"دور الشباب في مناصرة حقوق الإنسان" موضوع الحلقة الأولى من سلسلة حوار القيادة الشبابية        واشنطن ترفض توقيف نتانياهو وغالانت    وفاة ضابطين اثر تحطم طائرة تابعة للقوات الجوية الملكية اثناء مهمة تدريب    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره    أمن البيضاء يوقف شخصا يشتبه في إلحاقه خسائر مادية بممتلكات خاصة    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    توقيف الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال في مطار الجزائر بعد انتقاده لنظام الكابرانات    الحكومة تُعزز حماية تراث المغرب وتَزيد استيراد الأبقار لتموين سوق اللحوم    رسميا.. اعتماد بطاقة الملاعب كبطاقة وحيدة لولوج الصحفيين والمصورين المهنيين للملاعب    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    يخص حماية التراث.. مجلس الحكومة يصادق على مشروع قانون جديد    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    الجديدة.. الدرك يحبط في أقل من 24 ساعة ثاني عملية للاتجار بالبشر    إتحاد طنجة يستقبل المغرب التطواني بالملعب البلدي بالقنيطرة    برقية تهنئة إلى الملك محمد السادس من رئيسة مقدونيا الشمالية بمناسبة عيد الاستقلال    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    القوات المسلحة الملكية تفتح تحقيقًا في تحطم طائرة ببنسليمان    "الدستورية" تصرح بشغور مقاعد برلمانية    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا        وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    مشاريع كبرى بالأقاليم الجنوبية لتأمين مياه الشرب والسقي    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في دراسة للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات..تحولات ما بعد "الربيع العربي" والفاعلون الجدد
نشر في التجديد يوم 02 - 05 - 2012

بعد انقضاء سنة كاملة على بداية ما يسمى «الربيع العربي» وهبوب نسمات الحرية و رياح الانعتاق من ظلم الأنظمة المستبدة في الوطن العربي، يبدوا أن العالم العربي اليوم يتأرجح بين دخول بعض الأوطان في مرحلة انتقالية بعد سقوط حكامها، واستمرار شعوب أخرى في النضال وتقديم شهداء في انتظار ساعة الحسم ورحيل المستبدين.. أمام هذا المشهد يقدم محللون تحليلات بخصوص مستقبل الأمة العربية والتحولات الجيو سياسية التي من المرتقب أن تحصل.
وفي هذا الصدد، صدرت الثلاثاء الماضي عن وحدة تحليل السياسات بالمركز العربي للدراسات وتحليل السياسات، دراسة تهدف إلى تحليل أثر الثورات العربية المحتمل إقليميا وعالميا، وتعالج أثر العوامل الجيو استراتيجية في حدوث «الربيع العربي»، دون أن تخوض في عوامل نشوب الثورات والأسباب الاجتماعية والاقتصادية ودور الإعلام، وإنما قدمت نظرة استشرافية بخصوص تأثير هذا الربيع الديمقراطي في المنطقة والعالم بأكمل.
«التجديد» تنشر ما ورد في دراسة المركز العربي من تحليلات وتوقعات بشأن تأثير الثورات العربية على مستقبل العلاقات الدولية، وتمايز مواقف وطموحات الفاعلين بالمنطقة، وبروز فاعلين جدد.
المشهد قبل «الربيع العربي»
منذ نهاية الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفياتي، أصبح المشهد السياسي في الوطن العربي يتأرجح بين ثبات المصالح وغياب الفعل الرسمي على الساحة الدولية، ولم يكن الوطن العربي –تؤكد دراسة المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات- فاعلا استراتيجيا على الإطلاق، ذلك أن الدول العربية تنافست فيما بينها من أجل كسب ود الولايات المتحدة الأمريكية، ونيل ثقتها بأنها قادرة على الحفاظ على مصالح القوة العظمى في العالم.
وفسرت الدراسة التي نشرت الثلاثاء الماضي، أن إضعاف العراق بعد حرب الخليج الثانية، وتلاشي أي دور قائد للدول العربية، خاصة بعد تنازل جمهورية مصر عن دورها المركزي في قلب الصراع العربي الإسرائيلي، إثر السلام المنفرد الذي عقدته مع إسرائيل، ساهمت في دفع القوى العظمى والدول الإقليمية إلى بلورة توجهات استراتيجية، وترصين مواقعها على حساب التخطيط العربي المشترك. وأبرزت الدراسة، أن الكيان الصهيوني كان المستفيد الأكبر من الواقع العربي، لأنه تحصن من أي تهديد أمني حقيقي من شأنه أن يغير معادلات الصراع القائمة، وتكرس ذلك بعد احتلال العراق سنة 2003.
وذهبت الدراسة، إلى التأكيد على أن الوطن العربي دخل مرحلة جديدة بعد احتلال العراق وتداول هدف خلق فضاء شرق أوسط جديد، نتج عنه تمايز في مواقف الدول العربية وردة فعل حكامها، بين خيار عبرت عنه المقاومة وتيار الممانعة، وخيار تماهى مع المشروع الأمريكي وتوازناته الجديدة من الناحية الجيواستراتيجية، وبدا لو أنه معادلة عكسية الاتجاه بصدد النشأة في المنطقة العربية، أحد طرفيها مقاوم، والآخر رسمي متخاذل، سلم أدواته للهيمنة الخارجية، تضيف دراسة المركز.
ولكن مع بداية الثورة التونسية التي أطلق شرارتها «البوعزيزي» بحرق ذاته، اشتعلت الثورات العربية وفاجأت الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا التي تورطت مع أنظمة الاستبداد، وأعربت إدارة باراك أوباما عن رضاها ب»الأمر الواقع»، وتخليها عن التدخل في شؤون الدول الأجنبية، بحجج واهية مثل نشر الديمقراطية، تشير الدراسة. فانطلقت الشعوب العربية في ثوراتها من أجل الديمقراطية، وأفاد المركز العربي، أن «الربيع العربي» لم يأتي خارج سياق السياسات الأمريكية فحسب، وإنما كان مناقضا لها، لاسيما بعد أن صارت تلك السياسات مع الاستقرار وبقاء الأنظمة القائمة.
التغيرات أثناء الثورات
أكدت وحدة تحليل السياسات، أن الثورات العربية جاءت متناقضة مع التغيرات السابقة في المنطقة العربية، وفتحت باب التغيير والإصلاح، لاسيما في الجمهوريات الديكتاتورية، وبعض الأنظمة الملكية. وأوضحت الدراسة، أنه رغم كون واقع التغيير غير قابل للتوصيف بدقة بعد انقضاء سنة فقط عن بداية الربيع العربي، والاختلال الناجم عن المرحلة الانتقالية في العديد من الدول العربية، فإن الثورات قد خلقت متغيرا «مهما» ساهم في إحداث جملة من التغيرات مرحليا، وسيكون له الدور الأكبر في تحديد التغيرات الإستراتيجية على المدى المتوسط والطويل في العالم العربي، خصوصا بعد عبور المراحل الانتقالية. وأشارت الدراسة، إلى أن «الربيع العربي» سيكون له انعكاسات إيجابية على إعادة تعريف الدول العربية لمفهوم أمنها الوطني، بشكل يقترب من الاتجاهات السائدة شعبيا، والهدف من وراء ذلك يضيف المركز ردم الهوة التي وجدت سابقا بين النخب السياسية الحاكمة وشعوبها في الدول العربية.
ومن وجهة نظر الدراسة، فإن الربيع العربي خلف آثارا في مختلف تفاصيل المشهد الجيو سياسي، سواء تعلق الأمر بدول المنطقة، أو باللاعبين الإقليميين، ورغم أن الثورة التونسية والمصرية لم تشخص بوضوح معالم التغير الجيو استراتيجي في المنطقة العربية نتيجة قصر مدتها، غير أن المدة في الوقت نفسه كانت كافية لإثارة قلق الكيان الصهيوني ودول أخرى من إسقاطات تغير النظام المصري على وجه الخصوص.
وتحدث المركز العربي عن سقوط عوائق الإصلاح الرئيسية بفعل الربيع العربي، يتعلق الأمر بالتوريث، واختلاف تعاطي اتجاهات الرأي العام العربي مع قضية التدخل الخارجي كما حصل في ليبيا، إذ في الوقت الذي كانت فيه مؤشرات الرأي العام العربي، تقف بشدة ضد التدخل الأمريكي في العراق (حتى عندما حملت مفاهيم الديمقراطية وحقوق الإنسان) لوحظ تفاوت في الموقف من هذا التدخل في حالة الثورة الليبية.
من جهة أخرى، ساهمت الثورة التونسية في تنبيه دول المغرب العربي إلى المناخ الثوري العربي، مما جعلها تشرع في التعاطي مع المطالب الشعبية بطريقة مختلفة عن السابق، تميل إلى فتح باب الإصلاح الجزئي، وتجلى ذلك حسب الدراسة في حزمة من الإصلاحات التشريعية والإعلامية التي أعلنها الرئيس الجزائري بوتفليقة منتصف السنة الماضية، وما جرى في المغرب عندما أعلن الملك محمد السادس عن طرح تعديلات دستورية أقرت في استفتاء شعبي في يوليوز من السنة الماضية، وجرت بعدها انتخابات تشريعية تمكن فيها حزب العدالة والتنمية الإسلامي من الفوز بأغلبية المقاعد، وشكل حكومة جديدة برئاسة أمين الحزب عبد الإله بنكيران.
صراع قطبي المنطقة
ساهمت الثورات العربية التي انتشرت كالنار على الهشيم في أغلب الدول العربية، في حدوث تحولات استراتيجية في مواقف الفاعلين التقليديين على المستوى الدولي، وكذا بروز فاعلين جدد لعبوا دورا محوريا في إبداء مواقف من الأحداث الجارية في الوطن العربي، واعتبر تحليل المركز العربي، أن الثورة السورية على وجه الخصوص أنتجت واقعا جيواستراتيجيا معقدا في الإقليم برز في التنافس بين تركيا وإيران، فتركيا ركزت في علاقاتها مع الدول العربية في العقد الماضي على ضمان وتعظيم مصالحها الاقتصادية بجميع الطرق بعد انزياح في محور اهتمامها من الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي باتجاه تفعيل دورها في الدائرة الشرق أوسطية.
ولتوضيح مواقف وطموحات دولة أردوغان، أكدت الدراسة، أن تركيا واجهت في مواقفها من الثورات العربية مسائل حدت من فاعلية سياساتها، والتي تتعلق بالمصالح الاقتصادية وتشابه تركيبتها العرقية والطائفية مع المجتمعات العربية، وأيضا آلية عمل النظام السياسي التركي، من خلال معاجلة مدخلات الرأي العام، الانتخابات، ومواقف الجيش المتحفظة، ووجود قضية كردية في تركيا وفي الدول المتخمة لها، فضلا عن تأثير معاجلة مصالح تركيا في المنطقة العربية، ومركزها في حلف الناتو.
أما إيران، فأوردت الدراسة، أنها تعاملت مع الثورات العربية بما يلاءم مصالحها الوطنية، وتحالفاتها الإقليمية، حيث يولي النظام السياسي في إيران اهتماما بالغا بالسياسة الخارجية أساسا، في غياب سياسة داخلية مركبة أو ديمقراطية، وأوضحت أن إيران التي تدعم المقاومة، بما فيها حركتي حماس والجهاد الإسلامي، اتبعت سياسة مذهبية في تعاطيها مع الثورات العربية، حيث حاولت تقديم نفسها على أنها حاملة لواء الدفاع عن الشيعة في الوطن العربي. وأبدى المركز استغرابه من سياسة إيران، وقال «هي نزعة تراهن على تحويل التنوع الطائفي العربي إلى ولاءات سياسية على أقل تقدير».
وخلصت الدراسة، إلى أن الثورة السورية ساهمت في تباعد العلاقات الإيرانية التركية، تبعا للخلافات بشأن الثورة السورية، تجلى ذلك في الترجمة الفعلية لتصريح المتحدث باسم الخارجية الإيرانية في 21 يوليوز من السنة الماضية «لو خيرنا بين تركيا وسورية، فسوف نختار سورية بلا شك»، وذلك من خلال ظهور التوتر الإيراني التركي إلى العلن بعد أن استدعت تركيا السفير الإيراني للاحتجاج على انتقادات إيران لها على خلفية استضافتها مؤتمر «أصدقاء سورية الثاني»، وترشيح إيران لبغداد لاستضافة محادثاتها مع القوى الدولية بشأن برنامجها النووي بدلا عن أنقرة.
وأشارت الدراسة، أن الثورة السورية أفرزت حالة من التنافر بين دولتين إقليميتين مختلفتين مذهبيا، لكل منهما مصالحها في الوطني العربي، وأضافت أنه لا يمكن أن يسمى هذا التعارض في المصالح استقطابا، لأن الاستقطاب كان بين إيران والمملكة العربية السعودية التي اتخذت أول موقف مؤيد للثورات مدفوع أساسا بمنطق الصراع مع إيران ومحاولة وقف تمدد نفوذها في الخليج ودول المشرق العربي.
انتصار لقضية فلسطين وبداية هزيمة "إسرائيل"
بعيدا عن التحليلات الضيقة التي تخدم أجندات غير معلومة، وتذهب في اتجاه القول بأن الربيع العربي صنيعة أمريكية صهيونية، تؤكد الدراسة، أن الكيان الصهيوني قد يستفيد من الوضع الثوري العربي لكن على المدى المنظور والقصير فقط، وذلك من خلال استغلال انشغال الدول العربية بترتيب أوضاعها لإنجاز ثوراتها، أو إتمام المرحلة الانتقالية، من أجل إنجاز توجهاته الهادفة إلى استكمال نهج توسيع الاستيطان، وفرضه كمعيق جغرافي ليكون أحد المحددات الثابتة في أي عملية تفاوضية مقبلة.
وتوقعت الدراسة، أن تصبح»إسرائيل» معزولة في محيط عربي يفرض توجهاته شعبيا، وفي ثورات ظهر أن لها تأثير إيجابي على العلاقة بين المعسكرين الفلسطينيين المتخاصمين، ولها أثر في تصليب الموقف الفلسطيني الرسمي من المفاوضات، خاصة في غياب الضغط المصري على القيادة الفلسطينية للانصياع للإملاءات الأمريكية. وأوضحت الدراسة التي صدرت الأسبوع الماضي، أن الذي سيحسم الموقف من الاحتلال الإسرائيلي في النهاية، هو قدرة الدول العربية التي شهدت ثورات على إقامة أنظمة ديمقراطية ديناميكية سياسيا واقتصاديا، ومتماسكة أمنيا وعسكريا، ومؤثرة دوليا لصدقيتها كدول ديمقراطية، وأيضا قدرة هذه الأنظمة على تقديم نموذج ناجح داخليا، ويعبر في الوقت ذاته عن ميول الشعوب ونزعاتها الحقيقية ضد الصهيونية و»إسرائيل».
رؤية استشرافية..
أكدت دراسة وحدة تحليل السياسات بمركز عربي للدراسات بقطر، أن الثورات العربية وضعت الرأي العام العربي ضمن المحددات الأكثر تأثيرا في رسم التغيرات في المحيط الإقليمي والدولي، وتحدثت عن ما أسمته بلورة «كيانية عربية» إلى جانب تعزيز الوطنيات المحلية، وقالت أن ذلك من شأنه أن يخلق تغيرا في المفاهيم الإستراتيجية من جهة، ويحتم تغيرا جيوستراتيجيا مستقبليا في توجهات الفاعلين الدوليين والإقليميين من جهة أخرى. وبناء على التفاعلات الجارية في الوطن العربي، يمكن الوصول إلى بعض النتائج المستنبطة يبقى أهمها:
السلطة للشعب
ذكرت الدراسة، أن الربيع العربي جاء بتغيرات كبيرة على المنطقة، والفارق النوعي الذي أحدثته هو قدرة الشعوب العربية في التأثير في صناعة القرار، لتصبح «الكيانية العربية» المتمثلة في الرأي العام العربي هي «محور المقاومة» الحقيقي، الذي يمكن البناء عليه في رفض التدخل الأمريكي والإسرائيلي في الدول كما كان في السابق. وتدل النتائج الإحصائية التي كشفها المؤشر العربي الصادر عن نفس المركز قبل أسابيع صواب هذه النتيجة، حيث عبر حوالي 84 في المائة من الشعوب العربية عن أن القضية الفلسطينية قضية العرب جميعا، وليست قضية الفلسطينيين وحدهم، كما رأى 51 في المائة من الرأي العام العربي أن «إسرائيل» هي الأكثر تهديدا للدول العربية، واعتبر 22 في المائة من المواطنين من دول عربية مختلفة أن الولايات المتحدة الأمريكية تهدد الأمن الوطني للدول العربية.
ومن الناحية الاستشرافية، استبعدت الدراسة رغم إجماع الشعوب على إرهاب الكيان الصهيوني حدوث حرب بيت العرب و»إسرائيل» على المدى المنظور أو المتوسط، وقالت أن توجهات الأنظمة العربية لن تكون تنازلية ومحابية لإسرائيل والغرب كما كان سابقا، وأن التغير في مفهوم الأمن الوطني للدول العربية سيحتم على الأنظمة التشدد ومواجهة التصرفات العدوانية للكيان الصهيوني، وأضافت أن ذلك سيعزل «إسرائيل» في المنطقة العربية ويحيد تأثيرها كدولة تستطيع فرض توجهاتها على محيطها الإقليمي، وخاصة في الدول العربية المركزية كمصر.
تجاوز الخلافات
اعتبر التحليل الذي قدمه المركز العربي بالدوحة، أن الثورات العربية في كل من تونس وليبيا وإصغاء الأنظمة في المغرب والجزائر إلى شعوبها، قدمت مؤشرات لكسر واقع «استدامة الخلافات» بين دول المغرب العربي، وأظهرت أن معالجة المشاكل الاجتماعية من فقر وبطالة لا ينحصر فقط في المعالجة الداخلية، وإنما يتطلب تعاونا إقليميا يأخذ بعين الاعتبار «المتمم والمكمل»، والقيمة المضافة للعنصر البشري، والموارد الطبيعية والاقتصادية في هذه الدول، وهو ما فسرته الدراسة، بوجود ميل أمام جموح الرغبات الشعبية لإنتاج إجراءات تكاملية ذات طبيعة اتحادية بين دول المغرب العربي، وتجاوز المشاكل الخلافية بين الجارين المغرب والجزائر بسبب النزاع المفتعل في الأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية.
وأوردت الدراسة، أن هذه الإجراءات التكاملية ستفرض على دول أخرى توجهات مختلفة، وخاصة في إقليم وادي النيل، إذ لمواجهة المعضلة المائية والأمنية والغذائية والاقتصادية، لابد للنظام المصري البحث عن بدائل تغنيه عن واقع الاستدانة والمساعدات الدولية، ولعلها السودان وليبيا الدول التي يمكن للعنصر البشري المصري الإفادة والاستفادة منها.
التفكير الاستراتيجي
أكدت الدراسة، أن الربيع العربي من شأنه أن يعيد أهمية التفكير الاستراتيجي لبعض الدول العربية التي يغيب عنها، نتيجة طبيعة النظام السياسي الذي يحكمها، وخاصة في منطقة الخليج العربي ودوله المركزية كالمملكة العربية السعودية. واعتبرت أن حالة التحصن الهش في الملكيات الخليجية من حركات التغيير تعود في غالبيتها إلى محددات الواقع السياسي الذي يحكم الاختلاف بين الجمهوريات والملكيات، لكن البعد القيمي للامتداد الثقافي العربي –تضيف الدراسة- يجعل هذه الملكيات مهددة برياح التغيير والإصلاح، خاصة مع تضافر تأثير الشعوب العربية في عملية صنع القرار.
وأشارت التحليلات التي قدمها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، أن الواقع العربي الحالي يفرض التغيير داخل الملكيات، وفي الوقت ذاته يفرض إعادة التفكير الاستراتيجي بشكل لا يرتكز فقط على التقاطع مصلحيا مع القوى العظمى لتجاوز المعضلة الأمنية، ضمن نهج تخلي هذه الدول عن بعض الحلفاء.
*****
في تحليل لمواقف الفاعلين الدوليين..أمريكا.. الثورات فرضت عليها تجنب التصادم مع الشعوب
أظهرت الثورات العربية حالة الانكفاء الأمريكي النسبي كنهج، وفرضت على الولايات المتحدة الأمريكية في ظل هذه الحالة أن تعيد النظر في أدوات سياستها الخارجية في الشرق الأوسط وتغير استراتيجيتها مستخدمة أدوات «القوة الناعمة»، والتي تمظهرت في محاولة الإدارة الأمريكية تجنب التصادم مع الشعوب العربية والتعاطي معها بإيجابية، خاصة فيما يتعلق بالتقاطعات مع الحركات الإسلامية التي أوصلتها صناديق الانتخابات إلى الحكم في عدد من الدول العربية، ومحاولة احتواء نتائج توسعها.
 الصين.. الحضور الصيني محكوم بالدور الأمريكي
لا تنظر الصين إلى التغيرات في الشرق الأوسط من منظور مفاهيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، وإنما تصنع مواقفها من خلال مقاييس تقدم الولايات المتحدة الأمريكية وتراجعها، وعليه يبقى الحضور الصيني محكوما بالدور الأمريكي مع ميل الصين للتصدي لأي احتمالية تقدم أمريكي. والصين ليس لديها تخوف جيوستراتيجي من احتمالية ظهور كيانات اتحادية عربية بحكم محددات سياستها الخارجية، لكنها ستسعى إلى منافسة أمريكا في المبادرة إلى التعاون مع هذه الكيانات، خاصة من البوابة الاقتصادية.
روسيا.. أنتجت تحفظات ومواقف مناوئة لحصول التغيير
وجدت روسيا أن الثورات العربية قد تنتج تغيرات جيوستراتيجية في الإقليم لا تتلاءم وطموحها المتنامي في عهد أوباما، لذلك أنتجت تحفظات ومواقف مناوئة لحصول التغير في ليبيا، وبفاعلية أكبر في سورية، إلى حد جعلها أبرز اللاعبين المؤثرين في الأزمة السورية.
تركيا.. فرضت مواقفها تراجعا في الحضور بعد الثورات
حققت تركيا قبيل اندلاع الثورات مكانة ودورا مهمينا في الشرق الأوسط، بسبب توجهات سياستها الخارجية منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكومة، إذ تحالفت مع الأنظمة المستبدة من باب تفعيل العلاقات الاقتصادية، بعد انزياح محور اهتمامها من الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي باتجاه دورها في الدائرة الشرق أوسطية. وفرضت المواقف التركية التي أنتجتها في الثورة الليبية والسورية، تراجعا في حضورها بعد الثورات العربية، وسيسهم التموضع الجيوسياسي المتوقع في العالم العربي في ملء الفراغ الذي استغلته تركيا سابقا كفاعل جيوستراتيجي يحظى بقبول شعبي لإنضاج دور فاعل في المنطقة، ولا يعني ذلك وجود واقع جديد يتدهور فيه الحضور التركي عربيا.
إيران.. الخاسر الأكبر من الثورات العربية
تعد الخاسر الأكبر من الثورات العربية بعد الأنظمة العربية على المدى القصير والمتوسط، إذ انتشر الموقف السلبي من دورها في الساحة العربية، ولم ينتج التغيير أنظمة حليفة لها، ولذلك ستحاول تقليص الخسائر بالقدر الأكبر في سورية، وتعظيم المكاسب في لبنان والعراق، بيد أن ذلك قد يفيد مرحليا نظرا للحاجة إلى سد الفراغ الناجم عن تراجع دور القوى الكبرى، لكن العراق ولبنان يبقيان ساحات غير مستقرة، ولذلك لا يمكن ضمان وجود نفوذ قوي فيها خاصة في ظل افتقاد إجماع شعبي يرحب بهذا الدور. وبالتالي فالدور الإيراني سيتقوقع في حدود مغلقة في المنطقة، وسيتعايش من فاعليته على حكومات قريبة منه مذهبيا، دون أن يعني ذلك استدامة هذا الدور، خاصة في ظل الاختلالات البنيوية التي تعيشها إيران داخليا، وتأثير انحسارها الخارجي على قوة النظام في مواجهة المعارضة الداخلية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.