تعتري المشهد السياسي والمؤسساتي في شمال أفريقيا جملة من التشعبات والتناقضات والتشابكات ،تجعل معها مهمة استشراف آفاق تطور الأنظمة السياسية والدستورية ومآلاتها غاية في الصعوبة, حيث تتسم هذه الفسيفساء النظمية بالخصائص التالية: - تونس بثورة محلية المنشأ والأداء ومعاناة من استدامة اللاستقرار السياسي والتدافع المذهبي. - ليبيا بثورة محلية المنشأ, لكنها أجنبية الأداء في جلها ومعاناة من نزيف أمني وممارسات قبلية تعطل أي بناء مؤسساتي متين. - موريتانيا بسياق صراعي منخفض الحد بين النخب واغتصاب السلطة غالبا ما يلوح في الأفق كالعادة. - المغرب بمشهد حزبي متقلب ووثوق شعبي بحتمية الملكية وتوجه قويم نحو رسم نموذج دولة مواطنة - الجزائر ببنية شائخة وعصية على أي إصلاح؛ونوايا ماضوية للتطاول على سيادة بلدان مجاورة وشعب يتفادى تكرار العشرية الحمراء و يتابع ما يجري في محيطه. - مصر واستدامة الحالة الانتقالية, ناهيك عن انتفاضات وأخرى مضادة متبادلة، علاوة على الصدامات الدينية التي تأخذ أبعادا صداميه. ومن هذا المنطلق فمن البداهة الإقرار باختلاف سيناريوهات مستقبل كل دولة من دول شمال أفريقيا- مصر؛ليبيا؛ تونس؛الجزائر؛المغرب؛موريتانيا- وفق محددات أساسية وهي: بنية الدولة الوضع الإقليمي والدولي طبيعة الوضع الاقتصادي والاجتماعي إجراءات بناء أو تحديث أو إصلاح النظام السياسي طبيعة النخب الحالية والقادمة معاني وتمثلات السلطة لدى الفاعلين في الدولة دور القوى الدولية الكبرى في التأثير على الدولة مقدورات الشارع ومنسوب الحرية، وتجاوب السلطة معهما الأشكال التقليدية والجديدة للعنف في الدولة فلسفة الإعلام ودورها في تثبيت المشروعية أو دحضها منسوب المواطنة أو أزمة المواطنة وغياب المواطنة الإستراتجية القابلية للاختراق من قبل مجموعات الإرهاب والجريمة المنظمة والجرائم السيبيرية دعم كيانات غير قانونية والتحفظ على موضوعات مشروعة مضمون السيادة طبيعة المجتمع المدني في الدولة مصداقية السلط التقليدية والجديدة في الدولة التركيبة الإثنية واللغوية للمجتمع الدور الشخصي لقائد الدولة تهديدات مستجدة أو محتملة تهديدات غير وجودية .. والارتهان المغاربي لصراعات مادون الحرب. وتخضع المنطقة لتأثيرات متعددة وتفاعلات قادمة من أربعة نظم فرعية مهيكلة: المشرق, غرب المتوسط , الساحل ,الغرب ويؤدي هذا الأمر لتدافع الخلفيات, ناهيك عن غياب تعاون شمولي بين دول المنطقة وبروز منحى صراعي ثنائي ما دون الحرب, وعليه تتكون لنا جملة من المشاهد الواقعة والمحتملة وهي كالآتي: مشهد السلام والتكامل الثنائي دون حصول هذا في المنطقة بشكل عام. مشهد سلام في سياق صراعي بارد. درجات دنيا من التعاون. مشهد المواجهة في دوائر الأزمات وتعطيل التنمية الإقليمية. مشهد عدم استثمار الموقع الإستراتيجي. النظام الجزائري وتقديم الجار الأقرب على أنه العدو . مشهد إيجابي لكنه غير كاف وهو غياب الحروب في المنطقة. مشهد التوازن القلق الذي يتم فرضه من قبل الولاياتالمتحدةالأمريكية وفرنسا. بنيات حدودية غير مرسمة وغير مفتوحة إستراتيجيا. إن هذه المشاهد والمحددات تجعل طرح جملة من السيناريوهات المحتملة والتي تشكل ضرورة عقلية وحياتية مطلوبة وكل سيناريو مستقبلي حاصل لن يكون إلا نتيجة لإشادة الدول الفاعلة في المنطقة أو فشلها في استيعاب المعيقات وإدارتها العملية والإستراتجية لمقومات النجاح. يتأرجح سيناريو المستقبل على متصل الاستقرار/ اللاستقرار,وبينهما تقف أطروحات وسيناريوهات متعددة وهي كما يلي: الاحتمال الأول:سيناريو إستدامة الوضع الإنتقالي. الاحتمال الثاني:سيناريو استمرار سيطرة العسكريين على الحكم. الاحتمال الثالث: سيناريو الدولة الدينية. الاحتمال الرابع:سيناريو الدولة الدستورية الديمقراطية المواطنة. الاحتمال الخامس: سيناريو اغتصاب السلطة عبر انقلابات بيضاء أو دموية. الاحتمال السادس: سيناريو الحرب الأهلية. الاحتمال السابع :سيناريو إعادة صياغة الخلدونية أو الاحتكام لمنطق العصبية المتمدنة. الاحتمال الثامن: سيناريو الدولة الفاشلة أو المنهارة. الاحتمال التاسع: سيناريو مجتمع اللادولة. الاحتمال العاشر: سيناريو الدولة الرخوة, وهذه الدولة كمفهوم نطق به لأول مرة عالم الاجتماع السويدي جنار ميردال، الذي كتب عن الدولة الرخوة وتعني دولة الفساد والتطبيع معه وعدم المبالاة بالقانون واحترامه. وجدير بالإشارة الى أن كل هذه السيناريوهات ممكنة للتحقق على أرض الواقع وتبقى رهينة برشد الأطراف الفاعلة في الدولة نفسها, والمحيط الإقليمي ككل, فضلا عن رؤية الأنظمة لكيفيات تنفيذ مصالحها التي قد تتعارض مع المصلحة الوطنية والإقليمية ,دون أن ينفي هذا حقيقة أن بناء نظام يعني بالضرورة تلازم شرعيات متعددة, ليصبح الهدف في المحصلة دولة الاستقرار ومنطقة الإستقرار, أو العكس إن كانت بداية بناء النظام والترافع بشأن بنائه مشوبة بعدم وجود الشرعيات والدعامات الواقعية. باحث في القانون العام والعلوم السياسية