رغم ما حققه جيش مصر البطل -بكل أنواعه وأسلحته- من بطولات فى السادس من أكتوبر تُعتبر، كما قال الرئيس الراحل محمد أنور السادات، »معجزة عسكرية بأى مقياس من مقاييس الفكر العسكرى« فإن ضراوة الحرب النفسية التى شنها علينا العدو عقب 5 يونيو وقبل 6 أكتوبر كانت مثار اهتمام كل مصرى، سواء فى أعلى مستوى من مستويات القيادة السياسية والعسكرية، أو لدى المواطن المصرى العادى. وفى كتابه هذا، يصر مبارك على ألا يعتبر ما حدث فى يوم 5 يونيو »معجزه« أو ضربة »أسطورية« كما حاولت إسرائيل أن تصورها.. يقول: كنا كعسكريين نعرف جيداً على الطبيعة -ودون تأثر بعوامل التحامل أو التحيز الوطنى ضد عدونا أو لصالح قواتنا المسلحة- أن ما حدث فى 5 يونيو، ليس معجزة مطلقاً، ولا هو خارقة من الخوارق التى تستحيل مجاراتها أو اللحاق بها. وكانت القيادة العسكرية المصرية، التى تولت مسؤولية وشرف الإعداد للسادس من أكتوبر، تعرف بحكم دراساتها العليا، وتمكنها من فنون الفكر العسكرى -سواء فى معاهد الغرب أو الشرق- أن ما حدث فى معارك 5 يونيو، مجرد استغلال جيد لظروف معينة وُجدت على جانبى جبهة الصراع، وهو أمر لا يشكل عبقرية عسكرية، ولا يستأهل كل ما نُسج حوله من أساطير وخرافات، بلغ من شيوعها أن الإسرائيليين أنفسهم وهم الذين صنعوها لكى يرعبوا بها العرب ويخدّروهم عن واقعهم، وقعوا فى نفس المصيدة، والتقطوا بغباء غريب عليهم فعلاً، نفس الطعم الذى أجهدوا خبراءهم فى صنعه واختلاقه لكى تلتقطه شعوب الأمة العربية، وفى مقدمتها شعب مصر. ولقد وصل بهم خداع النفس -القائم على الغرور والغطرسة والاستسلام دون وعى لنشوة النصر غير الطبيعى بينما قادة إسرائيل يعرفون بينهم وبين أنفسهم أن نصرهم فى 5 يونيو كان غير طبيعى فى مجمله- أقول: وصل بهم خداع النفس إلى الحد الذى دفع بأحد قادتهم العسكريين الكبار (رئيس الأركان ديفيد أليعازر) إلى أن يصرح قبيل 6 أكتوبر، للصحافة العالمية، بأن »البحر الأحمر قد أصبح -بفضل الطيران الإسرائيلى ذراع إسرائيل الطويلة القوية- بحيرة إسرائيلية.. وعلى العرب جميعاً أن يوطنوا أنفسهم على هذا كأمر واقع يتصرفون على ضوئه«. لو أننا وزنّا هذا التصريح لقائد عسكرى كبير -مفروض فيه أنه يحترم نفسه ويحترم كلامه- بموازين الفكر العسكرى السليم وقواعده العلمية لوجدنا أنفسنا أمام احتمالين لا ثالث لهما: الأول: أن يكون »أليعازر«، حين ألقى بهذا التصريح، قد استوثق تماماً من وصوله بقواته -بجميع أسلحتها- إلى المستوى الذى يستحيل معه أن تلحق بها أية هزيمة عسكرية، سواء من حيث مستوى الإعداد والتدريب، أو من حيث مستوى التسليح كماً وكيفاً.. كما أن عليه فى نفس الوقت أن يستوثق -عن طريق استخباراته العسكرية- من أن قوة خصمه لم تتصاعد بأى حال إلى المستوى الذى يُشكل لجيشه تهديداً أو شبه تهديد عند حدوث أى اشتباك. وإذا صح للقائد العسكرى -الذى يحترم نفسه، ويحترم عقل قواته- أن يفاخر بارتفاع قدراته القتالية، فإن مسئوليته كقائد ومفكر عسكرى تفرض عليه أن يتناول كل ما يتصل بخصمه بحذر شديد، لأن التجارب العملية أثبتت دائماً أن أى خصم مهما كان شأنه عنده دائماً ما يخفيه عن أكثر العيون قدرة على التلصص وأكثر الآذان تدريباً على التسمُّع. فإذا أغفل القائد العسكرى هذه الحقيقة البسيطة فقد وضع بنفسه أول طوبة فى بناء بشع اسمه »الفشل«.الاحتمال الثانى، الذى يُمكن تفسير كلام القائد الإسرائيلى على ضوئه: أن تكون أجهزة الحرب النفسية فى إسرائيل قد وصلت فى ممارستها فى مهمتها ضد العرب عموماً ومصر وشعبها خصوصاً، إلى درجة التشبع، بحيث تحولت بمهامها الدعائية -دون أن تدرى- إلى عقول القادة الإسرائيليين أنفسهم، فإذا بهم يصدقون الأكاذيب التى اختلقوها حول القوة الأسطورية لجيشهم الذى لا يُغلب.. وإذا بكبيرهم -فى ذلك الوقت- »ديفيد أليعازر« يدلى بتصريحه الغريب. ولم يكن أليعازر وحده الذى أُصيب بحمى الغرور، فقد كان هناك سباق عجيب بين قادة إسرائيل -العسكريين والسياسيين على السواء- فى إلقاء مثل هذه التصريحات الخالية من أى تعقُّل، لو وزنّاها بأى ميزان فكرى سليم على المستويين العسكرى والسياسى. إن »حاييم بارليف« -صاحب الخط الشهير الذى أنفقت إسرائيل على إقامته وتحصينه مئات الملايين من الدولارات ثم انهار بعد ساعات ست من الضربات القاسية التى كالها له المقاتل المصرى الشجاع المدرَّب جيداً، المسلَّح جيداً- »حاييم« هذا، يصرح يوم 5 فبراير 1971 لوكالة الأنباء الفرنسية، بقوله: »ليست لدى المصريين أدنى فرصة للنجاح، إذا هم حاولوا عبور القناة، من المؤكد أن لديهم الوسائل اللازمة لمثل هذه المهمة، ولديهم خطط للعمل، ولكن ما ينقص مصر هو الجيش الذى يستطيع أن يخطط، وينفذ، ويقاتل«. ثم يعود فى 8 مارس عام 1973 ليصرح بقوله: «أقول باختصار: إذا استأنفت مصر القتال، فإن إسرائيل لن تخسر موقعاً واحداً». وقد كان »موشى ديان«، فيلسوف المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، الذى تحطم هو وكل نظرياته عن »الأمن الإسرائيلى« فوق صخرة 6 أكتوبر، يؤكد دائماً وفى كل مناسبة بأن »مصر لن تحارب قبل عشر سنوات إذا هى فكرت فى الحرب فعلاً«.. وهو أيضاً القائل: «إن الجبهة المصرية لا تستحق من جهد جيش إسرائيل أكثر من ستين دقيقة». فى تقديمه لكتابه يعلق مبارك على مجموعة التصريحات والأحاديث الإسرائيلية التى انهمرت على مصر والدول العربية.. يقول عنها: لم تكن هذه التصريحات تعنى عند العسكرية المصرية سوى معنى واحد؛ أنه حدثت بالتدريج، وبدون قصد من العدو -وبقصد كامل من جانبنا- عملية تبادل للمواقع النفسية. وإذا سلمنا بأن السلوك البشرى -كما هو فى الواقع والتحليل العلمى- رد فعل عملى للدوافع النفسية والاقتناعات العقلية؛ فإن تصريحات قادة إسرائيل، بكل صلفها وغرورها، كانت تعنى بالنسبة لنا نحن المصريين، أننا -قبيل معارك 6 أكتوبر- قد نجحنا فى تبادل المواقع النفسية التى كنا نحتلها -قبل 5 يونيو- فتركنا موقع الغرور والتفاخر والمظاهرات السياسية الهوجاء للإسرائيليين، وأخذنا بدلاً منها موقع الحذر، والعمل الدائب فى صمت، والتخطيط العلمى المدروس فى الخفاء. كانوا يدركون قوتهم، ويبالغون فى إحساسهم بهذه القوة فى الإعلام -بل الإعلان- عنها، وكنا نصمت غالباً.. وإذا اضطررنا للكلام، فبالقدر الذى لا يشيع اليأس فى نفس المواطن المصرى والعربى، ولكنه لا يساعد فى نفس الوقت على تنبيه العدو إلى مستوى خطر -بالنسبة له- من مستويات التدريب أو التسليح، نكون قد نجحنا فى تحقيقه. وكانت حمى التصريحات التى انتابت قادة إسرائيل متفقة تماماً مع الأهداف الخفية للعسكرية المصرية، ولكن خطرها الذى كنا نعمل له ألف حساب، هو تأثيرها على المواطن المدنى، الذى لا يعلم ما نعلمه -نحن العسكريين- سواء بالنسبة لقوة العدو، أو لقوتنا المتزايدة باستمرار. ومن هنا كان الإحساس الخطير بالمسؤولية، عن ضرورة نجاح إعلامنا العسكرى بالذات فى تحقيق المعادلة الصعبة التى تتمثل فى الاستمرار فى خداع العدو المغتر بقوته، المنتشى بنصره السريع فى 5 يونيو 1967، مع الحفاظ فى نفس الوقت على الدعائم الضرورية لسلامة نفسية المواطن المدنى، والاحتفاظ له بالقدر الكافى من الثقة فى قواته المسلحة، ثقة تصد عنه الهجمات الضارية التى تشنها عليه أجهزة الحرب النفسية لدى إسرائيل. وللحقيقة والتاريخ؛ فقد كانت تلك عملية شاقة على جميع الأطراف، سواء بالنسبة لأجهزة الإعلام عامة، والإعلام العسكرى خاصة، أو بالنسبة للمواطن المصرى الذى استمد من شجاعته وصلابته الأصيلة القدرة على الصمود فى مواجهة الحرب الدعائية للعدو، وعدم الاستسلام للسموم الخبيثة التى كانت أجهزة العدو المدرّبة، تبثها بجميع الوسائل المستحدثة. وأخيراً.. حلت ساعة الصفر، التى استبعد العدو مجيئها، بينما عاشت الملايين فى مصر والأمة العربية كلها تتحرق شوقاً للقائها. وفى الساعة الثانية من بعد ظهر السادس من أكتوبر عام 1973، وتنفيذاً لأمر القائد الأعلى الرئيس السادات، عبرت مائتان وعشرون من طائراتنا القاذفة الثقيلة، والقاذفة، والقاذفة المقاتلة، عدا طائرات الحماية والاعتراض.. عبرت كلها وفى ثانية واحدة، وطبقاً للخطة، »صدام« الخط »س« فى نفس اللحظة، لتنطلق بعده إلى مواقع العدو وشرقى القناة كى ترد له الدَّين الذى فاجأها به منذ ستة أعوام فى الخامس من يونيو عام 1967. وفى الثانية والثلث -وبعد مُضىّ عشرين دقيقة تقريباً، كنت فى غرفة العمليات، أستقبل »التمام« من مختلف القواعد الجوية، لكى أعيد إبلاغه فى نفس اللحظة للقائد الأعلى فى غرفة العمليات المركزية. لقد نجحت الضربة »صدام« فى تحقيق أهدافها ضد العدو بنسبة تجاوزت 95% ولم تتجاوز خسائر قواتنا الجوية فى هذه العملية المركزة، نسبة 1% فقط، رغم أن عدد الطائرات المشتركة فيها قارب الثلاثمائة.. وهى نتائج تُعتبر وسام شرف لأية قوة جوية فى العالم، لأنها حطمت جميع الأرقام القياسية العالمية السابقة، سواء فى عدد الطائرات المشتركة فى ضربة واحدة، أو فى نسبة تحقيق الأهداف ضد العدو، أو هبوط نسبة الخسائر بين القوة المهاجمة.وبمجرد أن تأكدت القيادة العليا من نجاح الضربة الجوية المكثفة »صدام« دارت آلة الحرب الجهنمية، وتحركت جحافل المقاتلين المصريين تعبر القناة، وتلتحم بجنود الجيش الذى كان لا يُقهر. وتتوالى المعارك لتؤكد بطولة وفعالية المقاتل المصرى الذى يشعر بالأمن والثقة لأن قواته الجوية، التى أخذت الدرس والعبرة من أخطاء 1967، قد صممت على الانتقام. ولقد اعترف العدو نفسه، وشهد العالم أجمع: المراسلون الحربيون، والخبراء العسكريون، بأن الطيار المصرى المقاتل أثبت وجوده بجدارة وفاعلية -خلال معارك أكتوبر- سواء فى الضربة الأولى التى فاجأت العدو وحطمت له مراكز القيادة والسيطرة، ومراكز الإعاقة والتشويش، ومواقع بطاريات الصواريخ »هوك« المنتشرة شرقى القناة، أو فى طلعات المعاونة الجوية للقوات البرية فى زحفها المنتشر على أرض سيناء، أو فى معارك الاعتراض والقتال الجوى، ضد طيران العدو، الذى حاول اختراق مجالنا الجوى طوال أيام القتال. وفى كل هذه المجالات كان الطيار المصرى المقاتل حريصاً على أن يكتب بعرقه ودمه -بل وبحياته شهيداً- لوحة جديدة فى ملحمة الطيران المصرى، التى كانت بدايتها صدمة 5 يونيو 1967، ونقطة الوصول السعيدة ظهر السادس من أكتوبر 1973. وهنا أستطيع أن أجيب عن السؤال الذى طرحته فى بداية هذه المقدمة: هذا الكتاب.. لماذا ؟! لقد عمدت أجهزة الإعلام الإسرائيلية عشية »حرب الأيام الستة« -كما سموا معارك 5 يونيو- إلى التهويل الأسطورى الذى يقترب من حد الخرافة، فى حديثهم عن الضربة الإسرائيلية للطيران المصرى.. ولولا صلابة الإنسان المصرى عقلاً وعاطفة، لانهار بناؤه النفسى أيام هذه الحرب النفسية الضارية. وإذا كان الطيران المصرى قد استطاع أن ينتقم لنفسه فى 6 أكتوبر، وأن يرد الصفعة بصفعات أشد عنفاً وقسوة على العدو المتغطرس؛ فإن الواجب نحو الطيار المصرى المقاتل، الذى كتب خاتمة سعيدة ومشوقة لملحمة بدأت بداية حزينة فى 5 يونيو 1967، يحتّم أن يعرف أهله وذووه، ماذا فعل لهم ومن أجلهم.. فى معارك السادس من أكتوبر. هذا الكتاب أيضاً يفرضه الواجب نحو المواطن المصرى العادى الذى عاش سنوات وسنوات، وهو أسير خوف غامض، من عدو أسطورى له ألف ذراع اسمه الطيران الإسرائيلى الذى صورته الدعاية الإسرائيلية، على أنه تنين خرافى له مخالب لا نهاية لطولها، ولا راد لقوتها، ولا مُعقب لحكمها وإذا كان هذا المواطن المصرى الشجاع -الصلب الإرادة صلابة تحطمت على جدرانها كل دعايات العدو وسمومه- قد صمد فإن ما حققه الطيران المصرى من نجاح فى المعركة، يمثل جانباً من الجزاء لصبر هذا المواطن الصبور، ولكن جزاءه الأوفى يتمثل فى اطلاعه على الصورة الكاملة لملحمة طيرانه المصرى، منذ لحظة القيام من الصدمة، إلى سنوات الإعداد الصامت إلى لحظة الصدام الخالدة التى تحطمت فيها أسطورة الطيران الإسرائيلى الذى لا يُقهر. من هنا يأتى الإحساس بالمسؤولية أمام المواطن المصرى بكل صبره وجلَده، وبكل تضحياته الشجاعة فى سنوات الإعداد للمعركة، وخلالها، وبعد أن توقف القتال فى انتظار الحل الشامل العادل للقضية. فحق هذا المواطن الذى ضحى أن توضع الصورة كاملة بين يديه، بلا تهوين من أمر العدو -كما فعل خصمنا الذى اعتز بنصره عام 1967- ودون تهويل فى ملامح الصورة على جانبنا القومى. الحقيقة.. والحقيقة وحدها، هى ما يحتاجه المواطن المصرى إذا أردنا أن نضع أمامه صورة ما جرى فى 6 أكتوبر ومعاركه الخالدة. الهدف الإسرائيلى الأساسى من حرب 5 يونيو هو إصابة الشعب المصرى بالفزع وعزله عن القضية الفلسطينية والوقيعة بينه وبين أمته العربية والتزام الحقيقة فى الحديث عن إحدى حلقات الصراع مع عدو لم يلتزم طيلة حياته بالصدق لحظة واحدة، فى كل ما كتبه عن معاركه ضدنا ليس بالأمر الهيّن على النفس، ولكننا نلتزم به، إيماناً بالمسؤولية أمام الجيل الحالى من طيارى مصر الشجعان، الذين خاضوا التجربة باقتدار وفدائية منقطعة النظير، وهى مسؤولية أمام الأجيال القادمة من طيارى المستقبل؛ أذرع مصر المحلّقة فى سماء التضحية والبذل، فحقهم -حين يأتى دورهم- فى تحمل الأمانة أن يكون بين أياديهم سجل أمين، بالغ الصدق والدقة فى تصوير ما كان.. حفزاً لهم نحو ما ينبغى أن يكون. والتزام الصدق، أولاً وأخيراً، هو مسؤولية أمام المواطن المصرى الذى ضحى فى شجاعة صامتة، وحقه أن يعرف الحقيقة، وأن يستوثق تماماً، من أنه لم ينخدع هذه المرة أيضاً، كما خُدع من قبل فى مواقف سابقة، كانت الهزيمة تتحول إلى نصر تعرف الدنيا كلها أنه نصر شعارات وهمية، بينما الإنسان المصرى صاحب الحق الأول فى معرفة الحقيقة، هو الوحيد الذى تُخفى عنه الحقيقة. وإذا كنتُ قد شاركت، بحكم موقعى العسكرى، أثناء معارك أكتوبر المجيدة كقائد للقوات الجوية المصرية وأُتيح لى بحكم هذا الموقع أن أعرف من الحقائق ما ييسر لى تقديم الصورة الكاملة لملحمة الطيران المصرى، فإننى سأحاول تقديم هذه الصورة برؤية جديدة، أكثر شمولاً، وأكبر عُمقاً، فى تفسير الأحداث والوقائع، بعد أن شرّفنى الرئيس القائد الأعلى محمد أنور السادات، بالعمل معه كنائب لرئيس الجمهورية. إننى آمل أن يجد القارئ المصرى خصوصاً والعربى عموماً فى هذا الكتاب ما هو بحاجة إلى معرفته عن نسور مصر الشجعان، والملحمة البطولية، التى بدأوا فى كتابة سطورها عقب ضربة الخامس من يونيو 1967 بساعات. كما أرجو صادقاً أن يجد العدو فى هذا الكتاب، وهو سيقرأ بلا شك ما سأكتبه، تحليلاً دقيقاً لميدان من أخطر ميادين الصراع العربى- الإسرائيلى هو ميدان التسابق على السيادة الجوية فى المنطقة. وهو تحليل يكتبه طيار مقاتل، عايش التجربة بكل جوانبها المظلمة والمضيئة. ولعل العدو ينزع فى النهاية من رأسه كل جذور الغرور وبذوره، حين يستوثق تماماً أن الأمة العربية بوجه عام، والشعب المصرى بوجه خاص، قد انتزع من براثن الهزيمة الساحقة نصراً مؤكداً، وأنه لا يوجد فى العصر الحديث شىء اسمه المستحيل ما دامت هناك إرادة، وما دام هناك هدف محدد وإصرار لا يعرف التراجع، سعياً إلى هذا الهدف، كما أرجو أن ينزع العدو من رأسه أحلام التفوق التكنولوجى. لقد أثبتت معارك أكتوبر، وهى أول حرب إلكترونية متكاملة فى العالم، سواء فى مجال الطيران أو الدفاع الجوى أن المقاتل العربى الجديد مقاتل مثقف عسكرياً مكتمل الثقافة القتالية، متمكن من فنية سلاحه مهما كان سلاحه بالغ التعقيد. وهذا الجيل الجديد من المقاتلين هو صيحة التحذير الحقيقية، التى يطلقها شعبنا والأمة العربية معه لكى يفيق العدو ويتراجع إلى حجمه الصحيح، متخلياً عن أحلام السيطرة والتوسع التى أوقعته فى مأزق الحرب الرابعة التى وصفها الجنرال الأمريكى »إيثيل بانجر« حين قال فى تعقيبه على معارك أكتوبر: «إن إسرائيل بقيت قائمة كدولة لأننا لم نخنها، فبدون الأسلحة والنفاثات الأمريكية، كان محتوماً أن تفنى إسرائيل». عن «الوطن»