ظل سوق درب عمر في الدارالبيضاء مضرب مثل بالنسبة لتجار الجملة، بالنظر إلى أرقام المعاملات المهمة التي كان يحققها تجاره كل سنة. أما بعد أن استوطن تجار جدد وفدوا على السوق من قارة أخرى فإن التجار المغاربة أسقط في يدهم ومن لم يبع محله التجاري وينصرف إلى منطقة أخرى فضل المقاومة والانزواء داخل محلات مشبعة بالرطوبة لبيع سلع لم يعد الإقبال عليها كثيرا كما في السابق، حسب التجار. هذه الأيام تحول الشارع التجاري الرئيسي في درب عمر إلى سوق سوداء للاتجار في السلاح والمتفجرات، يفد عليه يوميا العشرات من الأطفال من مختلف أحياء المدينة بحثا عن القنابل والمفرقعات. عبد الواحد ماهر اشتهر سوق درب عمر لدى تجار الجملة بتجارته الرائجة، قبل سنوات كان يتبضع منه «التجار الكبار» الوافدون على البيضاء من مختلف المدن المغربية لشراء كميات وافرة من سلع تشحن لتباع للمواطنين في المدن الأخرى. كان ذلك في السابق، أما الآن فإن السوق فقد بريقه ولم يعد يغري الكثير من تجاره كما في السابق.. والسبب هم الصينيون الذين غزوا قلعة تجارة الجملة في عاصمة المغرب الاقتصادية وفتحوا محلات بها. «لقد راحت أيام «درب عمر»، هلكتنا الأسواق الممتازة، مرجان وأسيما استقطبا الكثير من زبائننا، أبيع الأثواب، جاري كان يتاجر في الفواكه الجافة، باع محله للصينيين وقصد مسقط رأسه بتارودانت ليعمل في الزراعة، درب عمر فقد بريقه، هاأنت ترى، الأطفال هم الذين يتاجرون الآن في السوق»، قالها امحند، تاجر التوابل بالسوق، مشيرا إلى عشرات الأطفال الذين تجمعوا أمام مدخل بناية تجارية عتيقة كتب عليها «قيسارية188، حسن». عصر الجمعة الماضي، بدت شوارع المدينة الرئيسية شبه فارغة إلا من سيارات قليلة كانت تعبر شارعي «للا الياقوت» و«الحسن الصغير» في عطلة صادفت الاحتفال بتقديم المغرب لوثيقة المطالبة بالاستقلال، لكن العشرات من الأطفال والقاصرين حجوا إلى فضاء «درب عمر» بكثافة بحثا عن القنابل والمتفجرات. وبالرغم من أن اليوم يصادف بوم عطلة بمناسبة عيد تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال، وأغلب المحلات التجارية أوصدت أبوابها، خلف «لؤلؤة الجاسم»، المركب التجاري المغلق منذ سنوات، إلا أن متاجر صغيرة من طابق واحد، مشبعة بالرطوبة، كانت تعرض اللوازم المنزلية والعطارة وسلعا ولعب أطفال أيضا.. بمناسبة عاشوراء. في «الشارع التجاري» لحي درب عمر، تتدحرج عجلات عربة خشبية يجرها آدميون، وضعت فوقها علب كرتونية تحوي سلعا. بهمة يشتغل هنا الباحثون عن خبز بطعم العرق، الحمالون مازالوا في درب عمر منهمكين في عملهم غير عابئين بصخب أطفال دخلوا إلى السوق تجارا في مفرقعات عاشوراء. كان الحمالون يمرون من الشارع التجاري، يجرون خلفهم عربات خشبية شبيهة بتلك التي تجرها الدواب في القرى النائية للمغرب. وجدنا أيضا سيارة شرطة، داخلها سائق وفي الخارج عنصران بالزي الرسمي كان أحدهم يدخن سيجارة، فيما أفراد الدورية الآخرون ذابوا وسط الزحام بحثا عن متفرقعات أو«قنابل» يمكن أن يصادروها. في الشارع التجاري انضم أعوان السلطة المحلية إلى رجال الشرطة لمطاردة باعة المفرقعات. أحدهم قال إن القائد تاج الدين المشرف على المقاطعة الحضرية لدرب عمر يطوف بنفسه للإشراف على مطاردة باعة «القنبول». تجار من السوق قالوا إن الحملة المنظمة من طرف الدائرة الرابعة للشرطة والمقاطعة الحضرية لا تعدو أن تكون للتغطية على وجود تجارة غير قانونية تروج في سوق درب عمر، أياما قبل حلول ذكرى عاشوراء. وقال تاجر، رفض الكشف عن هويته، إن الشارع الرئيسي لسوق درب عمر يتحول كل سنة إلى سوق للمتفجرات والمواد الخطرة، وقال: «السوق يتزود بالمفقرعات من ميناء الدارالبيضاء والمحمدية ومن إقليم مديونة كذلك». طفل لم يتجاوز العاشرة من عمره قال إنه جاء بمعية أترابه من المدينة القديمة بحثا عن«الزيدانية» و«البوكيمون». الأطفال الذين يحجون إلى درب عمر يبحثون عن «الزيدانية» و»النحلة»، الأسماء المفضلة لأجود أنواع القنابل التي تخلف دويا خاصا بعد تفجيرها في الحي. يوجد أيضا «السيغار» و«البوكيمون»، هناك «الطيارة» و«الصواريخ»، والمتسوقون من الأطفال يبحثون أيضا عن «النجوم». وقال سعيد، اليافع الذي لم يتعد الخامسة عشرة من عمره، إنه جاء للسوق بحثا عن المال، مضيفا أن رجال الشرطة يحولون دون ممارسة التجارة بشكل جيد. حسب سعيد، فإن «الزيدانية» تعد الأخطر من ضمن المفرقعات المعروضة للبيع في درب عمر، وزاد شارحا: «إنها قنبلة جيدة تحدث دويا وانفجارا شبيها بذلك الصادر عن متفجرات حقيقية. تليها «النحلة» التي تنبعث منها نجوم نارية بالألوان. ويتراوح سعر «الزيدانية»، ما بين 50 و60 درهما، ويحمل ملصق «النحلة» اسم «بنغلاس إستريليتاس» وتباع في السوق ب3 دراهم بالتقسيط، للمجموعة، التي تضم 12 وحدة، ويروجها أطفال تتراوح أعمارهم ما بين 10 و14 سنة، يقتنون الوحدة بدرهمين ونصف الدرهم. وتباع المفرقعات في حي درب عمر بشكل عشوائي وسري، وقال أطفال يتاجرون في المفرقعات إنهم يتزودون بها من ممون يأتي بالشهب والقنابل من منطقة «مديونة». وتضم عمالة مديونة ثلاثة مصانع للمتفجرات، وسبق أن تعرضت شحنة متفجرات استوردها مصنع «كاديكس» للسرقة، عندما سرق مجهولون صواعق وكبسولات متفجرات من داخل ميناء الدارالبيضاء من شحنة كانت موجهة لأحد مصانع المتفجرات بإقليم مديونة. وقال مصدر من وزارة التجارة الخارجية ل«المساء» إن الوزارة لم تمنح أي ترخيص هذا العام لأي مستورد يريد جلب المفرقعات، مشيرا إلى أن الوزارة لم تتوصل بأية طلبات يمكن أن يكون قد تقدم بها راغبون في استيراد لعب أطفال ومفرقعات. وحذر المصدر ذاته من المفرقعات التي تباع في السوق الوطنية وقال إنها مهربة وتشكل خطرا على الصحة العامة وعلى الأطفال. وتخضع تجارة المفرقعات إلى «قانون خاص»، ولا يمكن استيرادها دون طلب ترخيص وموافقة الوزارة، ولكنها في سوق درب عمر تباع مهربة وبدون ترخيص. وتساوي وزارة التجارة الخارجية بين استيراد مفرقعات عاشوراء، المخصصة للعب لأطفال، وبين الديناميت وأنواع أخرى من المتفجرات يستعملها حفارو الآبار وعمال المناجم في عملهم. اشترى صينيون الكثير من المحلات التجارية في درب عمر وعلقوا عليها يافطات مكتوبة بلغة عربية وصينية وفي الداخل يعرضون سلعا قدمت من قارة أخرى لتباع في المغرب. في محل جلست فتاة صينية صامتة بجانب قريبها، بينما انشغل شابان مغربيان ببيع السلع للزبائن المترددين على المحل. رفضت الفتاة الكلام عن سبب هجرتها من الصين إلى المغرب، وامتنعت عن الحديث عن كيفية عيشها في بلد تفصله عن بلدها الأصلي، الصين، آلاف الكيلومترات. اختارت هذه البائعة الرد على جميع الأسئلة بابتسامة ترفقها بانحناءة خفيفة للرأس. أحد الشابين العاملين في المتجر الصيني بدرب عمر قال إن العمل مع هؤلاء الأجانب ممتع وشاق أيضا، متبرما من كثرة الطلبات ومستغربا من قدرة الصينيين العجيبة على العمل كخلية نحل، وأضاف: «عجبت لهؤلاء القوم، يعملون كثيرا وينامون لوقت قصير وبالكاد يأكلون ما يسد رمقهم وهم حريصون على جني الأرباح وإرسال المال إلى أقاربهم هناك.. في الصين». وغير بعيد عن هذا المحل، توجد عدة محلات تجارية للصينيين، علقت في مدخلها لافتة بلون أزرق خطت عليها عبارة «المركز التجاري الصيني» بلغة عربية وأخرى صينية. يبيع الصينيون مزهريات وأوان منزلية، يعرضون الثياب والأحذية والمعطرات وصنادل رخيصة. قريبا منهم في الشارع التجاري لحي درب عمر، انبرى هذه الأيام أطفال في بيع المفرقعات والألعاب النارية المخصصة لعاشوراء. وحدهم الحمالون كانوا مستمرين في شحن السلع فوق عربات يجرونها فوق ظهورهم كالدواب ويتلمسون طريق المرور في شارع ملأه أطفال جاؤوا لممارسة تجارة ممنوعة قانونا، لكنها تمارس في الخفاء وموجودة على أرض الواقع.