أجمع المتدخلون في اليوم الاحتفالي بالأستاذ سالم يفوت الذي احتضنته قاعة المنوني بكلية الاداب والعلوم الانسانية بالرباط على نبل المحتفى به باعتباره رجلا من عيار نادر، لم يكن يوما طرفا في أي صراع سواء كان أكاديميا أو نرجسيا أو مصلحيا، كما أنه كان يعمل في صمت بعيدا عن الأضواء، وهو مناضل أخلاقي وعقلاني في مجتمع غير عقلاني، من المؤمنين بدور الفلسفة ونشر قيمها العقلانية، نجح في الجمع بين حقول معرفية عديدة، وتميز بحضوره النوعي واسهامه النقدي،و قناعته العميقة بالفلسفة ودورها جعلته ينسى مصالحه، وهو في كل ذلك الرجل المتواضع والباحث الناصح الذي له اياد بيضاء على طلبته نصحا وتشجيعا للدفع بهم الى الأمام كي تسود الفلسفة في الثقافة المغربية، يقرأ بنهم، ويبحث وينقب في صبر، ويترجم برصانة واستطاع أن يجمع بين الاهتمام بالعلوم الغربية والعربية بحثا وتنظيرا، وقدم إسهامات أصيلة في الحراك الفكري المغربي لمساءلة الذات والثقافة والسياسة، مثلما ظل يطعم البحث في تاريخ العلوم برؤية ابستمولوجية من خلال الجمع بين البحث التاريخي والفلسفي في اهتمامه بالعلم. ويدافع عن أفكار متعددة و يخلق افكارا متعددة، وهو أحد المؤسسين والمرسخين للفكر الفلسفي في الجامعة المغربية ونبله، و انسانيته، ماكان ليكونا بدون العمق الذي بلغه كمفكر وباحث، وله افضال كبرى على الفلسفة في المغرب والعالم العربي والاسلامي تعريبا وتقريبا، اذ لم يعرف العالم ا لعربي الابستمولوجيا الا من خلال ترجمته وشروحه، اشتغل على حقول عديدة، وهي كلها حقول لم تكن امامه مغلقة،ب ل كان ينتقل بينها وهو يتشبث بحقيقة ما، دون ان يخلطها مع ما يشبهها، وحينما لا يكون جاهزا للحكم يؤجل حكمه، لان الحكم قد يكون مجرد تخمين، لانه يفتقد الى ما يبرره وهو من الناس الذين يحلو الحديث معهم وعنهم، لذلك فمجالسته مطلوبة وممتعة، ولذلك نجح سالم يفوت ان يكون نافعا وممتعا. وقد كتب كمال عبد اللطيف في كلمته باسم اللجنة التحضيرية لليوم الدراسي المنظم الجمعة 30 دجنبر2011 احتفاء بالمسار الفكري للأستاذ الباحث سالم يافوت من طرف «شعبة الفلسفة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط»: «نفترض أن يكون هذا اليوم الدراسي بمثابة فرصة لرصد مختلف أشكال الحضور الرمزي، ومختلف الأدوار التي قام بها الأستاذ سالم يافوت طيلة أربعين سنة من العطاء المتميز بكثير من السخاء ونكران الذات. فقد انخرط في سلك التعليم الثانوي في نهاية الستينيات، ومنذ بدايات عمله أبان عن قدرة فائقة في العمل والإنتاج. « ساهم سالم يافوت في تأسيس الجمعية المغربية لمدرسي الفلسفة، وقد لعبت هذه الأخيرة دوراً بارزاً في التنسيق بين مدرسي الفلسفة وبناء تقاليد في العمل الجماعي الكفيل بترسيخ قيم الدرس الفلسفي في المدرسة المغربية. وقد شغل في إطار هذه الجمعية لمدة سنوات منصب الكاتب العام ومنسق الأعمال بهذه الجمعية، الأمر الذي ترتب عنه إشرافه على العديد من الأنشطة التربوية التي تشهد على ما تميز به من روح المبادرة والوفاء لروح العمل الفلسفي. «أصبح الأستاذ سالم يافوت بعد عشر سنوات من التدريس في الثانوي أستاذا مساعدا في كلية الآداب والعلوم الإنسانية في نهاية السبعينيات. وطيلة ثلاثة عقود من الإنتاج المتواصل في مجالات فلسفية متنوعة، أثبت الباحث جدارته، كما أثبت إنتاجه النظري المتنوع قوة حضوره الفكري المصحوب بكثير من التواضع والإخلاص في العمل. « تتقاطع في أبحاث الأستاذ سالم يافوت مجالات معرفية متعددة، تنبئ بقدرته على الجدية في العمل وملء الثغرات المطلوبة، في حقل الدراسات الفلسفية في الجامعة المغربية. «ونذكر من بين المجالات التي أنتج فيها سالم يافوت مصنفات هامة ما يلي، دراسات في الفكر الإسلامي، أبحاث في الإبستمولوجيا وتاريخ العلوم، دراسات في تاريخ العلوم في الفكر الإسلامي، أبحاث في الفكر الفلسفي المعاصر،مترجمات في الفلسفة المعاصرة. ويكشف عطاؤه في المحاور التي ذكرنا جملة من السمات العامة التي تحدد صور قدراته ومزايا إنتاجه. «يضاف إلى ذلك، التزامه بتحمل مسؤولية رئاسة شعبة الفلسفة في ظروف صعبة، حيث ظل ما يزيد عن عشر سنوات، يمارس دور المنسق الحريص على السير التربوي العادي لشعبة الفلسفة. «وفي غمرة مجمل انشغالاته حرص الأستاذ سالم يافوت على تأطير الطلبة والإشراف على أبحاثهم الجامعية بروح تربوية ومعرفية عالية. ولا شك أن طلبته يذكرون ما يتمتع به من رحابة صدر، ويشهدون بمزاياه في التأطير والإشراف التربويين. «إن الاحتفاء بالأستاذ سالم يافوت يعزز تقاليد الوفاء لكل الذين ساهموا في التدريب على التمرس بقيم الفلسفة في جامعتنا. وقد قام الأستاذ سالم يافوت طيلة مساره العلمي الذي يفوق أربعة عقود بأداء واجباته على أفضل وجه، الأمر الذي يساهم في تحويل الاحتفاء به إلى مناسبة فلسفية للحديث عن الفلسفة في المغرب وآفاقها، وكيفيات مواصلة العمل على منحها المكانة التي تستحقها في فكر يتجه لترسيخ قيم العقلانية والفكر التاريخي في مجتمعنا.»