شائعات النكسة لا يمل مبارك من الدفاع عن المقاتل المصرى فى مواجهته مع العدو، يستحضر الأدلة والبراهين ليؤكد أنه ظُلم فى كل حلقات الصراع العربى الإسرائيلى، التى سبقت حرب السادس من أكتوبر 1973. ينسب الظلم إلى الظروف التى أيدت خصمه والظروف التى عادته. وهو ما يفسره مبارك بالقول: »لقد ظلمه خصومه حين أشاعوا ما أشاعوا من نقص فى قدراته القتالية، وفى الوقت الذى كانت أجهزة الحرب النفسية المعادية تنسج فيه الأساطير والقصص التى تقترب من الخرافات حول بطولات وهمية للمقاتل الإسرائيلى الذى لا يُقهر.. تفتق الوجدان المصرى الأصيل عن حيلة بالغة الذكاء والبراعة، يبرر بها -بينه وبين نفسه على الأقل- ما لحق بمقاتله المصرى من هزائم غير مقبولة ولا معقولة.. تمثلت فى موجة النكات التى اجتاحت الشارع المصرى، عقب هزيمة الخامس من يونيو، والتى اجتر بها الإنسان المصرى إحساسه المؤلم بهذه الهزيمة، وغضبه الساحق ممن تسببوا فى إلحاقها به، كما تمثلت هذه الحيلة -التى لجأ إليها الإنسان المصرى ليبرر بها هزيمة مقاتله- فى موجة القصص التى انتشرت حول »أخطاء بعض القيادات وتقصيرها فى أداء واجبها. ورغم ما فى كثير من هذه الأقاصيص من مبالغات وقسوة، فإنها فى النهاية تؤكد أحدث ما وصلت إليه دراسات علم النفس الاجتماعى من نتائج، وتؤكد فى نفس الوقت سلامة البناء النفسى للمجتمع المصرى، وأصالته وعراقته". كنت رئيساً للجنة التحقيق العسكرية فى الواقعة لمعرفة ما جرى يوم 4 يونيو بتكليف من قائد القوات الجوية الجديد.. واستمعت إلى العسكريين والمدنيين والفنانين المشاركين فى الحفل يدهشك فهم مبارك لطبيعة المصريين النفسية كقائد عسكرى، يمتلك المبررات لما أشاعوه من حكايات عقب نكسة يونيو، ليبرروا بها ما أحاط بهم. وتتساءل ولم لم يدرك أن صبرهم على غياب العدالة لن يطول؟ تتجاوز تساؤلاتك وتنتقل مع سطور المذكرات لترى كاتبها يستعرض ما تناقله المجتمع من حكايات وشائعات بعد هزيمة يونيو عام 1967. مؤكداً أن من يدقق فيها ويحللها يكتشف أن بها ملامح موجة دفاع غريزى عن النفس، قام بها المجتمع المصرى البالغ الأصالة بضراوة وإصرار. وهو ما يوضحه مبارك بالقول: »كان الشعب يقول من خلال هذه القصص الشبيهة فى مبالغاتها وقسوتها، إننا نحن الشعب المصرى الشجاع، لا نعرف الضعف ولا نعرف الخوف من المواجهة الصريحة مع الخصم، ولهذا فإننا أبرياء من هذه الهزيمة التى حلت بمقاتلينا، لأنها فرضت عليهم بسبب تقصير من قصروا وأخطاء من وقعوا فى الخطأ". حكاية حفل أنشاص ثم يتوقف مبارك ليحكى موقفا شخصيا وقع معه عقب النكسة، حين اكتشف أنه بطل لإحدى الشائعات التى تناقلها المصريون عن أخطاء قادتهم فى تلك الهزيمة، فيقول: »فى صباح أحد الأيام العصيبة التى أعقبت ضربة الخامس من يونيو، أُخطرت بقرار تعيينى رئيسا للجنة التحقيق العسكرية، التى شكلتها القيادة الجديدة لسلاح الجو المصرى، لمعرفة ما حدث فى »قاعدة أنشاص« الجوية مساء الأحد 4 يونيو. أى فى الليلة السابقة مباشرة لعملية 5 يونيو ضد المطارات المصرية. وكان أمر الحفل الساهر الذى أقيم فى »قاعدة أنشاص« فى تلك الليلة، قد انتشر بين جماهير الشارع المصرى، بشكل روائى مثير، وتلقفته أجهزة الحرب النفسية المعادية بذكاء بارع، ونسجت حوله ما شاء لها خيالها الخبيث من مزاعم، وصلت فى الكتاب الذى نُشر خصيصاً حول هذا الموضوع إلى حد الزعم بأن هذا الحفل الساهر، كان السبب الرئيسى فى النجاح الذى حققته الضربة التى وجهها ضدنا طيارو »موردخاى هود« وأن هذا الحفل أُقيم بتدبير محكم من المخابرات الإسرائيلية، نفذه تاجر صهيونى، استطاع أن يكسب ود كبار القادة فى سلاح الجو المصرى، واستطاع إقناعهم بإقامة هذا الحفل الساهر، الذى دعا إليه جميع قادة المطارات والقواعد الجوية المصرية، كما زعم كتاب المخابرات الإسرائيلية. ويمضى الكاتب الإسرائيلى فيقول: إنه فى هذا الحفل الصاخب، الذى سهر فيه الجميع وسكروا حتى مطلع الفجر، نجح العميل الإسرائيلى فى أن يحرم معظم الطيارين المصريين الذين احتشدوا جميعاً كما زعمت سطوره من لياقتهم للطيران، ولو ليوم واحد فقط هو يوم 5 يونيو، بحيث تلقوا الضربة الإسرائيلية الساحقة، وهم عاجزون تماماً عن مقاومتها". هكذا يحكى مبارك ما قيل عن حفل أنشاص داخل مصر وخارجها عبر دعاية صهيونية زادت من التفاصيل، لتزيد إحساس العجز داخل نفوس المصريين. ولعل هذا ما دفع بقيادة سلاح الجو المصرى الجديدة للمسارعة بتشكيل لجنة تحقيق عاجل فى هذا الموضوع. لمعرفة حقيقة ما حدث فى تلك الليلة، وتم اختيار مبارك لرئاسة هذه اللجنة. وهو ما يقول عنه: »بدأت المهمة الشاقة، ولم يكد التحقيق يبدأ سواء مع العسكريين أو المدنيين من الفنانين الذين حضروا الحفل ليسهروا فى الترفيه عن رجال القاعدة الجوية حتى تأكد لى بما لا يدع مجالاً للشك، أن الصورة لم تكن بالسواد الذى لونتها به الدعاية المعادية وأن الصورة المصاحبة المزعومة، لم تخرج عن حفل ترفيهى عادى، تقوم به أفرع التوجيه المعنوى والشؤون العامة، فى مختلف وحدات القوات المسلحة وأسلحتها. وبالتدريج، ومع تقدم التحقيق، وتوالى الشهود، بدأت اللجنة ترى الصورة على حقيقتها، وأخذت الأقاصيص المخترعة، والأساطير الفلكلورية التى نُسجت حول الحفل، تتهاوى واحدة تلو أخرى.. حتى جاء ذلك اليوم الذى وقفت فيه عاجزاً عن تحديد مشاعرى وأنا أستمع لإحدى الشاهدات وقد تملكتنى الحيرة، بين الإحساس بالسخرية لسذاجة القصة التى روتها الشاهدة، وبين الحزن لقسوة القصة وضراوة نسيجها ضد الضحية الذى حكيت القصة حوله. كانت واحدة من المطربات اللائى اشتركن فى إحياء حفل »أنشاص« الشهير، وفوجئت بالمطربة المثقفة، تقول فى نهاية أقوالها فى التحقيق، وقد بلغ بها الانفعال قمته: إننى واثقة من أن ما حدث لنا فى 5 يونيو، لم يحدث نتيجة لضعف المحارب المصرى أو عجزه عن مواجهة عدوه. سألتها بهدوء: وما هو السبب إذن من وجهة نظرك فى حدوث ما حدث لنا من هزيمة؟ أجابت الشاهدة بأسف وحزن واضحين: ماذا يصنع أشجع الرجال، إذا لم تكن لديهم القيادة القادرة على مواجهة الموقف والارتفاع إلى مستوى المسؤولية؟ عدت أسأل الشاهدة بنفس الهدوء، لكى أدفعها للإفصاح عن مشاعرها وتفصيل ما أجملت: ماذا تقصدين يا سيدتى بحديثك عن انتقاد القيادة؟ وعاودت الشاهدة الإحساس بالأسف والحزن وهى تستطرد: إذا كان ما حدث فى حفل أنشاص وقد شاهدته بنفسى وشاركت فى إحيائه أمراً عادياً، فإن طيارينا فى مختلف المطارات والقواعد الجوية، كانوا مع الأسف تحت قيادة رجال أقل من الموقف، وأدنى من المسؤولية التى كانوا يواجهونها. كتمت غيظى لهذا التعميم القاسى، وقلت للشاهدة: أريد مثالاً محدداً.. هذا التعميم فى الحكم على القيادات، فيه قسوة بالغة، وهو مرفوض تماماً. نظرت إلىَّ الشاهدة فى دهشة، وقد امتزج فى عينيها الإشفاق علىَّ والشك فى مدى جديتى وأنا أرفض اتهامها الذى أسقطته على رأس الجميع دون أن تدرى. فسارعت أقول لها: أرجوك أن تصارحى اللجنة بكل ما عندك من معلومات قد تساعدنا فى كشف الحقيقة، ولا تنسى أنك فنانة مثقفة، ومسؤولة عن كل ما تقولينه.. ثم.. إن هذا الحكم الشامل لكل القيادات، فيه إهانة وظلم للشخصية المصرية لا ترضاه مواطنة مثلك، مفروض فيها بحكم دراستها الجامعية للقانون، أن تلتزم بميزان العدالة الصارم، وحين تلقى باتهام معين، يجب أن تحدد المقصود به بالذات، ولا تتركه معلقاً فوق رؤوس الجميع. وأجابتنى الشاهدة بغضب، وقد هز ضميرها القومى، دفاعى عن الشخصية المصرية: إذا كنت يا سيدى تريد مثالاً محدداً، فيكفى أن تعرف ما حدث فى قاعدة بنى سويف الجوية، صباح 5 يونيو. حبست أنفاسى، وتغلبت على مشاعر الدهشة التى تملكتنى وأنا أسمع الشاهدة تتحدث عن قاعدة بنى سويف، وسألتها بهدوء مفتعل: ما الذى حدث فى بنى سويف فى ذلك اليوم؟ فاندفعت تقول فى عبارات أقرب إلى الصراخ: تصور يا سيدى، أنه فى الوقت الذى كانت كل الدلائل تشير فيه إلى قرب اشتعال الحرب بيننا وبين إسرائيل، الأمر الذى يُحتم على كل قائد أن يعيش بين رجاله ليل نهار، يدرس معهم الموقف، ويستعد لكل احتمال، كان قائد مطار بنى سويف ينام ليلة 5 يونيو فى شقة خاصة استأجرها بعاصمة المحافظة، بعيداً عن رجاله، وعندما وقعت الكارثة فى الصباح، استيقظ القائد على صوت القنابل والصواريخ التى وصل صوت انفجارها المدمر، إلى المدينة، وبدلا من أن يستجمع شجاعته ويسارع بالذهاب إلى قاعدته الجوية التى أحرقها العدو، ليحاول عمل شىء، إذا به يفقد صوابه، ويندفع جارياً فى الشوارع »بجلابية النوم«، ما اضطر المسؤولين فى محافظة بنى سويف إلى الجرى وراءه فى الشوارع للإمساك به ووضعه فى سيارة ابتعدت به بسرعة عن الجماهير التى أذهلها وأثار غضبها هذا المنظر المؤلم لواحد من قيادات الطيران، كان من المفروض فى تلك الساعة، أن يكون فى مقر قيادته الجوية. ليقوم بتوجيه رجاله لرد اللطمة للعدو، الذى صنع بنا ما صنع، لأنه يوجد بيننا مثل هذا القائد... قبل أن تنطق الشاهدة باللفظ الجارح، الذى كان من المحتم أن تقذف به فى أسماع اللجنة، بعد أن استبد بها الغضب، أسرعت أسألها: هل شاهدت هذ الواقعة بنفسك؟! أجابت الشاهدة فى إصرار: لقد شاهدها كل سكان مدينة بنى سويف يا سيدى، وهى منتشرة ومعروفة لكل مواطن فى مصر.. صدقنى يا سيدى، أعرف طبعا أنها قصة مؤلمة ولكنها حقيقية. تبادلت ابتسامة سريعة مع أعضاء اللجنة، ثم عُدت أسأل الشاهدة وقد انتابتنى نوبة مفاجئة من المرح والرغبة الأصيلة التى تتملكنا نحن المصريين فى إلقاء النكتة، كلما وجدنا أنفسنا أمام موقف نعجز عن التعبير عنه بغير النكتة التى اشتهرنا بها: وهل تعرفين اسم هذا القائد، الذى يجيد الجرى فى الشوارع أكثر مما يجيد قيادة رجاله؟ فاندفعت الشاهدة تقول فى غضب: ماذا يعنينى اسم هذا القائد يا سيدى. المهم عندى كمصرية، أنه ترك قاعدته تُضرب وهو بعيد عنها، وحين فاجأه العدو فقد صوابه، لم يفكر فى تصرف ينقذ به ما يمكن إنقاده، بل سارع إلى الجرى فى الشوارع بملابس النوم بشكل مؤسف ومحزن. وجدت نفسى -ربما دون قصد منى- أقول للشاهدة فى عتاب هادئ: لكننى أؤكد للشاهدة، أن قائد قاعدة بنى سويف، مظلوم تماماً، وبرىء تماماً من كل ما أُلصق به من تهم.. فلم يحدث أن كانت له شقة فى المدينة، ولم يحدث أن ضُربت قاعدته وهو بعيد عنها، ولم يحدث أن جرى فى الشوارع بملابس النوم حين ضربت قاعدته، والذى أعرفه عنه وتعرفه كل قيادات الطيران أنه متزمت إلى حد الصرامة، فى تنفيذ قواعد الضبط والربط العسكريين، بين رجاله، وأنه على سبيل المثال لم يكن يسمح لرجاله من طيارى قاعدة بنى سويف بالنزول إلى المدينة إلاَّ فى حالات الضرورة القصوى، فضلاً عن إصراره الحاسم على عدم السماح لأى منهم باستئجار سكن فى عاصمة المحافظة، ولو لقضاء إجازته الأسبوعية، وليس من المعقول أن يتمكن من فرض هذه التعليمات على رجاله، إلَّا إذا كان يُنفذها على نفسه بصرامة أشد. لم تستسلم الشاهدة بسهولة وعاجلتنى بالسؤال فى سخرية سخيفة. هل وجد الجرأة ليُكذب ما حدث.. وهل صدقته يا سيدى؟ قلت لها بهدوء وأنا أبتسم فى إشفاق وأسف وعتاب حزين: نعم يا سيدتى صدقته.. لأننى أنا هذا القائد الذى تتحدثين عنه. فغرت الشاهدة فمها دهشة وذهولاً لهول المفاجأة، وضاعف ذهولها ما سمعته وعرفت منه، أن قائد قاعدة بنى سويف، لم يكن نائماً فى مدينة بنى سويف بعيداً عن مقر قيادته ولم يجر فى الشوارع هلعاً وقت تدمير قاعدته الجوية، لسبب بسيط وهو أن هذا القائد الذى هو أنا، كان مُعلقاً فى الجو ضمن الطائرات الخمس من طراز »ت/ى/16 القاذفة الثقيلة« التى تقرر قيامها بطلعة تدريب بطياريها الخمسة كما ذكرت". الجنود أثناء نقل السلاح والمعدات محلاك يا مصرى! مرة أخرى يعود مبارك ليسوق مثالا على قوة المقاتل المصرى وشجاعته، حينما تتهيأ له ظروف القتال مهما كانت قلة الإمكانيات، وهو مثال ساقه فى هذه الجزئية من مذكراته، ليؤكد على رفض ما أشاعته المخابرات الإسرائيلية عن المصريين فى عام 1967 وأثبت الجيش المصرى عكسه فى أكتوبر 73. فيحكى إحدى بطولات أكتوبر قائلاً: »يوم الأحد السابع من أكتوبر عام 1973 وهو ثانى أيام حرب رمضان أقلع تشكيل جوى، بقيادة المقاتل طيار »نجيب.. «. لمهاجمة »قول« إسرائيلى مدرع، كان يتحرك على الطريق الشمالى بأقصى ما يملك من سرعة، مستهدفا نجدة القوات الإسرائيلية البرية المشتركة فى معركة دامية مع قوات الجيش الثانى، التى كانت تتقدم فى زحفها المنتصر شرقا، بعد أن تمكنت بنجاح ساحق من إقامة رؤوس الكبارى والمعابر اللازمة للتدفق إلى سيناء. فى هذه المرحلة المبكرة من المعركة، كان طوق النجاة الوحيد أمام العدو الإسرائيلى، هو تدعيم الأنساق الأولى من قواته التى تواجه الضربات الساحقة التى تكيلها له قواتنا الزاحفة، خصوصا بعد أن انهارت الخطوط الإسرائيلية الأولى، وتمزق معظمها. أدرك الطيارون المصريون أن حرمان العدو من وصول النجدة إليه، يحتل رأس القائمة فى المهام التى سارعوا للقيام بها، ولم يكد »القول« الإسرائيلى المدرع ينكشف، حتى هاجمته طائرات التشكيل الذى يقوده المقاتل »نجيب« بضراوة، وبكل حمولة الطائرات من القنابل والصواريخ، بحيث قضى على معظم »القول« المعادى. وعندما لاحظ قائد التشكيل، أن بعض وحدات »القول« لا تزال سليمة لم تدمر، وهى مستمرة فى السير غربا، أملا فى نجدة الخطوط الإسرائيلية المنهارة، أمر طياريه على الفور، باكتساح هذه الوحدات الهاربة بالمدافع، ونجح التشكيل الشجاع بالفعل فى تحقيق مهمته بنسبة مائة فى المائة، حيث قضى على جميع وحدات »القول« المدرع، ولكنه فوجئ بمشكلة طارئة من نوع غريب، تسبب فى خلقها حماس التشكيل وإصرار قائده على عدم إفلات مدرعة واحدة من مدرعات العدو من الصواريخ المصرية المدمرة. ظهر تشكيل من مقاتلات العدو، ليعترضه فى الجو، فى الوقت الذى لا يملك فيه الدفاع عن نفسه، بعد أن فقد ذخيرة مدافعه التى قد أفرغها فى جسد المدرعات الإسرائيلية التى حاولت الإفلات من الدمار.. يتقدم التشكيل المصرى، يحمل فى صدره رجالا، طالما عذبهم الإحساس بالإهانة التى لحقت بسلاحهم الجوى عام 1956، ثم فى عام 1967، وهم مصرون على محو هذه الإهانة عن جبين قواتهم الجوية، مهما كان الثمن، ومهما عظُمت التضحيات، ومهما تضاءلت إمكانيات العتاد المتاح لهم. كانت المواجهة المفزعة تتم فى الجو، بين تشكيلين، أحدهما يملك ذخيرة وفيرة، بينما يحلق الآخر فى الجو، وقد فقد ذخيرته كلها، بعد أن أفرغها فى بقايا المدرعات الهاربة. فى الأحوال العادية، فإن القواعد التقليدية المتبعة فى القتال الجوى، تقضى بابتكار وسائل بارعة لمحاولة الإفلات بأى شكل، والهرب بأقصى ما يتاح للطائرة العزلاء من سرعة ممكنة. ولو أن الطيار »نجيب« اختار لتشكيله هذا الحل، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من طائراته، لما كان مخطئاً أو مقصراً، ولكنه اتخذ قراراً مفاجئاً وغريباً، بل يبدو مناقضاً لكل ما يحيط به من ظروف. لقد أصدر أمره فجأة بمهاجمة العدو للاشتباك معه.. وبلا تردد انفرط عقد التشكيل المصرى، وراح كل من مقاتلينا الطيارين، يتصيد إحدى طائرات العدو مناوراً، ليركبها ويمسك بها من ذيلها.. وبروح التصميم على تحقيق المعجزة، أبدى كل طيار مصرى إصراراً فذًّا فى المناورة ومتابعة خصمه، وكأنما هو مزود بالذخيرة الكافية لتدمير عدوه والقضاء عليه.وبروح الخذلان التى تملكت العدو بعد أن فوجئ بضربة السادس من أكتوبر أسرع طيارو التشكيل الإسرائيلى المعادى، بالهرب فجأة بأنفسهم من فوهات المدافع المصرية التى تطاردهم وهى خالية تماماً من أى ذخيرة. لقد كان الحل المبتكر الذى توصل إليه المقاتل الطيار »نجيب« فى ساعة الخطر مغامرة بكل ما فى الكلمة من معنى«. وتواصل المذكرات الحكى عن معجزات المقاتلين المصريين، نافية عنهم تهم العجز والتقصير وقلة الحيلة، تؤكد أن ما يملكونه من قوة إيمان وعزيمة وإصرار على نصرة بلادنا أقوى من كل أسلحة العالم، وأن ما يمنحونه لبلادنا من عزة ليس وليد الصدفة على الإطلاق. فيحكى عن بطولة أخرى شاءت الأقدار أن يكون بطلها يوم الثانى عشر من أكتوبر، هذا »النجيب« الذى لا تأتى المذكرات على اسمه بالكامل، فيقول مبارك: »فى نهاية الأسبوع الأول من حرب رمضان المجيدة، يوم الجمعة الثانى عشر من أكتوبر، اكتشفت قوات الاستطلاع المصرية، ظهور »قول« إمداد إسرائيلى، يتقدم إلى جبهة القتال، حاملا شحنة من صواريخ »س/س 1« الرهيبة، لتدعيم قوات العدو. وعلى الفور صدرت الأوامر لأحد تشكيلاتنا الجوية، بالإقلاع لمهاجمة »قول« الصواريخ الإسرائيلى، وتدميره قبل أن يصل إلى جبهة القتال، وشاء القدر أن يكون التشكيل الجديد، هو نفسه التشكيل الذى يقوده الطيار المقاتل »نجيب«. كرر التشكيل نفس العملية بنفس الخطوات تقريباً.. تدمير »القول« المعادى بضربه بالقنابل والصواريخ، ثم قصف البقية الباقية منه بالمدافع لتدميرها وإحباط محاولتها اليائسة للإفلات بحمولتها الرهيبة. وفى اللحظة التى يفرغ فيها التشكيل المصرى من تحقيق مهمته الهجومية على الوجه الأكمل، يفاجأ بظهور تشكيل جوى معادٍ، يعترضه بعد أن فرغت ذخيرته تماماً، بلا أدنى تردد وبحسم أكثر، وبإصرار يستمد من نجاح التجربة الأولى يأخذ الطيار »نجيب« نفس القرار، ويأمر بمهاجمة التشكيل الإسرائيلى، وتصيد طائراته، والإمساك بها من الذيل. ومرة ثانية، يتمكن الفزع من قلوب الطيارين الإسرائيليين، ويسرعون بالهرب، نجاة بأنفسهم وبطائراتهم الجيدة التسليح، من فوهات المدافع المصرية التى كانت خالية تماماً من كل ذخيرة. ويعود المقاتل »نجيب« هو وتشكيله، سالماً إلى قاعدته الجوية«. مبارك مديراً للكلية الجوية يتحدث حسنى مبارك عن يوم اختياره مديرا للكلية الجوية بفخر وقوة، إلى حد وصفه ذلك اليوم بأنه سيظل محفورا فى ذاكرته. فيحدده بيوم2 نوفمبر 1967، ويصفه بأنه اليوم الذى وجد فيه نفسه فجأة أمام حلمه الكبير الذى كان يتمناه كطيار مصرى مقاتل. حيث كان يسعى بكل الوسائل لإعداد جيل من مقاتلى الجو المصريين الذين يستندون فى قوتهم على العلم والمعرفة التى لا تقف عند حد، وتتجاوز حدود التمكن من أسرار المهنة، إلى آفاق المعرفة التى تصقل شخصية المقاتل، وتكشف له أسرار عدوه ليسهل عليه مواجهته فى أى معركة. وهو ما يقول عنه: »كانت الفلسفة التى تحكم منهجى كمدير للكلية الجوية، منذ توليت إدارتها هى: العلم النظرى الواسع بفنون القتال الجوى وأسراره، والتدريب العملى الشاق والمتواصل، لتطبيق العلم النظرى المجرد على أرض الواقع العملى الملموس.. ثم.. الانطلاق بمدلول كلمة العلم، إلى أوسع مدى تيسر الظروف أن تنطلق إليه من آفاق المعرفة الإنسانية الشاملة والإحاطة الدقيقة بالعدو، ككائن بشرى له مكوناته الخاصة، وخلفيته التاريخية المؤثرة فى حاضره المعاصر.. مع دراسة واعية لكل ما يمكن الوصول إليه من أساليب هذا العدو فى الفن العسكرى فكراً وممارسة قتالية. وطوال الفترة التى عملت خلالها بالكلية الجوية، لم أتهاون لحظة فى تحويل هذه الفلسفة الصارمة، إلى واقع عملى جاد، وأشهد أن كل الزملاء الذين عملوا معى من رجال كليتنا الجوية، كانوا نعم العون على تحقيق هذا الهدف الكبير. من أحدث طالب مستجد بالكلية الجوية، إلى كبير المعلمين بها، كان الجميع يعملون فى تجانس تام، وبحماس غريب، وكأنهم فريق سيمفونى عميق الدراسة، جيد التدريب، يعزف لحناً عذباً محبباً إلى قلوبهم شخصياً، فهم يتعاونون على إخراج هذا اللحن فى أكمل صوره، ليسعدوا به شخصياً، قبل أن يُسعدوا غيرهم من المستمعين. خمس دفعات كاملة من أجنحة مصر القوية، القادرة بعلمها الواسع وتدريبها الجيد، ومعرفتها الكاملة بخصمها، تخرجت فى الكلية الجوية، خلال الفترة التى سعدت فيها بإدارتها«. كان العمل يجرى على قدم وساق لإعداد هؤلاء الرجال للحظة مواجهة، كان الجميع يعلم بحتمية مجيئها، الكل يستعد للحظة لا يعلمون توقيتها ولكنهم يبذلون الغالى والرخيص استعدادا لها، وقد جاءت. فيحكى مبارك قائد الكلية الجوية عن تركيزه فى تلك الفترة على البحث العلمى ونشر مفاهيمه بين مقاتلى المستقبل، بعدما فند ما حدث فى يونيو 67 وأدرك افتقاد القادة المصريين وقتها لمبادئ العلم الحديث فى إدارة المعارك وحساب حساباته. فركز على دراسة قدرات العدو، وأساليب قواته المستحدثة، خاصة فى المجالات التى كان يفاخر بها، باعتبارها مجال تفوقه التكنولوجى، كالإعاقة الإلكترونية، وأساليبها المستحدثة، والتطورات التى يدخلها عليها أولاً بأول، والبالونات الخداعية، التى تستعملها القوات الإسرائيلية، ودراسة نواحى القوة والضعف فى الأسلحة الإسرائيلية بشكل عام. حرب أكتوبر.. إبداعات العزيمة دون الخوض فى تفاصيل أسرار عسكرية، يسوق للقارئ بعضا من نماذج البحوث العلمية التى عكفوا على دراستها فى الكلية الجوية، فى فترة الإعداد للحرب، ومنها على سبيل المثال دراسة دقيقة لمواصفات وخصائص الطائرات والأسلحة، والمعدات المستخدمة فى القوات الجوية. لفهم إمكانياتها ونقاط الضعف بها وإمكانية تطويرها، وضع تصور تخطيطى للتكوين القتالى للقوات الجوية، خلال عشر سنوات »1967-1977«. بحث لأسلوب تطوير الطائرات والمعدات فى القوات الجوية. وغيرها من الدراسات والأبحاث التى ساعدت على خوض حرب أكتوبر بإمكانيات لا تصل لنصف قدرات العدو، ولكن طورها وقادها رجال لا يعرفون المستحيل. ونجح العقل المصرى فى تأكيد إبداعه حين وجد الطلاب والمعلمون والباحثون فى الكلية الجوية بقيادة مديرها محمد حسنى مبارك، حلولا لمشكلات كانوا يتوقعونها عند بدء المواجهة. ومنها ما يقول عنه مبارك: »نجح باحثونا فى إنتاج »قنابل الممرات« وتصنيعها محلياً، وبمواصفات مصرية وتنفيذ مصري بحت، ولقد كان لهذه القنابل، أثر قوى بالغ الفعالية، في العمليات التي استخدمت فيها خلال حرب أكتوبر، خاصة فى تدمير ممرات العدو، وشل حركة مطاراته التي تم قصفها بقنبلة الممرات المصرية، في الضربة الجوية المركزة التي قام بها سلاح الجو المصري في الساعة الثانية ظهر السبت، السادس من أكتوبر 1973. كما توصل باحثونا إلى تصنيع قنابل محلية، كان لها أثرها البالغ فى زيادة فعالية التسليح التي تتمتع بها طائرات تشكيلاتنا الجوية، وعلى الأخص فى طلعات عمليات قذف القنابل من الارتفاعات المنخفضة. تصميم خزانات الحريق و»طباتها« وتنفيذها في مصانعنا الحربية، وتم تحميل هذه الخزانات في الطائرات المختلفة، واستخدمت بالفعل خلال عمليات أكتوبر 1973، وبأعداد وفيرة، وقد أثبتت هذه الخزانات فعاليتها المؤثرة في إشعال النيران بمواقع العدو ومعداته، وإحراقها بصورة تدميرية شاملة. كما انطلق باحثونا في محاولة جادة لحل المشكلة الأساسية التي كانت تواجه سلاحنا الجوى، والتي تمثلت فى قصر المدى الذي تصل إليه أنواع معينة من الطائرات التي نستخدمها، بسبب قلة الوقود الذي تحمله خزاناتها.. وبالإصرار والمثابرة، تمكن باحثو سلاح الجو المصرى، من إجراء تعديلات جوهرية فى طائرات التشكيلات الجوية، ساعدت على تزويدها بخزانات وقود إضافية، هيأت لهذه الطائرات زيادة ملحوظة فى المدى التكتيكى الذى تحققه فى طيرانها. كما نجح علماء الجو المصريون، فى إجراء تعديلات على طائرات التشكيلات الجوية، لتحقيق الزيادة المؤثرة فى مجال تسليح هذه الطائرات، وتزويدها بقنابل ممرات مصرية التصميم والتنفيذ، عالية الجهد فى مجال القدرة التدميرية. وتطوير فعالية استخدام الطائرات الهليكوبتر لاقتحام مجالات جديدة ومتنوعة فى مجال الحرب، سواء منها العمليات الهجومية والقتالية المباشرة أو العمليات المعاونة لمجهود الحرب الأساسى«. "نجيب" اتخذ قراراً مفاجئاً وغريباً بمهاجمة سرب العدو.. فراح كل من مقاتلينا يلاحق طائرة إسرائيلية من الخلف.. فهربت طائرات العدو من شدة الخوف طائرة روسية بأجهزة استطلاع غربية يواصل مبارك الحديث بفخر لا يمكن تجاهله بين السطور عن إبداعات العقل المصرى العسكرى، الباحث عن وسيلة لاستعادة هيبته وإنزال هزيمة بعدو يستند لمخازن السلاح الأمريكى وعتاده. فيحكى عن هؤلاء الباحثين الذين وجدوا حلا لواحدة من أعقد المشاكل التى واجهت سلاح الجو المصرى وقتها، سواء فى فترة حرب الاستنزاف أو فى فترة التحضير والإعداد لمعارك السادس من أكتوبر، وتمثلت فى مشكلات الاستطلاع الجوى على العدو لمعرفة مواقعه وتشكيلاته الثابت منها والمتحرك، والحصول على الصور الجوية اللازمة لوضع بيانات دقيقة عن جهد العدو واستعداده. لتتمكن القوات المصرية من وضع خططها الاستراتيجية العامة وتفاصيلها التعبوية والتكتيكية على أساس من الحقائق والأرقام التى تصور موقف العدو بدقة. فيقول: »لهذا الحل المصرى الصميم قصة طريفة ترجع بدايتها للوقت الذى بدأت فيه القيادة العسكرية العليا فى مصر، التخطيط لعمليات العبور الشامل التى نُفذت بنجاح ساحق فى السادس من أكتوبر 1973، وكان من المحتم على القيادة المصرية الجديدة، أن تجيب عن هذا السؤال الذى يسبق أى تفكير فى وضع خطة حديثة لعملية هجومية واسعة النطاق كعملية العبور العظيم. وهذا السؤال الذى نعنيه يتلخص فى العمليات القليلة التالية: «ماذا عند العدو؟» وإذا بدا للمواطن العادى أن يستهين بهذا السؤال، فإن المقاتل الذى يحترم قواعد الفكر العسكرى، خاصة فى مجال التخطيط القتالى يعرف جيداً مدى خطورة هذا السؤال وأهميته، والتى تنبع من حتمية التعرف الكامل على ما يملكه العدو من إمكانيات فى الرجال والعتاد، لأن هذه المعرفة الدقيقة لما يملكه العدو، هى التى تحدد الجهد المطلوب من واضع الخطة العسكرية، وتحدد كمية ونوع الرجال والعتاد المطلوب لتحقيق هذا الجهد، بشكل يضمن معه واضع الخطة العسكرية النجاح لرجاله فى تنفيذ مهمتهم، وحمايتهم قدر المستطاع من المفاجآت التى يجدون أنفسهم فى مواجهتها، ومن هذا المنطلق العلمى بدأت قيادة قواتنا المسلحة، فى طلب بيانات معينة من جميع الجهات المتخصصة فى الاستخبار والاستطلاع. وكان على سلاح الجو المصرى، أن يقوم بواجبه الأساسى فى هذا المجال، عن طريق تحقيق »الاستطلاع« المباشر، الذى يحققه التصوير الجوى لمواقع العدو وقواته. هنا نشأت المشكلة التى بدت وكأنها مستعصية على الحل ثم انتهت إلى النتيجة المشرفة لكل مصرى وعربى. فلم نكن حصلنا فى سلاحنا الجوى على طائرات مجهزة بآلات الاستطلاع وأجهزة التصوير الجوى من الاتحاد السوفيتى، فى الوقت الذى كان العدو الإسرائيلى، يملك فيه أحدث الأنواع العالمية من طائرات الاستطلاع المجهزة بأدق وأعقد ما وصل إليه العلم الحديث من وسائل الاستطلاع والتصوير الجوى البعيد المدى. فلم يقف باحثونا المصريون أمام هذه المشكلة الخطيرة مكتوفى الأيدى، وفكرنا أننا نملك الطائرة السوفيتية الصنع ولكن بعض الدول الغربية الصديقة ليس لديها مانع من أن تبيع لنا أجهزة التصوير والاستطلاع المتطورة التى تُمكن الطائرة السوفيتية من تحقيق الهدف المطلوب. فما الذى يمنع من إجراء تعديل فورى على طائرات الاستطلاع السوفيتية الصنع، بحيث يمكن تركيب الأجهزة الغربية، عليها بصورة تجعلها صالحة لتحقيق المهمة؟ ومع ما قد يبدو فى هذا السؤال من بساطة، إلا أن تحويله إلى حقيقة واقعة أمر بالغ الصعوبة، لأن »أجهزة الاستطلاع الغربية« صُممت أساساً لكى توضع فى »طائرات غربية« ذات مواصفات خاصة، تتفق فى الجهد الذى تحققه مع المواصفات التى روعيت فى تصميم هذه »الأجهزة الغربية«.. ولكن باحثينا المصريين لم يترددوا وبدأوا فى التجريب والمحاولة وأخذوا يضعون التصميمات، ويحولونها إلى نماذج مجسدة، يجرون عليها تجاربهم الواحدة تلو الأخرى، حتى وصلوا فى النهاية إلى الحل الناجح للمشكلة. ولأول مرة فى تاريخ الطيران الحربى، حلقت فى الجو طائرة استطلاع سوفيتية الصنع، تعمل عليها أجهزة استطلاع وتصوير جوى تم تصنيعها فى مصانع »غربية«. وتستمر المذكرات فى عرض ابتكارات الباحثين العسكريين المصريين فى إطار إيجاد الحلول لكل عقبات العبور والاستعداد له، كما حدث حينما وضعوا حلا لمشكلة الاتصال المستمر وبكفاءة بالغة الارتفاع، بين التشكيلات الجوية العاملة وبين محطات المراقبة الأرضية وأجهزة الإنذار، من خلال إعادة إذاعة المعلومات باستخدام الطائرات، لزيادة وتوسيع مدى الاتصال وتوضيحه بين التشكيلات الجوية العاملة، وبين محطات المراقبة الأرضية، بحيث تحولت هذه الطائرات المستخدمة فى إعادة الإرسال، كمحطات تقوية لاسلكية معلقة فى الجو. ليس هذا فحسب بل يحكى مبارك فى مذكراته عن هؤلاء العلماء المصريين الذين ابتكروا وسائل لتحقيق الإنذار المبكر ضد طائرات العدو المهاجمة، وبشكل أعطى وسائل الدفاع الجوى المصرى الثابتة والمتحركة، الفرصة الكافية للتعامل السريع مع الطائرات المهاجمة قبل أن تتاح لها الفرصة لتحقيق أهدافها. وهو ما ساعد فى تقليل الخسائر على الجبهة المصرية نتيجة لغارات العدو الجوية أثناء معارك حرب رمضان - أكتوبر. وهو ما يقول عنه مبارك: »إن نجاح هذه الأجهزة المصرية تصميماً وتنفيذاً فى تحقيق مهامها فى الإنذار الفورى كان ييسر للمواقع المصرية المستهدفة بالهجوم، اتخاذ وسائل التخفى السريع، والتمويه العاجل، التى تزيد من صعوبة الطائرة المعادية التى تجازف باختراق حائط الدفاع الجوى المنيع، الذى بادر إلى العمل بكفاءة بالغة الارتفاع، عقب تلقيه الضوء الأحمر، من أجهزة الإنذار الفورى، التى صممها ونفذها الجيل الجديد من باحثى الجو المصريين«. كل تلك الابتكارات والتعديلات المستحدثة على الطائرات والأسلحة، توصل لها العقل المصرى المدعوم بصلابة لا تكل ولا تمل فى عشق هذا الوطن، وتم تنفيذها فى مصانعنا وورشنا الحربية بأيد مصرية صميمة.