مساء يوم السبت 08 يونيو 2013، أسدل الستار عن النسخة الثامنة والعشرين من المؤتمرات التي اعتادت جمعية هيئات المحامين بالمغرب أن تعقدها كل 3 سنوات كلما سمحت لها الظروف بذلك. وقد كان متوقعا أن تعرف هذه النسخة كالعادة «مناوشات» بين مكتب الجمعية ووزارة العدل، التي كانت تمثيليتها ضعيفة هذه المرة، إذ لم تتجاوز وزير العدل ورئيس ديوانه، بسبب تخلف باقي الموظفين السامين عن الحضور واكتفاء البعض منهم ببعث برقيات اعتذار. كما كان من المتوقع، كذلك، أن يصل التوتر إلى أبعد مدى ما بين المعارضين لمرسوم المساعدة القضائية، المؤيَّدين من قبل مكتب الجمعية الذي قاد حملة سابقة لمحاربته دون رجوع الهيئات المكونة لهذه الجمعية إلى المحامين المنضوين تحتها من أجل أخذ رأيهم في الموضوع، والمحامين المساندين لهذا المرسوم الذين كان حضورهم مكثفا. دلت على ذلك: أولا، مواقفهم المعلنة التي عبروا عنها خلال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، وكادت أن تؤدي إلى تفجيره؛ وثانيا، كثرة الصور التي أخذت للمؤتمرين مع الوزير عند اختتام الجلسة الافتتاحية، والتي تعد بالمئات؛ وثالثا، توافدهم المكثف على حفل العشاء الذي نظمته الوزارة في اليوم الأول من المؤتمر على شرف المؤتمرين، وقاطعه أغلب أعضاء مكتب الجمعية. هذا الحفل الذي فاق المتوقع من حيث عدد الحاضرين إليه الذين لم تستطع قاعة الاستقبال بفندق «أوريانتال باي بيتش» في المنطقة السياحية بالسعيدية، على رحابتها، أن تستوعبه؛ وهو ما جعلها تضيق بالطاولات العديدة التي ملأت كل جنباتها، وجعل عددا من المؤتمرين، يتراوح عددهم بين الستين والسبعين، يبقى تلك الليلة بدون عشاء؛ ورابعا، تحلق العدد الكثير منهم حول الوزير بعد انتهاء حفل العشاء وإلى ساعة متأخرة من الليل، يطلبون منه توضيحات ويوجهون إليه استفسارات بخصوص المرسوم وظروف المصادقة عليه ونشره، ويطرحون عليه أسئلة ويطلبون منه استيضاحات بشأن ما غمض عليهم من ناحية كيفية نفاذه. ولكن هذه النسخة -رغم ما دار فيها من سجالات حامية بين الوزارة ومكتب الجمعية، تم فيها اللجوء إلى حرب البيانات والبيانات المضادة- لم تستطع أن تحسم في شأن هذا الخلاف بشأن المرسوم الذي اعتبره الكثير من المؤتمرين خلافا مفتعلا انصب على مسألة لا تستحق كل هذا السجال، وكل ما دار بسببها من صراعات بين الفرقاء. والحق أن النسخة من هذا المؤتمر كان أجدر بها أن تتناول مواضيع أهم من المساعدة القضائية، مثل إتيانها، بشأن المسألة الوطنية، بمقترحات قوانين تنظيمية تساهم في تنزيل الدستور الجديد للمملكة على أرض الواقع؛ وبشأن المسألة القومية، بمقترحات من أجل الخروج على الأقل من حالة الركود التي تعرفها العلاقة ما بين المغرب والجزائر والتي كان من آثارها غلق الحدود بينهما؛ وبالنسبة إلى المسألة المهنية، بمواضيع تشغل بال المحامين كموضوع الضرائب والتقاعد وتحديات العولمة، ونحو ذلك. ولكن التركيز كاد ينصب فقط على ما كان يروج في رحاب القاعة التي انعقدت داخلها لجنة الشؤون المهنية، وفي كواليس المؤتمر على موضوع المرسوم، دون أن ينجم للمحامين أي طائل من وراء ذلك، ودون أن يصدر بشأنه غير بيان من مكتب الجمعية يصفه ب«المرسوم المشؤوم» وسوى بيان مضاد من وزير العدل كرر فيه ما كان قاله في ندوة صحافية سابقة من أنه سيعمل على اقتراح إلغائه. وكلا البيانين، حسب رأي المؤتمرين، يلتقيان في كونهما يتفقان على إرجاع الأوضاع إلى مرحلة الصفر، أي إلى المرحلة التي كانت تعرفها مهنة المحاماة منذ أزيد من ثلث قرن، ويؤديان إلى نتائج عملية غاية في التعقيد، منها: - أن إخراج المرسوم على النحو الذي يرغب فيه مكتب الجمعية، والذي يتمسك فيه بأن يترك لها هي أو لهيئات المحامين المتكونة منهم صلاحية إصدار الأوامر بصرف المصاريف المستحقة للمحامين في إطار المساعدة القضائية، يصطدم بالفقرة الثانية من المادة 41 من قانون المحاماة التي تشترط أن يتم صرف هذه المصاريف عن طريق الخزينة العامة. وهو يقتضي صدور نص تشريعي عن السلطة التشريعية بغرفتيها يلغي هذه الفقرة أو يعدلها، مع ما قد يترتب عن ذلك من هدر للوقت لما تستغرقه مسطرة هذا الإلغاء أو التعديل من أمد طويل. هذا إذا كان سيحظى بالموافقة عليه، وهو الأمر غير المتوقع لمنافاته القواعدَ والمبادئ التي أتى بها المرسوم الملكي رقم 330.66 بتاريخ 21 أبريل 1967 بسن نظام عام للمحاسبة العمومية. ومن ذلك يتجلى أن الأمر يدخل ضمن صلاحية السلطة التشريعية ويخرج عن نطاق الصلاحيات التنظيمية المخولة لرئيس الحكومة. ولا يندرج، من باب أولى وأحرى، ضمن صلاحية وزير العدل ووزير المالية. ولذلك لا يكون هنالك من مبرر أو معنى في الواقع للعتب على وزير العدل وحده لعدم قيامه بإلغاء هذه الفقرة من المادة 41 من قانون المحاماة؛ - أن تلويح وزير العدل بإلغاء المرسوم غير ممكن من الناحية القانونية، لأن المرسوم لا يلغى إلا بمثله، أي بمرسوم، ولا يمكن أن يتم إلغاؤه بمقتضى قرار وزيري. هذا إلى جانب أن قوله ذاك في بيانه إذا كان القصد منه أنه سيعمل باتفاق مع وزير المالية، الذي وقع معه بالعطف عليه، على تقديم مقترح إلى مجلس الحكومة من أجل مناقشته وإصدار مرسوم بإلغائه، مردود عليه بأنه سعي غير مقبول ومن الممكن أن تترتب عنه نتائج خطيرة في العمل: فهو سعي غير مقبول لأنه سيظهر الحكومة، إذا وافقت عليه، متذبذبة وغير مستقرة على رأي، تتخذ اليوم ما تعدل عنه غدا. وهذا سيعطي عنها انطباعا بأنها غير جدية في ما تصدره من مراسيم. وستترتب عنه نتائج خطيرة على الحقوق المكتسبة للمحامين الذين نابوا عن موكليهم في نطاق المساعدة القضائية ما بين الفترة التي تلت تاريخ نشر المرسوم، ومنها ابتدأ حقهم في الاستفادة من الأتعاب بمثابة المصاريف، والفترة التي سيتم فيها إلغاؤه، والذين سيتمسكون بحقهم في مطالبة الخزينة بأداء مستحقاتهم مع أن الاعتمادات المرصودة لذلك بقانون المالية لن ترى النور. وربما أدى ذلك إلى صراع ما بين هؤلاء المحامين ووزارتي العدل والمالية والخزينة العامة بشأن تلك المستحقات، قد يصل إلى القضاء؛ - أن التفكير في حل ثالث وسط يتم بمقتضاه صرف نفقات المساعدة القضائية إلى المستفيدين منها مباشرة ليقوموا بتعيين المحامين الذين سيختارونهم بأنفسهم وتأدية أتعابهم منها. وإن كان يظهر لدى البعض أنه قد لا يلقى أي اعتراض من لدن الحكومة الحالية التي كانت تخطط للاستعاضة عن صندوق المقاصة بدفع مبلغ محدد لكل مواطن محتاج، ويحقق مطلبا آخر للمستفيدين من المساعدة القضائية وهو حقهم في أن يختاروا من ينوب عنهم بأنفسهم وألا يفرض عليهم من قبل الغير، فإن المؤكد أنه سيلقى اعتراضا شديدا من قبل المحامين وهيئاتهم لما يمكن أن ينجم عن صرف هذه المبالغ مباشرة إلى المستفيدين من المساعدة القضائية من احتفاظهم بها دون تنصيب محام للدفاع عنهم أو حتى إلى اقتسامها بينهم وبين المحامين الذين سيختارونهم، وهو ما لن يحقق الغاية المرجوة منها. وبعد، فهذه جملة خواطر عنت لي بعد تتبعي للسجال الحامي الذي دارت رحاه في رحاب فندق «أورينتال باي بيتش» بالسعيدية، سقتها قصد التنبيه إلى ما قد يجره الخلاف في الرأي غير المستند إلى أسس قانونية وواقعية صلبة من نتائج لا تحمد عقباها على المعنيين الحقيقيين بالأمر، وهم المحامون، وخاصة منهم المحامين المبتدئين الذين هم في أمس الحاجة إلى مصاريف المساعدة القضائية ليحلوا بها مشاكلهم المادية، خاصة وأن أغلبهم، في ظل الأزمة الحالية، ينوب عن موكليه بأقل من المبالغ التي أتى بها المرسوم الذي يعتبره مكتب الجمعية نذير شؤم ويعتبرونه هم طالع سعد. وقد تكشف الأيام، عندما يبدأ السريان الفعلي للمرسوم في بداية سنة 2014 بعد أن ترصد الأموال اللازمة لتطبيقه في قانون المالية لهذه السنة الذي سيبدأ إعداده في الشهور أو الأسابيع القريبة الآتية، عمن سيكون منهم على حق، مثلما تكشف لهم عن ذلك بعد بدء العمل بمقتضيات المادة 57 من قانون المحاماة الذي كان، مثله مثل مرسوم المساعدة القضائية، يلقى معارضة شديدة من قبل مكتب الجمعية، ثم ما لبثت هيئات المحامين بالمغرب أن وجدت فيه ما لم تكن تحلم به أو أن يخطر لها على بال.