الغرف المغلقة لا تصنع كيان دولة إنما تصنع كيانا عقيما، وحدود هذه الغرف المغلقة لا تلد إلا أشباه آدميين لا تؤمن برجولتهم السياسية إلا الغرف المغلقة التي ولدوا فيها، أما الرحب الفسيح من أرجاء دولة مثل مصر فلا تراهم إلا أشباه رجال. الإخوان المسلمون ما كان ميلادهم إلا في غرف مغلقة لم يتحدثوا إلا لأنفسهم وما كان بينهم رأي آخر غير رأيهم، وتدارسوا القرآن والسنة دراسة بسيطة لا ترقى إلى استنتاج مشروع دولة، وخرجوا من هذه الغرف جندا وتنظيما ليصنعوا معركة لا أستطيع تسميتها إلا بأنها معركة الغلط. أختصر أسباب غلط هذه المعركة في كلمتين هما الجهل والمرض. الجهل بطبيعة الشعوب والمجتمعات، فالشعوب ترفض هيمنة التنظيم وتقبل بقوة النظام، ومن هنا جاء إصرار الجماعة أن تكون الدولة تحت سيطرة التنظيم ولا يكون التنظيم تحت سيطرة الدولة، ومن ثم تحت سيطرة القانون والنظام. وبالالتفات إلى الشمال والشرق أقصد تركيا وماليزيا كان النجاح البسيط للحركة الإسلامية هناك بسبب رفض التنظيم، والقبول بالنظام إيمانا منها أن الشعوب لا تقبل بهيمنة التنظيم. الجهل بالسنن الكونية ومبادئ الشريعة الإسلامية وخبرة التاريخ الإسلامي؛ فحتى الآن لم تقدم الجماعة محتوى فكريا يمكن تطبيقه لما يسمى بالمشروع الإسلامي وما قدموه لا يعدو كونه مجرد شعار يحمل الفكرة دون مضمون. الجهل بالثوابت الوطنية وقيم الدولة، والتمسك بتراب الدولة هو من مقدسات هذه القيم والتفريط في تراب الدولة وحدودها وأمنها يتنافى مع جوهر الدولة في الإسلام. الجهل بقيمة الآخر المختلف، حيث وصل الأمر إلى الاستهانة بدماء وروح الآخر فمن السهل القتل والاغتيال وحمل السلاح في وجه الشعب والدولة. أما الحالة المرضية فتكمن في إدمان الفشل، ولقد تحول الفشل عند الإخوان إلى مرض مزمن لطول الفترة التي استمرت إلى أكثر من ثمانين عاما ولست بصدد عرض الأسباب ولكن بعرض الظواهر والأعراض. ففي الحقبة الليبرالية قبل ثورة يوليو, خاصة عهد الملك فاروق, وصل التنظيم إلى قواسم مشتركة مع الملكية في قضية فلسطين وبناء المجتمع المصري، حيث سمح للتنظيم بالانتشار في أرجاء القطر المصري، ولمجرد الاختلاف كانت الردود باغتيال النقراشي والخازندار. وعقب ثورة يوليو حاول عبدالناصر الاتفاق مع الإخوان على صياغة دولة مدنية مؤسسية إلا أن الاختلاف كانت نتائجه محاولة اغتياله في ميدان المنشية بالإسكندرية. وعقب ثورة يناير تمكن الإخوان من خوض التجربة الكاملة حيث تسلموا الرئاسة والوزارة فضلا عن البرلمان بغرفتيه الشعب والشورى، وبالتحليل والدراسة لإنجازات الرئاسة والوزارة كانت النتيجة استدعاء الدم والرصاص بما لا يختلف عن الحقبة الليبرالية أو عن الفترة الناصرية مما يعد الفشل مرضا وإدمانا وهذا كله يؤكد تماما أن الإخوان المسلمين جند الله في معركة الغلط.