يشكل مشروع إصلاح منظومة العدالة أحد الأوراش المفتوحة في الآونة الأخيرة والتي يعتزم من خلالها القائمون عليها تجديد دينامية القضاء، و تحيين المساطر المهيكلة لهذا القطاع الحيوي. المتتبعون لهذا الورش الحساس يرون إمكانية تفريغ الإصلاح من محتوياته وأهدافه التي جاء من أجلها على اعتبار حجم المقاطعين له والتراجعات التي قال البعض إنها لا تساير تطلعاتهم. نادي قضاة المغرب من بين المتدخلين المحوريين في هذا الورش الهام على اعتبار أن القاضي هو محور كل إصلاح، ولذا يستوجب الأخذ بعين الاعتبار مطالب هذه الفئة، وتحيين وضعياتهم الاعتبارية داخل المنظومة وداخل المجتمع. لهذا الغرض ارتأينا أخذ وجهة نظر الفاعل الحيوي في قطاع العدل ومدى مساهمته وطنيا وجهويا في النهوض ماديا ومعنويا بهذه الفئة. في هذا الحوار سنحاول كشف المستور واكتشاف أهمية أحد الهياكل الأساسية في تمثيلية رجال القضاء، ومدى تشبث القضاة بمطالبهم عبر ممثليهم في نادي القضاة وطنيا و جهويا. ثم إلى أي حد ستكون لاستقلالية القضاء ما خوله لها الدستور الجديد ومدى تطبيقها على أرض الواقع ، وهل الدينامية المتجددة لفروعه بالمغرب قد حققت ما تصبو إليه؟ ذلك ما سنكتشفه في حوارنا مع الأستاذ عبد العاطي الأزهري عضو المكتب الجهوي بنادي قضاة المغرب بمراكش، وأحد أعمدة النادي بجهة مراكش تانسيفت الحوز. { بداية، كلمة عن نادي قضاة المغرب بمراكش وظروف تأسيسه؟ مباشرة بعد ما سمي بالربيع العربي والذي أرخى بظلاله على المغرب، ظهرت حركات احتجاجية طالبت بالتغيير، فجاء خطاب 9 مارس التاريخي والذي توج بدستور 2011 ، هذا الأخير الذي ارتقى بالقضاء إلى سلطة مستقلة عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، كما أقر في بابه السابع المتعلق بالسلطة القضائية و خصوصا في الفصل 111 منه القضاة في حرية التعبير وحقهم كذلك للانخراط في جمعيات أو إنشاء جمعيات مهنية. وكنتيجة لهذه المقتضيات الرائدة التي جاء بها الدستور وبحكم حسهم القانوني والحقوقي أبى القضاة إلى أن يقوموا بمحاولة ناجحة لتفعيل مقتضيات هذا الدستور على أرض الواقع، وذلك بتأسيسهم لنادي قضاة المغرب كجمعية مهنية تعمل في مجال الدفاع عن استقلال القضاء وما يرتبط بذلك من التزامات. وقد كان لهذا التأسيس الأثر الايجابي في نفوس القضاة من خلال التفافهم حول هذه الجمعية الفتية، وسارعوا إلى استكمال أجهزة النادي من خلال تأسيس المكاتب الجهوية في جل الدوائر الاستئنافية. ولم تكن الدائرة الاستئنافية بمراكش استثناء من هذه القاعدة، بل بادر مجموعة من القضاة في إطار لجنة تحضيرية استطاعوا من خلالها وبفعل العزيمة و الإرادة القويتين ونزوعهم كذلك إلى التغيير إلى عقد جمع عام تأسيسي يوم 17 فبراير 2012 تمخض عنه تأسيس المكتب الجهوي لنادي قضاة المغرب بمراكش. { تأسيس فرع مراكش سيكون قيمة مضافة للمشهد القضائي ولباقي الفروع. ماهي أهم أهدافه ونسبة تحقيقها وما نتائج ذلك؟ بعد تأسيس فرع مراكش لنادي قضاة المغرب وإيمانا من المكتب الجهوي بانتظارات قضاة الدائرة الاستئنافية بمراكش، كان لزاما عليهم التحرك والانخراط في رسم الخطوط الكبرى لاشتغال النادي وتحقيق أهدافه العامة، وكذا رصد جميع المتطلبات الضرورية للقضاة العاملين بهذه الدائرة فتمت بذلك المساهمة بصياغة الملف المطلبي الوطني وآخر محلي يهم منخرطي الفرع في هذه الدائرة، هذا الأخير عملنا من خلاله على مراسلة الجهات المختصة في كثير من نقاطه وقمنا بفتح الحوار معهم في سبيل تحقيق مكاسب نعتبرها جد مهمة. كما أنه على الصعيد الاجتماعي أبرم المكتب الجهوي اتفاقيات مهمة في مجال الصحة، ودخل في مفاوضات مع بعض المصالح الاجتماعية على صعيد الجهة. { عرف نادي مراكش بدينامية واقعية ماذا عن هذه الأنشطة وأهميتها في قطاع تنتمون اليه؟ نعم ، سؤال مهم، فمواكبة منه للأنشطة التي يقوم بها النادي على صعيد المكتب التنفيذي و على صعيد المكاتب الجهوية، ومساهمة منه في النقاش العمومي المتعلق بإصلاح القضاء ومنظومة العدالة ، عمد المكتب الجهوي انطلاقا من الأهداف العامة المرسومة في قانونه الأساسي إلى تنظيم ندوات أكاديمية في إطار التواصل مع كل الفاعلين الحقيقيين في منظومة العدالة وكذا الفاعلين الجمعويين، كان هدفها الأسمى ترسيخ ثقافة الانفتاح والتواصل مع كل المتدخلين والمهتمين بالشأن القضائي محليا ووطنيا حيث يبرز الدور الفعال لهذه المنهجية في تقريب وجهات النظر بين الجميع، وإشراك المتتبعين في التفكير بمحددات ما تمليه الظروف المهنية لكل المتدخلين في مساطر التقاضي إضافة إلى رد الاعتبار للقاضي باعتباره محورا جوهريا لكل إصلاح إيجابي وجاد.. { عمل فرع مراكش مؤخرا على تنظيم يوم دراسي بكلية الحقوق والكل شهد بنجاحه الكبير، ما السر في ذلك؟ اليوم الدراسي ل 5 يوليوز 2013 ، والذي اختير له كموضوع " قراءة استشرافية للحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة: الواقع و الرهانات"، يعتبر إحدى هذه المحطات الواعدة في مسيرة نادي القضاة بمراكش وقد كان ذلك بالموازاة مع انتهاء ما سمي بالحوار الوطني للإصلاح الشامل والعميق لمنظومة العدالة، هذا الأخير كان محل العديد من الانتقادات على مستوى المنهجية حيث عرف مجموعة من التعثرات والانسحابات. اليوم الدراسي والذي تم بشراكة مع كلية الحقوق بمراكش ومركز الأبحاث عرف نجاحا متميزا، بالنظر إلى نوعية المتدخلين و بالنظر كذلك إلى المقاربة التشاركية التي تم اعتمادها حيث حضرت فعاليات مهمة في مجال العدل ومتدخلون في المجال القضائي من بينهم محامون وأساتذة جامعيون و قضاة وممثلو المجلس الجهوي للعدول و ممثلو المجلس الجهوي للمفوضين القضائيين إضافة إلى فعاليات من المجتمع المدني ومهتمين بالشأن القضائي. هذا النشاط فتح نقاشا لقضايا الساعة عبر محاوره المتمثلة في مجموعة قراءات ومداخلات حول "الآليات الدستورية الجديدة لتعزيز استقلالية القضاء" و"استقلال السلطة القضائية الواقع و الآفاق" و"معوقات الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة" و"التوثيق العدلي بين اكراهات الواقع ورهان الإصلاح" و"المسؤولية عن الخطأ القضائي في ضوء الفصل 122 من الدستور الجديد" و"دور مؤسسة المفوض القضائي في تطوير العدالة" إضافة إلى "محور تحديات إصلاح منظومة العدالة ومقاربة سوسيوقانونية". { هل هناك لقاءات مستقبلا لنادي مراكش في هذا الصدد؟ هذا اليوم الدراسي يعتبر حلقة أساسية من برنامج سطره النادي يقضي باستمرارية مثل هذه اللقاءات وتنوعها حسب أجندة محددة، ووفق توزيع جغرافي يوازي حجم جهة مراكش لكي نضمن اللاتمركز ولنفعل سياسة القرب والانفتاح على جميع روافد الدائرة الاستئنافية لمراكش بمختلف مكوناتها مما يضمن لنا بنادي مراكش الشفافية وعقلنة التنظيم والتدبير السليم لجل الأنشطة. { ما نوعية هذه الأنشطة ؟ برنامج نادي قضاة المغرب بمراكش هو قيمة مضافة لأنشطة متنوعة عملنا على تنويع تيماتها والمتدخلين بها على أساس أنها تساير طموحات النادي والبرامج المسطرة له، كما أنها ستعلن في وقتها المناسب حيث التشاور والعلاقة التفاعلية بين جميع مكونات قطاع العدل هي السمة الطاغية على التنظيم وهي مقاربة وتحد رفعناه منذ تأسيس هذا النادي . أشير الى أننا سنعمل على إشراك خبراء في ميادين مختلفة لتمكين المستفيدين من تبادل التجارب والخبرات في المجال القضائي وهو انفتاح مسؤول وواعد وهذا تحد رفعه النادي وسنكسبه مستقبلا. { تكلمتم عن التحديات، ماهي تحديات نادي القضاة والتي تأسس من أجلها؟ في إطار الحراك الداخلي الذي يعرفه النادي والذي نعتبره من جانبنا حراكا إيجابيا ومسؤولا، عقد المكتب الجهوي للنادي عدة اجتماعات خلصت إلى ضرورة تجديد أنفاس النادي من أجل تحقيق نقاط الملف المطلبي على الصعيد الوطني خصوصا في ما يتعلق باستقلال السلطة القضائية وتفعيل النصوص الدستورية بهذا الخصوص، وبالتحديد الشق المادي المتعلق بتحسين الوضعية المادية للقضاة والتي كانت موضوع إجماع من طرف القضاة على الصعيد الوطني اعتقادا منهم بأن تحقيق هذا المطلب من شأنه الرفع من مستوى الأداء، والمساهمة بشكل كبير في استقلال القضاء والذي نعتبره حقا للمجتمع وليس امتيازا للقضاة لأنه الكفيل بحماية مصالح وحريات الفرد والمجتمع. كما خلص المكتب الجهوي في اجتماعاته إلى ضرورة الحفاظ على وحدة النادي واستمرارية وتحقيق الأهداف التي تأسس من أجلها. { يشير إليكم البعض بأسهم النقد، ما دواعي هذا التشويش؟ نادي قضاة المغرب هو جمعية مهنية لها حقوقها الدستورية الكاملة كما أن صبغتها القانونية متكاملة وأن تشكيلة منخرطيها تعتبر بالأهمية بما كان. كما أن مطالبها عادلة ومشروعة وهو ما تزكيه جل مضامين الخطب الملكية. انفتاحنا محليا ووطنيا ودوليا هو بمثابة تجديد محكم نضمن من خلاله أحقية مطالبنا ووعينا الخالص بتطبيق ما جاء به الدستور كما أن وحدة منخرطي النادي تبقى قضية مقدسة ولن تنال عزيمة المشوشين في فك خيوطها. { أستاذ، كلمة أخيرة ؟ أولا، شكر عميق للجريدة على المواكبة المتواصلة للشأن القضائي وخصوصا ما يتعلق بالسادة القضاة، كما أنني أذكر الجميع بضرورة التعبئة الشاملة للنهوض بأوضاع القاضي والتفكير جليا في الملف المطلبي المشروع والجاد. هي مناسبة من خلالها نجدد أيضا دعمنا لكل المبادرات التي من شأنها خدمة الإصلاح المعقلن والجاد في سبيل تسهيل مأمورية القاضي، وتوفير ظروف مهنية تليق بوضعيته المجتمعية المستقلة والتي ضمنها له الدستور الجديد. كما أننا في نادي مراكش وبإجماع منخرطيه سنعمل على بلورة برامج متوافق عليها لدعم ملفنا المطروح منذ مدة وأكيد أنه تحد عملنا وسنعمل على مواصلة تحقيقه.