ترى الهيئة المديرية لمركز دراسات حقوق الإنسان والديمقراطية أن بلوغ المبتغى من تنظيم ورش الحوار الوطني حول المجتمع المدني يتطلب التحلي بالمرونة الضرورية لفتح قنوات الحوار والتبادل المتنوعة مع مختلف مكونات المجتمع المدني المغربي، بما فيها الجمعيات والشبكات التي لم تشارك مباشرة في هذا الحوار، اعتبارا للأهمية القصوى لذلك بهدف الاستفادة من مختلف التجارب والرؤى في تفعيل المستجدات الدستورية المتصلة بالديمقراطية التشاركية في علاقة بالمجتمع المدني، واستثمار الخبرات والممارسات الفضلى التي أفرزتها الممارسة والعمل، وبلورة أسس حكامة جيدة في تدبير الشأن الجمعوي، فضلا عن بلورة وتفعيل ميثاق وطني للمجتمع المدني. وقد أصدر المركز الذي يترأسه الاستاذ لحبيب بلكوش مذكرة في هذا الشأن فيمايلي نصها : كرست الوثيقة الدستورية مكانة المجتمع المدني وأدواره في سياق البناء المؤسساتي والديمقراطي، وفي إطار الديمقراطية التشاركية كأحد المرتكزات الأساسية للتجربة المغربية.وقد جاء ذلك كإقرار وتتويج للأدوار التي اضطلع بها خلال عقود من العمل الميداني والترافع والاقتراح والتواصل والتربية للنهوض بقيم التضامن والعدل والحرية، والدفاع عنها في مجالات متعددة شملت التنمية و التعليم وحقوق الإنسان والمرأة والطفل ومحاربة السيدا والدفاع عن العدالة الاجتماعية والمساواة والكرامة... وقد ساهمت المنظمات غير الحكومية بدور بارز في طرح وإنجاح أوراش هامة تمثل مداخل بارزة في البناء الديمقراطي بالمغرب، نذكر منها بالأساس ورش العدالة الانتقالية واللغة الأمازيغية ومدونة الأسرة والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وكان لها أثر واضح في الوثيقة الدستورية وفي الإصلاحات التشريعية ببلادنا. وبهدف الارتقاء بأداء المجتمع المدني وبأدواره، وتمكينه من الاضطلاع بها في أحسن الشروط، يكتسي «الحوار الوطني للمجتمع المدني وأدواره الدستورية الجديدة» أهميته، وتبرز الانتظارات المتوخاة منه كمخرجات تعزز استقلاليته، وتحسن الإطار التشريعي المؤطر له، وترفع من قدراته وإمكاناته للقيام بأدواره بفعالية ونجاعة، وتضع أسس لمعالجة الاختلالات التي قد يعاني منها أو قد تعوق عمله. واستحضارا لذلك، يساهم مركز دراسات حقوق الإنسان والديمقراطية في أشغال الحوار الوطني حول المجتمع المدني، وذلك إيمانا منه بفضيلة الحوار والتشاور بين الفرقاء في بناء الأرضيات المشتركة التي تحكم أداء الجميع، وتحمي مكانتهم وأدوارهم في المشروع الديمقراطي لبلادنا، وفي ضمان أوسع مشاركة ممكنة للجمعيات والمنظمات غير الحكومية في هذا الحوار، وفي صياغة مختلف الأرضيات الضرورية لبلوغ أهدافه بنجاح، والمشاركة الفعلية والفعالة في صياغة مخرجاته بما يمكن من استخلاص القواعد المرتبطة بأحكام الدستور المتعلقة بتفعيل الحق في إعداد قرارات ومشاريع لدى المؤسسات العمومية والهيئات المنتخبة وصياغة وتنفيذ و تقييم السياسات العمومية وغيرها من القضايا ذات الصلة. وفي هذا السياق ترى الهيئة المديرية لمركز دراسات حقوق الإنسان والديمقراطية أن بلوغ المبتغى من تنظيم ورش الحوار الوطني حول المجتمع المدني يتطلب التحلي بالمرونة الضرورية لفتح قنوات الحوار والتبادل المتنوعة مع مختلف مكونات المجتمع المدني المغربي، بما فيها الجمعيات والشبكات التي لم تشارك مباشرة في هذا الحوار، اعتبارا للأهمية القصوى لذلك بهدف الاستفادة من مختلف التجارب والرؤى في تفعيل المستجدات الدستورية المتصلة بالديمقراطية التشاركية في علاقة بالمجتمع المدني، واستثمار الخبرات والممارسات الفضلى التي أفرزتها الممارسة والعمل، وبلورة أسس حكامة جيدة في تدبير الشأن الجمعوي، فضلا عن بلورة وتفعيل ميثاق وطني للمجتمع المدني. وتتميما للحوار الذي يساهم فيه المركز إلى جانب جمعيات ومنظمات وشبكات أخرى من المجتمع المدني المغربي، وتجاوبا مع نداء اللجنة الوطنية لإدارة الحوار الوطني حول المجتمع المدني بخصوص «إعداد وإرسال المذكرات والمقترحات المكتوبة» كشكل من « المساهمة في صياغة جواب مشترك (...) تفعيلا للأحكام الدستورية ذات العلاقة مع الديمقراطية التشاركية «، تتقدم الهيئة المديرية إليكم بهذه المذكرة المتضمنة لمقترحات المركز بخصوص محاور الحوار الوطني حول المجتمع المدني. لا بد من التأكيد بداية على أهمية تثمين الموقع الهام الذي أصبح يحتله النسيج الجمعوي في المغرب، كنسيج مدني وازن ومتعدد الوظائف وأشكال العمل ومجالات التدخل، ضمن خريطة تأطير المواطنين ومواكبتهم، وامتداداتها المجتمعية والتنظيمية، فضلا عن قدرته الاقتراحية والترافعية والرصدية، ومدى اتساع علاقاته الداخلية والدولية في مجالات ذات أهمية قصوى في التطورات التي عرفتها بلادنا. لقد اكتسب المجتمع المدني المغربي هذه المكانة بفضل التطور المتنامي لمكوناته والمجهودات التي بذلها على امتداد عقود تفاعلا مع تحديات وإنجازات وإكراهات بلادنا، خلال مختلف المراحل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، حيث اضطلعت جمعيات المجتمع المدني بأدوار بارزة في ما حققته بلادنا من تقدم في مجال حقوق الإنسان والديمقراطية وولوج خدمات اجتماعية) الحصول على الماء الصالح للشرب والكهرباء في مناطق عدة، بناء طرق لفك العزلة، التربية غير النظامية...(، والترافع من أجل إصلاح القوانين، والدفاع عن القضايا الوطنية، ومحاربة تبذير المال العام وغيرها. وأبرزت عدة دراسات أكاديمية و حكومية و دولية هذه المكانة، كما بين ذلك بجلاء، أيضا البحث الوطني الذي أنجزته المندوبية السامية للتخطيط وصدر في دجنبر 2011 حول المؤسسات غير الهادفة للربح، والذي تضمن بصفة رسمية معطيات مرقمة حول النسيج الجمعوي في المغرب، وخاصة بالنسبة لسنة 2007 كسنة مرجعية للبحث. لقد خلصت هذه الدراسات إلى أن أغلبية مكونات النسيج الجمعوي تعاني من معيقات عدة منها عدم التوفر على مقرات خاصة، وغياب التجهيزات الضرورية للتسيير، وصعوبة الحصول على التمويل، والنقص في التكوين وقدرات التدبير بشكل مهني، والصعوبات الملموسة بشكل متزايد في إقناع المتطوعين بالاستمرار في العمل الجمعوي، فضلا عن تجاوز دينامية المجتمع المدني للإطار القانوني المؤطر للعمل الجمعوي. وعملا على تجاوز بعض هذه المعيقات، ومنها الإطار القانوني الذي لم يعد قادرا على مرافقة هذه الدينامية التي اتخذت أشكالا متعددة داخل المجتمع وفي علاقتها بالدولة وبالقطاعات الحكومية وبالجماعات الترابية والعديد من القطاعات العمومية، بادرت الحكومة إلى مراجعة قانون الجمعيات حيث ثم تعديل العديد من مقتضياته سنة 2002، غير أن بعض ممارسات الإدارة ظلت محكومة في حالات عدة بهاجس أمني أو خاضعة لتقديرات تمييزية يمكن إدراجها في باب ممارسة الشطط في استعمال السلطة. وقد كرست الوثيقة الدستورية المعتمدة في يوليو 2011 المكانة الخاصة للمجتمع المدني، مؤكدة على دوره المتميز في إقامة وترسيخ الديمقراطية التشاركية. و هكذا نص الفصل 12 على حرية تأسيس جمعيات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية وممارسة «أنشطتها بحرية، في نطاق احترام الدستور والقانون «. كما أكد على أنه « لا يمكن حل هذه الجمعيات والمنظمات أو توقيفها من لدن السلطات العمومية، إلا بمقتضى مقرر قضائي «. ونص ذات الفصل على أن «تساهم الجمعيات المهتمة بقضايا الشأن العام، والمنظمات غير الحكومية، في إطار الديمقراطية التشاركية، في إعداد قرارات ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية، وكذا في تفعيلها وتقييمها. وعلى هذه المؤسسات والسلطات تنظيم هذه المشتركة، طبق شروط وكيفيات يحددها القانون». و»يجب أن يكون تنظيم الجمعيات والمنظمات غير الحكومية وتسييرها مطابقا للمبادئ الديمقراطية «. ودعا الفصل 33 إلى إحداث مجلس استشاري للشباب والعمل الجمعوي يمكن (...) من مساعدة الشباب على الاندماج في الحياة النشيطة والجمعوية...، فضلا عن أن الفصل 139 ينص على أن « تضع مجالس الجهات، والجماعات الترابية الأخرى، آليات تشاركية للحوار والتشاور، لتيسير مساهمة المواطنات والمواطنين والجمعيات في إعداد برامج التنمية وتتبعها. كما يؤكد على أنه « يمكن للمواطنات والمواطنين والجمعيات تقديم عرائض، الهدف منها مطالبة المجلس بإدراج نقطة تدخل في اختصاصه ضمن جدول أعماله». وعملا على تفعيل المقتضيات الدستورية المخصصة للمجتمع المدني، أكد البرنامج الحكومي المقدم في يناير 2012 أمام البرلمان، بأن الحكومة ستعمل على : - فتح ورش الديمقراطية التشاركية بتفعيل المقتضيات الدستورية ذات الصلة وتطوير العلاقة مع المجتمع المدني بما يخدم التنمية ويعزز الحقوق والحريات ويحفز على القيام بالواجبات. - إرساء المؤسسات الدستورية ومؤسسات الحكامة وتعميق التشاور مع الفاعلين الاجتماعيين والاقتصاديين ومنظمات المجتمع المدني والجماعات الترابية في بلورة السياسات العمومية وتفعيلها وتنفيذها وتقييمها. وتماشيا مع كل ذلك، يتقدم مركز دراسات حقوق الإنسان والديمقراطية بمقترحاته التالية: 1. تفعيل المقتضيات الدستورية ذات العلاقة بالمجتمع المدني يرى مركز دراسات حقوق الإنسان والديمقراطية أن تفعيل المقتضيات الدستورية المتعلقة بالديمقراطية التشاركية وبالأدوار المنوطة بجمعيات المجتمع المدني يتطلب: * إصدار القانون المشار إليه في الفصل 12 المتعلق بتنظيم مشاركة جمعيات المجتمع المدني في إعداد قرارات ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية، وفي تفعيلها وتقييمها، وتحديد شروط وكيفيات هذه المشاركة، مع إدراج إصدار هذا القانون ضمن أولويات المخطط التشريعي للحكومة، باعتبار أنه يهم أحد المرتكزات التي يقوم عليها الدستور المغربي المتمثلة في الديمقراطية التشاركية؛ * النص على مسطرة هذه المشاركة في القانون الداخلي من مجلس النواب ومجلس المستشارين والهيئات الترابية والمراسيم والقرارات المنظمة للمؤسسات العمومية؛ * إحداث المجلس الاستشاري للشباب والمجتمع المدني وفق مقاربة ديمقراطية ناجعة تحفز الشباب على المشاركة الفعلية في الشأن العام وتعكس مكانة المجتمع المدني وانشغالاته وانتظاراته؛ * تمكين جمعيات المجتمع المدني من تمثيلية فعلية وعادلة في المجالس الإدارية للمؤسسات العمومية ذات الصلة بمجالات عملها؛ * إشراك ممثلين لجمعيات المجتمع المدني في مختلف الهيئات الجماعية لحماية الحقوق، والحكامة الجيدة، والتنمية البشرية ، والديمقراطية التشاركية الواردة في الدستور المغربي، باعتبار أن هذه الهيئات تساهم في بلورة وتنفيذ ورصد وتقييم السياسات العمومية، الأمر الذي يساعد جمعيات المجتمع المدني على النهوض بالأدوار المنوطة بها دستوريا برؤية شاملة يتكامل فيها الأداء بين مختلف المؤسسات، وخاصة ما يتعلق بتفعيل السياسات العمومية وتقييمها؛ * تيسير ولوج جمعيات المجتمع المدني إلى الإعلام العمومي باعتباره أداة ناجعة في التعبير عن الرأي وتقديم المقترحات ونتائج الرصد والتقييم، ومختلف الانتقادات والملاحظات الخاصة السياسات العمومية، وفق معايير وضوابط تعكس التعددية والممارسات الفضلى وتكريس قيم التضامن وحقوق الانسان والثقافة الديمقراطية ؛ * تيسر ولوج الجمعيات إلى المعلومة الكفيلة بتمكين المجتمع المدني من الاضطلاع بأدواره، اعتبارا للضرورة الحيوية التي تكتسيها في إعداد قرارات ومشاريع المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية، وفي تفعيلها وتقييمها، وكذا في تقديم العرائض والملتمسات، ووضع القوانين اللازمة لتفعيل ذلك؛ * التفكير الهادئ و العميق في مدى جدوى تكليف قطاع حكومي محدد بالعلاقة مع المجتمع المدني، وحصر ذلك خلال المرحلة الحالية في ميدان التشريع ذي العلاقة بالمقتضيات الدستورية الجديدة ذات الصلة، و ذلك تسهيلا لمتطلبات تفعيل هذه المقتضيات الهامة في البناء المؤسساتي الجديد. ومرد هذا الحصر إلى كون كل قطاع حكومي له خطة عمله وإستراتيجيته والفاعلين من منظمات المجتمع المدني ذوي الأولوية في علاقة ببرامجه واختصاصاته، فضلا عن رصده للموارد البشرية والمالية لتفعيل هذه العلاقة، والتمكين من أكبر قدر من متطلبات التخصص والنجاعة وترجمة سياسة القرب، هذا فضلا عن قطاعات أخرى، منها تلك ذات الصلة بالتأسيس والحل : الداخلية والقضاء. والحال أن الحرص على استمرارية الوضع الحالي كما هو، قد لا يزيد إلا من تقوية التخوف من إضافة إجراءات بيروقراطية لا جدوى منها.كما أن إحداث المجلس الاستشاري للشباب والمجتمع المدني سيوفر إطارا مؤسساتيا للإقتراح والتتبع والتقييم للسياسات العمومية والقطاعية في علاقة بأدوار المنظمات المدنية و متطلبات النهوض بها. 2. تطوير الحياة الجمعوية يقتضي تطوير الحياة الجمعوية ببلادنا اتخاذ تدابير قانونية وتنظيمية ومؤسسية من شأنها تعزيز حرية واستقلالية الجمعيات، وتمكينها من المشاركة الفعلية في إعداد وتنفيذ السياسات العمومية. ومن بين متطلبات ذلك: أ. تعزيز الوضعية القانونية : يشكل الحوار الوطني حول المجتمع المدني مناسبة لتمكين المغرب من تشريع يعزز المكتسبات المتراكمة منذ 1958، ويستجيب للأدوار الجديدة المنوطة بالمجتمع المدني، وهذا يقتضي: - الحفاظ على حرية تأسيس الجمعيات كما كرسها القانون منذ 1958، وأكدها مجددا الدستور ) الفقرة الأولى من الفصل 12 (؛ - وضع حد للمعيقات التي تواجه تكوين الجمعيات، وأنشطتها، وحقها في التعبير، وحقها في الحصول على الموارد الكافية لتغطية أنشطتها. ويعود التأكيد على هذا إلى ما يلاحظ من ممارسات إدارية ماسة بالحق في تأسيس الجمعيات أحيانا ) عدم التمكين من وصل الإيداع ( ، والتي تعد شططا يجب أن ينتج عنه جزاء؛ - التأكيد الصريح في القانون المنظم لتأسيس الجمعيات على احترام مبادئ الحكامة الجيدة الجمعوية، إلى جانب احترام قواعد التدبير المحاسباتي؛ - إعادة النظر في التصنيفات المعمول بها تجاه الجمعيات: جمعيات عادية + جمعيات رياضية وجمعيات القروض الصغرى ومستعملي مياه الري، التي تتوفر على نظام خاص من حيث الامتيازات والإعفاءات الضريبية؛ - إعادة النظر جذريا في النظام الجبائي المطبق على الجمعيات لأنه تمييزي، ولا يضمن المساواة، وذلك بإقامة إعفاءات جبائية وجمركية معقولة، تستفيد منها كافة الجمعيات، ووضع أنظمة تفضيلية خاصة بأصناف محددة من الجمعيات مرتبطة بخاصية مجال تدخلها؛ - وضع نظام قانوني خاص بالمؤسسات (Fondations) من حيث مواردها وأهدافها وتدبيرها ) الموارد الخاصة، غير رسمية...( وسيكون من المفيد تخصيص مواد من هذا القانون « للمؤسسات ذات الطابع السياسي» (fondations à vocation politique) إلى جانب نظام عام يشمل كافة المؤسسات بما فيها العاملة في المجالات الاجتماعية والثقافية والفنية والإنسانية وغيرها؛ - إعادة النظر في المقتضيات القانونية المنظمة للجمعيات الأجنبية، بما ييسر للأجانب تنظيم أنفسهم جمعويا ببلادنا، خاصة وأن القانون يسمح لهم بالمساهمة في الانتخابات الجماعية؛ - التخلي عن « صفة المنفعة العامة»، وإن كانت من ضرورة لإبقاء عليها، فمن المفيد التحديد القانوني للشروط المؤهلة لاكتساب جمعية ما صفة المنفعة العامة تطبيقا لمبدأ المساواة، وليس الاقتصار على تحديد النتائج القانونية المترتبة على اكتساب هذه الصفة، كما هو الوضع حاليا؛ فضلا عن مراجعة آليات تدبير أصول الجمعيات، الحاصلة على هذه الصفة، المالية والعينية بالشكل الذي يضمن تطبيق مبدأ الشفافية والمحاسبة؛ - ملاءمة مفهوم التطوع، مع تطور المهام المطروحة على جمعيات المجتمع المدني، وإقرار حوافز للفاعلين الجمعويين من غير الأجراء مقابل أداء عمل محدد لفائدة الجمعية ) إنجاز دراسات، إعداد مشاريع...(، وهو إجراء من شأنه أن يحفز الفاعلين الجمعويين، على تكريس المزيد من الوقت والجهد لإنجاح مشاريع جمعياتهم، خاصة وأن دراسات مختلفة )منها دراسة المفوضية العليا للتخطيط( بينت أن من أهم معيقات العمل الجمعوي الصعوبات الملموسة بشكل متزايد في إقناع المتطوعين بالاستمرار في العمل الجمعوي ، علما بأن عددا من أطر الجمعيات يشتغلون لفائدة جمعيات أخرى ) مغربية و أجنبية (كخبراء نظرا لإمكانية ذلك قانونيا. وفي هذا الصدد يؤكد البحث الذي أنجزته المندوبية السامية للتخطيط المشار إليه آنفا : « أن أكثر من نصف الجمعيات صرحت بصعوبة إيجاد المتطوعين أو إقناعهم بالاستمرار في العمل الجمعوي ». إن إقرار هذه الاجراءات التحفيزية لا ينزع عن الجمعيات كونها مؤسسات غير هادفة للربح، باعتبار أنها لا تقدم خدماتها للمستفيدين أو المستعملين نظير مقابل مادي، كما أنها تتم وفق قواعد وضوابط قانونية واضحة في إطار يضمن شفافية ونجاعة التدبير. - إحداث آلية أو بنية خاصة بالعمل التطوعي وتوفير المعلومات والمعطيات بخصوص إعداد برامج تحفيزية على التطوع الجمعوي و التعريف به، - اتخاذ السلطات العمومية لإجراءات مشجعة للعمل التطوعي في الجمعيات من خلال، مثلا، وضع نظام للتغطية على المخاطر التي قد تصيب المتطوع، وتمكين الجمعيات من تغطية المصاريف التي يؤديها المتطوع أثناء عمله التطوعي. ب. شفافية التمويل : - وضع نظام محاسباتي ملائم لأصناف الجمعيات، يتضمن القواعد العامة المشتركة لضمان الشفافية، مع تشديده كلما تجاوزت ميزانية الجمعية مبلغا ماليا معينا؛ الغرض من ذلك تمكين الجمعيات من الأداء السليم والشفاف وتجنب الاختلالات الممكنة، بشكل يقوي موقعها تجاه شركائها ومموليها والمستفيدين من خدماتها،كما يتضمن المقتضيات الخاصة بالمؤسسات؛ - الحفاظ على المساطر المرنة في الحصول على التمويل الدولي مع إلزامية الإخبار في آجال محددة عن مصادرها والأهداف المرصودة لها، وفق ما هو معمول به في التشريع حاليا، علما بأن الهيئات الدولية المانحة تتابع دائما مسار التمويل وطرق صرفه، وفق ضوابط صارمة، خلال مختلف مراحل كل مشروع؛ - رصد نسبة من الميزانية العامة لدعم العمل الجمعوي من قبل القطاعات أو المؤسسات المعنية بمجال تدخل كل صنف من الجمعيات، على أساس برامج عمل وجدولة وأهداف محددة و مساطر شفافة؛ - تنصيص القانون على مقتضيات تحفيزية للقطاع الخاص قصد دعم المجتمع المدني ماديا وفق ضوابط واضحة، - إحداث صندوق للتعاون الدولي لتمويل الأنشطة أو البرامج ذات البعد الإقليمي أو الدولي بناء على مواصفات وضوابط محددة وعلى قاعدة الشفافية والتقييم. وسيمكن هذا الصندوق من دعم حضور المنظمات غير الحكومية المغربية على الصعيد الدولي في إطار شراكات مع منظمات في الخارج ووضع ضوابط لتوسيع إشعاع بلادنا وأشكال الحضور الدولي، مع احترام استقلالية العمل المدني. ج. دعم القدرات - وضع برامج للتكوين لفائدة المنتمين لجمعيات المجتمع المدني من أجل تطوير المعارف والمهارات التي يقتضيها تطور النسيج المدني المغربي. - وضع برامج لدعم القدرات والتمكن من المساطر والضوابط التي تحكم التمويل والتدبير من طرف القطاعات العمومية الداعمة للجمعيات ومؤسسات مغربية ودولية متخصصة؛ - إعداد دلائل لتعميم المعرفة القانونية وتبسيطها وتسهيل الإلمام بما يوفره القانون من ضمانات وما يفرضه من واجبات والتزامات، - وضع قاعدة بيانات مركزية حول النسيج الجمعوي في متناول العموم؛ - وضع إطار قانوني خاص بالعمل الاجتماعي (نظرا لأهميته القصوى) وحماية العاملين فيه قانونيا واجتماعيا، من خلال ضمان التأمين اللازم للمتطوعين والتغطية الاجتماعية، علما بأن البحث الصادر عن المندوبية السامية للتخطيط قد كشف على أن الجمعيات ساهمت في خلق فرص شغل استفاد منها 27919 شخصا بشكل رسمي سنة 2007 و 35409 عامل غير متفرغ. ولا شك من أنه بإمكان هذه المساهمة أن تتطور مع تنامي مكونات المجتمع المدني وتحسن شروط الانخراط في العمل التطوعي وتحسن مناخ العمل ؛ - توضيح ضوابط استفادة الجمعيات من الموظفين بالقطاع العمومي والجماعات وفق مساطر شفافة. وفي الأخير، فإن هذا التوجه لابد وأن يتعزز من خلال اعتماد ميثاق شرف يعكس المبادئ والقيم والغايات النبيلة التي تحكم العمل الجمعوي، كتتويج لكل ما تراكم من ممارسات فضلى في مسار عمل المنظمات المدنية، ومستلزمات حمايتها مما قد يطالها من اختلالات، أو ينال من مصداقتها واستقلاليتها، بعيدا عن أي توظيف يمس عمق رسالتها الإنسانية. وإن بلورة مشروع كهذا يتطلب انبثاقه من خلال دينامية حوار واسع، وبكافة الأشكال والآليات الممكنة، في صفوف مكونات المجتمع المدني لإعداد هذه الوثيقة، كأرضية أخلاقية مشتركة، وضمن استراتيجية متكاملة للنهوض بمكانته وأدواره ورسالته، خدمة للبناء الديمقراطي وفي تفاعل مع مستلزمات التنمية المستدامة والتربية على المواطنة واحترام حقوق الإنسان.