أُفرغت ذكرى عاشوراء من محتواها ومن أية دلالات تاريخية مرتبطة بهذا الحدث، كيفما كانت مرجعياتها وسياقاتها لدى فئة بعينها من «المواطنين» من مختلف الأعمار، فقد أضحت أيامها السابقة والتالية على حد سواء وليست اللحظة نفسها، بالنسبة لغيرهم من المغاربة في مختلف ربوع المملكة، وتحديدا بالمدن الكبرى ، كما هو الحال بالنسبة للدارالبيضاء، أياما للكرّ والفرّ، والمواجهات النارية بين الأطفال، اليافعين وحتى الشباب، الذين يحولون الشوارع والأزقة، وفضاءات المؤسسات التعليمية، والأسواق، ومختلف المرافق العمومية وحتى الخاصة منها، إلى ساحات للوغى، تلعلع في سمائها «صواريخ الصين» المهربة من الديار الإسبانية ومن غيرها من الجهات، حيث لا صوت يعلو خلالها على أصوات المفرقعات والشهب والقنابل التي لايمر وقعها مرور الكرام، ولايكون دوما خفيفا على المستيقظين والنيّام. هلع، فوضى، وأضرار لا تقتصر على بعض المواد كزجاج النوافذ الذي قد يهشم بين الفينة والأخرى بفعل قوة تردد أصوات المفرقعات، كما هو الحال بالنسبة لنوع منها يطلق عليه إسم «البوطة»، أو غيرها من المواد التي قد تتعرض للتلف هي الأخرى، فهي يمكن أن تؤدي إلى حوادث تتسم بالخطورة كاندلاع النيران في الأماكن التي يتم تخزين بعض هذه الترسانات النارية بها، كما قد تترتب عن استعمال هذه الوسائل الحربية في لحظات طيش ينفلت خلالها العقل من عقاله، وتغيب أي فلسفة تأطيرية وتنعدم فيها كل القيم الأخلاقية والتربوية، أضرار جسدية. فكم من حامل أجهضت نتيجة لحالة من الفزع ألمّت بها حين سماعها لدوي مفاجئ على حين غرة، وكم من طفل، فتى وراشد فُقِئَتْ عينه بعد أن اتخذ أحد هذه الصواريخ مسارا له نحوها، دون الحديث عن إقلاق راحة المواطنين وإزعاجهم، وحرمانهم من لذة النوم ... وغيرها من التبعات المعنوية التي لها سلبياتها على الفرد والمجتمع، والتي هي الأخرى لاتعد ولاتحصى! مفرقعات صينية بأكسسوارات أروبية، كما هو الحال بالنسبة لتلك التي تحمل على واجهات علبها صورا لكل من الأسطورة «ميسي» وغريمه «رونالدو»، اللذين لايشعلان الكلاسيكو في الدوري الاسباني لوحده وإنما بات اسم كل واحد منهما وصورهما تستغل في الترويج لهذه المفرقعات التي تشعل بدورها شوارع وأزقة مختلف المدن المغربية، وهي التي وإن تجندت المصالح الأمنية خلال السنوات الفارطة لوضع حد لحضورها، إلا أنها كانت تسجل أهدافا في مرمى خصومها من جمارك، أمن وسلطات محلية ...، وتفرض نفسها قسرا، فتراها تباع من لدن شبان وراشدين بكل من درب عمر، وكراج علال وبدرب غلف، والحي المحمدي، والمدينة القديمة ... وغيرها من المواقع التي تدل عليها رائحتها التي تزكم الأنوف. مواجهة «ميسي» و «رونالدو»... وباقي المفرقعات المهربة، التي تعددت تسمياتها خلال السنين الأخيرة وتوزعت ما بين الرياضي والارهابي، ومنها النوع المشيطن، وآخر يحمل اسم «التيتانيك» ....، عرفت لأول مرة تسجيل هدف السبق في مرمى مروجيها في توقيت مبكر، سجلته مصالح الدائرة الثامنة بدرب الكبير التابعة للمنطقة الأمنية الفداء مرس السلطان بالدارالبيضاء، والتي على إثر توصلها بمعلومة حول وجود شخص يروج هذا النوع من المفرقعات وبتسجيل حركة دؤوبة في هذا الصدد بالزنقة 31 بدرب العفو، قامت بعملية ترصد للمنطقة توجت بتوقيف شخصين أحدهما زبون والثاني شريك للمروج وذلك بالمحطة الطرقية لأولاد زيان بعد تعقبهما، حيث ضبطت بحوزتهما علبتين كارتونيتين، تلتها مداهمة للعنوان المذكور الذي تم به حجز أكثر من 140 ألف وحدة من المفرقعات المختلفة الأنواع، التي تستعمل خلال مناسبة عاشوراء، وتوظف كذلك للرفع من درجات الشغب في الملاعب الرياضية. اللافت للانتباه أن الزبون الموقوف تبين بعد تنقيطه أنه مبحوث عنه على الصعيد الوطني من طرف ولاية أمن الرباط من أجل الاتجار في المخدرات، بينما المروج هو ذو سوابق عدلية متعددة إحداها تتعلق بترويج المفرقعات، هذا في الوقت الذي تم حجز مجموعة من الأسلحة البيضاء عبارة عن سيوف وسكاكين كبيرة الحجم، الأمر الذي يطرح أكثر من علامة استفهام حول علاقة الاتجار في المخدرات، بحالة العود للاتجار في المفرقعات، بالأسلحة البيضاء، التي يبقى للمصالح الأمنية صلاحية فك طلاسيمها؟ هذه الخطوة الأمنية الاستباقية، التي تستحق التنويه والتشجيع، يجب أن تتلوها خطوات أخرى من باقي المصالح الأمنية، وتتطلب تظافرا للجهود من لدن مكونات السلطة المحلية، وأجهزة الدرك، وتتطلب تعبئة خاصة لمراقبة مداخل البلاد، حتى لايكون هذا التدخل مجرد قطرة في واد، سرعان ما يضيع صداها وسط صخب المفرقعات، وذلك من أجل تأمين المواطنين من خطرها، وتحصين الأطفال واليافعين من تداعيات هذه الألعاب النارية، مع ضرورة الإشارة إلى نوع آخر يتسم كذلك بخطورة كبيرة، هو من صنع محلي، تمزج فيه عدة مكونات سهلة المنال بكل أسف لصنع متفجرات، لاصلة لها لا من قريب ولا من بعيد بالحدث، الذي تكون كذلك ليلته ليلاء، والتي تعرف تعددا لتدخلات مصالح الوقاية المدنية، وهو ما يفتح قوسا كبيرا كله تساؤلات، حول غزو الظاهرة ليوميات المغاربة خلال أيام عاشوراء، وحول دور المؤسسة المنشأ ، ويتعلق الأمر بالبيت في التربية والتأطير، ومعها دور المؤسسات التربوية وجمعيات المجتمع المدني، التي تغيب عن الحدث ويقتصر دور بعضها على توزيع الهدايا والألعاب بالمناسبة، والتي قد تكون المفرقعات جزءا منها!؟