مازال سوء التفاهم الذي حدث بين وزير العدل، ورئيس جمعية هيئات المحامين بالمغرب، مستمراً هذه قرابة سنتين، انطلاقاً من إعلان الوزارة عن تنظيم حوار وطني، من أجل إصلاح العدالة، وتنصيب هيئة عليا للإشراف على أشغال الحوار، وصدور مرسوم المساعدة القضائية. هذه هي القضايا الجوهرية، التي جرى ويجري الخلاف حولها، بين جمعية هيئات المحامين ووزارة العدل، هذا الخلاف، الذي تتزايد حرارته، حتى تحول إلى صراع تعكسه، البيانات والبلاغات المتبادلة بين الطرفين، عن طريق الصحافة، أو بواسطة التصريحات، التي حادت أحياناً، عن سبيل الجدل بالتي هي أحسن، عندما وصل الأمر إلى التكذيب، والتكذيب المضاد، حتى غابت أحياناً، شروط اللياقة، في القول والعمل، عند تناول القضايا الخلافية بين الطرفين، مما يؤشر إلى قيام جدار نفسي يعقد صعوبة، تجاوز الخلاف، والعودة إلى فتح الحوار المعهود بين الوزارة، والجمعية، استرشاداً بالسوابق، في تعامل الجمعية مع الوزارة في قضايا، ربما أصعب من القضايا الحالية، وفي ظروف أعقد من الظروف الحالية، بكثير، بما فيها سنوات الرصاص، حيث تغلب الحكمة في تناول القضايا الخلافية، بروح المسؤولية، وبعيداً عن حرب البلاغات، والتخلي عن ثقافة، كل شيء أو لا شيء. إن ما يثير في النزاع بين الوزارة والجمعية، هو أن كل طرف يعتبر أن موقفه سليم كله، والطرف الآخر تصرفه خطأ كله، والاقتناع بهذه الوضعية، كلما كانت مواقف هذا الطرف سليمة، أكثر أو أقل، من الطرف الآخر، هي وضعية سلبية يتحمل وزر استمرارها الطرفان معاً، حتى لو افترضنا أن المسؤولية تقع بدرجات متفاوتة بين الطرفين، فالمفروض أن مسؤولي الوزارة والجمعية، ليست لهم مآرب شخصية، يحرص كل واحد على الحفاظ عليها، أو تحقيقها بوسائل غير مشروعة، بل إن كل طرف يعمل على تحقيق الصالح العام بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وهنا يطرح السؤال، إذا كان الأمر كذلك، فما هي أسباب هذا الصراع ؟!، الذي يؤدي استمراره، إلى عواقب وخيمة وضياع فرص ثمينة، لا يمكن تجاوز انعكاساتها السلبية على المحامين خاصة، والعدالة بصفة عامة، إلا بضبط النفس، وتجنب ردود الأفعال المتشنجة التي دأب الطرفان على إتيانها، في مناسبات كنا نعتقد أنها فرصة لإذابة الجليد بين الطرفين، فإذا بها جمرات تزيد لهب الخلاف اشتعالاً!. وهذه الوضعية الشاذة في تعامل الطرفين، هي التي تدفع إلى تناولها في هذه السطور، دون الدخول في التفاصيل، حيث يوجد (الشيطان) غيرة على المؤسسات الرسمية والمهنية، لا تطاولا عليها، بل دعوة إلى تغليب فضيلة الحوار، الذي لا سبيل غيره لحل مشاكلنا، بل حتى تصفية خلافاتنا، وهذا رأيي إن لم يكن صحيحا، فإن به صدقاً وإخلاصاً، فليستحضر الطرفان قولة الإمام أبو حنيفة: « علمنا هذا رأي وهو أحسن ما قدرنا عليه، فمن جاء بخير منه قبلناه منه«. وبهذه الروح، يمكن تجاوز الخلاف، وانسياب الحوار المعهود بين الوزارة والجمعية عبر تاريخها، مهما كانت الظروف، وكيف ما كانت الصعاب، وتبقى المبادرة من مسؤولية وزارة العدل، وإن غداً لناظره قريب.