لم تكتف اليمنية توكل كرمان (الحائزة على جائزة نوبل للسلام) بمحاولتها التسلل من خلال مطار القاهرة إلى ميدان رابعة العدوية للمشاركة في اعتصام جماعة الإخوان المسلمين هناك، وهي المحاولة التي باءت بالفشل بعد أن منعت سلطات المطار كرمان من دخول الأراضي المصرية، بل صارت- وهي التي عُرفت بتحريض اليمنيين على الاقتتال- تحرّض المجتمع الدولي على مصر من خلال رسائل صارت توجهها إلى المؤسسات والمنظمات الدولية لتحثها على مقاطعة الحكومة المصرية والضغط عليها لتعيد الإخوان إلى الحكم. كانت رسالتها إلى كاترين آشتون مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي هي آخر تلك الرسائل. قناة الجزيرة التي كشفت مع ثورات الربيع العربي عن وجهها الإخواني تحولت في اللحظة التي أصبح واضحا فيها أن هزيمة الإخوان صارت مؤكدة إلى قناة تنطق باسم الجماعة ولم تعد قادرة على إخفاء وجهها الإرهابي. لقد أصبح شعار القناة »الرأي والرأي الآخر« بما يشير إلى موضوعيتها في نقل الأخبار والوقائع جزءا من ماض كان يشير إلى محاولتها الحفاظ على توازنها الموضوعي، وهي واحدة من أعظم الأكاذيب التي اصطدمت بالفضيحة التي كشف عنها موقع »ويكيلكيس« والخاصة بارتباط مديرها السابق وضاح خنفر بجهاز الاستخبارات الأميركية. ومن اللافت في هذا المجال أن القناة كانت متخصصة في نقل خطابات زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، الذي يفترض أنه كان العدو الأول لأميركا والغرب. كرمان إخوانية, فهي تنتمي إلى حزب التجمع اليمني للإصلاح الذي يتزعمه الزنداني وهو الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين في اليمن. أما قناة الجزيرة فلم يتردد مذيعها أحمد منصور في أن يكون أحد خطباء منصة رابعة العدوية. وكان في ذلك إنما يكمل القيام بأداء دوره الإعلامي بالطريقة التي لا تجد فيها القناة خروجا عن شعارها المهني. سيقال إن منصور يملك الحرية كاملة في التعبير عن آرائه السياسية ما دام ذلك التعبير يتم خارج ما تبثه القناة، وهو اعتراض صحيح لولا أن القناة نفسها صارت متخصصة في نقل الخطاب الإخواني بكل ما يتضمنه ذلك الخطاب من تشويه للحقائق وتزييف للوقائع. لقد اعتبر المصريون القناة جزءا من منظومة القنوات التلفزيونية الإخوانية فأغلقوا مكاتبها حين تأكدوا أن تلك القناة مثلها مثل القنوات الإخوانية الأخرى، إنما تسعى إلى إثارة روح الفتنة في مصر، في لحظة مصيرية من تاريخها. أما كرمان، وهي الخطأ الذي ارتكبته لجنة جائزة نوبل للسلام التي يحفل تاريخها بالأخطاء الجسيمة، فقد داست قدماها الإخوانيتان على مبادئ السلم الأهلي حين قررت أن تنضم إلى محفل اقتيد إليه الفقراء المضللون من أجل أن يكونوا حطبا لنار حرب تشنها جماعة على الشعب المصري رغبة منها في استعادة حكم فقدته بإرادة شعبية. لا كرمان ولا قناة الجزيرة ستشعران بالحرج لخروجهما الفاضح على صفتيهما المعلنتين، كرمان باعتبارها داعية سلام افتراضية، وقناة الجزيرة بما تدعيه من حياد مهني. لقد انحازتا إلى حاضنتهما الإخوانية في لحظة اعتبرها الإخوان لحظة مصير. غير أنهما لم تنظرا إلى ما يمكن أن يجلبه إليهما اصطفافهما ضد شعب تمثل إرادته خلاصة لوعي عربي متقدم ومعاصر من عار الدعوة الماضوية والظلامية. وكان أن فقدت قناة الجزيرة مصداقيتها فظهرت على حقيقتها قناة إخوانية، أما توكّل كرمان فقد ظهرت على حقيقتها واحدة من مريدات الزنداني بنهجه القبلي المتخلف المغلف بالإخوانية العالمية. صارت الإثنتان رمزين للتخلف حين قررتا بإرادتيهما أن تفصحا عن انحيازهما العلني للجماعة التي قررت أن تفرض على الشعب المصري فشلها في إدارة شؤونه باعتباره الخيار الوحيد الذي يجب أن يرضخ له. كانت ثورة الشعب المصري عابرة للحدود، وهو قدر مصري بامتياز، موعظته تكمن في قدرته على استخراج أعدائنا من بين ثنايا أزماتنا.