يعتبر بيتر أوبورن ، كبير المعلقين السياسيين بصحيفة الدايلي تلغراف القريبة من المحافظين في بريطانيا احد ابرز الوجوه الإعلامية الاكثر حرصا على استقلالية الراي ،واكثر الأقلام دفاعا عن وظيفة الصحافة الرصينة بما هي بحث وتدقيق في كل الزوايا والأركان بحثا عن الحقيقة وخدمة للموضوعية، دونما اكتراث بما هو مقبول او مرحب به او مرضي عنه ضمن التيار السائد mainstream، خاصة حينما يتعلق الامر بالكتابة وإبداء الراي حول قضايا دولية تختلط فيها المواقف السياسية بالمصالح الاستراتيجية حد الالتصاق ،كما هو الشان بالنسبة لموضوع الأزمة السورية . بيتر أوبورن نشر كتابين حول « صعود الكذب السياسي» و انتصار الطبقة السياسية «اللذين آثارا نقاشا كبير في الأوساط الإعلامية والسياسية وجرا عليه سيلا من الانتقادات لانه يعبر فيهما عن اراء مزعجة ، مزعجة في صحتها وموضوعيتها قياسا الى ما هو مقبول قوله والدفاع عنه لدى أقطاب التيار السائد . في هذا المقال الذي انتقيناه ضمن مقالات الراي حول حقيقة الأوضاع والتحالفات في الأزمة السورية يخرج أوبورن مرة اخرى وبصورة جريئةعن المألوف والمكرور فيما يقال ويكتب حول تلك الأزمة . مفككا أطروحة دافيد كامرون رئيس الوزراء ومواقفه مستهلا مقالته بتلك الجملة التي تحمل بصمات التندر humor على الطريقة البريطانية : هل يستطيع كامرون ان يشرح لماذا وضعنا في صف القاعدة؟! بقدر ما يستطيل وزير اول بريطاني المقام في 10 داونينغ ستريت ( مقر رئاسة الوزارة) بقد مآ تتكاثر احتمالات حصول نوع من الاختلال في شخصيته . شيئ من قبيل هذا حصل لكوردون براون، وشيء من ذلك مماثل كان قد حصل لتوني بلير منذ سنة 2003، وربما قبل ذلك . هكذا فان الشواهد تبين كيف انه لم يبرح وزير اول مكاتب داونينغ ستريت في نهاية الخدمة وهو في كامل استعداداته الفكرية والعقلية، وذلك منذ جيمس كالاهان سنة 1979. ربما كانت احدى السمات المحمودة للسيد كاميرون هي ما يتمتع به من صحة وعافية , فهو لا يغضب بسرعة، ولا يترك أعصابه تستثار بسهولة ، وهو ليس مصابا بذلك الصنف من الخوف الشبيه بالبارانويا، لا يتآمر على زملائه ،و لا يتغير مزاجه بصورة فجائية او بصورة غير عقلانية . ومع ذلك ، فبالنظر لما يجري ، يصعب التنبؤ بما سيأتي ، لا شيئ يمكن اعتباره مضمونا بخصوص مستقبل تلك الخصال. السيدة سامارثا زوجة كامرون لها نوع من الفضل . لقد صرحت مرة لاصدقاء العائلة بانها تعتبر ان من مهامها الاساسية العمل على ان يحافظ زوجها على هدوئه ورباطة جأشه . السيد كامرون يتولى منصب رئيس الوزراء منذ ثلاث سنوات ورئاسة التوري ( حزب المحافظين ) منذ ثمان سنوات . ومع ذلك شعرت بنوع من القلق وانا أشاهده مساء يوم الاثنين 2 يونيو الجاري يجيب على أسئلة النواب في مجلس العموم . قدم السيد كامرون تصريحا انصب اساسا على ملابسات الحرب الاهلية في سوريا، كما قدم تصريحه - المتأخر عن سياق الحدث - حول مقتل الجندي دريمر لي ريكبي في حي وولويش ،جنوبلندن .وبدا ان الكثير مما قاله بخصوص الوضع السوري كان تأكيدا لقناعات، من طرف رجل له فيما يظهر رؤية راسخة حول الواقع والوقائع التي يتحدث عنها. لكن ما كان ينقص خطابه هو الحس السليم ، مثلما حدث مرات عديدة من قبل . السير بيتر تابسيل ، قيدوم البرلمانيين صرح بان سوريا تعيش اليوم ما يبدو ، بصفة أساسية، كحرب دينية بين الشيعة والسنة ، و التي طبعت التاريخ الاسلامي لأزيد من الف وثلاثمائة سنة . لم يقبل السيد كامرون هذا التأويل ، وصرح في معرض الجواب « حينما الاحظ تركيبة المعارضة السورية، فإنني لا ارى تجمعا لمجموعة دينية خالصة ، انني ارى مجموعة كبيرة من الناس الذين صرحوا ما من مرة بانهم يكافحون في سبيل إقرار الديمقراطية وحقوق الانسان ومستقبل الأقليات ، بما في ذلك الأقلية المسيحية في سوريا «. بعد السيد تابسيل ،وجه وزير الخارجية الأسبق في حكومة كوردن براون جاك سترو سؤالا الى كامرون يسأله فيما اذا لم يكن يوافق، بالنظر لما يجري ، على الراي الذي يرى ان لإيران دور أساسي في أية تسوية ممكنة , وقد فشل السيد كامرون بشكل واضح في تقديم عناصر إجابة مقنعة بخصوص هذا السؤال الاساسي . لقد ذكرنا المشهد بشيء مماثل حصل قبل عشر سنوات لتوني بلير خلال غزو العراق . كان الرجل قد دخل عالما افتراضيا لم يغادره على امتداد أطوار الحرب . ومثل بلير تماماً فقد بدا السيد كامرون مدافعا منافحا عن سياسة يلفها الفراغ القاتل ، سياسة لا تستند الى فهم دقيق للأوضاع، مما يبعدها عن حقيقة الاشياء كما هي ماثلة في الميدان . ومثل سلفه توني بلير اثناء حرب العراق يبدي السيد كامرون اليوم قدرا كبيرا من العناد وعدم استعداد لقبول حقيقة الوضع الإنساني القائم على الارض. ومثل بليرتماما ، لم يكن لكامرون اهتمام بأحوال العالم خارج بريطانيا قبل دخوله 10 داونينغ ستريت ، كلاهما تلقى معلوماته الاساسية حول العلاقات الدولية والسياسة الخارجية حينما اصبح وزيرا اول . وكلاهما تعامل مع القضايا الدولية من زوايا نظرية وبصيغة مجردة . ومنذ البداية ، ( مثلما حصل لبلير بخصوص حرب العراق ) نشط السيد كامرون في ترويج فكرة ان الأزمة السورية هي في جوهرها صراع بين الخير والشر ، الابطال الخيرون فيها هم اولئك الديمقراطيون الليبراليون المتطوعون لمحاربة نظام متسلط هو نظام الاسد ! و لم تكن الحقيقة منذ البداية بهذه السهولة المريحة ، فلم يكن جيش المتمردين تجسيدا للخير كله ولا كان جيش الاسد تجسيدا للشر كله، بهذه الصورة التبسيطية الاختزالية التي تمثل بها كامرون الموضوع وهو يقارب الأزمة السورية . وكنتيجة لهذه الرؤية فقد اخطا الوزير الاول خطا فادحا عند البدئ وفي المنطلق . لقد استهان بشكل كبير بقدرات النظام السوري ،استهانته بحجم الدعم الخارجي الذي يمكن ان يتوفر له .و عبر عن تذمره من الروس بصورة شبه عبثية ، رغم انه ظهر بوضوح ان الروس تفوقوا كثيرا في مجال المناورة على امتداد كل مراحل الأزمة ، وفوق كل هذا وأخطر، فشل السيد كامرون في فهم نوازع وبواعث المتمردين. وبنفس الصورة التي انخدع بها بلير وحلفائه الأمريكيون بالمخاتل المحتال احمد شلبي ومؤتمره الوطني العراقي في السابق عند اندلاع الازمة العراقية، فان السيد كامرون اليوم انخدع بالتحالف الوطني السوري حينما حمل على محمل الجدما يقوله زعماؤه عن انفسهم . . انهم فعلا أشخاص أذكياء ، متعلمون ، ذووا نيات حسنة ، مستريحوا الضمير في بذلاتهم الأنيقة ، لكنهم اشبه ما يكونون بثوار حرب عصابات في الفنادق الكبرى hotel guerillas ,عاجزين بهذه الصفة ،وغيرمؤهلين لنوع ما هو مطروح في الميدان من مهام. قد يكون من المفيد جداً بالنسبة للسيد كامرون ان يطلع على النقد الذاتي الذي قدمه ونشره بمجلة المونيتور الاسبوع الماضي كاتب سوري باسم مستعار ، أدواد دارك. كيف أخطئنا ؟ هكذا يسال هذا الكاتب ، وللتوضيح اكثر يضيف ، الى اين قادتنا أخطائنا ، وكيف تحولت انتفاضة شعبية نبيلة، ملهمة ، تدعو الى الحرية وتطالب بإقامة أسس دولة الحق والقانون، الى عنف طائفي بدون حدود، وحمامات دم مسفوح ، عنف لا يبقي ولا يذر ،في مشاهدلا تليق حتى بعالم الحيوان؟ ويشرح الكاتب السوري صاحب النقد الذاتي كيف وقع احتجاز الثورة من طرف زمر ومجموعات من المتطرفين المسلحين المتزمتين قائلا بتحسر» لم يكن هذا ما كنا نتوقعه ، لم ننتفض لنصل الى هذه النتيجة المخزية ، والى هذا الدمار الشامل لبلد نحبه من أعماق أعماقنا «. لم نناضل من اجل استبدال مجموعة متسلطين باخرى، يضيف الكاتب السوري ! قبل ان يخلص الى انه لم يعد يرى اي امل في هذا النمط الرديئ من التغيير» الثوري «وان الطريق الوحيد المستقبلي السالك يمرعبر اجراء مصالحة وطنية سورية داخلية تبدأ بنبذ العنف وانهائه. لكن السيد كامرون يبدو فيما يظهر ، من خلال اقتراح دعم المتمردين، كمن يريد ان يتصاعد هذا القتال ، لقد اخبر البرلمانيين في جلسة الاثنين المشار اليها انه يأمل ان يترتب عن هذا الدعم-الذي هو ماض في التعبئة من اجله - الى تغيير حاسم لموازين القوى لصالح المتمردين . اما بخصوص ايران - وهي فاعل لا يمكن الالتفاف على دوره الاساسي في اي حل بحكم الحقائق على الارض- فإنها بالنسبة لكامرون عنصر غير مرحب به على طاولة المفاوضات ! وفي ذهن كامرون كذلك ، فانه ليس هنالك اي مكان ممكن للأسد في أية تسوية ، وهو موقف يعني في المحصلة ، بالنظر الى الاجواء المحيطة بالنزاع ، احتمالا متزايدا لتصعيد فصول الحرب الى اجل غير مسمى . يصعب علي تصديق اطروحة الوزير الاول وهو يؤكد ان سوريا هي في حرب أهلية يصطف فيها الديمقراطيون ونشطاء حقوق الانسان صفا واحدا في جهة واحدة ضد ديكتاتور عنيد يوجد في الجهة المقابلة! هكذابهذه البساطة ، وبهذه القطعية .اعترف انه لم تطأ قدماي الارض السورية لأرى ماذا يحدث هناك بالضبط، ومن هم الفرقاء حقاً في هذه الحرب المريعة ، ولكن من الواضح بالنسبة لي ان السير بيتر تابسيل ،قيدوم البرلمانيين في مجلس العموم ( وهو بالمناسبة ينتمي الى حزب المحافظين الذي يرأسه كامرون ) كان اقرب الى الحقيقة من الوزير الاول عند توصيف و مقاربة حقيقة الوضع السوري . من المحقق ان النخبة الليبرالية التي علق عليها الوزير الاول اكبر الآمال كانت موجودة عند بداية الانتفاضة في سوريا ، لكن المؤكد كذلك ان عناصر مسلحة ممولة ومدعمة من أطراف في السعودية وقطر كانت موجودة كذلك وتحركت هي الاخرى منذ البدئ ، والواضح ايضا ان الهدف الرئيسي لهذه الأطراف ، عند المنطلق، لم تكن له أية علاقة لا بحقوق الانسان، ولا بحماية حقوق الأقليات . كان الهدف منذ البدئ تدمير نظام الاسد ، الحليف الأقرب لإيران في المنطقة وبالتالي تاكيد الريادة السعودية في هذه المنطقة الحساسة . الى اي حد كانت بريطانيا والولاياتالمتحدة شريكان ضالعان في ترتيب معالم هذا الوضع ونسج خيوطه الخلفية ؟ من الصعب الحكم ، اقصد الحكم على النوايا ، لكن الذي يمكن تأكيده بكامل الوثوقية ان الشرق الاوسط ( والى حد ما العالم الاسلامي ) انقسم الى معسكرين مسلحين متقابلين : في المعسكر الاول نجد السعودية ودول الخليج مدعومين من الولاياتالمتحدة ،( وبشكل صامت quietly اسرائيل). ووسط احراج كبير تستشعره كل أطراف هذا المعسكر، فان تنظيم القاعدة ، يوجد، او يجد نفسه، في هذا الصف او المعسكر . وفي المعسكر الثاني نجد ايران وحليفه حزب الله والعراق ( عراق ما بعد الاحتلال ) مدعومين بقوة من طرف روسيا والصين . وحينما نرى ونقارب الموضوع من هذه الزاوية فان قول كامرون - او زعمه- انه في موضوع الشان السوري، يقف في صف الديمقراطيين ضد الديكتاتورية هو قول لا ينطوي فقط على نوع من التدليس ،ولكنه فضلا عن ذلك يدعو الى السخرية . لا ، لسنا واقفين في الصف الديمقراطي، .وكما المح قيدوم النواب في مجلس العموم بيتر تابسيل فان بريطانيا قامت بصفة شاملة بمساندة المعسكر الاول ،السني السعودي الخليجي ( حيث القاعدة قابعة في الخلف وسط حرج تستشعره كل الأطراف كما ذكرنا)، الماضي قدما في تأجيج نزاع دموي رهيب في اطار مقارعة المعسكر الاول. . قد تكون للوزير الاول أسبابه التي يعتبرها هو أسبابا معقولة او جيدة تدفعه الى اتخاذ الموقف الذي اتخذه ,ولكنني اتمنى وامل ان يعيد الارتباط بالعالم الواقعي ، وليس الافتراضي ، وان يوضح ويشرح ما هي هذه الأسباب بالضبط . ? Can Cameron explain why he put us on Al - Qaeda s ‹side الدايلي تلغراف 6 يونيو 2013