بادرت كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط بتأبين الأستاذ سالم يفوت بحضور مجموعة من زملائه الأساتذة والمثقفين والسياسيين. وقد افتتح حفل التأبين السيد عبد الرحيم بنحادة عميد الكلية مؤكدا على واجب الاعتراف بعطاءات هذا الأستاذ الكبير والمثقف الأصيل والباحث المتميز. وأضاف ان الكلية احتفلت به واعترفت بعطاءاته الفكرية والعلمية وهو قيد الحياة وقد أصدرت عنه كتابا هو مجموعة من المداخلات والدراسات التي سبق أن قدمت في حفل التكريم ذاك. وقد أظهر السيد العميد الكتاب بعد أن صدر في حلة جميلة وكان المرحوم قد سهر على تصحيحه وترتيب مواده، لكن القدر شاء أن يرحل قبل أن يرى ثمرة مجهود أصدقائه وزملائه. وأشار بنحادة إلى أن الكتاب موجود في مصلحة النشر بالكلية، ومعروض أمام الجميع في مدخل مدرج الشريف الإدريسي الذي سبق لسالم يفوت أن حاضر فيه وناقش فيه الأطاريح، وهذا عربون وفاء دائم لأستاذ جليل لن يمحى من الذاكرة. كما تدخل وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية الأستاذ أحمد التوفيق باعتباره زميلا و صديق عمر لسالم يفوت. و استرسل في تذكر أيام التحاقهما بكلية الآداب سنة 1964، قادمين من انتماء طبقي واحد، وحس واحد مشترك في جني العلم بصدق وإخلاص. وتحدث التوفيق عن خصال المرحوم التي تقف في مقدمتها الصدق والعفوية. فهو شخص بلا حسابات، يقوده التطلع والتشوف إلى المستقبل الذي كان يذهب إليه بخطى واثقة وراسخة. وكان في ذلك شديد الإيمان بطريقه وبمسعاه العلمي، بقيادة مثالية فكرية وسياسية كانت في الحقيقة تقود جيله كاملا. وأضاف التوفيق متحدثا عن الجانب العلمي ليفوت مؤكدا أنه ينتمي معه إلى المدرسة الفرنسي، يفوت في الفلسفةّ، و التوفيق في التاريخ. وبما ان يفوت كان ينتمي إلى شعبة الفلسفة بكلية الآداب بالرباط، إضافة إلى رئاسته لها طيلة سنين، فقد جاء دور رئيس شعبة الفلسفة الأستاذ محمد نور الدين أفاية، الذي أبرز، بتأثر بالغ، شخصية يفوت المتعددة، يفوت المثقف والأستاذ والباحث المغربي والعربي. مضيفا أنه ترك حضورا متميزا بوصفه باحثا وفاعلا تربويا، كما تحدث عن دراساته الرائدة وعن ترجماته الدقيقة منذ السبعينات. هذا إلى جانب قدرته الكبيرة على التوجيه الفكري والمنهجي. وأنهى أفاية كلمته بكونه يشعر بيتم خاص بعد غياب يفوت. وتحدث الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم العالي عبد الكريم عن الالتقاء الفكري والإيديولوجي بين يفوت وبين قيم و مبادئ النقابة. فقد عاد إلى أرشيف المؤتمرات ووجد ان آثار يفوت بادية، فهو كان من الداعين إلى تطوير البحث العلمي والدفاع عن الأستاذ الباحث. كما انه في مساره البيداغوجي كان يلتقي مع شعرات و مبادئ النقابة. وتحدث سعيد بنسعيد العلوي عن ذكرياته مع يفوت، بادئا بالعزاء الذي قدمته الجمعية الفلسفية المصرية. واسترسل في الحديث عن بدايات معرفته بيفوت في كلية الآداب، و أبرز عشقه الحقيقي للفلسفة وللتكوين العلمي الأصيل. وأبرز جانبا آخر هو عشقه للموسيقى الكلاسيكية، خصوصا للكلاسيكيين الفرنسيين. وتحدث عن جانبه الصحفي، إضافة إلى خصاله التي أجملها في ثلاث: الحياء، الصدق و الجدية. وتحدث عبد الحميد جماهري، في كلمة عن المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية قائلا: «أقف اليوم بإجلال وخشوع، لأنحني باعتزاز أمام روح المثقف والمناضل والباحث سالم يفوت وتحضرني، بقلق رهيف، كلّ الشهادات لمن عايشوه، يرون حياته كحديث صحيح، بإسناد متواتر يكشف عمق حياته» وقال جماهري أن مرارةالتجربة وضعته الى جانب، مناضلين من طينة نادرة كانوا بجانبه في الامتحان العسير في 1973، عقب الثورة الفاشلة في أعالي الأطلسش مضيفا «.وقتها كانت السلطة تعاني من إعجاب مفرط بذاتها وزعيمها، وكان احتكاكه بها في ذروة جنونها الوحشي بنفسها، أي السلطة التي سيصادفها مطولا في كتابات ميشيل فوكو، ويستعمل عقله الفذ في تفكيكها وقراءتها وشرحها لنا، أذابت رصاصها في لحمه، وتقاطعت كليانيتها وأنانيتها وقسوتها في ملتقى عظامه». واضاف جماهري« يقدم سالم يفوت درساً دائماً في رحاب تجربته الإنسانية، مفاده أن الفيلسوف في بلاد القسوة، يثبت جدارته الفكرية بجدارة إنسانيته في الصبر والصمود والتحوّل» مشذذا علي أن « إنّ المثقفين من أمثاله هم الذين ينقدون إنسيّتنا المغربية من ركاكة التكرار والتعالُم الفوقي من سيرته، كما كنا نستخلص ونحن شباب امتدادا لما يراه، إننا مدينون له بوجودنا» وحكى جماهري قائلا« لقد روى عبد الهادي خيرات الذي كان أوّل كاتب عام للشبيبة الاتحادية وأحد مهندسيها، أن المرحوم سالم يفوت كان ضمن الثلة المختارة لتأسيس التنظيم الشبيبي، إلى جانب الشهيد عمر بنجلون».وختم بالقول هذا المثقف العالي، بايادي عارية إلا من أداة العقل والبناء المنطقي، ستظل الحاجة قائمة إليه، مع الزحف العشوائي المتلاطم لقوى التحجر والانغلاق والنرجسية المعتصمة بالفكر الواحد كحاجة لتحرير العقل، والارْتقاء بالإنسان إلى صلب التاريخ، بعيداً عن أية وصاية روحية يستعملها دعاة التطرف والقتل والرجعية». انتقلت الكلمة إلى المفكر الأستاذ محمد سبيلا الذي جمعته صداقة كبيرة بالمرحوم، فتحدث عما أسماه «مقومات جيل»، وعنى بها مجموعة من العناصر المشتركة التي جمعت بين أساتذة وباحثين ومفكرين من جيل سالم يفوت. وهي مقومات قوامها العطاء والإنتاج الفكري وسعة الاطلاع وصدق التعاطي مع مستجدات الفكر ودوره في الجامعة والمجتمع. وبذلك فجيل سالم يفوت قد أسهم في تغذية وتقوية ظاهرة تعليم الفلسفة في المغرب، وهو ما ميز التحولات التاريخية للمغرب الحديث. فهذا الجيل، الذي يحمل يفوت خصائصه، متشبع بثقافة الحركة الوطنية. جيل ورث بشكل تلقائي ثقافة الحركة الوطنية ببعديها الوطني، لأنه كان يحمل مشروعا مجتمعيا وبنية إيديولوجية. إضافة إلى البعد الثاني الذي هو البعد القومي. وختم الأستاذ سبيلا أن يفوت توجه إلى الأبستمولوجيا هربا من السياسة التي حصد فيها نتائج تراجيدية. وفي الختام تحدث الأستاذ محمد أديوان من شعبة اللغة العربية و آدابها و الأستاذ كمال عبد اللطيف من شعبة الفلسفة بنفس الكلية والذي جمعته صداقة في البحث والحياة بالمرحوم. وقد أبرز الاثنان الخصال الشخصية والعلمية للمرحوم، إضافة إلى الكفاءة الفكرية التي مكنته من كسب سمعة عربية لائقة به وبفكره وبمجهوداته في البحث.