سادت حالة استنفار لدى السلطات الأمنية والمحلية بفاس، بعد ظهر يوم الأحد 8 شتنبر 2013، عقب انهيار سقف طابقي السفلي والعلوي لمنزل سكني بدرب بنكيران رقم 2 بمنطقة باب الخوخة بالمدينة العتيقة لفاس، المتواجد فوق الممر المؤدي إلى مدرسة بنكيران للتعليم العمومي، دون أن يخلف الحادث خسائر في الأرواح البشرية، لكن أسفر عن إصابة أربعة جرحى بينهم سيدة حالتها جد «خطيرة»، الذين تم نقلهم إلى المركز الاستشفائي الجامعي لتلقي العلاجات الضرورية. وقد تزامن الانهيار مع أيام العطلة المدرسية ومع فترة الصلاة، حيث كان المكان فارغا تماما من مستعملي الطريق، من راجلين، وإلا أن الكارثة كانت ستكون كبيرة خاصة وأنه يقع قرب سوق يعرف حركة كبيرة من طرف المتسوقين، وفوق ممر يعبره أكثر من مائة تلميذ وتلميذة، بالنظر إلى جسامة انهيار البناية المتقادمة والمتآكلة وطبيعة البنايات المجاورة التي بدورها تأثرت جراء الانهيار، وحجم الحجارة والأتربة، التي تعدت الرصيف اللصيق بالمنزل المنهار إلى أقصى اشارع المجاور، والتي تسببت في مقتل حمار كان يعبر الزنقة. هذه الأوضاع الهشة للبنايات بهذه الأحياء، تجعل فاس مع كل فصل شتاء، أو مع كل التساقطات المطرية مهما كان حجمها، عرضت لموسم انهيارات بناياتها، وهي الانهيارات التي تُخلِّف، في كل مرة، ضحايا في الأرواح وخسائر مادية مهمة في ممتلكات العائلات المتضررة، سواء تعلق الأمر بالمباني التي تعود لعهد الأدارسة أو الحديثة البناء. وفور انتشار الخبر انتقلت الجريدة إلى مسرح الحادث، ووقفت عن كثب على هول الدمار الحاصل في المنزل المنهار، الذي تسبب في تصدع منزل بالجوار، حيث أكد شهود عيان من خلال شهادات وارتسامات استقتها «الاتحاد الاشتراكي» من عين المكان، «أن الانهيار واكبه انفجار مدوي، خلف حالة هلع لدى الجيران والمارة بالشارع المجاور، والتي جعلت البعض يعتقد أن زلزالا ضرب الحي السكني». وقد جندت مصالح الوقاية المدنية أسطولا مهما وأكثر من 30 عنصرا لانتشال الثلاث بنات وأمهن من تحت الأنقاض، حيث تم تسييج المكان بحواجز حديدية في الاتجاهات المؤدية، من والى المنزل المنهار، تجنبا لانهيار باقي جدرانه، خاصة وأن المنطقة مأهولة بالسكان، العامل الرئيسي لشبح الانهيارات الذي يلاحق الحاضرة الإدريسية، حيث الكثافة السكانية المرتفعة تؤدي إلى تدهور حالة المساكن في المدينة العتيقة، وما تشهده بعض المنازل من تكدس للعائلات في منزل واحد، إضافة إلى عوامل الطقس التي تؤدي إلى تآكل الجدران بسبب الرطوبة وهطول الأمطار، حيث تعيش فاس القديمة على إيقاع خطر محدق وممكن الوقوع في أية لحظة، حيث أن أزيد من 7800 منزل مهدد بالسقوط بولاية فاس، وحوالي 1800 منزل بالعدوتين، وأكثر من 4000 أسرة مهددة بمآسي مؤكدة ووشيكة. ولم تعد فاس البالية أو المدينة العتيقة الوحيدة المهددة بالانهيار، بسبب تقادم البنايات وغياب مشاريع للترميم، وإنما أصبح الانهيار يهدد عددا من العمارات والمنازل العشوائية في مجموعة من الأحياء الهامشية في كل لحظة بفاجعة إنسانية نظرا لهشاشة البناء وعدم احترامه للقوانين المعمول بها، وغياب المراقبة والتتبع أثناء عمليات تشييدها من قِبَل « محترفي » البناء العشوائي، والذين يلجؤون إلى التواطؤ مع بعض أعوان السلطة ورجال السلطة والمنتخَبين من أجل تشييد أحياء » بؤس « توضع رهن إشارة الفقراء والنازحين من الضواحي، والذين سرعان ما يتحولون إلى أرقام في اللوائح الانتخابية تغذي أباطرة الانتخابات للحصول على صفة منتخَبين. حزام موقوت مهدد في كل لحظة بفاجعة إنسانية، لعل أفجعه كارثة انهيار عمارة بالحي الحسني بلخياط سنة 2000، مخلفة عشرات الضحايا والمشردين، ثم انهيار عمارتين في حي كاريان الحجوي، وهي الفاجعة التي مازال صاحب العمارة لم يصدق ماذا حصل بالضبط، فقد خرج من أجل إيصال ابنته للمدرسة وعاد ليجد العمارة على حافة الانهيار، حاول إنقاذ زوجته وابنته، لكن دون جدوى. كما عرفت العاصمة الروحية للمملكة كوارث انهيارات اهتزت لها مشاعر المواطنين مثل تلك التي سجلت بكاف العزبة بمنطقة فاس الشمالية المحاذية لحي لابيطا وتركت وراءها عشرات الضحايا، وكذلك الأحداث المؤلمة التي عرفتها حافة مولاي إدريس قرب تجزئة الفيكيكي بحي بنزاكور وخلفت ضحايا ومنكوبين دون نسيان انهيار عمارة مغشوشة البناء سنة 1998 بمنطقة ازواغة مخلفة 17 قتيلا. وتساءل المتتبعون للشأن المحلي، ألم يحن الأوان إذن لأن يبتعد البناء عن التساهل المسطري وضعف زجرية القانون وإغماض العين وتأديب سماسرة البناء العشوائي ؟، ألا يمكن تطوير صيغ تضامنية أكثر واقعية ونزاهة لحل إشكالية السكن المهدد بالانهيار والسكن غير اللائق ؟.