قال لي صاحبي وهو يخفي وراء بسمته بعضا من الاستغراب الممتزج بالشماتة : قرأت مقالاتك الأربع التي نشرتها بجريدة «المساء» بشأن مرسوم المساعدة القضائية، كما قرأت مقالي الأستاذ عبد الرحيم الجامعي الرئيس السابق لجمعية هيآت المحامين بالمغرب والأستاذ جلال الطاهر المحامي والعضو بهيئة المحامين بالدارالبيضاء . وأعدت قراءتها عدة مرات . ولا أخفي عنكم ، و بدون مجاملة ، أن كل هذه المقالات وجدت في نفسي قبولا حسنا : مثلما لاقت العديد من الاستحسان لدى عامة الناس ولدى الكثير من زملائكم ، لما تضمنته من قوة الحجة والبرهان وما صيغت به من حسن بلاغة وبيان . ولكن الذي لم أستطع أن أفهمه في الحقيقة ، هو لماذا يظل مكتب جمعيتكم متشبثا بمعارضته لمرسوم المساعدة القضائية وبمقاطعته لها التي أطلق عليها إسم « تعليق » . وبمخاصمته للسيد وزير العدل الذي عمل على أن ينتزع من الحكومة اعتمادا سنويا مقداره : 5 ملايير من السنتيمات في وقت يمر فيه البلد بضائقة مالية جعلت الحكومة تلجأ إلى الاقتراض من الخارج وإلى التخفيض من ميزانية الاستثمارات بما قيمته 150 مليار درهم . ولم يكن يفعل هذا مع وزراء العدل السابقين الذين لم يحرك منهم أي واحد ساكنا في هذا لملف ، ملف المساعدة القضائية ، منذ أزيد من ثلث قرن باستثناء المرحوم النقيب محمد الطيب الناصري الذي عمل على استصدار المرسوم السابق الذي وصفتموه بأنه ولد ميتا. وذلك بالرغم من أنني، والحق يقال، عندما اخضعت موقف الجمعية لميزان الربح والخسارة وجدت أن الموقف الذي اتخذته الجمعية والنقباء المنضوون تحت لوائها لا يمكن أن يرجى لهم منه أي نفع أوغناء ، بينما ترتبت عنه وستترتب عنه عدة خسائر سيؤدي المحامون الضرائب الباهظة عنها . ومن هذه الضرائب : أولا : ما جلبه وسيجلبه عليهم هذا الموقف من سخط من قبل المواطنين والجماهير الذين كانوا ينظرون إليهم نظرة تقدير واحترام بسبب ما كانوا يكبرون فيهم من تطوع للنيابة عن المظلومين وخاصة عن المتهمين في قضايا سياسية في أحلك الظروف وخاصة فيما كان يطلق عليه سنوات الجمر والرصاص . وما كانوا يقدرون فيهم من تحمل لجسامة القيام بعبء المساعدة القضائية للمحتاجين من المتقاضين دون مقابل مدة طويلة من الزمن ، وعملهم الدؤوب على ألا تكون العدالة للأغنياء فقط دون الفقراء . فكيف انقلب الحال بين عشية وضحاها ، فأصبح المحامون يضربون عن مد يد هذه المساعدة إلى الفقراء لمجرد أن الحكومة عرضت عليهم مقابلا عن هذه المساعدة . ألم يكن أجدر بهم وهم لم يرق لهم المرسوم المتعلق بها، أن يبقوا ينوبون في نطاق المساعدة القضائية دون مقابل كما كانوا يفعلون من قبل عملا ، كما تقولون ، بقاعدة استصحاب الحال ومضمنها بقاء الحال على حاله الأول إلى أن يشمله التغيير والتبديل ؟. وثانيا : ما تسبب وسيتسبب فيه من خصومات مع المسؤولين القضائيين بمحاكم المملكة من رؤساء أولين ووكلاء عامين ورؤساء للمحاكم ووكلاء للملك ورؤساء الهيئات المعنية بالمساعدة القضائية . ألم يكن الأجدر بهيئاتكم أن تحافظ على أواصر الود والتعاون والتآزر مع هاته الهيئات . ومنها من أعطاه القانون المنظم لمهنتكم صلاحية واسعة في عدة مجالات مهنية أهمها التأديب وتحديد أتعابكم عند المنازعة فيها ؟ وثالثا : ما قد ينتج عنه من توتر في علاقتكم بالحكومة الاتي ناقشت مقتضيات هذا المرسوم وصدر عن رئيسها مرسوم بالموافقة عليه وعمل أحد وزرائها وهو السيد الأمين العام لها على نشره بالجريدة الرسمية ويستعد أحد أعضائها وهو وزير الاقتصاد والمالية لتخصيص الاعتماد المقرر فيه في مشروع قانون المالية للسنة المقبلة . ورابعا : أن موقفكم لن يغير شيئا من الوضعية المالية المزرية للمحامين المستضعفين ولا سيما المبتدئين منهم والمحامين المتمرنين . بل ربما كان العكس هو الذي كان سيخفف عنهم بعضا من معاناتهم هم الذين ظلوا ينتظرون أن «تروف» عليهم الحكومة ولو بأقل مما خصصته لهم ليواجهوا به مستوى الوقت والأسعار الذي ما ينفك يعرف ارتفاعا مطردا في الأسعار يوما بعد يوم . وخامسا : أني لم أستطع أن أجد في الواقع سببا معقولا لتشبت الجمعية أو الهيآت المنضوية تحتها بالرغبة الملحة في تحويل مخصصات المساعدة القضائية إليها مباشرة دون المرور عبر القنوات القانونية التي يحددها المرسوم الملكي الصادر في 21 أبريل بسن نظام عام للمحاسبة العموية والفقرة الثنية من المادة 41 من قانون المحاماة . والإصرار على المطالبة بتوزيعها على هذه الهيآت بحسب عدد المحامين المنتمين إليها ، لا بحسب ملفات المساعدة القضائية التي تروج أمام المحاكم التي تعمل في نطاق نفوذها الترابي . وذلك من ناحية ، بالرغم من أن هذا الخيار لن يكون تطبيقه ممكنا البتة لمخالفته لقوانين المالية العامة ولقوانين المحاسبة العمومية للدولة ، بل وللمباديء الدستورية الأساسية للمملكة التي لا يمكن أن تقر ما يشبه الأنظمة القانونية للمهنة والصناديق المحدثة بها التي كان العمل ساريا بها في ظل الأنظمة الشيوعية الشمولية قبل فترة البيروسترويكا الشهيرة . ومن ناحية ثانية ، بالرغم من أنه لا وجود ، في نظري ، مطلقا لأي تلازم ما بين ملفات المساعدة القضائية وعدد المحامين بهذه الهيآت . فقد يكون عدد ملفات المساعدة القضائية في محاكم توجد بمناطق نائية فقيرة أكثر منه في مناطق مثل الدارالبيضاء وأكادير ومراكش مثر حيث تكون القدرة الشرائية للمواطنين أحسن من نظيرتها في تلك المناطق الفقيرة . وهو ما يستدعي إعادة النظر في المرسوم لتوزيع المساعدة القضائية على المحامين الذين ينوبون في نطاقها مباشرة دون أن تمر بالضرورة عبر الهيئات التي ينتمون إليها التي هي أحوج ما تكون إلى مزيد من التفرغ لملفات أهم من المساعدة القضائية كملفات الضرائب والتأمين الصحي الكامل الذي لا يخضع للمرجعية الوطنية في تحديد سقف التغطية الصحية وكملف التقاعد . ولتجنيبها ما يمكن أن تتهم به من استغلال ملف المساعدة القضائية من أجل غايات انتخابية . أو يستدعي على أقل، إذا لم يلق هذا الحل القبول ، أن ترصد مبالغ المساعدة القضائية بمجموعها وسنويا لصندوق وطني للتقاعد والتكافل والتضامن المهني خاص بالمحامين تكون الغاية من تأسيسها وتمويله بمخصصات المساعدة القضائية من أجل حل مشكلتي التقاعد والتأمين الصحي للمحامين وأسرهم وللعملة لديهم. كان صاحبي مسترسلا في سرد دواعي اعتراضه على موقف الجمعية المعارض لمرسوم المساعدة القضائية ومقاطعته لها . وأنا منكسف أشد الانكساف لا أطيق المزيد من سماع قوله . وبالي منشغل مع ما سيسفر عنه اجتماع مكتب الجمعية الذي سينعقد يوم السبت 06 يوليوز 2013 في ضيافة هيئة المحامين بالجديدة . وأنا كلي أمل في أن يجد مثل هذا الخطاب لصاحبي صداه لدى هذا المكتب . فيجنب الجمعية والهيآة والمحامين جميعا ما يمكن أن يترتب عن التمادي في المقاطعة والمعارضة للمرسوم من عواقب غير محمودة . وحرر بالجديدة مساء يوم : 05/07/2013 نقيب سابق لهيئة المحامين بالجديدة