السادات كان مولعاً بالتوثيق لذلك طلب من «مبارك» تسجيل مذكراته فى الحرب.. وكلف رشاد رشدى بكتابتها.. و«رشدى» اعتذر لأنه كتب «البحث عن الذات» ورشح المرحوم محمد الشناوى فى هذا السياق قمت ببعض الجهد فى عملية تحرير إضافى لهذه المذكرات، يمكن أن أوجزه وفق مقتضيات الأمانة المهنية والتاريخية فيما يلى: تغيير عنوان النص من «كلمة السر.. صِدام - من يونيو 1967 إلى أكتوبر 1973» إلى «كلمة السر - مذكرات حسنى مبارك - يونيو 1967 / أكتوبر 1973». ويمكن فهم لماذا اختار الأستاذ الشناوى عنوانه الأول تخليداً لاسم العملية الهجومية القتالية التى قامت بها القوات الجوية المصرية فى أكتوبر 1973.. على أنه قد لا يبدو العنوان واضحاً الآن، لا سيما أن الكثيرين سيحتاجون إلى تشكيل النطق لكى يكون حرف «الصاد» مكسوراً وينطق صحيحاً بدلاً من أن يشير إلى اسم رئيس العراق الراحل صدام حسين!! قمت بعدد من عمليات التكثيف والاختصار، التى لا تخل بقيمة النص، ولا روح السياق الذى قام به الأستاذ الشناوى. وكان سبب ذلك هو اعتقادى بأن النص الذى وصل إلى يدى كان قيد المراجعة ولم يكن نصاً أخيراً.. فضلاً عن أن الطبيعة الإذاعية للغة الأستاذ المرحوم محمد الشناوى كانت تميل به إلى أن يضع تكرارات من فصل لآخر مذكراً بها، حسب أسلوب العمل الإذاعى، مقارنة بما هو غير معتاد فى أساليب التحرير المقروءة. قمت بإعادة التبويب عن طريق الدمج، وليس بإعادة الترتيب.. بمعنى أننى حافظت على درامية وتاريخية العمل كما دوّنه الأستاذ الشناوى، غير أنى ألغيت التوزيع بطريقة الأبواب الرئيسية المتضمنة لفصول داخلية فرعية، وجعلتها كلها فصولاً متتابعة، ما اقتضى دمج بعض الفصول. كانت المذكرات موزعة كما يلى: مقدمة، وسبعة أبواب، تتوزع كلها على فصول، بعضها أربعة وبعضها خمسة، باستثناء الباب الرابع فهو كتلة واحدة، وخاتمة. فى تبويبها الجديد، وبعد دمج عديد من الفصول، صارت هذه المذكرات مكونة من مقدمة و13 فصلاً وخاتمة، بخلاف هذا التقديم. قمت ببعض عمليات إعادة تنظيم الفقرات، وإعادة كتابة بدايتها، محاولاً أن يكون هذا أكثر تناسباً مع لغة تحرير مغايرة.. وبدون إخلال بالجهد المبذول قبل أربعين سنة. حررت هذا التقديم التاريخى - التوثيقى، والنقدى، الإضافى والواجب. وعلى الرغم من أنه توجد بعض الكتابات هنا أو هناك حول السنوات الثلاثين لحكم مبارك، فإن كثيراً منها لم يهتم بالغوص فى تفاصيل، واكتفى البعض بما يمكنه اعتباره مجاملة لرئيس، ورأى فيه الجيل الجديد أنه نفاقات.. واهتم البعض الآخر بما يمكن اعتباره هجوماً سياسياً على رئيس، رأى فيه مؤيدوه ظلماً له. وحتى لحظة صدور هذا الكتاب فإنه لم توجد بعد مصادر واضحة ودقيقة وشاملة وموضوعية لا عن سنوات حكم مبارك، ولا عنه شخصياً.. لا عن سيرة السياسى الحاكم ولا عن تاريخ العسكرى المقاتل. هذا تناقض مريع تاريخياً، بين حقيقة أن الرئيس مبارك قد حكم ثلاثين عاماً، وامتد مساره العملى لأكثر من خمسين سنة، وبين كونه الرئيس الذى لم تدون عنه تاريخياً كثير من تفاصيل سيرته.. لا قبل أن يكون رئيساً ولا بعد أن أصبح رئيساً ولا عقب تركه لمنصبه كرئيس. لقد اكتفى مبارك وحكمه بالمادة الإعلامية السيارة التى كانت تغطى أنشطة يومية ووقائع إخبارية، للدقة هو لم يكتف.. وإنما لم يسع. ولا يوجد بشأن سيرته كتاب تحليلى شامل، أو سيرة موثقة، أو أى منتج ثقافى متعمق آخر. إن الكتاب الذى يمكن أن تعثر عليه بشأن مبارك قد يكون دعائياً أو ألبوماً مصوراً.. أو كتاباً انتقادياً هجومياً رافضاً. وبالموازاة لمبارك، فإن حرب أكتوبر، وهى تتخطى دور شخص بعينه، وتشمل بطولات ومواقف وأدواراً لمئات الألوف من المصريين، كان بدورها أن لقيت ظلماً تاريخياً ولم تحظ بالقدر الكافى من الاهتمام التفصيلى والدقيق.. حتى مع صدور عدد من مذكرات بعض من كبار قادتها. ربما لأسباب ودواعى السرية التى فُرضت عليها وعلى تفاصيل حقوق المعرفة العسكرية التى أحاط بها الكتمان عقوداً.. وربما لأن النصوص التى صدرت لم تتضمن تفصيلات محددة بالطريقة الاستثنائية الواردة فى هذه المذكرات على لسان نائب الرئيس محمد حسنى مبارك. باستثناء مذكرات الفريق محمد عبدالغنى الجمسى فإن الصورة التى تصل عن حرب أكتوبر إلى الأجيال الجديدة تبدو غير مكتملة وتحتاج إلى مزيد من التفصيل.. بل إن قائدها الميدانى الأهم، القائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع المشير أحمد إسماعيل لم يمنحه الزمن فرصه لكى يروى تجربته ومسيرته وقصة الانتصار الذى سجل فيه اسمه.. وهنا تأتى الصدفة التاريخية المهمة متزامنة مع صدور مذكرات مبارك، عندما ينشر الأستاذ مجدى الجلاد فى الوقت ذاته أوراق المشير أحمد إسماعيل فى كتاب «مشير النصر» الذى تصدره دار «نهضة مصرب. لقد مضت سنوات طويلة على حرب أكتوبر، وبمضى السنوات طوى النسيان مذكرات قادة حرب أكتوبر، الذين لم تنشغل بهم تفصيلاً الحركة النقدية والأعمال البحثية والعملية التى تُبقى قيم تلك الحرب وأهميتها التاريخية يقظة فى ذهن وعقل الأجيال التالية.. لا تحليل ولا دراسات ولا مراجعات.. لم تعد حرب أكتوبر مدرجة أصلاً فى الخطط البحثية للجامعات والمعاهد المصرية. وبنفاد سنوات هذا الجيل صانع النصر، فإن الأعمال التى تتناول حرب أكتوبر ودقائقها انقطعت، ولا تضم المكتبات العربية والمصرية إلا مؤلفات نادرة عن الوقائع وتحليلها ودراستها وبحث تأثيراتها. ومن هنا فإن صدور تلك المذكرات التى أملاها نائب الرئيس محمد حسنى مبارك يسقى تربة ذاكرة قد جفت، ويرطب اهتماماً قد ذبل. وليس بعيداً عن هذا الظلم المتراكم أن حرباً معنوية وتاريخية وعلمية قد تم شنها على قيمة حرب أكتوبر ومجدها، تشويهاً وتقليلاً وإضعافاً، بل وتحويلها -استسلاماً للرواية الإسرائيلية- إلى حرب متعادلة فى أفضل الأحوال.. وفى أحوال أخرى وفقاً لروايات غير عربية بدت كما لو أنها هزيمة ناقصة أو نصر غير مكتمل. هذا أمر جلل وخطير وجدير بالانتباه بالنسبة لاهتمامنا بأجيال صار عليها أن تستسلم لحملات دعائية جعلت من الصمود الخاسر من قبل بعض التنظيمات فى معارك عابرة نوعاً من الانتصار، وأصبح عليها أن تقتنع بأن الجيش المصرى بلا مجد طالما أنه لم يخض حرباً منذ انتهت حرب أكتوبر 1973 . إن أهمية «المذكرات الأولى لحسنى مبارك» لا تكمن فحسب فى صاحبها، بقدر ما تكمن كذلك فيما ترويه عن المؤسسة العظيمة التى كان هو أحد أبطالها، وأبطال انتصارها فى أكتوبر 1973.. ويعزى ذلك إلى الطريقة التى روى بها مبارك تفاصيل عملية إعادة بناء القوات الجوية.. باعتبارها الخاسر الأهم والأكبر فى هزيمة يونيو 1967.. ومن ثم باعتبارها صاحبة ضربة النصر الأولى فى حرب أكتوبر 1973 المجيدة. لا يمكن اعتبار هذا الكتاب «مذكرات شخصية»، وإن كان «مذكرات» بالتأكيد، ذلك أن نائب الرئيس محمد حسنى مبارك لم يجعل من نفسه محوراً لها، ولم يتطرق إلى ذاته إلا فى مرات نادرة. لقد جعل من الكتاب سجلاً لسنوات تطوير القوات الجوية، وانتقالها من الهزيمة إلى النصر.. وبدا خلال تلك الصفحات شاهداً غير معلن أكثر من تقديمه لنفسه على أنه فاعل رئيسى. من المدهش أنه لا يتوقف عند محطات تاريخية مهمة ليروى تفاصيل كيف أصبح مديراً للكلية الجوية ومن ثم كيف عُين رئيساً للأركان وكيف تم اختياره قائداً للقوات الجوية. إن الرواية المؤكدة هى أن مبارك كان فى الأساس معلماً مرموقاً فى الكلية الجوية قبل أن يصلح قائداً لقاعدة بنى سويف، ومن ثم يعود بعد حرب 1967 إلى قيادة الكلية الجوية، وصولاً إلى اللحظة التى اقترب فيها من الفريق محمد فوزى وزير الحربية الراحل.. والذى كان أن رشحه للرئيس الراحل جمال عبدالناصر قائداً لأركان القوات الجوية.. فترقى مبارك من رتبة عميد إلى رتبة لواء فى وقت قياسى، وكان قرار عبدالناصر بتعيينه فى منصب رئيس الأركان مدوياً فى القوات المسلحة وله تأثيرات مختلفة. مشهدان يركز عليهما حسنى مبارك بشأن نفسه فى تلك المذكرات، الأول وهو مهزوم.. يشعر بالظلم الفادح لأنه لم يقاتل.. عاكساً تلك الصورة على كافة الأفراد والقادة فى القوات الجوية خصوصاً والقوات المسلحة عموماً. والثانى وهو منتصر يثبت بروايته لا بالحديث عن عمله الشخصى كيف أثبت المقاتل المصرى جدارته وكيف تمكن من أخذ أسباب العلم والقوة لكى يثأر لنفسه ولأمته. بدا مبارك حريصاً على عدم التفاخر فى هذه الوثيقة، ليس لأنه أصر على أن يكون ملتزماً إلى حد بعيد بالغرض الذى وجد أن الرئيس السادات قد استهدفه.. أى أن يروى قصة الضربة الجوية، ومن ثم تباعد عن أن يكتب سيرة صاحب الضربة الجوية.. ولكن أيضاً لأن تحليل المضمون يثبت أنه ابتعد عن منطق «التفاخر القومى».. وانتهج منذ الصفحات الأولى، وبإصرار، أسلوب التحليل العلمى والواقعى.. وصولاً إلى نتيجة محددة وهى أن ما تحقق من القوات الجوية لم يكن «معجزة» أو «أسطورةب. كان منطق مبارك المعلن لتبرير ذلك، هو أنها إذا كانت «معجزة» أو «أسطورة» فإنها تكون بذلك حدثاً استثنائياً، منحة عابرة، بينما أراد أن يثبت طوال صفحات ذلك الكتاب.. كما فعل توثيقاً.. أن العملية الجوية «صِدام» كانت نتاج تقييم وتخطيط ودراسات وتدريب وإصرار وإرادة.. يمكن أن يتكرر إذا تكرر ذات الجهد الذى تم بذله من أجل الوصول إلى هذا النصر.. وإذا تكررت المبررات الداعية لحدوثه. لقد أخفى مبارك نفسه من مذكراته الأولى، من حيث أنه لم يكتبها بطريقة أنه فى يوم ما استدعى أو قابل أو وجّه بأمر معين، وفى يوم آخر اجتمع بهذا أو ذاك.. ومن حيث أنه لم يقل قابلت وسمعت وفكرت وقررت وقرأت.. وإنما دوّنها بطريقة «مسيرة فريق» من الأفراد والقادة، فى مختلف قواعد وألوية وأفرع القوات الجوية، وفى سياق منظومة القوات المسلحة برمتها. فى هذه المذكرات لم يكتب مبارك عن مبارك، مباشرة، إلا ثلاث مرات تقريباً، الأولى حين تحدث عن مشهد معاناته من الهزيمة، والثانية حين روى واقعة لجنة التحقيق التى فوجئ بأن شاهدة أمامها قد ذكرت عنه رواية غير صحيحة دون أن تعرف أنه يرأس لجنة التحقيق التى تستمع إليها، تلك الشاهدة كانت فنانة جامعية حضرت حفلاً ساهراً فى القوات المسلحة قبل هزيمة يونيو 1967.. وروت لمبارك ما عرفته عن قائد قاعدة بنى سويف الجوية.. وكيف أنه لم يكن موجوداً وقت الحرب دون أن تدرى أن الذى يحقق معها هو نفسه الشخص الذى تروى عنه تلك الأكذوبة.. وكانت الواقعة الثالثة عندما روى مبارك كيف شارك فى خطة الخداع الاستراتيجى لمفاجأة الحرب. عوضاً عن هذا، جعل مبارك من تلك المذكرات مبارزة منهجية متصاعدة بينه وبين القائد الإسرائيلى الجنرال موردخاى هود مخطط وقائد الضربة الجوية الإسرائيلية التى أوقعت الهزيمة بمصر فى صباح يوم 5 يونيو 1967. وقد كان هذا الأسلوب اللافت مهماً للغاية فى التعبير عن فكرة الكتاب من حيث أنه جعل هذه المواجهة تحقق ما يلى: 1 - إكساب المذكرات بعداً درامياً صراعياً، يمزج ما بين الشخصى والعام، من حيث أن المواجهة كانت بين قائدين.. أحدهما كسب جولة والثانى يخطط للثأر، ومن حيث أنها كانت بين اثنتين من القوات الجوية المتحاربة، ومن حيث أنها كانت كذلك صراعاً بين بلدين وشعبين.. بين مصر وإسرائيل. 2 - منحت هذه المواجهة التى صنعها مبارك لمؤلفه فرصة أن يحلل ما قام به خصمه، وأن يعطيه بداية الاعتراف بأنه قد حقق مكسباً، ثم يسحب هذا الاعتراف ويهدم هذا المنهج بتأكيد كونه لا يعبر عن ابتكار خاص، ولا يمثل إنجازاً، ويفتقد إلى الشرف، ويستند إلى عوامل مساعدة لو لم تكن متوافرة ما أمكن لموردخاى هود أن يحقق نصره. 3 - أعطت المواجهة بهذا الشكل للقائد المصرى حسنى مبارك فرصة أن يأخذ قارئه خطوة تلو أخرى نحو إعلان انتصاره على القائد الإسرائيلى.. بقصد إبلاغ رسالته الأساسية وهى أن «الإسرائيلى» وما يمثله ليست لديه أية ميزات استثنائية.. وأن «المصرى» هُزم لأنه واجه عيوباً نتجت عن «تقصير» وليس لأنه مهزوم بالفطرة، أو لأنه يعانى من «قصور» مولود به كما أرادت هزيمة يونيو -من جانب إسرائيل- أن تقول وتروّج. 4 - استخدم مبارك هذه المواجهة، بدهاء مبهر، لكى يؤكد على جِدة وحداثة الضربة الجوية التى خطط لها ونفذها، وكيف أنها كانت مبتكرة ومبدعة، ونتاج العقل المصرى، وتمثل إضافة حقيقية فى تاريخ القتال الجوى.. مقارناً بين أداء القوات المصرية فى 1973 والقوات الإسرائيلية فى يونيو 1976. بمقاييس المقروئية العادية تبدو صفحات هذه المذكرات أقرب إلى أن تكون جافة، لأنها لا تتضمن مشهيات القراءة المتوقعة.. فهى لا تتضمن قصصاً وحكايات ومشاهد طريفة.. إلا حين تصل إلى فصلها الأخير.. عندما يحرص مبارك على ذكر عديد من أمثلة البطولات التى قدمها الطيارون والمقاتلون فى القوات الجوية.. وكلها احتوت على قيم ملهمة ومآثر خالدة. فى النص الأصلى الذى حرره الأستاذ الشناوى كان أن ضم كل تلك القصص فى فصول تحت الباب السابع، ووزع قصص الأفراد بحسب كل فرع فى القوات الجوية. تحريرياً كان يمكننى أن أوزع القصص الإنسانية والبطولات المميزة لأفراد وقادة القوات الجوية التى أوردها الفريق طيار محمد حسنى مبارك على مختلف فصول الكتاب.. كان هذا سيوفر فرصاً لمزيد من أساليب الإمتاع أثناء القراءة.. غير أن هذا كان سيخل بالترتيب الأصلى للنص المكتوب، والذى بُنى ترابطياً انتقالاً من محور إلى آخر، ومن مرحلة إلى غيرها، ثم توج فى النهاية بالفصل الأخير الذى يحكى قصص الأمجاد الشخصية.. وبمنتهى الحرص على أن يبدو ذلك فى سياق روح فريق واحد. لقد نقل الفريق طيار حسنى مبارك الحرب إلى صفحات مذكراته، كما لو أنه كان فى غرفة عمليات القوات الجوية، يخطط، وينفذ، ويأمر بالتدريب، ويرقى مستوى التسليح، إلى أن حانت لحظة القتال.. فى كل صفحة أو للدقة كل فصل كان يسير بالتفاصيل عبر هذا المسار ونحو هذا الاتجاه. رسالة ومنطق الكتاب هو أن: الهزيمة ليست قدراً، والنصر ليس صدفة.. وفى سبيل ذلك، ووفق التزامه بمعايير السرية التى كانت مفروضة وقتها حتى على نائب رئيس الجمهورية، فإن محمد حسنى مبارك يشرح فى فصول متتابعة كيف تحقق النصر.. وكيف تم التغلب على الهزيمة. وقبل ذلك فإنه بمنهج القوات المسلحة المصرية يقيم ما وقع وأسبابه والدروس المستفادة منه، وطرق علاج الأخطاء، وكيف أمكن امتلاك أدوات الانتصار. محرر المذكرات فى نهاية السبعينات إذاعى كبير ومؤلف درامى.. استمع لمبارك ستة أشهر وسلمه نسخة راجعها ثم احتفظت عائلته بالوثيقة طوال 35 سنة لم يكن الطريق إلى النصر سهلاً ويسيراً، كما لم تمر السنوات من 1967 إلى 1973 بسلاسة.. وبقدر ما تبدو مروية الأعوام المريرة عادية وبسيطة ونحن نقرأها الآن بعد أربعين عاماً من النصر، بقدر ما كمنت فيها عوامل قسوة المهمة وعبء الثأر وضخامة العمل وحجم التضحيات. وفى هذه الصفحات كان أن قدم حسنى مبارك ذلك العمل التاريخى، وهو جانب من بين جوانب العملية العسكرية كلها فى أكتوبر 1973 كما لو أنه يمكن لأى أحد أن يقوم به.. فى حين أنه لم يكن كذلك على الإطلاق.. ولعلنا نلاحظ بالاطلاع على هذه المذكرات ما يلى: 1 - قبل بناء المقاتل بدناً وتسليحاً وتدريباً كانت المهمة الأصعب والأهم هى إعادة بنائه نفسياً ومعنوياً. فى مذكراته أعطى مبارك جهداً عميقاً ومثابراً لكى يشرح ذلك وأهميته ودوره فى تأصيل وترسيخ عقيدة القتال، واستنهاض المصرى من هزيمته، فى ضوء أن الهدف الذى رأى مبارك أنه كان مخططاً من قبل إسرائيل فى يونيو 1967 هو قهر المواطن المصرى خصوصاً والعربى عموماً نفسياً وتنكيس ذاته بحيث لا تقوم لها قائمة من جديد. 2 - بخلاف البناء المعنوى، فإن المقاتل بُنى معرفياً، ومن اللافت أن القائد حسنى مبارك ركز على أن ردود أفعال المقاتلين وقراراتهم القتالية لا تكون متحصلة فقط من عمليات تدريبهم وتسليحهم وتجهيزهم معنوياً.. بل رأى أنها تعود فى الأصل إلى تراكم حضارى يتجمع فى لحظة المواجهة ويكون أن ينتج قرارات المقاتل التى تؤدى لانتصار. 3 - لم يذهب المصريون إلى حرب أكتوبر فجأة، كما أنهم لم يكونوا قادرين عليها فى وقت قصير.. ولم تكن التدريبات وحدها كافية لاكتساب المهارات ونمو القدرات.. وكان المقاتلون بحاجة إلى أن يواجهوا الطيارين الإسرائيليين ليعرفوهم قبل أن يقاتلوهم فى معركة الثأر. ومن هنا تبدو فى المذكرات أهمية وفلسفة حرب الاستنزاف التى يشرح مبارك مبررها التكتيكى بطريقة لم تكتب من قبل، ويصفها بأنها «جامعة» كان لا بد من الالتحاق بها قبل التقدم إلى نصر أكتوبر. 4 - إن مشاركة أكثر من مائتى طائرة فى أولى طلعات الضربة الجوية فى الساعة الثانية وخمس دقائق يوم 6 أكتوبر لم يكن سوى قمة جبل الجليد.. وحتى يسيطر المقاتل على عنان السماء وهو فى مواجهة خصمه فإن عشرات من التفاصيل المعقدة على الأرض، وبين السماء والأرض، لا بد أن تكون قد تمت.. بدءًا من إعادة بناء المطارات وتوزيعها وحمايتها وطريقة التجهيز الفنى للطائرات وإعادة تطويرها وتحديثها وتدريب الأطقم المعاونة.. ومن أهمية هذه المذكرات أنها تشرح ذلك تفصيلاً. 5 - لأول مرة يذكر مبارك تفاصيل الدور الذى قام به علمياً فى مرحلة توليه إدارة الكلية الجوية.. ويوثق ما أنتجه الفكر العسكرى العلمى المصرى خلال الست سنوات ظهيراً للضربة الجوية وفى الطريق إليها. وعلى الرغم من أنه اهتم فى مواضع مختلفة من تلك المذكرات بانتقاد الفكر العسكرى القديم والبالى الذى أدى إلى هزيمة 1967 فإنه يدهش قارئه بذكر فائدة إعادة إحياء أفكار عسكرية قديمة وتوظيفها فى ضوء الإمكانات المحدودة لتحقيق أهداف جديدة. مثال ذلك استحياء الدفاع الجوى بأسلوب البالون ودراسة ذلك فى الكلية الجوية. عن الوطن المصرية