ارتأت وزارة الصحة، حسب العديد من الهيئات النقابية العاملة بقطاع الصحة العمومية، والخاصة أن تعد وتنظم وتعقد مناظرتها الوطنية حول قطاع الصحة، دون إشراك أو استشارة المنظمات الفاعلة في القطاع، بل اعتمدت في ذلك على »خبير« أجنبي من كندا لإعداد »كتاب أبيض«، كما لو أن الأطباء المغاربة ليسوا أكفاء، والحال أن كفاءتهم مشهود بها عالمياً، حيث كل من غادر المغرب بعد الحصول على امتيازات المغادرة الطوعية، يعمل حتى اليوم في أكبر المستشفيات والمراكز الجامعية، ومؤسسات البحث العلمي في أكبر دول العالم، محصلا بذلك على امتيازات لا يحصل عليها زملاؤه الباقون بالمغرب، ويستفيد مواطنو تلك البلدان من خبرتهم وكفاءتهم. مسلسل بيع قطاع الصحة لأصحاب المال والنفوذ سبق وأن فتح منذ سنوات، وعملت النقابات على مواجهته من خلال تأسيس الجبهة الوطنية للدفاع عن الصحة، وتمكنت نتيجة للوضع الذي عرفته البلدان العربية من جعل الدولة ولوبيات الضغط المستفيدة من تحرير القطاع تؤجل المشروع، مستعملة بذلك الوزير الحالي، كما استعملت بعض سابقيه. اليوم كلنا نعرف وضعية قطاع الصحة، وخاصة العمومي الممول من طرف المال العام (الضرائب)، وكلنا نعاين معاناة الأطباء والممرضين وكل العاملين بالمستوصفات والمستشفيات والمراكز الجامعية من عدم توفر ظروف عمل مريحة ومساعدة على إنجاز عملهم بشكل جيد، نظراً لقلة إمكانيات ووسائل العمل وضغط العنصر البشري المريض. أمام هذه الوضعية، كان من الموضوعي أن تعمل وزارة الصحة ليس فقط بتوجيهات من أوحى لها بإخراج المشروع من الرفوف تمريره، معتقدين أن الوقت مناسب، متناسين أن كل المستشفيات بالمغرب تستقبل يومياً عشرات الآلاف من المرضى المحتاجين للعلاج والمتابعة، وأن مصلحة الوطن الآنية والمستقبلية تقتضي التفكير في كل المغاربة ليس فقط في فئة قليلة لها إمكانيات مالية تجعلها بالأساس تعالج خارج الوطن. لقد وجدت العديد من منظمات المجتمع المدني نفسها مرغمة لمقاطعة مناظرة الوزارة ومن معها، لكنها في نفس الوقت عملت على توضيح أسباب ذلك من خلال بياناتها ولقاءاتها مع الصحافة. في هذه الورقة معطيات كافية تجعل من المناظرة خطوة نحو ضرب الحق الدستوري في الصحة والوقاية، زيادة على خرق العديد من القوانين المنظمة للقطاع، نقدمها للرأي العام حتى تتحمل كل جهة مسؤولياتها أمام الله والشعب.