"ما قدهم الفيل زيدهوم الفيلة".. هارون الرشيد والسلطان الحسن الأول    ‬برادة يدافع عن نتائج "مدارس الريادة"    الدورة ال 44 لمجلس وزراء الشؤون الاجتماعية العرب بالمنامة ...المغرب يشارك في فعاليات حدث رفيع المستوى حول الأسر المنتجة وريادة الأعمال    مجلس النواب يصادق على مشروع قانون الإضراب    المخرج شعيب مسعودي يؤطر ورشة إعداد الممثل بالناظور    أكرم الروماني مدرب مؤقت ل"الماص"    الجيش الملكي يعتمد ملعب مكناس لاستضافة مباريات دوري الأبطال    تبون يهدد الجزائريين بالقمع.. سياسة التصعيد في مواجهة الغضب الشعبي    حصيلة الأمن الوطني لسنة 2024.. تفكيك 947 عصابة إجرامية واعتقال 1561 شخصاً في جرائم مختلفة    بركة: أغلب مدن المملكة ستستفيد من المونديال... والطريق السيار القاري الرباط-البيضاء سيفتتح في 2029    وزير العدل يقدم الخطوط العريضة لما تحقق في موضوع مراجعة قانون الأسرة    الحصيلة السنوية للمديرية العامة للأمن الوطني: أرقام حول المباريات الوظيفية للالتحاق بسلك الشرطة        الاعلان عن الدورة الثانية لمهرجان AZEMM'ART للفنون التشكيلية والموسيقى    أحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية .. رأي المجلس العلمي جاء مطابقا لأغلب المسائل 17 المحالة على النظر الشرعي        البيضاء: توقيف أربعيني متورط في ترويج المخدرات    هولندا: إدانة خمسة أشخاص في قضية ضرب مشجعين إسرائيليين في امستردام    آخرها احتياطيات تقدر بمليار طن في عرض البحر قبالة سواحل أكادير .. كثافة التنقيب عن الغاز والنفط بالمغرب مازالت «ضعيفة» والاكتشافات «محدودة نسبيا» لكنها مشجعة    الصناعة التقليدية تجسد بمختلف تعبيراتها تعددية المملكة (أزولاي)    المغرب يستورد 900 ألف طن من القمح الروسي في ظل تراجع صادرات فرنسا    جمهور الرجاء ممنوع من التنقل لبركان    وزارة الدفاع تدمج الفصائل السورية    مراجعة مدونة الأسرة.. المجلس العلمي الأعلى يتحفظ على 3 مقترحات لهذا السبب    الدورة العاشرة لمهرجان "بويا" النسائي الدولي للموسيقى في الحسيمة    العلوم الاجتماعية والفن المعاصر في ندوة بمعهد الفنون الجميلة بتطوان    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    اليوم في برنامج "مدارات" بالإذاعة الوطنية : البحاثة محمد الفاسي : مؤرخ الأدب والفنون ومحقق التراث    تفاصيل الاجتماع الأول لفدرالية الصحافة الرياضية بالمغرب    يوسف النصيري يرفض عرض النصر السعودي    الشبكة الدفاع عن الحق في الصحة تدعو إلى التصدي للإعلانات المضللة        توقيع اتفاقية بين المجلس الأعلى للتربية والتكوين ووزارة الانتقال الرقمي    "أفريقيا" تطلق منصة لحملة المشاريع    إلغاء التعصيب ونسب الولد خارج الزواج.. التوفيق يكشف عن بدائل العلماء في مسائل تخالف الشرع ضمن تعديلات مدونة الأسرة    أول دواء مستخلص من «الكيف» سيسوق في النصف الأول من 2025    مجلس الحكومة يتدارس أربعة مشاريع مراسيم    الملك يشيد بالعلاقات الأخوية مع ليبيا    ما أسباب ارتفاع معدل ضربات القلب في فترات الراحة؟    الإصابة بالسرطان في أنسجة الكلى .. الأسباب والأعراض    نظرية جديدة تفسر آلية تخزين الذكريات في أدمغة البشر    العصبة تكشف عن مواعيد مباريات الجولة ال17 من البطولة الاحترافية    "فيفبرو" يعارض تعديلات "فيفا" المؤقتة في لوائح الانتقالات    الإعلان عن تشكيلة الحكومة الفرنسية الجديدة        عودة نحو 25 ألف سوري إلى بلدهم منذ سقوط نظام الأسد    مستشار الأمن القومي بجمهورية العراق يجدد موقف بلاده الداعم للوحدة الترابية للمغرب        "بيت الشعر" يقدم "أنطولوجيا الزجل"    المغرب يشارك في أشغال الدورة الأولى لمجلس وزراء الأمن السيبراني العرب بالرياض    اختطاف المخيم وشعارات المقاومة    تقديم «أنطولوجيا الزجل المغربي المعاصر» بالرباط    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ياسمينة خضرا: حين التقيت زوجتي فهمت أنني أكثر الرجال حظا

بمناسبة مهرجان الرواية الذي استقبلت خلاله ستة عشر مدينة، من بينها فيرون، ثمانية عشرة كاتبا، ما بين 25 فبراير و 9 مارس 2013، التقت كل من السيدتين كوسي سالي وجولييت فيردناد (راديو فرنسا الدولي)، الكاتب محمد مولسهول، الذي عُرف باسم زوجته ياسمينة خضرا، وأجريتا معه الحوار التالي:
{ أود أن أعرف تأثير ثقافتك الجزائرية المرتبطة جدا بفرنسا. ما هو تاُثيربلد نشأتك، أصلك في اختيار رواياتك للتيمة التي تطرح، بوجه الخصوص، المواجهة بين الشرق والغرب؟
وُلدت في الجزائر، في الصحراء الجزائرية. اسمي محمد مولسهول. وُلد هذا الاسم سنة 1942. وهو اسم أول شيوخ الصحراء، وأنا سليل شجرة الأسياد التي اختارت دائما من بين شيوخها الحكماء، الشعراء والعلماء. على مدى ستة قرون، لم تعرف الصحراء أية حرب: كنا نمثل سويسرا إفريقيا، ثم حل الفرنسيون ببلادنا من غير بطاقة دعوة. لقد شوشوا علينا. سنة 1830، احتلوا الجزائر العاصمة، ثم انطلقوا في غزو البلاد كلها. إلا أن مقاومة قبيلتي تصدت لهم. لقد قتلناهم فعلا. كان جدي آخر شيوخ الصحراء. لقد فصلوه، عزلوه عن الحكم؛ عاش بعدها البؤس الأكثر قسوة. لذلك، فإن الغرب قد أربك معاييري إلى حد ما. لم نتمكن منذ ذلك الوقت من استرجاع وجهتنا الصحيحة. التحق والدي بجيش التحرير الوطني سنة 1956 وأصبح ضابطا في جيش الأدغال. استرجعت الجزائر استقلالها سنة 1962، وسنة 1964 منحت والدي هدية، حاضرا: كنتُ الهدية.
في التاسعة من عمري ألحقوني بمدرسة عسكرية. قضيت حياتي كلها في ذلك العالم. و بموازاة تكويني العسكري، لم أفتقد أبدا ميولاتي ككاتب: ولدتُ لأجل الكتابة، إلا أني كنت طفلا خضوعا ككل الجزائريين، لنا تقدير ديني لآبائنا. اختار لي أبي مهنة عسكرية، ولم يكن من حقي أن أقول له لا. كبرت داخل ثكنة على البحر الأبيض المتوسط؛ كانت قلعة رهيبة، مرعبة. كانت الأشباح تزورنا ? يبدو ? ليلا، كانت الأروقة تطلق صفيرا طوال الليل، وكانت الأبواب تصفق؛ كنا نسمع بكاء داخل المراحيض: كنا نسمع أطفالا يبكون. كبرت، إذن، في هذا العالم المرعب، وكانت وسيلتي الوحيدة للإفلات هي القراءة. كل كتاب أفتحه كان، بالنسبة لي، فتحة أشقها في جدارالقلعة وأخرج لاكتشاف حب المناظر الاحتفالية، سافرت إلى روسيا وإلى أعماق البرازيل. سافرت كذلك إلى إيطاليا واكتشفت، في النهاية، أن العالم رائع وأن الناس لم يكونوا كلهم يرتدون الزي العسكري. كان هناك شعراء ، مبدعو ألعاب سحرية ومخرجو أفلام جميلة. سعيت، إذن، إلى اكتساح العالم الذي سُلب مني، وشرعت أنا أيضا في الكتابة. في الحادية عشرة من عمري، كتبت « محمد الصغير» وهي قرصنة ل « لو بوتي بوسي». سعيت بعد ذلك إلى أن أكون في مستوى الكتاب الذين هدهدوني، وحاولت أن أشبههم، وأنا اليوم تركيب كل ما قرأته. وبما أنني كنت في ذلك العالم السجني أو في أعماق الصحراء، كان يكفيني أن أفتح كتابا لكي أتكلم مع العالم كله. وخلال تلك الأيام، أدركت أن بإمكان الكاتب أن يتحدث إلى العالم كله وأن بإمكانه أن يمنح الرفاهية لأي كان وفي أي مكان كان. يقال بأن أفضل صديق للإنسان هو الحصان، الكلب أو البندقية؛ أما أنا، فأرى أن أفضل صديق للإنسان هو الكتاب.
{ لدي فكرتين: أولا الاسم. قلت لنفسي، طيب ها هي امرأة تكتب، هذا رائع ! كنت أعرف أن النساء، على مر التاريخ، هن اللواتي كان عليهن إيجاد اسم مستعار مذكر للتمكن من النشر. لماذا كان على رجل أن يختار اسم امرأة كاسم مستعار؟
انطلقت في الكتابة باسمي الحقيقي. نشرت في الجزائر وفرنسا ستة كتب وبدأت أحقق صيتا، لكن الجيش لم يرغب في أن يظهر اسمي في الصحافة. كنت نموذجا سيئا للجنود. سنة 1988 حصلت على جائزة صغيرة في فرنسا: كانت القطرة التي أفاضت الكأس. فرضوا علي إذن لجنة للرقابة: كانت اللجنة تتشكل من جنود معظمهم لم يقرأ ولو كتابا واحدا طيلة حياته. كان الأمر قاسيا بالنسبة لي: لم يكن بإمكاني قبول ذلك. توقفت إذن عن الكتابة. كنت آنذاك بتمنراصت، في أعماق الصحراء الجزائرية؛ كنت متزوجا ولم يكن لي أبناء بعد.
لم تكن بتمنراصت أوبيرا، ولا سينما ولا ملعب: لم يكن بها أي شيء. سألتني زوجتي: « لماذا لا تختار اسما مستعارا إذا كنت تفكر في مواصلة الكتابة فعلا؟ «. ليس للاسم المستعار في الجزائر أية أهمية، لأن بإمكان الجيش استدعاء الناشر والاطلاع على العقد لمعرفة مُوقعه. عندها قالت لي زوجتي: « سأوقع العقود بدلك».
« لقد منحتني اسمك مدى الحياة؛ وأنا أمنحك اسمي لأجل النجاح». زوجتي سيدة براغماتية، لا تعرف شيئا في الشعر، بل لا تحب أن ننظم فيها شعرا. الدليل على ذلك أنني أخصص لها كل القصائد التي أكتبها. إني أغنيها، أقرظها، أدللها ؛ وهي بصدد إعداد العشاء في مطبخها، أدخل بحزمة أوراقي. أشرع في إنشاد شعري لها. تستمع إلي للحظات ثم تقول: «متى سنلتحق بالمائدة؟»
حين كنت صغيرا، كنت أعتقد أنني ملعون. لم أكن أفهم لماذا أعيش بين يتامى ولي قبيلة تحيط بي. لم أكن أفهم لماذا ينبغي أن أكون جنديا وقد وُلدت لأجل الكتابة. لم أكن محظوظا مع الفتيات: غالبا ما كنت ضحية خياناتهن. لذلك كنت أعتقد أنني ملعون.
خلال الحرب الإرهابية التي شهدتها الجزائر، كنت جنديا، ضابطا؛ انخرطت في تلك الحرب مدة ثمان سنوات. كانت زوجتي تراني أخرج كل صباح، ولم تكن متأكدة من عودتي ليلا. الطائرة المروحية الوحيدة التي كان مسموحا لها بالتحليق في سماء وهران، هي مروحيتي. كان بالإمكان أن يأخذوني وأنا أتناول الغذاء بين أبنائي، لأجد نفسي في ساحة بها أموات، أناس قتلوا. كلما كانت زوجتي تراني وأنا أخرج، تكون متأكدة أنها تراني للمرة الأخيرة، إلا أنها لم تستسلم أبدا.
عشت فترات صعبة حين حللت بفرنسا كذلك، لأنني كنت معروفا في العالم قبل وصولي إليها؛ وصلت فاكتشف الناس رجلا خلف اسم مستعار مؤنث، والأنكى أن الرجل كان جنديا.
يعتقد بعض المثقفين أنه يتعذر على جندي أن يكون كاتبا، لذلك اعتبروني أيا كان. كنت بالنسبة لهم جاسوسا، رجلا يخدم النظام الجزائري. اعتبروني مقرصنا لم يكن هو مؤلف كتبي، وكادوا يقنعونني بذلك في وقت من الأوقات. لقد عشت البشاعة المصفاة والنذالة الأكثر فعالية: لم أتعرف على نفسي في هذا العالم. أنا قروي ولد في الصحراء، ونحن نرى أن على الإنسان أن يجسد استقامته. إذا لم تكن له شجاعة قناعاته، فهو لا يستحق أي شيء، لا يستحق الاحترام.
قررت مغادرة فرنسا والعودة إلى الجزائر. كانت زوجتي موافقة على ذلك؛ قررت ذلك لأجلها هي: لم أكن أسمح لنفسي برؤيتها حزينة بسببي. سجلت الأطفال إذن في المدرسة الجزائرية: سافرت إلى باريس لتوديع ناشري الذين دعموني كثيرا، لكن الأمر لم يكن يرجع لهم. كنت عند ناشري ? في انتظار ساعة التوجه إلى محطة القطار -، تناولت حزمة أوراق وشرعت في الكتابة، وواصلت وأنا في الطريق من مكتب الناشر إلى محطة القطار. واصلت الكتابة في البيت. بعد مرور شهرين، كنت أنهيت « الاغتيال «. حدث ذلك كما لو أن الأدب لم يسمح لي بالعودة، أدركت أن الكاتب ينبغي أن يكون جنديا جيدا وأن لا يفر من ساحة المعركة. بقيت حيث كنت وأقنعت كل أعدائي. وأنا محظوظ اليوم لأن أعمالي تترجم في العالم بإسره: إضافة إلى عيني زوجتي، أنهل قوتي من عيون قرائي.
اكتشفت أمرا أساسيا: ليست وسائل الإعلام، ليست الأوساط الثقافية، هي التي تصنع الكاتب؛ إن القارئ هو الذي يصنعه، ونحن من دون القراء حروف ميتة. إذا كنت قد تجاوزت العوائق السابقة، فلأن ورائي آلاف القراء وهم الذين أوصلوني إلى فيرون.
{ إنك محظوظ ! شدني عنوان « المعادلة الإفريقية «؛ دفعني إلى أن أفكر طويلا. يمكن القول بأن الكلمتين متناقضتين: معادلة / إفريقية. تدفعني المعادلة إلى التفكير في عالم الرياضيات... هل يمكن أن توضح لنا كيف اخترت هذا العنوان؟
الأمر بسيط للغاية: وسنبقى في عالم الرياضيات والمعادلة: المعادلة هي البحث عن مجهول، وإفريقيا مجهول كبير بالنسبة للعالم كله. وقد حاولت أن أُجعلها معروفة أكثر. ما الذي نعرفه عن إفريقيا، إذا ما استثنينا الوصلات الإشهارية، الفلاشات التلفزية، الصومال بأمواج منفييه، بحروبه، بأوبأته، بأمراضه، بمجاعته؟ ذلك كل ما نراه من إفريقيا.
لقد أبعدت قليلا هذه الواجهة المرعبة. ساءلت إفريقيا حول ما لديها من أمور أساسية لأنني كنت بتلك البلدان. أعرف النيجر، مالي، التشاد، موريتانيا، وقد التقيت في هذه البلدان، حيث البؤس شرط يومي، أناسا رائعين. إنهم فقراء إلا أن سخاءهم استثنائي: أناس ودودون، متواضعون، عفويون. بإمكانك أن تزور أية قرية إفريقية، وسيتقبلونك كما لو كنت المسيح: لن يكون مطلوبا منك أن تطرق الباب، سيفتح في وجهك من تلقاء نفسه. سيتقاسمون معك الطعام القليل المتوفر لديهم: يتقاسمون معك ثمرهم وأرائكهم لتشعر أنك بين أهلك، وهذه هي الإنسانية بالنسبة لي - لا علاقة للإنسانية بالتيكنولوجيا، بما يشبه الحداثة أو العولمة. أرى أن الإنسانية تعيد للكائن البشري كامل حيائه، كامل قواه باحترامه للإنسان. أؤكد لكم أنني التقيت راع بمالي أعطاني درسا قويا في القول المأثور وفي الفصاحة. كان الراعي مع عنزاته، تائها في الصحراء وقد أرعبه حضوري لأنني كنت أشوش على عالمه، أخذنا نتكلم وكنت أغار من سلاسة لغته ووضوح أفكاره. لكن، للأسف، فالمثل العليا، هي التي تحكم حيواتنا اليوم. لقد سبق لي أن عشت أمرا طريفا: كنت في طائرة تقلني إلى النرويج. كانت ناشرة أعمالي مصرة على حضوري، لأن وسائل الإعلام كانت تطلب مقابلتي. كنت في الطائرة، فقدموا لنا أهم جريدة في النرويج. لم يكن لدي ما أقرأه، شرعت في تصفحها فوصلت صفحة مزدوجة بها صورة لي: أسعدني ذلك فالتفت إلى جاري في المقعد، وكان يقرأ الجريدة نفسها، كنت أعتقد أنه سيكون سعيدا هو الآخر حين يكتشفني. أخذ الوقت الكافي للقراءة: إنه يرى وجها لا يقول له شيئا ثم يقلب الصفحة دون أن يكون له ما يقوله. إنني بصدد مقاومة هذه الاختزالات وإثبات أن الموهبة إنسانية. الموهبة ليست ملكا لا لأوروبا ولا لإفريقيا ولا لآسيا: الموهبة ملك للإنسانية. ذلك صعب، إلا أنني أطمح إلى تحقيقه يوما ما.
{ لكل واحدة من شخصياتك حكايتها الخاصة بها؛ وتدخل كلها ضمن حكاية أكبر. هناك لقاءات وصراعات وهناك ثنائيات هي أيضا جزء من الحياة: الصديق / العدو، الخير / الشر، الثري / الفقير... المتحضر / المتوحش...
وتلزمني طريقة التجاوز هاته بإعادة صياغة سؤالي. كنت أود أن أطلب منك أن تحدثنا عن هذه الشخصيات. كلمة موجزة لمساعدتك على التعمق: تتوقف كل واحدة منها على الأخرى؛ لا توجد حقيقة. والبطل هو كورت الذي يبدو أنه يجسد مساوئ الإنسان عموما والغرب على نحو ما. مع ذلك، وكما قالت خضرا: يتمكن من إتمام مسار، بحثا عن ذاته. لكن ليس كورت وحده، هناك أيضا هانز وبرينو، الفرنسي،، باسم شخصي إيطالي. هناك إفريقيا؛ هناك أوربا إلا أنهما بعيدتين الواحدة عن الأخرى. هناك شخصان آخران، بوجه خاص، أحببتهما وكرهتهما في الوقت نفسه: جوما وبلاكمون...؟ ثم كاولو... اسمه كاولو، لكنه يريد اسما مستعارا وسيختار شيئا خاصا أخفيه عليك وسيدهشك كثيرا.
{ هل يمكنك أن تحدثنا عن هذه الشخصيات؟
بدء، الرواية هي رواية سوء التفاهم. فالحقد ينجم بوجه خاص عن عدم المعرفة، وأنا أفضل الجهل عن عدم المعرفة. حين نجهل، فنحن لا نعرف،أما حين ننكر، فنحن نعتقد أنا نعرف. وفي هذا الكتاب الذي ألفته، هناك قول إفريقي مأثور: من لا يعرف أنه لا يعرف كارثة، ولا أحد في النهاية لا يعرف أنه لا يعرف لأن لجوبا أيضا نمط مثالي تجاه الغربيين: إنهم يكرهونه لأنه لا يستطيع فهمهم. وككورت لا يحب الأفارقة لأنه لا يعرف عنهم أي شيء، فأول لقاء له بالأفارقة كان لقاء عنيفا: كان هو نفسه ضحية عنف بشع. فقدَ زوجته وكان يعتقد، وهو يذهب إلى إفريقيا، أنه يمنح نفسه سفرا مشفيا. كاولو هو الآخر لا يفهم. لكن القضية ليست كونه لا يعرف الغرب أو إفريقيا: إنه يحمل المشكلة فيه: لا يعرف من هو. وحول هؤلاء الناس أناس يعرفون من هم، إلا أنهم لا يدركون الشر الذي يصدر عنهم. نحن في القرن الإفريقي حيث تحولت الحياة إلى مغامرة تقريبا. تحولت الحياة إلى رحلة في عالم خطير، حيث لم يعد هناك معنى لحذلقة الحياة ، حيث نحاول البقاء بكل الوسائل ونصبح بشعين لأننا لا نتوفر على حجة دامغة. لقد حاولت إذن تجميع كل هذا في كتاب لكي أوضح عجزالناس على بلوغ النضج. لقد حاولت لكني لا أعرف إذا كنت أفلحت أم لا. على راديو « فاهرنت « كنا نسمع الصيغة التالية في معظم الاوقات « ليست الثروة ما نملكه، بل ما نمنحه للآخرينن «. مهما بلغت ثروتنا، وإذا عجزنا عن التقاسم، فذلك يعني أننا فقراء. لقد حاولت دائما أن أتقاسم لكي أكون ثريا، وإذا كنت اليوم أشعر بأنني ثري، فذلك راجع بكل ببساطة إلى كون آخرين تقاسموا معي. أرى أن الإنسان يظل، بعد مرور آلاف السنين، .ساكن كهوف حديث. لقد حققنا تطورا استثنائيا في العلم، بلغنا الاتقان التيكنولوجي، نقاوم السرطان والملاريا أيضا، ومع ذلك فنحن نصنع، بشكل مواز، طائرات بإمكانها تدمير أمة خلال جزء من الثانية.
آه، أن نفهم الإنسان ! بينما الحياة مجرد نفثة. ما أقوله لأبنائي، لأصدقائي: لا تمثل الحياة شيئا على الإطلاق. وعلينا نحن أن نصنع منها شيئا ذا قيمة. أعتقد أن أحسن الناس، أولئك الذين يتجهون نحو الآخرين بأفكار سعيدة. حاولنا، لفترة طويلة، أن يسيطر بعضنا عن البعض الآخر. إلى ماذا أفضى بنا كل ذلك؟ وهذه الحروب كلها، بماذا أفادتنا؟ يقال بأننا خرجنا من كابوس كي لا نعيشه ثانية. لكن بمجرد أن يحل السلام، نشرع في الإعداد للحرب. إننا كما لو كان كل جيل منا يطالب بنصيبه من المآسي. شخصيا، لا أستطيع فهم ذلك. ما يجعلني أدير له ظهري وأحاول أن تكون لي فائدة ما، لأن الميول الأول للإنسان، بحكم تعريف الطبيعة وقانونها، هو أن تكون له فائدة ما. إننا نتحدث عن سمو الأعراق، في حين أنه لا يوجد سوى عرق واحد، في حين أن العالم لم تحكمه سوى علاقات القوة. أتطلع إلى أن تحكمه، في يوم من الأيام، علاقات التفوق. إلا أن ذلك لن يحدث بين عشية وضحاها: علينا أن نواصل الأمل. هل أجبت على سؤالك؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.