في شهر يناير من سنة 2011 استضاف أحمد منصور، على قناة "الجزيرة" القطرية، صائب عريقات، كبير المفاوضين الفلسطينيين سابقا، محاولا إحراجه على خلفية وثائق قالت القناة القطرية إنها تكشف "خيانة" حركة فتح للقضية الفلسطينية لصالح إسرائيل. لحظة متميزة فعلا في تاريخ هذه القناة القطرية الواقعة على بعد كلمترات قليلة من إحدى القاعدتين العسكريتين الأمريكيتين في قطر. الصحافي المصري عضو جماعة الإخوان المسلمين وجد نفسه في وضع لا يحسد عليه أمام عريقات، حين فضح الأخير مؤامرة الجزيرة والمخابرات الأمريكية (التي يصعب أن نتخيل أنها يمكن ألا تخدم مصالح إسرائيل). بينما حاول الصحافي الإخواني استفزاز ضيفه بطريقته التي لا تختلف كثيرا عن الاستنطاق البوليسي، وجد نفسه فجأة في موقع المستنطق (بفتح الطاء). وضاح خنفر يحرف وثائق بأمر من كلينتن شويسر يبدأ الصحافي الإخواني برنامجه بالتأكيد على أن الوثائق التي "فجرتها" قناة الجزيرة حول مفاوضات الفلسطينيين والإسرائيليين "أخطر مئات المرات من وثائق ويكيليكس"، ويواصل قراءة صك الاتهام ضد عريقات "أرجو منك ألا تكذب". ثم يفاجئه عريقات "أنا لم أكن أنتظر هذه الوقاحة". وقاحة يبسط عريقات تفاصليها على الهواء مباشرة فيكشف أن التحقيقات التي باشرتها السلطة الوطنية الفلسطينية، أثبتت أن وضاح خنفر، مدير قناة الجزيرة القطرية "أغلق على نفسه الباب مع كلينتين شويسر، عضو السيا (جهاز مخابرات أمريكي)، وموظف الحماية والأمن في وزارة الخارجية الأمريكية والموظف الآن في قناة الجزيرة لتحريف وثائق المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية التي تنشرها القناة". ثم يضيف أمام الصحافي الإخواني الذي بقي مشدوها، أن هناك شخصا آخر "سرق الوثائق" التي "حرفتها" قناة "الجزيرة"، وهو ألستير كلوغ، العضو السابق في المخابرات البريطانية. أما خلاصة هذه الحقائق التي كشفها عريقات فيجملها عريقات قائلا "قناة الجزيرة القطرية "تحمي أمن إسرائيل". خلاصة يفسرها رفيق الشهيد ياسر عرفات "أنت ومعلمك الكبير وكليتن شويسر ومن يقف وراءه تعاقبون السلطة الوطنية الفلسطينية، أجل نحن نعاقب اليوم لأننا أوقفنا المفاوضات مع إسرائيل ولأن عباس أبو مازن يرفض استئناف المفاوضات قبل وقف الاستيطان، ولأننا ضد الولاياتالمتحدة في مجلس الأمن الدولي". الجزيرة تتهم الفسلطينيين بإحراج الولاياتالمتحدة كبير المفاوضين الفلسطينيين، الذي تحمل رغم ذلك مسؤوليته في تسرب تلك الوثائق من مكتبه واستقال من منصبه، تحدى الصحافي الإخواني أن "يسلط كاميرات القناة على الوثائق "الحقيقية" التي جاء بها وتقارنها مع الوثائق "المحرفة" التي تنشرها القناة القطرية". تحدي لم يقدر الصحافي الإخواني على رفعه، ما دام أنه يتناقض طبعا مع التعليمات التي نقلها إليه "معلمه الكبير" وضاح خنفر عن مخبر "السيا" كلينتن شويسر وألتسر كلوغ، العضو السابق في المخابرات البريطانية. بعد ذلك بأيام ذهبت السلطة الوطنية الفلسطينية فعلا إلى أبعد الحدود في مشروعها الذي جاءت مؤامرة الجزيرة للتشويش عليه، وكادت أن تستصدر قرارا من مجلس الأمن الدولي يدين الاستيطان الإسرائيلي، لولا الفيتو الأمريكي. فماذا كان رد فعل القناة القطرية؟ ببساطة لم تخصص ولا دقيقة واحد من نشراتها لتغطية خبر الفيتو الأمريكي الذي أجهض مشروع قرار لإدانة الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربيةالمحتلة، الذي تقدمت به السلطة الوطنية الفلسطينية. في مقابل ذلك نشر الموقع الالكتروني لهذه القناة مقالا عن جريدة "واشنطن بوست" الأمريكية ينتقد "لجوء الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى الأممالمتحدة لاستصدار قرار يدين بناء المستوطنات وإحراج الولاياتالمتحدة". بعد ذلك اختفت وثائق الجزيرة السرية ولم يعد لها ذكر في شريط الأخبار على شاشة القناة، بعدما أدت مفعولها في مؤامرة إجهاض المجهود الديبلوماسي الكبير للسلطة الوطنية الفلسطينية. العدالة والتنمية يحتفي بشخص يحمي أمن إسرائيل اليوم يأتي الصحافي الإخواني الذي فضح عريقات في وجهه هذه المؤامرة الإعلامية المخابراتي، ليحظى باستقبال كبير في مؤتمر العدالة والتنمية أي الفرع المغربي للتنظيم العالمي للإخوان المسلمين. مقدمة فقرات الحفل الافتتاحي تضع هذا الصحافي في نفس مقام خالد مشعل وتوكل كرمان وغيرهما من ضيوف المؤتمر! اليوم أيضا، يأتي هذا الصحافي الإخواني، ليستنطق بسيمة الحقاوي بوقاحة لا تقل عن وقاحته مع صائب عريقات. المؤذن السابق في أحد مساجد الخليج العربي يسأل الوزيرة المغربية وكأنه وصي على المجتمع المغربي وقيمه بكل وقاحة: "هناك دعوات منتشرة بشكل كبير قادها أحج الصحافيين للحرية الجنسية في المغرب". تجيب الوزيرة بحقيقة النقاش حول هذا الموضوع "لا أعتقد أن الأمر بهذا الذي عبرت عنه". فيرد الصحافي الإخواني بوقاحة وبلهجة مصرية "لا هو كيدا". تواصل الوزيرة جوابها بحكمة مكنتها من عرض موقفها من الحريات الفردية دون الانجرار إلى المغالطة التي يحاول الصحافي الإخواني فرضها، فتؤكد أنها "ضد التطرف من كل الجهات". ثم ينبهها الصحافي الإخواني منزعجا "حكموا عيله بعض العلماء بأنه ديوث، وهاج المجتمع يعني. أي أن ناس تخرج على مجتمع مسلم بأشياء...". أي أن هذا الشخص الذي تآمر على القضية الفلسطينية مع مخبري السيا والمخابرات البريطانية، لا يجد أي داع لإدانة الحكم الديني على الصحافي المعني بأنه "ديوث" وما يستتبعه ذلك من إهدار لدمه. بل إنه يطلب في منتهى الوقاحة أن "يؤاخذ الصحافي المعني ويساءل عن دعوته للحرية الجنسية... ما فيش قانون ما فيش حق عام... فيه اعتداء على قيم المجتمع وعلى دينه وثقافته ولم يتحرك أحد في الموضوع"! متى يسأل الصحافي الإخواني عن قيم الإسلام في قطر؟ هذا هو الصحافي الإخواني الذي احتفى به مؤتمر العدالة والتنمية. يساهم قبل سنة ونصف في مؤامرى مخابراتية أمريكية على القضية الفلسطينية، فضحها عريقات أمام الملأ وعلى الهواء مباشرة. ثم يأتي اليوم ليحشر أنفه في قضية مغربية من وجهة نظر لا ترى أي مشكل في إهدار دم مواطن، بل تطلب "التحرك" لمواجهة "الاعتداء على قيم المجتمع المسلم". طبعا لا يهم هذا المؤذن السابق من "قيم المجتمع المسلم" غير الجنس والحجر على الأفراد الراشدين، شأنه في ذلك شأن معظم الإسلاميين المهووسين بالجنس وتعدد الزوجات وما ملكت اليمين (حتى أن أحد كتب شيخه القرضاوي يكاد يكون كتابا بورنوغرافيا بامتياز لإمعانه في الإفتاء في تفاصيل الممارسة الجنسية)! أما الوجود العسكري الأمريكي فوق التراب القطري الذي هو جزء من "تراب المجتمع المسلم"، كما يفهمه الإخوان المسلمون، أو انقلاب أمير قطر على والده ليتولى الحكم بدله، أو علاقات المشيخة القطرية مع إسرائيل، أو استثمارات المحظوظين من أمراء قطر في الغرب الحافل بالحرية الجسنية... أو غير ذلك مما لا يرى فيه ضباط المخابرات الأميريكية حرجا، فلا يبدو أن تعني هذا الصحافي الإخواني أو تستفزه ليساءل المعنيين بها ويتسنطقهم كما فعل مع بسيمة الحقاوي.