شن رئيس الحكومة الاسبانية السابق « خوسي ماريا أثنار» في الجزء الثاني من كتاب مذكراته الصادر مؤخرا هجوما عنيفا على جاك شيراك واتهمه بتحريض المغرب على إسبانيا، أثناء فترة رئاسته. واتهم أثنار المغرب بالتحالف مع فرنسا ضد مصالح إسبانيا، وذلك مع وصول الملك محمد السادس إلى العرش، حيث اتخذ هذا الأخير، حسب رأيه، قرارات هددت مصالح إسبانيا ضمنها «حظر صيد الأسماك في مياه المغربية»، وهو قرار- يقول أثنار-استوحاه الملك من حليفه «جاك شيراك» الرئيس الفرنسي السابق، الذي شارك بدوره في «استراتيجية الضغط» على اسبانياعبر»سبتة ومليلية» بهدف تغيير موقف اسبانيا من «ملف الصحراء.» أثنار وشيراك والملك وكشف أثنار في مذكراته أن «شيراك اتهمه بأنه يعامل الملك الحسن الثاني معاملة أسوأ من معاملة الرئيس آرييل شارون (رئيس إسرائلي سابق) للفلسطينيين. ونقل أثنار أنه حدث في «قمة أوروبية» بإسبانية، أن خاطبه «شيراك» قائلا:» عليك البدء بإعادة كل شيء»، فأجاب «أثنار» نظيره الفرنسي بلهجة استنكارية: «ليس لدي ما أعيده لك». ويوجه «أثنار» أصابع الاتهام ل «شيراك» معتبرا إياه «راعيا ومساندا للمغرب»، إذ يعامله معاملة «أبوية»، حيث اعتبر الرئيس الفرنسي السابق «أن المغرب هو الأكثر تضررا بالنسبة لما حدث في جزيرة ليلى». واعتبر «أثنار» أن محمد السادس ارتكب «خطأ استراتيجيا من العيار الثقيل» ب»الدخول مع اسبانيا في صراع حول جزيرة ليلى»، وأن الدعم «الخاطئ» من الموقف الفرنسي، وكذا بعض القطاعات السياسية ووسائل الإعلام الإسبانية لم تجد نفعا. ويؤكد أثنار أن جزيرة ليلى كانت اختبارا حقيقيا جربته الرباط وباريس ضد مدريد، مضيفا أن الأمر يتعلق بأنه إذا كان قد نجح رهان المغرب في جزيرة ليلى وقتها كان سينتقل الى المطالبة بسبتة ومليلية ويفرض واقعا جديدا. ويلمح أثنار أنه كان مستعدا للذهاب الى الحرب ضد المغرب من أجل هذه الجزيرة الصغيرة حتى لا يتطور الأمر الى المس بمدينتي سبتة ومليلية. كما اتهم رئيس الحكومة السابق شيراك بأنه وراء استراتيجية دفع المغرب توظيف سبتة ومليلية للضغط على اسبانيا لتغير موقفها من الصحراء. ويعالج أثنار في كتابه قضية الصحراء الغربية وكيف أنها تحولت الى تيرموميتر لمعرفة العلاقات في غرب البحر الأبيض المتوسط لأنها تهم كل من اسبانياوفرنسا والجزائر واسبانيا. تفاصيل أزمة ليلى وتعود أزمة جزيرة ليلى إلى يوليوز من عام 2002 حيث قام المغرب بإرسال 12 جندياً إلى جزيرة «ليلى» التي تقع على مقربة من الساحل المغربي في مضيق جبل طارق . وقام هؤلاء الجنود برفع العلم المغربي على هذه الجزيرة الخالية من السكان ولا يقطنها سوى بعض الخراف وهي قاحلة باستثناء بعض أعشاب البقدونس البري الذي ينمو فيها، ولذلك تطلق عليها إسبانيا التي تدعي ملكيتها اسم «جزيرة البقدونس». وكانت هذه الجزيرة محل نزاع طويل الأمد بين إسبانيا والمغرب حول سيادتها، وقامت الحكومة الإسبانية برد فعل عسكري حاسم وشديد، حيث أرسلت بعد أسبوعين ،75 جندياً عن طريق الجو إليها، حيث قاموا بنزع العلم المغربي الذي كان قد تم رفعه، ووضعوا بدلاً منه علمين إسبانيين وطردوا أيضا الجنود المغاربة من الجزيرة وأرغموهم على العودة. وأعلنت الحكومة المغربية ان هذا التصرف ليس سوى عمل حربي ينبغي شجبه عالمياً، وتم تنظيم تظاهرات كبيرة في المغرب وكان الشبان يهتفون خلالها بشعارات مثل «أرواحنا وأجسادنا فداء لك ياجزيرة ليلى» ولكن إسبانيا واصلت عمليات تحليق طائراتها العمودية فوق الجزيرة وكذلك تعمدت مرابطة بوارجها الحربية بالقرب من الشواطئ المغربية كوسيلة للضغط على المغرب. غير أن التدخل الأمريكي هو الذي أدى إلى نزع الفتيل المتفجر في هذه الجزيرة واحتمالات حدوث مواجهة لا يحمد عقباها . وكان الرجل الأمريكي الذي قام بهذا الدور هو كولين باول وزير الخارجية الأمريكي آنذاك . ولم تتدخل كما هو مفترض الأمم المتحدة أو الاتحاد الأوروبي أو أي دولة أوروبية صديقة للطرفين مثل فرنسا. وقد روى باول تفاصيل المهمة العسيرة التي اضطلع بها: «لقد واصلت التفكير ملياً بيني وبين نفسي ما الذي ينبغي علي القيام به بالنسبة لهذه الأزمة التي ليس لأمريكا أي علاقة بها لا من قريب ولا من بعيد، ولماذا أصبحت الولاياتالمتحدةالأمريكية متورطة في هذه الأزمة على هذا النحو؟» . وعندما اقتنع باول بأنه ليس هناك من بديل لتدخله الشخصي في العمل على حل الأزمة فإن أي أطراف أخرى لم تكن مستعدة للتدخل الحاسم وإلقاء ثقلها من أجل ممارسة ضغوط على الجانبين المتنازعين . وبدأ وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جولة من الدبلوماسية عن طريق الهاتف فقد قام بأكثر من عشرة اتصالات هاتفية بملك المغرب محمد السادس وكذلك وزير الخارجية المغربي آنذاك في وقت متأخر من مساء يوم الجمعة وصباح يوم السبت التالي . ويقول باول: «لقد أدركت الحاجة الى اتخاذ قرار من أجل التوصل الى حل وسط على وجه السرعة لأنه اذا لم يتم ذلك فإن كبرياء البلدين قد يسيطر على مواقفهما ويؤدي إلى تعذر حل المعضلة وتشدد المواقف على نحو يجعل المسؤولين فيهما يلجؤون إلى العناد. وقد تعين على باول أن يعدمسودة اتفاقية عاجلة، وأن يحصل على موافقة الجانبين الإسباني والمغربي عليها. ولذلك فإنه بعث بالمسودة عن طريق جهاز الفاكس إلى المسؤولين المعنيين في البلدين، ووافق الجانبان وفقاً لهذه الاتفاقية على الانسحاب من هذه الجزيرة المهجورة وأن يدخلا بعد ذلك في محادثات في الرباط حول مستقبل وضعها. وهذه المعطيات لم يشر إليها أثنار لا من قريب ولا من بعيد، ليظهر في صورة البطل القومي. وأشار أثنار إلى زيارته للمغرب في عام 2001، كزعيم للمعارضة عند ما كانت العلاقات الثنائية الاسبانية المغربية يشوبها جو من التوتر واللا استقرار آنذاك. وبعد انتهاء أزمة «جزيرة ليلى»، انتقل «أثنار» لشرح الخطوات المتبعة، وقراره القوي بطرد رجال الدرك الملكي الذين احتلوا جزيرة ليلى»، مشيرا في ذات السياق أن رئيس أركان الدفاع الاسبانية، الأميرال أنطونيو مورينو»، أظهر رفضه لثلاثة مرات استخدام التدخل العسكري، مؤكدا أن قراره، أي أثنار، كان قرار صائبا وحكيما وفيه أمان للطرفين. وفي ذات السياق، كشف أثنار مضامين محادثة دارت فصولها، بينه وبين الحسن الثاني، فصل تحت عنوان «الالتزام بالقوة»، أنه قال للملك الحسن الثاني في عام 1998، أنه «إذا قرر المغرب «شن الحرب» على إسبانيا ومطالبته بالسليبتين سبتة ومليلية، فستكون حربا خاسرة». المغرب سيخرج خاسرا من الحرب وروى «أثنار» أنه في وقت من الأوقات، أتت على لسان الملك الحسن الثاني كلمة «حرب»، «كان يريد إخباري بأن بلاده المغرب لن تشن الحرب على اسبانيا من أجل مسألة السليبتين سبتة ومليلية»، آنذاك بدا تعليقه خارجا عن سياق الموضوع، ولم ألبث أن عقبت حول ما قال الملك: «موقفك هذا يثير إعجابي، لكن كن على يقين من أمرك، بأنه إن شن المغرب الحرب على اسبانيا، فحربه ضدها ستكون حربا خاسرة». وقد تمت المحادثة السالفة الذكر، أثناء زيارة «أثنار» الرسمية الثانية للمغرب في شهر أبريل 1998، حيث «استقبله الملك الراحل الحسن الثاني، وكان ذلك قبل وفاته بثلاثة أشهر. ووصف أثنار مرة أخرى محادثاته مع الملك محمد السادس حول قضية المطالبة بمدينتي سبتة ومليلية بكونها كانت «أكثر تعقيداً». وتجدر الإشارة إلى أن أول زيارة رسمية ل «أثنار» خارج اسبانيا بعد توليه منصب رئيس للبلاد، كانت في عام 1996، حيث استقبله ملك المغرب الحالي الذي كان وليا للعهد آنذاك، وقد دارت بينهما محادثة في «مونكلو»، «لم تكن «يسيرة وسهلة» كما وصفها هذا الأخير، إذ «طلب» منه ولي العهد المغربي «تغيير موقفه إزاء قضية الصحراء المغربية»، وكذا حثه على ضرورة «المطالبة باسترداد المدينتين السليبتين سبتة ومليلية». وقال أثنار إنه يرفض هذا النهج، مشيرا إلى أن المغرب لم يحسن تقدير نوايا وأهداف الحكومة الاسبانية الجديدة آنداك، مضيفا أن الخطأ الوحيد للمغرب أنه لم يضع اسبانيا في الحسبان.