أشعلت خطوة عزل الرئيس المصري محمد مرسي حربا اعلامية بين ابرز قناتين عربيتين متنافستين هما «العربية» و«الجزيرة» اللتين وضعتا الموضوعية جانبا لتعكسا سياسات الجهات التي تمولهما. وتبلورت الاختلافات بين القناتين مع بداية انتفاضات الربيع العربي في 2011 حيث سارعت «الجزيرة» و«العربية» إلى نقل الأحداث المتسارعة من خلال وجهات نظر متقاربة إلى حد بعيد مع المواقف الرسمية القطرية والسعودية. ويقول عبد الله الشمري الباحث في العلاقات الدولية «منذ الربيع العربي لم يعد هناك شيء وسطي في الاعلام إما مع أو ضد. والمؤلم ان الحالة تطورت الى ظهور شيء من الاستقطاب». ويضيف «القناتان تراعيان رأي الممول أكثر من الرأي المهني والموضوعي والاعلامي» مشيرا الى ان «كلتاهما فقدتا مصداقيتهما في نقل أحداث مصر التي صارت تمثل رايا سياسيا» مما دفع الكثير من المشاهدين العرب لمتابعة قنوات أخرى ناطقة باللغة العربية مثل «فرانس 24» و«سكاي نيوز العربية». ويتابع الشمري ان القناتين باتتا تختاران المحللين الذين سيظهرون على شاشاتهما بعناية لينقلوا وجهة نظر المحطة لا أكثر. «أصبحنا نقول رأيا سياسيا وننقل رسالة بدلا من قول رأينا كمحللين». وتمول قطر الغنية بالغاز قناة «الجزيرة» التي أطلقت عام 1996 وأحدثت ثورة في الساحة الإعلامية العربية التي كانت طوال عقود خاضعة لقيود تفرضها وسائل الإعلام الرسمية. أما قناة «العربية» فيملكها رجل الأعمال السعودي المقرب للعائلة المالكة في الرياض وليد الإبراهيم. وفيما طغى التوتر على العلاقات بين السعودية والسلطات المصرية خلال فترة حكم مرسي الاخواني، دعمت قطر بكل قوتها الاسلاميين الذين وصلوا الى السلطة في مصر وتونس. وبدا ذلك بشكل واضح في تغطية احداث مصر منذ التظاهرات في الشهر الماضي وصولا الى عزل مرسي. من جهته، يقول محمد الوافي اختصاصي الاعلام العربي في جامعة السوربون في باريس ان ««الجزيرة» و«العربية» قامتا بتغطية أحداث مصر بشكل متعارض تماما». وفي حين كانت «العربية» تبث مباشرة تظاهرة المعارضة في ميدان التحرير، قسمت «الجزيرة» شاشتها قسمين لبث صور عن مسيرة مؤيدة له في ميدان آخر في القاهرة. وبينما أتاحت «الجزيرة» للذين اعتبروا قرار الجيش المصري عزل مرسي «انقلابا على الشرعية» التحدث بشكل واسع، رحبت «العربية» بتدخل الجيش واطلقت شعار «الثورة الثانية». ويرى الوافي ان موقف «العربية» يأتي «انعكاسا واضحا» لسياسة السعودية التي كان عاهلها الملك عبدالله اول من قدم التهنئة للرئيس الموقت عدلي منصور حتى قبل ان يؤدي اليمين الدستورية. أما «الجزيرة» «فقد أظهرت موقفا معاديا إزاء أحداث 30 يونيو أكثر مما أبدته قطر التي تبدو كانها قبلت سقوط مرسي بشكل أو بآخر»، على حد قوله. وعندما لقي 42 شخصا من أنصار مرسي مصرعهم خارج مقر الحرس الجمهوري في القاهرة في الثامن من الشهر الحالي ركزت «العربية» على رواية الجيش للحادثة. وفي ذلك الحين، كانت «الجزيرة» تبث مشاهد من مستشفى ميداني تظهر القتلى والجرحى وبقع الدماء على الارض، كما غطت بشكل مباشر مؤتمرا صحافيا للإخوان في موقع الحادث. وبالتوازي، قدم عدد من الموظفين في القناة استقالاتهم بسبب خلافات حول تحرير الأخبار، أو بموجب ضغوط إثر تهديدات تلقوها. وكتب مدير قناة «الجزيرة مباشر» أيمن جاب الله في صحيفة «تلغراف البريطانية» في 13 الحالي ان «طاقمنا تلقى تهديدات بالموت ووزعت مناشير عليها بقع دماء خارج مكتبنا كما تعرضنا للطرد بشكل جنوني من قبل زملاء خلال مؤتمر صحافي للجيش». يقول الاكاديمي الكويتي سعد العجمي ان «الجزيرة» و«العربية» أخذتا اتجاهين متضادين في تغطية الاحداث (...) اعتقد انهما غطتا الاحداث لكن الفروقات تكمن في انتقاء المفردات التي تعكس بحد ذاتها مدلولات للموقف السياسي أو التوجه السياسي». ويضيف وزير الاعلام السابق «لقد غطتا تظاهرات كلا الطرفين. لكن الصور تعكس نوعا من التوجه نحو إبراز تظاهرات ومنحها حجماً أكبر من التظاهرات المضادة, من خلال زوايا الصور». أما المشاهدون، فقد انتقدوا القناتين على تغطيتهما. ويسخر هاشتاغ على موقع تويتر بعنوان «غرد كأنك «العربية»» من أخبار العربية وتوجهها المعادي للاخوان المسلمين. وفي الفيسبوك, يطالب اكثر من ستة الاف شحص ب«طرد العميلة الجزيرة من مصر» متها القناة ب«زرع الفتنة بين المصريين». ويقول حسام (18 عاما) وهو بائع متجول في القاهرة ان ««الجزيرة» تبالغ في التركيز على الاخوان المسلمين وتغطيتها منحازة». ويوافق عبد الفتاح محمد وهو مصري مقيم في الامارات على ذلك قائلا ان ««الجزيرة» تنحاز قليلا إلى جانب الإخوان لكن ذلك يحصل لان هذه النظرة لا تنال حصتها من التغطية الاعلامية في مكان آخر». لكنه يضيف ان ««الجزيرة» تنقل الاحداث مباشرة كما هي وتستضيف اشخاصا من الطرفين. لقد توقفت عن مشاهدة العربية في الفترة الاخيرة لانها لم تكن موضوعية». اما عجمي فانه يعتبر التباين بين القناتين «اضافة للمتلقي (...) من غير العدل والانصاف للمتابع العربي بأن يسمع وجهة نظر واحدة.»