في خطوة لامتصاص غضب المحامين الذين يلتئمون يومه الجمعة في فعاليات مؤتمرهم بالسعيدية،تراجع وزير العدل مصطفى الرميد عن المرسوم الخاص بالتعويضات المخصصة في إطار المساعدة القضائية. ويأتي هذا السحب على إثر الإجماع الذي جوبه به نشر المرسوم من طرف المحامين المغاربة الذين نددوا بهذا الإجراء، في غياب أي تشاور معهم. الإجراء الذي أقدم عليه الرميد يطرح أكثر من علامة استفهام حول المسطرة التي اتبعها في هذا المجال، في حين أكدت الوزارة في بلاغ لها حول نشر المرسوم، أن إعمال مقتضيات المرسوم يبقى رهيناً بإرادة المحامين، وخاصة مؤسساتهم المهنية، وهو ما تم رفضه من طرف المحامين. وكانت جريدة »الاتحاد الاشتراكي« قد استقت آراء العديد من النقباء والمحامين حول هذا الموضوع، والذين رفضوا نشر المرسوم شكلا ومضموناً. وكان المؤتمرون بمدينة السعيدية، قد وجدوا أنفسهم أمام قنبلة، أرادت الحكومة من خلال وزارة العدل، تفجير النقاش من خلالها حول المرسوم المتعلق بالمساعدة القضائية، وهي حيلة اهتدى إليها المسؤولون من أجل تلهية المحامين المغاربة، حتى لا يتطرقوا لنقاش وتحليل النتائج الخاصة بالحوار الوطني المتعلق بإصلاح منظومة العدالة، وهو الحوار الذي من المنتظر أن يسلم إلى جلالة الملك، قبل إطلاع الرأي العام المغربي عليه. هذا السلوك من طرف الوزير مصطفى الرميد، جاء لثني المؤتمر عن تبني موقف سلبي من هذا الحوار. ومن نتائجه التي لن تكون في مستوى تطلعات الفاعلين والمواطنين على حد سواء. المرسوم القنبلة ورهانات مؤتمر محامي المغرب، والحوار الخاص بإصلاح منظومة العدالة، والصدامات التي خاضها الوزير الرميد ضد كل مكونات منظومة العدالة وغيرها، تجيب عنها جريدة »»الاتحاد الاشتراكي» من خلال بسط آراء نقباء ومسؤولين في قطاع المحاماة بالمغرب. الأستاذ عبد الرحمان بنعمرو هناك ثغرات كبيرة في المرسوم الخاص بالمساعدة القضائية أبدى الأستاذ عبد الرحمان بنعمر العديد من الملاحظات حول المرسوم المنشور. إذ يتضمن ثغرات عديدة سواء من حيث المبلغ المخصص الذي يبقى ضئيلا. في حين أن المحامين رافعوا منذ نصف قرن بالمجان، قبل أن تخصص الوزارة مبلغ 1200 درهم. والنقطة الثانية يرى الاستاذ بنعمرو أنها تتعلق بعدم تحديد معايير لتوزيع هذه المبالغ على الهيئات. كما أن المرسوم شدد على الملفات الصادرة في السنة الواحدة. في حين أشار المرسوم إلى أن الاتعاب يجوز أن تتم مراجعتها بعد سنتين، وهو شيء غير موجب وملزم واعتبر ان التوقيت لم يكن مناسبا. وبخصوص الرهانات الخاصة بالمؤتمر، أوضح ان هناك 140 نقطة تتعلق بالعديد من القضايا التي تهم المهنة وبالقضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية ووضعية حقوق الانسان، ووضعية القضاء التي تشكو من قلة الموارد البشرية ومن الفساد، كما رأى أن الاحكام الصادرة في حق الدولة والادارات العمومية والمؤسسات لا يتم تنفيذها فكيف يمكن أن نطالب بذلك من الآخرين.فاستقلال القضاء رغم أنه منصوص عليه في الدستور، إلا أن الادارة تتدخل فيه خاصة في القضايا ذات الطابع السياسي. الأستاذ إدريس أبو الفضل اعتبر الأستاذ ادريس أبو الفضل أن الملف المتعلق بالمساعدة القضائية هو مطلب ليس بجديد، ومطروح منذ مدة طويلة من طرف المحامين. وعلى المسؤولين أن يتحملوا مسؤوليتهم، إسوة بالدول المجاورة التي لها سبق بخصوص تعويض المحامين عن الأتعاب تجاه المواطنين الضعفاء. ومنذ كان المغرب الحديث والمحامون يتحملون هذه المهمة مجاناً بشكل استثنائي مقارنة مع دول الجوار. وقد بدأ الطلب في هذا الباب، يقول الأستاذ النقيب في الثمانينيات والتسعينيات وفي فترة 2003 و 2007 نضج الموضوع. إذ بدأ الموضوع مع حكومة التناوب وتم التوافق حوله في عهد المرحوم محمد بوزوبع. وحينما جاءت حكومة عباس الفاسي، تم تحديد المبلغ من ميزانية وزارة العدل في مبلغ 400 مليون درهم كسقف أولي، هذه الوضعية تأجلت، كما أن هذا المبلغ سقط في الفائض سنة 2011 وكذلك في سنة 2012. واعتبر أن وزير العدل الحالي يبدل مواقفة، حيث أكد أن المرسوم تم نشره بدون علمه. وبخصوص الطريقة التي ستتم بها الاستفادة من هذه التعويضات الهزيلة، أوضح الأستاذ أبو الفضل أن هذا الإجراء فيه مبالغة، إذ يستحيل على أي محام يدافع في ملف خاص بالمساعدة القضائية بمبلغ 1200 درهم، أن يسلك العديد من الاجراءات قبل صرف هذا المبلغ في الخزينة العامة الجهوية. إذ في ذلك نوع من التحقير، في حين هناك صناديق في المحاكم يمكن اللجوء إليها وحل هذه الإشكالية بطريقة سلسة. كما أن المرسوم، يضيف الأستاذ ادريس أبو الفضل، ينص على أن تصرف المبالغ في حدود الأحكام الصادرة تلك السنة، متسائلا عن مآل السنوات الماضية. إذ رأى أن المرسوم لا يستند إلى أرضية صلبة، بحكم عدم وجود معايير لتحديد هذه المبالغ المالية. ففي تونس مثلا، لاحظنا، يقول المحامون المتدربون في وضعية اجتماعية جيدة، وحينما سألنا عن الأمر، قيل إنهم يتقاضون مبالغ محترمة عن طريق المساعدة القضائية، مضيفاً إنه إذا كانت الوزارة فاقدة للرؤية والابتكار، فكان عليها الاعتماد على ما يجري في الدول المجاورة، بل الأكثر من ذلك، أن وزارة العدل لم تكلف نفسها عناءإحصاء عدد الملفات والأحكام التي تصدر في السنة في هذا الباب، وهي ضرورة مرجعية. كما أن هذه المبالغ سيتم توزيعها جزافياً، ومن ثمة لاحظ أن وزير العدل يخبط خبط عشواء ويعتمد على التهريج، متسائلا في حالة عدم صدور الأحكام الخاصة بالمساعدة القضائية في حجم هذه المبالغ، فأين مآل ما يتبقى منها؟ ورصد الأستاذ أبو الفضل تناقضات الوزير مصطفى الرميد التي رأى بشأنها أنها لا تليق بإنسان مسؤول. كما أثار مسألة مضامين المشاورات بين الوزارة والمحامين حول الموضوع. وأوضح بخصوص الحوار حول إصلاح منظومة العدالة، أن الوزارة لا تستطيع تجميع كل الأفكار المقترحة بمسؤولية، بل في الأخير ستجمع مقترحات مسؤوليها، في حين أنه لاشيء تغير على مستوى الواقع، بل الأمور تزداد سوءاً. وسجل الأستاذ أبو الفضل الممارسات الصدامية مع القضاة وكتاب الضبط وكل مكونات منظومة العدالة ،وهذا الأسلوب يؤدي إلى التوتر وتفاقم المشاكل لدى المواطنين، وهذا مقصود. ولا أظن ذلك، يضيف، مجرد عنترية، ذلك أنني أعرف وسائل الاصلاح. وما يجري هو متعمد، حتى يظل خطاب العفاريت والتماسيح حاضراً في خطابهم. ورأى أن مؤتمر المحامين يولي اهتماماً للملف، وسيناقش كل الأشياء. ونشر المرسوم جاء من أجل تلهية المؤتمرين عن مناقشة الحوار حول إصلاح منظومة العدالة وما آلت إليه. إذ خلق بلبلة في بداية انعقاد المؤتمر. إذ سجل أنه تم إقصاء العديد من المكونات منها هيئة كتابة الضبط، لأنها لا تنتمي إلى نقابته. وبمعنى أن هذه الفئة إذا أرادت أن تلبي ملفها المطلبي، عليها أن تلتحق بنقابة الوزير. كما تذكر ما كان يقوله في حق المرحوم محمد بوزوبع. وعن عبد الواحد الراضي وعن المرحوم الطيب الناصري، حينما تولوا حقيبة وزارة العدل. الأستاذ الطيب الساسي: المرسوم لا يلزم المحامين أكد الأستاذ النقيب الطيب الساسي أن مشكل المساعدة القضائية كان مثارا منذ سنوات عديدة، إذ ما بين سنتي 1926 و1963، كان المحامون يرافعون في إطار المساعدة القضائية مقابل خصم 15% من الضرائب الملقاة على عاتقهم، لكن بعد ذلك أقرت المجانية، وبقي المشكل قائما الى الآن، وبالتالي المحامون ترافعوا في الملايين من القضايا مجانا. وفي عهد المرحوم محمد بوزوبع، وفيما كنت رئيسا لجمعية هيئات المحامين بالمغرب، يضيف النقيب الطيب الساسي في تصريح لجريدة الاتحاد الاشتراكي، تم طرح هذا المشكل وتم تعديل قانون المحاماة من خلال الفصل 57، المتعلق بودائع المحامين والمساعدة القضائية. وفي عهد المرحوم الطيب الناصري تم الاتفاق على أساس أن تمنح المبالغ الخاصة بالمساعدة القضائية للنقابات، بدون تدخل أي جهة خارجية. واعتبر أن لمرسوم الذي تم نشره لا يلزم المحامين، إذ أنه يمس استقلالية المهنة وعبر عن رفضه لذلك شكلا ومضمونا، كما رأى النقيب الساسي أن المرسوم وتاريخ إصداره يعتبر ضربة للمؤتمر. كما أن الجمعية عبرت عن رفضها لهذا المرسوم، وأكد أن المؤتمر سيذهب في اتجاه الموقف الذي اتخذه مكتب الجمعية،» كما أننا سنستمر في النضال. حتى تتراجع الوزارة عن هذا المرسوم». الأستاذ عمر الخيراوي: المرسوم قنبلة ضد المؤتمر وعلى المحامين ألا ينجروا وراء هذا الفخ رأى الأستاذ عمر الخيراوي أن الأمر الذي لا يختلف فيه اثنان هو أن حق الدفاع حق مقدس، وتحرص الديمقراطيات العريقة على ضمانه لكل المواطنين وخصوصا الفئات الهشة، وهو ما استدعى إنشاء منظومة المساعدة القضائية. والمرسوم يعطي الدلالة الاكيدة على ما يكنه المسؤولون من احترام للمواطن المغربي، الذي لا يملك الموارد المالية للدفاع عن نفسه، على اعتبار أنه يستخلص من تقييم المفهوم العام للمرسوم أن واضعيه يعتبرون أن تنصيب محام للدفاع عن فقير معدم هو إجراء شكلي بدلا من إعطائه مضمونه الحقيقي أي ترسيخ حق الدفاع كضمانة للمحاكمة العادلة . وأضاف النقيب الخيراوي أن إصدار هذا المرسوم، الذي يمنح صدقات لبعض المحامين، بينما يحتوي في طياته على ما يفيد أن البعض الآخر سيحصل على كلمة شكر من المتقاضين وعبارة «الله يجيب من الدولة»، قد تم توقيت إصداره قبل انعقاد مؤتمر جمعية هيئات المحامين بشهر بالضبط، وهذا التوقيت، يضيف الاستاذ عمر الخيراوي، يدل على أن الغاية من إصداره، بعدما تم الاتفاق على تجميده، هي إلقاء قنبلة داخل المؤتمر لجعل المحامين يركزون مناقشاتهم حول مقتضياته بدلا من التطرق لجوهر ماهو مطروح حاليا، والمتعلق بإصلاح منظومة العدالة. وأضاف «أرجو من زملائي ألا ينجروا وراء هذا الفخ المنصوب لهم». الأستاذ جلال الطاهر: على وزير العدل أن يعمل أكثر مما يتحدث، وكلامه يرهن الحكومة أكد الأستاذ جلال الطاهر أن نشر المرسوم المتعلق بالمساعدة القضائية سيكون الحدث الطاغي على مجريات أشغال مؤتمر جمعية هيئات المحامين بالمغرب، وأضاف أن الاتفاق كان مع وزير العدل السابق المرحوم الأستاذ محمد الطيب الناصري. حيث كانت تعتريه نقائص. وتم الاتفاق على تجاوزها. وفي عهد الوزير الحالي مصطفى الرميد، تم الاتفاق مع جمعية هيئات المحامين بالمغرب، لوضع مشروع متوافق عليه. لكن تفاجأ الجميع بنشر هذا المرسوم. الشيء الذي اعتبرته الجمعية طعنة من الخلف، وموجها لإفشال المؤتمر، حيث تم عشية عقد المؤتمر. هذا ما يمكن أن تفصح عنه القراءة التي يمكن أن نصفها بحسن النية السيئة لكن القراءة الأخرى تفيد أن الأمانة العامة للحكومة هي التي سرعت بنشر المرسوم، ولم تحترم فيه المهلة المفروض أن يتم احترامها، كما تؤكد هذه القراءة أن الغاية من نشر المرسوم لا علاقة لها بمؤتمر المحامين. وأضاف الأستاذ جلال الطاهر، أنه منذ الاستقلال، والمحامون يقدمون المساعدة القضائية مجانا. وبخصوص رهانات المؤتمر أكد أنها متعددة، منها الموقف من المرسوم. ومن الحوار الخاص بإصلاح منظومة العدالة الذي صرفت فيه الأموال، إذ من المنتظر أن يقدم هذا التقرير إلى جلالة الملك. وأوضح أن الوزارة متخوفة من أي موقف غير إيجابي من الميثاق الخاص بالحوار من طرف مؤتمر جمعية هيئات المحامين بالمغرب. وأضاف أن وزارة العدل تتعامل بنوع من التشنج مع باقي مكونات منظومة العدالة، إذ نلاحظ صراعها مع نادي قضاة المغرب، وكتاب الضبط والمحامين. ومع الأسف ، يضيف، فإن الوزير يتحدث كثيرا، في الوقت الذي عليه أن يعمل أكثر، فكلامه يرهن الحكومة كما أن المبررات التي أعطيت بخصوص نشر المرسوم، من طرف الأمانة العامة، هي شأن داخلي يعني الحكومة لوحدها.