام القليل المتوفر لديهم: يتقاسمون معك ثمرهم وأرائكهم لتشعر أنك بين أهلك، وهذه هي الإنسانية بالنسبة لي - لا علاقة للإنسانية بالتيكنولوجيا، بما يشبه الحداثة أو العولمة. أرى أن الإنسانية تعيد للكائن البشري كامل حيائه، كامل قواه باحترامه للإنسان. أؤكد لكم أنني التقيت راع بمالي أعطاني درسا قويا في القول المأثور وفي الفصاحة. كان الراعي مع عنزاته، تائها في الصحراء وقد أرعبه حضوري لأنني كنت أشوش على عالمه، أخذنا نتكلم وكنت أغار من سلاسة لغته ووضوح أفكاره. لكن، للأسف، فالمثل العليا، هي التي تحكم حيواتنا اليوم. لقد سبق لي أن عشت أمرا طريفا: كنت في طائرة تقلني إلى النرويج. كانت ناشرة أعمالي مصرة على حضوري، لأن وسائل الإعلام كانت تطلب مقابلتي. كنت في الطائرة، فقدموا لنا أهم جريدة في النرويج. لم يكن لدي ما أقرأه، شرعت في تصفحها فوصلت صفحة مزدوجة بها صورة لي: أسعدني ذلك فالتفت إلى جاري في المقعد، وكان يقرأ الجريدة نفسها، كنت أعتقد أنه سيكون سعيدا هو الآخر حين يكتشفني. أخذ الوقت الكافي للقراءة: إنه يرى وجها لا يقول له شيئا ثم يقلب الصفحة دون أن يكون له ما يقوله. إنني بصدد مقاومة هذه الاختزالات وإثبات أن الموهبة إنسانية. الموهبة ليست ملكا لا لأوروبا ولا لإفريقيا ولا لآسيا: الموهبة ملك للإنسانية. ذلك صعب، إلا أنني أطمح إلى تحقيقه يوما ما.
{ لكل واحدة من شخصياتك حكايتها الخاصة بها؛ وتدخل كلها ضمن حكاية أكبر. هناك لقاءات وصراعات وهناك ثنائيات هي أيضا جزء من الحياة: الصديق / العدو، الخير / الشر، الثري / الفقير... المتحضر / المتوحش...
وتلزمني طريقة التجاوز هاته بإعادة صياغة سؤالي. كنت أود أن أطلب منك أن تحدثنا عن هذه الشخصيات. كلمة موجزة لمساعدتك على التعمق: تتوقف كل واحدة منها على الأخرى؛ لا توجد حقيقة. والبطل هو كورت الذي يبدو أنه يجسد مساوئ الإنسان عموما والغرب على نحو ما. مع ذلك، وكما قالت خضرا: يتمكن من إتمام مسار، بحثا عن ذاته. لكن ليس كورت وحده، هناك أيضا هانز وبرينو، الفرنسي،، باسم شخصي إيطالي. هناك إفريقيا؛ هناك أوربا إلا أنهما بعيدتين الواحدة عن الأخرى. هناك شخصان آخران، بوجه خاص، أحببتهما وكرهتهما في الوقت نفسه: جوما وبلاكمون...؟ ثم كاولو... اسمه كاولو، لكنه يريد اسما مستعارا وسيختار شيئا خاصا أخفيه عليك وسيدهشك كثيرا.
{ هل يمكنك أن تحدثنا عن هذه الشخصيات؟
بدء، الرواية هي رواية سوء التفاهم. فالحقد ينجم بوجه خاص عن عدم المعرفة، وأنا أفضل الجهل عن عدم المعرفة. حين نجهل، فنحن لا نعرف،أما حين ننكر، فنحن نعتقد أنا نعرف. وفي هذا الكتاب الذي ألفته، هناك قول إفريقي مأثور: من لا يعرف أنه لا يعرف كارثة، ولا أحد في النهاية لا يعرف أنه لا يعرف لأن لجوبا أيضا نمط مثالي تجاه الغربيين: إنهم يكرهونه لأنه لا يستطيع فهمهم. وككورت لا يحب الأفارقة لأنه لا يعرف عنهم أي شيء، فأول لقاء له بالأفارقة كان لقاء عنيفا: كان هو نفسه ضحية عنف بشع. فقدَ زوجته وكان يعتقد، وهو يذهب إلى إفريقيا، أنه يمنح نفسه سفرا مشفيا. كاولو هو الآخر لا يفهم. لكن القضية ليست كونه لا يعرف الغرب أو إفريقيا: إنه يحمل المشكلة فيه: لا يعرف من هو. وحول هؤلاء الناس أناس يعرفون من هم، إلا أنهم لا يدركون الشر الذي يصدر عنهم. نحن في القرن الإفريقي حيث تحولت الحياة إلى مغامرة تقريبا. تحولت الحياة إلى رحلة في عالم خطير، حيث لم يعد هناك معنى لحذلقة الحياة ، حيث نحاول البقاء بكل الوسائل ونصبح بشعين لأننا لا نتوفر على حجة دامغة. لقد حاولت إذن تجميع كل هذا في كتاب لكي أوضح عجزالناس على بلوغ النضج. لقد حاولت لكني لا أعرف إذا كنت أفلحت أم لا. على راديو « فاهرنت « كنا نسمع الصيغة التالية في معظم الاوقات « ليست الثروة ما نملكه، بل ما نمنحه للآخرينن «. مهما بلغت ثروتنا، وإذا عجزنا عن التقاسم، فذلك يعني أننا فقراء. لقد حاولت دائما أن أتقاسم لكي أكون ثريا، وإذا كنت اليوم أشعر بأنني ثري، فذلك راجع بكل ببساطة إلى كون آخرين تقاسموا معي. أرى أن الإنسان يظل، بعد مرور آلاف السنين، .ساكن كهوف حديث. لقد حققنا تطورا استثنائيا في العلم، بلغنا الاتقان التيكنولوجي، نقاوم السرطان والملاريا أيضا، ومع ذلك فنحن نصنع، بشكل مواز، طائرات بإمكانها تدمير أمة خلال جزء من الثانية.
آه، أن نفهم الإنسان ! بينما الحياة مجرد نفثة. ما أقوله لأبنائي، لأصدقائي: لا تمثل الحياة شيئا على الإطلاق. وعلينا نحن أن نصنع منها شيئا ذا قيمة. أعتقد أن أحسن الناس، أولئك الذين يتجهون نحو الآخرين بأفكار سعيدة. حاولنا، لفترة طويلة، أن يسيطر بعضنا عن البعض الآخر. إلى ماذا أفضى بنا كل ذلك؟ وهذه الحروب كلها، بماذا أفادتنا؟ يقال بأننا خرجنا من كابوس كي لا نعيشه ثانية. لكن بمجرد أن يحل السلام، نشرع في الإعداد للحرب. إننا كما لو كان كل جيل منا يطالب بنصيبه من المآسي. شخصيا، لا أستطيع فهم ذلك. ما يجعلني أدير له ظهري وأحاول أن تكون لي فائدة ما، لأن الميول الأول للإنسان، بحكم تعريف الطبيعة وقانونها، هو أن تكون له فائدة ما. إننا نتحدث عن سمو الأعراق، في حين أنه لا يوجد سوى عرق واحد، في حين أن العالم لم تحكمه سوى علاقات القوة. أتطلع إلى أن تحكمه، في يوم من الأيام، علاقات التفوق. إلا أن ذلك لن يحدث بين عشية وضحاها: علينا أن نواصل الأمل. هل أجبت على سؤالك؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.