في هذه الفسحة الصيفية، نستعرض بعض الأسماء لشهداء مغاربة فقدناهم سنوات الستينات والسبعينات والثمانينات من القرن الماضي، في تلك الحقبة المظلمة من تاريخ المغرب، الذي أطلق عليها سنوات الجمر، وسنوات الرصاص، والذي كان فيها المغرب يعيش انزلاقات خطيرة في كل المجالات منها مجال حقوق الانسان. من هؤلاء الشهداء من اختطف بمؤامرة دولية وتم قتله، ومن اختطفته المخابرات المغربية، خارج التراب المغربي وتم تخديره لينقل إلى المغرب في الصندوق الخلفي لسيارة ديبلوماسية مغربية وتم تصفيته. من هؤلاء الشهداء من جرفتهم الاعتقالات التعسفية، وتعاقبوا على الزنازن والأقبية المظلمة إلى أن زهقت أرواحهم، ومنهم من قدموا للمحاكم ظلما وتم إعدامهم ليلة عيد الأضحى، ومنهم من اختطفوا من منازلهم ببدلات نومهم، من طرف زوار الليل، وزج بهم في المعتقلات السرية إلى أن قتلوا، ورمي بهم في الأرصفة. من هؤلاء الشهداء مقاومون نفذوا أروع العمليات الفدائية ضد الإستعمار الغاشم، ومنهم مناضلون شرفاء مورست عليهم شتى أنواع التعذيب والقمع والارهاب والأحكام القاسية والاعدامات، لالشيء سوى أنهم خاضوا معارك نضالية من أجل مغرب يسوده العدل والحرية والمساواة والديموقراطية، ومن أجل دولة الحق والقانون. من هؤلاء الشهداء رموز مغاربة استشهدوا من أجل القضية الفلسطينية وانضافوا إلى رموز كثيرة صنعتها الثورة الفلسطينية. كما أن هناك شهداء آخرين أصحاب حوادث الصخيرات من العسكريين وأصحاب حادثة الطائرة الملكية وشهدائهم بمعتقل تازمامارت. 2 / 6 موظف بالقصر الملكي يحرض على اغتيل المهدي سنة 1957 في 5 يناير 1956 كان المهدي بنبركة من المؤسسين «لحركة الطفولة الشعبية «الى جانب الطيبي بنعمر الذي كان يعرب الرياضيات مع بنبركة وكذلك الحاج العربي رودياس وآخرين.. انتخب المهدي رئيسا للمجلس الوطني الإستشاري في نوفمبر1956 واستمر فيه إلى سنة 1959، وقد بعث برسالة الى محمد الخامس حول مشروع بناء طريق الوحدة في 6 يونيو 1957، هذا المشروع الذي أعده وأشرف عليه بنبركة وتطوع فيه 12 ألف متطوع من الشباب من مختلف مناطق المغرب. في هذا الصدد كان حديث يدور عن مشروع طريق الوحدة بين الجنرال حمو ومحمد الحيحي أمام إحدى الخيم فقال حمو أثناء الحديث: «... في اعتقادي أنه لو كان عشرة أفراد من مثل المهدي في المغرب لكان المغرب شيئا آخر...». ومن جهة أخرى هناك وثيقة من أرشيف عبد الرحيم بوعبيد، كان قد كشف عنها الباحث المساوي العجلاوي أثناء مداخلته في إحدى الندوات الفكرية التي نظمت بتاريخ 29 ماي 2009 حول «الحقيقة والمسؤوليات في جريمة اختطاف واغتيال المهدي بنبركة «. هذه الوثيقة من تلاث صفحات مؤرخة في 25 دجنبر 1957 ، تتعلق باجتماع ببيت الحسن اليوسي (أول وزير داخلية في المغرب بعد الإستقلال) حول تأسيس الحركة الشعبية. الوثيقة منسوبة إلى «موظف بالقصر الملكي يحرض على اغتيال المهدي بنبركة « يقول فيها بالدارجة: «كلما لقيناه وكلما تذاكرنا معه يتكلم عن حزب الإستقلال، ويوجه له انتقاداته المغرضة، ويتهجم على رجاله وخاصة المهدي بن بركة. ويقول عنه هو الباتري الذي يحرك حزب الإستقلال ، وهو الذي لعب أدوارا هامة في الماضي والحاضر، وإذا كنتم رجالا فإنكم كلكم تعرفون خطة المهدي بنبركة، وتعرفون الطريق الذي سيسوقهم إليه، وأنه يلعب بكم ويستغلكم بوسائله وأنتم لا تشعرون، وكذلك أحمد المرابط الذي يلعب أدوار هامة، وخصوصا في وسط السوسيين، الذين سلبهم (أي تمكن من عقولهم) بأسلوبه الفارغ وأصبح أغلبيتهم يستمعون إليه ويؤيدونه، وكلكم تعرفون اليوم بأن حزب الإستقلال له شخصان يلعبان أدوار سياسية هامة، وهما أحمد المرابط والمهدي بنبركة، وإذا أردتم أن تكونوا رجالا ولكم معنوية وقيمة فعليكم أن تكونوا شجعانا في أموركم، واليوم فإن حياة هذين الشخصين المذكورين تهدد حياتهم وستؤدي بكم إلى أن تصبح الكلاب أفضل منكم، واليوم لا بد من لنا من القضاء على حياتهما «. في 17 أكتوبر 1958 استقبل بنبركة من طرف الجنرال دغول، وفي نفس السنة استدعي من طرف الكونغريس الأمريكي للقيام بزيارة للولايات المتحدةالأمريكية وللاتصال بقيادة الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وبالمسؤولين في وزارة الشؤون الخارجية الأمريكية. قدم المهدي بنبركة استقالته من اللجنة التنفيدية لحزب الاستقلال في 25 يناير 1959، وتولى الإشراف على تنظيم الجامعات المتحدة لحزب الاستقلال، بعد الإنفصال على حزب الإستقلال، ويحكي قيدوم الصحافييت الإتحاديين عبد اللطيف جبرو أنه سمع المهدي يتحدث عن وجوب التحلي بالهدوء، وضبط النفس في العلاقات مع الاخوان الآخرين وقال:»إننا مازلنا في نقاش مع إخوان لا يجب أن ننسى طبيعة رتباطاتنا معهم طوال مراحل نضالية متواصلة، ولا يجب أن ننسى على الخصوص السجون والمنافي التي جمعتنا معهم، في سنوات الكفاح من أجل الإستقلال». في دجنبر 1959 يمنع المهدي من إلقاء محاضرة بمدينة فاس لطلبة القرويين وليسي مولاي ادريس وذلك من طرف السلطات المحلية. وبعد عدة أحداث وطنية طبعها التوتر غادرالمهدي بنبركة الوطن في منفى اختياري يوم 21 يناير 1960. يقول جون زيغلر أحد المثقفين السويسريين، عن المهدي بنبركة، حين كان أستاذا في الغربة، في حوار مع المعطي قبال في إحدى الصحف سنة 2009:»عندما كنت طالبا شابا بعد، تكونت على يد المهدي بنبركة. لذلك أنا أكن له احتراما وأعترافا عميقين، حينما كان المهدي منفيا في جنيف في قرية صغيرة، كان يستقبلنا نحن مجموعة من الطلبة، بانتظام بلطف وطيبوبته العميقين، وحتى يومنا هذا مازال تأثيره ومعرفته اللذان غرسهما فينا أساسيين في حياتي اليومية ومساري السياسي كمنتخب في الأممالمتحدة وككاتب». في أبريل 1960 انتخب المهدي رئيسا للجنة السياسية في مؤتمر التضامن الافريقي الأسيوي، وهو عضو في لجنة مساندة الحريات التحررية التابعة لمؤتمر التضامن الافريقي الأسيوي، حيث مثل وفد الاتحاد الوطني للقوات الشعبية أنذاك في مؤتمر الشعوب الافريقية وقدم تقريرا نشر بجريدة «الرأي العام «في 29 يناير 1960 قال فيه:»إن الخطر الذي يتربص الأقطار الحديثة هو الارتباط الموجود بين قوات الشر « وأضاف «ضرورة تنظيم قوة شعبية تقدمية لمقاومة هذا الخطر «، وتطرق لوحدة المصالح والهجمات الاستعمارية على المغرب، والتي تأخذ اتجاها استعماريا دائما، وكذلك لمميزات الحركة الوطنية بالمغرب، وقال: «واجب الشعوب الافريقية تنظيم نفسها لمواجهة التكتل الاستعماري، والتجربة الافريقية تبطل مزاعم الاستعمار».