بدا من خلال تطورات الأحداث أمس أن جماعة «الإخوان المسلمين» وحلفاءها في مصر أُنهكوا، ولم تجد التظاهرات التي دعا إليها «تحالف دعم الشرعية» المؤيد للرئيس المعزول محمد مرسي الصدى الواسع في الشارع الذي ساده هدوء حذر في أعقاب اشتباكات أول أمس بين أنصار مرسي من جهة والشرطة والأهالي من جهة أخرى في أكثر من محافظة، أسفرت عن سقوط 173 قتيلاً وأكثر من 1300 جريح. وأطاح استخدام «الإخوان» العنف في الشوارع بفرص دمج والإبقاء على الجماعة في العملية السياسية، وأعلنت الحكومة أنها تبحث اقتراحا بحل الجماعة قدمه رئيسها حازم الببلاوي الذي شدد في تصريحات على أن «لا مصالحة مع من تلوثت أيديهم بالدماء ورفعوا السلاح في وجه الدولة»، فيما أكدت الرئاسة أن مصر توجد في «حرب ضد قوى الإرهاب»، مما يوحي بإمكانية وضع الجماعة على «لائحة المنظمات الإرهابية». وأبدت السلطات ارتياحاً كبيراً للدعم السعودي الذي عبر عنه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وما تبعه من مواقف عربية مساندة للحكم الجديد، آملة بأن يعزز من قدرتها على مجابهة تحركات «الإخوان» في مواجهة الضغوط الغربية التي تعرضت لها على مدار الأيام الماضية. وكانت وكالة الأنباء السعودية قد أعانت أن خادم الحرمين أمر بإرسال ثلاثة مستشفيات ميدانية بكامل أطقمها من أطباء وفنيين ومعدات طبية إلى مصر، «دعماً للشعب المصري الشقيق وتخفيفاً من الضغط على المستشفيات هناك». وفي نفس السياق قال مستشار الرئيس المصري المؤقت مصطفى حجازي إن بلاده تواجه ما وصفها بحرب تشنها قوى متطرفة، من خلال اتخاذ «الإجراءات الأمنية في إطار القانون»، مؤكدا أن المصريين خرجوا في 30 يونيو/حزيران الماضي لمنع قيام «دولة فاشية دينية». وأضاف حجازي في مؤتمر صحفي عقده مساء السبت بالقاهرة أن أحداث 14 غشت التي أعقبت فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، توضح أن الصراع «ليس سياسيا»، مشيرا إلى أن مصر تواجه حربا تم شنها من قبل «قوى متطرفة تتطور يوما بعد يوم لتصبح نوعا من الإرهاب». واستدل على ذلك بما يحدث في القاهرةوسيناء، وبأحداث حرق الكنائس وقتل الضباط ومهاجمة المتاحف، واستخدام العنف بالأسلحة النارية وغيرها من الممارسات، متابعا أن هذا «إرهاب وليس خلافا سياسيا». ولفت حجازي إلى أن الشعب المصري الذي رفض هذه «الفاشية»، لن يسمح للإرهاب أن يحقق أهدافه، متعهدا بتحقيق الأهداف التي وعد الشعب بها. كما أكد المتحدث باسم الرئاسة المصرية المضي قدما في تحقيق كل الالتزامات في خريطة المستقبل، ل«إقامة دولة مدنية ديمقراطية»، وأكد الاستمرار في مسار تطوير الدستور، مع الحرص على مشاركة كل الأحزاب المصرية لرسم مستقبل البلاد، ما «لم تشترك في أعمال العنف والإرهاب». وشدد على أن مصر ليست «دولة ضعيفة وهي تتمتع بالسيادة»، موضحا أنها تلاحظ كدولة وإدارة ب«مخاوف كبيرة موقف كل الأطراف والشعوب التي تعطي تبريرات أخلاقية لممارسة الإرهاب»، معربا عن أسفه وتعازيه لعائلات الضحايا الذين سقطوا جراء أعمال الإرهاب . وبيّن حجازي أن خروج المصرين ضد حكم مرسي جاء لتحقيق العدالة الاجتماعية والكرامة، ولإنهاء الحقبة التي حرمت المصريين من الحياة الطبيعية، وجعلتهم يعيشون التمييز ضد بعضهم البعض . وذكر أن الرئاسة المصرية مع حق التعبير والاعتصام، لكنه لفت إلى أن تجمع مناصري مرسي في ميدان رابعة العدوية لم يكن سلميا، وأن السلطات لم تجد أثرا للسلمية في الاعتصامات والتحركات في الشارع. واعتبر أن فترة اعتصام مناصري مرسي التي امتدت لشهر ونصف شهر كانت «تجربة مريرة للغاية»، إذ تم المرور من التعبير عن الرأي إلى ممارسة العنف والحض عليه. وفي سياق الحديث عن الجهود الدولية والإقليمية للخروج من الأزمة، قال إن مصر رحبت بهذه الجهود لدفع «الأطراف المتطرفة» إلى العودة إلى الهدوء وتنفيذ خريطة الطريق لتحقيق الدولة الديمقراطية المدنية، إلا أنه بيّن أن هذه الجهود كانت غير قادرة على إرجاع «المتطرفين إلى رشدهم»، في إشارة إلى جماعة الإخوان المسلمين. ورأى حجازي أن المصريين اليوم أكثر «توحدا» لتحقيق «دولة حرة ديمقراطية»، نافيا وقوع أي انقسام داخل المجتمع المصري الذي اعتبره «مصمما على الانتصار على عدوه من خلال القانون». وفي رده على أسئلة أحد الصحفيين بشأن حلّ جماعة الإخوان، قال حجازي إنه «من الضروري تقنين وضع كل الجماعات والتنظيمات العاملة في مصر ومن ضمنها جماعة الإخوان»، لافتا إلى أن السلطات المصرية لن تمنع أحدا من العمل بصورة قانونية. في المقابل وردا على الدعوات الغربية المنتقدة للسلطات المصرية، قال وزير الخارجية المصري، نبيل فهمي، إن بلاده ترفض تدويل الأزمة المصرية لكونه يساهم في مزيد من الاستقطاب ويعطل الحل السياسي. وأكد فهمي خلال مؤتمر صحافي، أمس الأحد بمقر الوزارة، أن هناك تخاذلاً من المجتمع الدولي في تسليط الضوء وغضّ الطرف عن عنف جماعة الإخوان المسلمين، وإذا كان المجتمع الدولي متمسكاً بالشرعية وبحقوق الإنسان عليه أن يوجه انتقادات ضد عنف الجماعة، مشيراً إلى وجود تناقض صارخ بين الاهتمام بضبط النفس والتخاذل الدولي في إدانة العنف. ولفت الوزير إلى أن مصر ليس لديها مشكلة في اهتمام المجتمع الدولي بها، لكن الأمن القومي المصري يحدده المصريون وحدهم، والعلاقة مع مصر يجب أن ينظر إليها من منظور أوسع، كما يجب أن يأخذ في الاعتبار أن مصر تعيش مرحلة انتقالية، يتم على أثرها تحديد هوية مصر السياسية، فمصر ستكون للجميع ولن يتحكم فيها فصيل سياسي بعينه. وتابع: سنواصل استقبال الوفود الأجنبية من قبل الأسرة الدولية ونرحب بكافة المبادرات، فنحن دولة إقليمية ومؤثرة في محيطها ونعمل في إطار المنظومة الدولية. وعن فضّ اعتصامات الإخوان، صرح فهمي قائلاً: نأسف لوقوع ضحايا بصرف النظر عن انتماءاتهم السياسية، مشيراً إلى أن الدولة وجدت نفسها بعض فضّ الاعتصام في مواجهة عنف مبرمج له أهداف محددة منها، ترويع وترهيب المواطنين وهز الكيان المصري برمته، وسيتم دحر كل تلك التحركات بواسطة القانون والأمن، فلا يمكن التوصل إلى أي حل سياسي خارج نطاق القانون والسلمية، فنحن ندين الإجرام الذي شهدته الدولة من قبل أطراف غير حكومية. وحول تلويح بعض الدول بتعليق أو قطع المساعدات عن مصر فهذا أمر مرفوض، وأوضح أن سلطات بلاده تتوجه بالشكر إلى المساعدات الدولية، وهدفها إرساء الاستقرار الإقليمي، لكنه أشار في نفس الوقت إلى أنها ليست هبات من دون هدف. وأشار إلى أنه طالب بمراجعة المساعدات الدولية المقدمة مصر من خلال منظور الشراكة التي تعكسها المساعدات، واضعين في سلم أولوياتنا الكرامة المصرية العالية التي لن تهتز. وقالت جماعة «الإخوان» إن نجل مرشدها عمار محمد بديع قُتل في اشتباكات بين الشرطة والمتظاهرين في القاهرة. وكان ميدان رمسيس الذي شهد المواجهات الأعنف تحول ليلة أول أمس بعد سريان حظر التجوال إلى ساحة لمواجهات مفتوحة بين مسلحين وقوات الشرطة والجيش انتهت بتحصن أنصار مرسي بمسجد الفتح الذي حاصره الأمن حتى تمكن من فض التجمع في داخله بعد ظهر أمس. وأوقفت الشرطة القيادي في تيار «السلفية الجهادية» شقيق زعيم تنظيم «القاعدة» محمد الظواهري ورحلته إلى سجن شديد الحراسة واعتقلت قيادات في «الإخوان» بينها عضو مكتب الإرشاد عصام مختار في محيط ميدان رمسيس وسعد عمارة الذي كان متواجدا بين المتحصنين بمسجد الفتح في رمسيس ونجل رجل الأعمال حسن مالك الذي قال مسؤولون في وزارة الداخلية إنه كان يحاول مغادرة البلاد وتم توقيفه في مطار القاهرة. وشنت الشرطة حملة مداهمات لمنازل قيادات المكاتب الإدارية لجماعة الإخوان في عدة محافظات أوقفت خلالها العشرات، فضلا عن اعتقال المئات من أعضاء الجماعة وقياديين محليين فيها في مواقع الاشتباكات، تمت إحالتهم على النيابة العامة للتحقيق معهم. وأُحيل آخرون على النيابة العسكرية بتهم الإعتداء ومحاولة الإعتداء على مركبات تابعة للجيش. وقال المتحدث باسم الحكومة المصرية في مؤتمر صحفي إن الأمن القومي «خط أحمر لا يمكن أن نسمح بتجاوزه»، مشيرا إلى أن السلطات المصرية تعاملت مع المتظاهرين «بأقصى درجات الحرفية وضبط النفس». وتعهد بعدم «التهاون في مواجهة المخربين، وبالمضي قدما في تنفيذ خارطة الطريق»، مثمنا موقف كل من السعودية والأردن والإمارات العربية المتحدة التي أعلنت انحيازها للشعب في مواجهة الإرهاب. أوضح أن السلطات المصرية اعتقلت 500 أجنبي بينهم باكستاني وفلسطيني وأربعة سوريين. وتتزامن هذه التصريحات مع إعلان وزارة الداخلية المصرية اعتقالها ل 1004 عناصر من جماعة الإخوان المسلمين خلال مظاهرات أمس الجمعة متهمة إياهم بارتكاب أعمال «إرهابية»، وهو ما نفته الجماعة، مؤكدة أن الواقع يكذب هذه الادعاءات. فقد قالت وزارة الداخلية المصرية في بيان لها اليوم إن قوات الشرطة تمكنت بالتعاون مع القوات المسلحة وبمساندة شعبية من إحكام السيطرة الأمنية في جميع محافظات مصر والتصدي للمحاولات الإرهابية لعناصر تنظيم الإخوان لدفع البلاد إلى دائرة العنف. وأشار البيان إلى أن «أعضاء الإخوان المعتقلين ارتكبوا أعمالا إرهابية أثناء المظاهرات». وأوضح البيان أنه تم إحباط محاولات لإضرام النيران في عدد من الكنائس في مصر . وقالت وكالة أنباء الشرق الأوسط، أمس السبت، إن فريقاً من محققي نيابة الأزبكية بدأ تحقيقات موسعة مع 250 من أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين بتهم القتل والشروع في القتل والإرهاب. وأضافت أن النيابة بدأت التحقيقات «على خلفية قيامهم بمحاولة اقتحام قسم شرطة الأزبكية، واستهدافه بالأسلحة النارية إلى جانب ارتكابهم جرائم العنف الدامية التي وقعت في محيط ميدان رمسيس أمس الجمعة». وقالت وزارة الداخلية إنها ألقت القبض على أكثر من ألف شخص من أعضاء »الإخوان« أول أمس واتهمتهم بارتكاب «أعمال إرهابية». وأوضحت أنها ضبطت «كميات كبيرة من الأسلحة في عدة محافظات » ، وقدرت عدد القتلى في صفوف قات الأمن ب24 في مواجهات الجمعة. ودفعت الشرطة والجيش بقوات خاصة لمواجهة المسلحين في محيط ميدان رمسيس. وبعدما بدت الغلبة واضحة للقوات، تحصن المئات من أنصار مرسي بينهم مسلحون ونساء بمسجد الفتح في الميدان الذي حاصرته قوات الشرطة لأكثر من 12 ساعة حاولت خلالها لإقناع من في داخله بمغادرته. وتمترس «الإخوان خلف باب المسجد وأغلقوا نوافذه، ونجحت المفاوضات قبل صلاة الفجر في إقناع عدد من المعتصمين بالخروج عبر الممر الآمن، لكن كلما خرج فرد أو اثنين كان شبان داخل المسجد يعمدون إلى مهاجمة قوات الشرطة في الخارج بألواح خشبية ومقاعد، ماأحدث حالات من الهرج والمرج حالت دون استمرار تدفق المغادرين. وأطلق مسلحون النار من مئذنة المسجد على قوات الأمن أثناء خروج عدد من المتظاهرين عبر الممر الآمن، ربما لإفشال المحاولة، فبادلتهم قوات الشرطة إطلاق النار، وحلقت مروحيات الجيش فوق المسجد لرصد المسلحين، ثم دخلت القوات الخاصة المسجد في مشهد سادته الفوضى لفض التجمع في داخله. وتمكنت بالفعل من توقيف مسلحين داخل المسجد، ووفرت خروجاً آمناً لمتظاهرين غير مسلحين ونساء ظلوا طوال ساعات الليل في داخله. وكاد الأهالي يفتكون بأنصار مرسي الخارجين من المسجد، لكن قوات الجيش والشرطة أمنتهم، وأطلقت وابلا من الرصاص في الهواء لفض تجمعات الأهالي ومنعهم من التعرض للمغادرين. وظهر أن قوات الشرطة أمنت خروج النساء والأطفال والفتيات وبعض الرجال فقط وأوقفت مئات ممن تحصنوا بالمسجد ورفضوا الخروج الآمن. وشوهد مئات الشباب والرجال يجلسون في ساحة المسجد، فيما قوات الشرطة تحيط بهم. سياسيا، قال المستشار السياسي للرئيس مصطفى حجازي إن المصريين «متوحدون اليوم أكثر من أي وقت مضى أمام عدو مشترك ولتأسيس دولة مدنية وأمام قوى الظلام التي تحض على العنف... لإنشاء مجتمع ودولة مؤسسات تتمتع بتوجه واحد نحو المستقبل». واعتبر في مؤتمر صحافي أن ما يحدث في البلاد الآن «ليس خلافاً سياسياً ولكنه حرب تشنها قوى متطرفة ونوع من الإرهاب، ومصر ليست دولة رخوة ولا تابعة. هذه ليست مبالغة، لكن ما يحدث خارج القاهرة وفي سيناء وحرق الكنائس وقتل الضباط ومهاجمة المتاحف دليل على أنه ليس نزاعاً سياسياً بل عنفاً ونوعاً من الإرهاب». على صعيد آخر، قررت محكمة جنايات القاهرة إرجاء إعادة محاكمة الرئيس السابق حسني مبارك وابنيه علاء وجمال ووزير داخليته حبيب العادلي و6 من كبار مساعديه ورجل الأعمال الفار حسين سالم، إلى جلسة 25 غشت الجاري، بسبب الظروف الأمنية التي حالت دون حضور المتهمين إلى ساحة المحكمة.