نعى الزجل والشعر المغربيان أول أمس، بكتابهما وهيئاتهما، الزجال والباحث محمد الراشق الذي وافته المنية بمسقط رأسه مكناس عقب صراع طويل ومرير مع المرض، علما أن الداء الذي أصابه لم يكن يمنعه من المشاركة في العديد من التظاهرات الثقافية وحضورها إلى جانب أصدقائه والمولعين بإبداعه وأبحاثه الرصينة. محمد الراشق، الذي ترك الزجل يتيما وهو في سنته الثامنة بعد الخمسين، ولج حقل الإبداع أولا في بداية السبعينيات عبر بوابة الشعر الفصيح، ورغم أنه برع في هذا المجال، فإن سطوة الزجل ولغته الأصيلة والأصلية جعلته يتفرغ نهائيا للإبداع تحت يافطته والبحث في منجزه الحديث وفي أصوله وفروعه. أياما قليلة قبل احتفاله بعيد ميلاده رفقة أسرته الصغيرة، شاءت الأقدار أن تغيب محمد الراشق، هو المزداد يوم 20 غشت 1955، مخلفا العديد من القصائد في الزجل والملحون في خزانة الإذاعة والتلفزة، وديوانين زجليين اثنين: «الزطمة على الما» ?1999? و»مكسور الجناح» ?2005?، بالإضافة إلى عدة أبحاث منها: - من أجل التفاهم الدولي ?مشترك، 1986?؛ - أشغال ندوة الملحون المغربي كأدب وفن ?مشترك، 2001?؛ - أنواع الزجل بالمغرب، دراسة تحليلية ?2008?. وقد كان منكبا، طوال مدة ليست بالقصيرة، على إنجاز مشروع ضخم ومتكامل لتطوير فن الملحون، مع دراسات مقارنة للكشف عن العديد من الجوانب الفنية والإنسانية في هذا الجنس الإبداعي المغربي الأصيل والمتأصل. لكن مكر الأقدار قرر توقيف بحثه هذا، هو المصاب بعشق التراث منذ طفولته، وكيف له غير هذا العشق ووالدته السعدية بنت علال المنصوري قد تربت بين أحضان أحفاد الشيخ الهادي بنعيسى في منزل سيدي المحجوب، كما أن والده، المرحوم امحمّد بن احميدو الراشق، كان صديقا حميميا للعديد من شيوخ الملحون ومنهم على الخصوص المنشد البارع الحسين التولالي و بركام وشاعر الملحون حمود بن إدريس السوسي. كما أن منحاه الموسيقي التراثي، حتى في كتابته الزجلية وإلقائه لها، تكرس لديه منذ كان تلميذا بمدرسة سيدي عمرو الابتدائية بمكناس التي كان مديرها حينذاك هو السيد غولو، الفنان والعازف الماهر على آلة الكمان الذي حبب التراث المغربي لهيئة التدريس والتلاميذ على حد سواء. محمد الراشق، الحائز على جائزة الزجل بميسور في سنة 2004، كان متعدد الاهتمامات أيضا وفاعلا جمعويا نشيطا وحاضرا باستمرار، إذ أنتج برامج إذاعية حول الحكايات الشعبية وحول تراث البادية المغربية لإذاعة فاس، وبرنامج «حاجيتكم» في رمضان 2008 لإذاعة مكناس، كما ظل طوال 25 سنة مراسلا لإذاعة طنجة. وقد أدى به نشاطه في إطار أندية اليونسكو إلى الحصول على درع الاتحاد العالمي لأندية اليونسكو بدولة الكويت، هو الذي شغل منصب كاتب عام للرابطة المغربية للزجل سابقا وظل إلى آخر رمق من حياته عضوا فاعلا بالاتحاد المغربي للزجل. شارك الراحل في أغلبية ملتقيات الحكاية بالمغرب، وكان شغوفا بالفن السابع ?إدارة مهرجان الخميسات للسينما الأسيوية? والموسيقى ?عضو مؤسس لمجموعة جسور السلام بمكناس?... وإذا كانت وزارة الثقافة المغربية قد كرمت محمد الراشق في سطات سنة 2008، فإن وزارة الثقافة الصينية منحته ميدالية التنمية الثقافية. تعازينا الصادقة لعائلة الفقيد العزيز بمكناس ولكل أصدقائه في الحقل الثقافي، هو الذي كان يغمرهم بالحب والنبل بمناسبة كل تظاهرة ثقافية.