لقد جعل الاتحاديون والاتحاديات من يوم 5 أكتوبر الجاري يوم الانبعاث الاتحادي من جديد، فقد عبر الحضور النوعي والكمي الذي ناهز 20 ألف مشارك على إرادة الاتحاديين والاتحاديات القوية أينما كانوا، في التعبئة المنضمة والاحتجاج الحضاري للتصدي لحكومة فاشلة لا قدرة لها ، سوى على اتخاذ قرارات لا شعبية انفرادية تزيد من تأزيم أوضاع المغاربة اقتصاديا واجتماعيا، وسياسيا. لقد شعر الجميع الحاضر في قاعة المركب الأمير مولاي عبد الله، على أن الاتحاد الاشتراكي لايزال حزبا قويا وحيا ومعافى، وقوته في وحدته وتجاوز خلافاته الهامشية والذاتية، كما أدرك الجميع كذلك أن الحزب لا يزال قادرا على قيادة المعارك النضالية بفضل انغراسه داخل المجتمع وفي قلب القوات الشعبية من أجل الوقوف سدا منيعا في وجه كل التراجعات الممنهجة، والانحرافات الحكومية الحالية على الآفاق التي فتحتها حكومة التناوب التوافقي. لقد حملت سواعد المشاركين والمشاركات لافتات ولوحات ضمنتها شعارات استراتيجية ومطالب فورية من ضمنها «لا للزيادة في المحروقات»، «لا للمس بالقدرة الشرائية للمواطنين»، «بنكيران ارحل»، «لابد من التراجع عن قرار نظام المقايسة»، «ديكاج» «لا لا هذا الشي ماشي معقول بنكيران يامسؤول»...كما لم يكتف هؤلاء الغاضبون والغاضبات من حكومة أغرقت المغرب في المديونية، وأزمت أوضاعه السياسية والاقتصادية والاجتماعية، باللافتات واللوحات لقد حملوا عاليا صور الرموز التاريخية الاتحادية، كعريس الشهداء المهدي بنبركة، والشهيد عمر بنجلون، والقائد الفذ عبد الرحيم بوعبيد ثم الشهيد الشاب محمد كرينة. لقد حضرت أرواح كل الشهداء هذا العرس النضالي الاحتجاجي الصادح في كلمة واحدة: كفى من سياسة العبث التي ستلقي بالمغرب إلى التهلكة. وما هي إلا لحظات حتى شرعت الحشود الكثيفة والأمواج البشرية القادمة من جهات المملكة الستة عشرة في نظام مضبوط من قبل التنظيمات الجهوية والإقليمية والمحلية سلفا، تلج القاعة المغطاة بشكل سلس، مرددة شعارات ساخطة تحمل من خلالها بنكيران وحكومته المسؤولية الكاملة في الوضع المتردي الذي وصلت إليه البلاد، والمنذر بالانفجاريات الاجتماعية نتيجة القرارات اللامسؤولة من قبل الحكومة التي مست المعيش اليومي لكافة الفئات الشعبية. وفي جو من الحماس وترديد نشيد «اتحادي اتحادي نحن ثورة على الأعادي»، التحمت القواعد المؤلفة بالقيادة الوطنية التي صعدت المنصة ويتقدمها الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وتحت هتافات كبيرة من قبل الشباب والنساء وجميع الحاضرين «تحية نضالية للقيادة الوطنية»، عانقت القيادة الوطنية هذه القواعد الحزبية التي أبت الا أن تقطع المسافات من كل أنحاء المغرب، للتعبير عن هذا السخط العارم الذي يعتري كل فئات الشعب المغربي. لقد تميز يوم الغضب على حكومة بنكيران الذي نظمه حزب الوردة بحضور كل من عادل بنحمزة وعبد القادر الكيحل ثم عبد الله البقالي وكلهم أعضاء باللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال، وكذلك بالحضور المتميز والقوي لهيئات المجتمع المدني من جمعيات ثقافية وتربوية وحقوقية ومهنية، ثم نقابات قطاعية تابعة للمركزيات النقابية التي شاركت بكثافة هي الأخرى، كالفدرالية الديمقراطية للشغل، والاتحاد العام للشغالين، والمنظمة الديمقراطية للشغل، ثم النقابة الوطنية للتعليم العالي، والنقابة الوطنية للتجار والمهنيين، والمعطلين، والشبيبة المدرسية التابعة لحزب الاستقلال، وتمثيلية من القطاعات الحزبية الاتحادية والشبيبة الاتحادية وقطاع النساء الاتحاديات ثم اتحاديو 20فبراير. كما كان في الموعد أيضا كل من محمد اليازغي الكاتب الأول السابق للحزب، والمناضل خالد عليوة وبرلمانيو ومستشارو الفريقين الاشتراكيين بالغرفة الأولى والثانية ومعظم قياديي الحزبي على صعيد اللجنة الإدارية والمجلس الوطني. فالكل كان ينتظر كلمة إدريس لشكر الكاتب الأول للحزب، بشغف كبير لكي يجد نفسه فيها ويشفي غليله، وكيف لا وهم الذين قطعوا المئات من الكيلومترات من المدن والقرى والمداشر، من الجبال والسهول،... ليسمعوا صوتهم الاحتجاجي الغاضب والساخط والمستنكر لهذه السياسة المتبعة من قبل حكومة فاشلة مغرورة لا قدرة لها على البذل والعطاء والاجتهادات. وتحت هتافات وتصفيقات القوات الشعبية الحاضرة، والمرسلة رسائل رمزية عميقة ودالة الى الأصدقاء والخصوم، تناول الكلمة الكاتب الأول ادريس لشكر ليؤكد على أن هذا اليوم يوم احتجاج قوي على حكومة عاجزة وفاشلة لا تقوى سوى على اتخاذ قرارات انفرادية لا شعبية، تضرب الطبقة الوسطى والفئات الشعبية الأخرى في صميم قدرتها الشرائية وحقوقها المكتسبة. وانتقد لشكر المنهجية الحكومية في التعاطي مع عدد من الملفات سواء السياسية و الاقتصادية والاجتماعية، مبرزا في هذا السياق القرارات المتخذة منذ تولي هذه الحكومة، والتي أجهزت على الحقوق المكتسبة، والتي تسير في اتجاه الانغلاق والمحافظة، والتفقير الاجتماعي، معتمدة على تسلط حكومي غريب ضدا على إرادة الشعب وحقوقه وحرياته. وبنفس المناسبة شدد لشكر على أنه لابد من استحضار سجل التضحيات الجسام التي قدمها على درب النضال آلاف الاتحاديين ومناضلي القوى التقدمية والاجتماعية، من أجل مغرب ديموقراطي حداثي متحرر خال من كافة أشكال الاستبداد والقهر، ومن سياسات الابتزاز والتفقير، لافتا النظر الى أن هذه الوقفة النضالية المسؤولة وضد كل مظاهر العبث بالمصير المشترك، وضد كل استهتار متعنت بالمكتسبات والمؤسسات الوطنية. وجدد لشكر الالتزام الذي أخذه على عاتقه، المتمثل في توقيف مسلسل التردي الذي يصيب الحقل السياسي اليوم، والذي يتمثل في استعمال خطابات وأساليب تعتبر رديئة في الأداء وخطيرة في المفعول، لأنها تضرب في الصميم، مصداقية العمل السياسي ونبله، خاتما كلامه «نحن لا يهمنا اليوم من يحكم؟، بل إن ما يهم أساسا هو: كيف يحكم؟.» وأعلن لشكر قائلا «لقد ضحينا في الماضي من أجل إرساء دولة الحق والقانون، فلا يمكن أن نقبل اليوم بأساليب تدوس القواعد الدنيا لسير مؤسسات دولة الحق والقانون»، كاشفا في نفس الآن أن البعض يقول إن الحكومة لا تزال في سنواتها الأولى، وكأنها تحتاج لترويض تتمرن خلاله على حساب تطلعات البلاد وحاجيات العباد، فمتى كانت الدولة الديمقراطية تطلب حكوماتها مهلة زمنية قبل الشروع في سياسة فعلية؟. (نص الكلمة في الصفحتين 2/3) وقد تمت قراءة الرسالة التي توصل بها التجمع من طرف قيادة الاتحاد المغربي للشغل. و نوه أمينها العام الميلودي المخاريق، بالمباردة التي اتخدتها قيادة الاتحاد الاشتراكي في مواجهة الوضع الحالي ووجه التحية الى المناضلات والمناضلين الحاضرين مشيرا الي الوضع الدقيق الذي تمر منه البلاد. وبعد ذلك تناوب على الكلمة كل من عبد الرحمان العزوزي الكاتب العام للفيدرالية الديمقراطية للشغل، وكافي الشراط باسم اللجنة المسيرة للاتحاد العام للشغالين بالمغرب، ثم علي لطفي الكاتب العام للمنظمة الديمقراطية للشغل، والعربي أيت سليمان نائب الكاتب العام للنقابة الوطنية للتجار والمهنيين، حيث أجمع هؤلاء على أن هذه الحكومة قد أجهزت على كل المكتسبات الاجتماعية، بقرارتها الانفرادية والمتسرعة، كما أنها تسلك مقاربة غريبة لم يسبق أن عرفتها الحكومات السابقة في الحوار مع النقابات، مبرزين أن الحوار الاجتماعي قد تم تغييبه في الوقت الذي تمت مأسسته مع في دورتين مع الحكومة السابقة، وضربت بكل الاتفاقيات الجماعية للشغل عرض الحائط، كما استنكرت قراراتها المتعلق بالاقتطاع عن الاضراب من غير سند قانوني أو دستوري في غياب إخراج القانون التنظيمي للإضراب. ونددت قيادات هذه النقابات بالقرارات اللا شعبية والانفرادية التي اتخذتها الحكومة غير آبهة بالأوضاع الاجتماعية المزرية التي تتخبط فيها الطبقة العاملة والمأجورون وجميع الفئات المحرومة والمهمشة، محذرة من مغبة تداعيات ونتائجها على الاستقرار الاجتماعي لعموم المغاربة، وداعية في نفس الوقت الى التراجع الفوري عن الزيادة في الأسعار والزيادات المتتالية في أثمنة المحروقات، والتخلي عن نظام المقايسة الذي اتخذته الحكومة مؤخرا والمتعلق ببعض المواد النفطية لما له من انعكاسات خطيرة على الحياة اليومية لعموم فئات وشرائح المجتمع المغربي. وعبرت هذه المركزيات النقابية والوطنية عن استعدادها أكثر من أي وقت مضى لمواجهة هذه الحكومة بكل الأشكال النضالية المشروعة، بتنسيق تام مع كل القوى الحية والوطنية والديمقراطية واليسارية لوقف هذا الزحف الأخطبوطي لسياسة التعنت والغرور، والراضخة لإملاءات المؤسسات الدولية، والتي تفضل التوازنات الماكرو اقتصادية على حساب الأوضاع الاجتماعية للمواطنين. كما أعلن هؤلاء النقابيون عن انهم سينصهرون في هذه الجبهة الوطنية الديمقراطية الاجتماعية الى جانب كل التواقين الى التغيير لوقف هذا المسلسل التراجعي، والمطبوع بالردة والنكوص والتراجع عن المكتسبات على جميع الأصعدة. وللإشارة فقد ابتدأ هذا اليوم الاحتجاجي من الساعة الحادية عشر الى غاية الثانية زوالا، في جو من النظام والانضباط الكلي دون أن تقع أي حادث وذلك بفضل يقظة ووعي جموع المشاركين الذين تحلوا بروح المسؤولية والانضباط والحكمة، ثم بفضل اللجن التنظيمية التي بذلت مجهودات كبيرة وجبارة سواء من قبل أو أثناء هذه المحطة النضالية التي نقلت حزب الاتحاد من مرحلة الى مرحلة أخرى أكثر تماسكا وانسجاما وعزيمة على السير على درب النضال المستمر. ويذكر أن هذا اليوم الاحتجاجي الذي أدار فقراته وبرنامجه النضالي مصطفى عجاب عضو المكتب السياسي قد تابعته بشكل كبير الصحافة الوطنية والعربية والدولية المعتمدة ببلادنا سواء المكتوبة أو المسموعة أو المرئية ثم الإلكترونية. وفي نفس اليوم، صادق المجلس الوطني لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية مساء يوم السبت 5 أكتوبر الجاري على النظام الأساسي الجديد للحزب بالإجماع في دورته العادية التي انعقدت بالمقر المركزي للحزب بحي الرياض العرعار، وذلك بحضور معظم أعضاء المجلس الوطني. التأمت هذه الدورة في غمرة الاحتفال بنجاح اليوم الجماهيري الاحتجاجي الذي نظمه الحزب بمركب الأمير مولاي عبدالله بالرباط والذي شارك فيه زهاء 20 ألف مشاركة ومشارك، حلوا من كل جهات المملكة لإسماع صوت القوات الشعبية أينما كانوا، وللجهر بكلمة «لا للابتزاز السياسي والتفقير الاجتماعي» الذي ما فتئت تمارسه الحكومة المهلهلة والفاقدة للمبادرة السياسية . لقد ناقش أعضاء وعضوات المجلس الوطني للحزب نقطة وحيدة في جدول الأعمال لهذه الدورة، تتعلق بالنظام الأساسي الجديد للحزب باعتبار أن ذلك من اختصاصات المجلس الوطني الذي فوضه المؤتمر الوطني التاسع هذا الحق، وتداولوا خلال هذه الدورة في دستور الحزب كما وقع تعديله وملاءمته. وأوضح الحبيب المالكي رئيس اللجنة الإدارية الوطنية للحزب، في بداية هذه الدورة أن المشروع المعروض على أنضار المجلس الوطني يختلف عن النظام الأساسي الذي كان جاريا به العمل قبل المؤتمر الوطني التاسع سواء من حيث هيكلته العامة أو من حيث مقتضياته التي استوحت النقاشات الغنية والخصبة التي عرفها الحزب منذ سنوات، وبالخصوص خلاصات المقرر التركيبي لاستحقاقات 7 شتنبر 2007، والندوة الوطنية حول التنظيم بتاريخ 26 و27 يونيو 2010 ثم مداولات اللجنة التحضيرية للمؤتمر الأخير للحزب المتضمنة في المقرر التنظيمي الذي صادق عليه المؤتمر الوطني التاسع، وأيضا مداولات لجنة التنظيم والحكامة الجيدة المنبثقة عن اللجنة الإدارية الوطنية.