اهتمت الصحف البريطانية، وعلى رأسها صحيفة «غارديان» الشهيرة، بشكل كبير، بمذكرات رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير، التي تم طرحها يوم الأربعاء الماضي في الأسواق، وتعرضت لأهم ما جاء فيها، من حيث موقفه من الحرب على العراق وخلافه مع نائبه، وخلفه في ما بعد، غوردون براون. وعلقت الصحيفة على هذه المذكرات قائلة إنه «يبدو وكأن بلير لم يبتعد عن الساحة السياسية في بريطانيا لثلاث سنوات، منذ أن تنحى عن منصبه في يونيو 2007، بعد عشر سنوات قضاها في سوق «دوانينغ ستريت»، وربما كان السبب في ذلك هو الإرث الذي خلّفته مشاركة بريطانيا في الحرب على العراق، والتي كان هو مسئولاً عن قرار خوضها». ورغم أنه بعيد عن بريطانيا، بسبب مهام منصبه كمبعوث للجنة الرباعية إلى الشرق الأوسط، فإن مذكراته التي تقع في 700 صفحة، ستعني عودة دخوله إلى النقاش السياسي في بريطانيا، بعد فترة من الصمت فرضها على نفسه. وقد أجرت الصحيفة مقابلة خاصة مع بلير، قال فيها إنه التزم الصمت طيلة ثلاث سنوات، متعمدا، لكن ذلك تَغيَّر الآن، فحزب العمال لم يعد موجوداً في السلطة، ويشير بلير إلى أنه هو من قام بكتابة مذكراته بنفسه وإلى أنه سعيد وفخور بنوع الكتابة التي قدمها فيها. ورداً على ما أثير حول وجود نظريات مؤامرة خاصة وأن توقيت نشر المذكرات التي تحمل عنوان «رحلة»، يتزامن مع بدء التصويت على قيادة وزعامة حزب العمال، أعرب بلير عن عدم اكتراثه لهذا الأمر، قائلاً إن الناس بإمكانهم أن يقولوا ما يريدون. وأكد رئيس الوزراء البريطاني السابق والحليف الرئيسي لبوش في حملته على الإرهاب، أنه اتخذ قرار التبرع بعائدات الكتاب لصالح جمعية خيرية لضحايا الحرب عندما ترك منصبه، وليس في وقت قريب، كرد على الحملة الصحافية ضده، مشيرا إلى أنه اختار دائما جمعية خيرية تعمل مع القوات المسلحة. وقال بلير إن طبيعة عمله الآن أصعبُ بكثير من عمله في سوق «داونينغ ستريت» المالية، حيث إنه يقضى وقتا طويلا في السفر إلى الخارج، وبالتالي أصبح قادراً على كسب مزيد من الأموال، لكنه يؤكد أنه -كما ظل يقول دائماً- شخص يحب الخدمة العامة.. وفي ما يخص العراق، أشارت الصحيفة إلى أن مذكرات بلير تحتوى على جزء كبير عن هذه القضية، دون وجود أي اعتذار عن السياسة التي تبناها والتي لاقت انتقادات واسعة. وقد كتب يقول إنه «لا يسعى إلى اتفاق بل كان يريد أن تكون الحجج المؤيدة والمعارضة أكثر توازناً، مما تشير إلى ذلك الحكمة التقليدية»... لم أكن أفهم الإسلام حتى 11 شتنبر 2001.. من جانبها، نشرت صحيفة «تلغراف» تغطية وافية لمذكرات رئيس الوزراء البريطاني السابق طوني بلير، والتي قال فيها إنه لم يكن يفهم الإسلام حتى وقوع أحداث 11 شتنبر 2001 والتي يعتبرها إعلانَ حرب من عدو جديد. ويشير بلير إلى أنه سرعان ما أدرك الآثار المترتبة عن اصطدام مفجِّرين انتحاريين بطائرات بمركز التجارة العالمي و«البنتاغون» وكان وقتها يستعد لإلقاء كلمة أمام مؤتمر لنقابة العمال في برايتون. ويضيف أنه كان يعي وقتها أن الحرب الجديدة إيديولوجية، لكنه لم يكن يفهم تماما تاريخ الإسلام ويعترف بأنه «أساء تقدير تأثير هذا التطرف». ويتابع بلير أن المستقبل وحده هو الذي سيكشف لنا ما إذا كان الخيار الأفضل هو التدخل العسكري أم القوة الناعمة. لكنه يصر على أنه اتبع قناعاتِه وحدسَه وأنه لم يكن ليغير قراره بخوض حربَيْ العراق وأفغانستان حتى لو كان يعلم طول فترة الحرب. ويرى رئيس الوزراء البريطاني أن محاولة الفرار من الصراع كانت ستصبح خطأ فادحا وجبنا سياسيا. وتشير «تلغراف» إلى أن بلير كشف أيضا عن أنه كان قريبا من الأمر بإسقاط طائرة تجارية متجهة إلى لندن، بعد أن فقدت الاتصال اللاسلكي. ولكن بعد معاودة الاتصال، قبل الوقت المحدد لإسقاطها، قام بالركوع، حمدا للسماء... حرب العراق «كابوس» لم أتوقعه.. رغم اعتراف بلير بأن حرب العراق «كابوس» فشل في التنبؤ به، فإنه لم يستخدم مذكراته لتقديم اعتذار كامل كثيرا ما طُلِب منه، بسبب قيادته المملكة المتحدة نحو تلك الحرب.. ويزعم بلير أنه كثيرا ما ذرف الدموع على وفاة الجنود البريطانيين والنساء في العراق وتعهد بتخصيص الجزء المتبقي من حياته في النضال، من أجل السلام في الشرق الأوسط. وكتب في مذكراته قائلا: «لا يمكنني إبداء أسفى في كلمات. لكنني فقط آمل في تقديم ذلك من خلال أفعال على مدار حياتي المتبقية». ويتابع بلير سلسلة اعترافاته من خلال «الرحلة» مشيرا إلى أنه تَعمَّد أن يتجنب الاعتذار حينما سئل من طرف لجنة تحقيق «شيلكوت» عن دوره في الصراع العراقي، في وقت مبكّر من هذا العام، لأنه لم يكن يستطيع احتمال قراءة عناوين الصحف في اليوم التالي وهي تقول: «بلير يعتذر عن الحرب»!.. وقال بلير إنه كان غاضبا حينما سئل من لدن لجنة التحقيق عما إذا كان يشعر بأي ندم تجاه الحرب. وكتب: «هل يقصدون أنني لم أعبأ أو أشعر أو آسف لهؤلاء الذين فقدوا حياتهم في هذه الحرب؟ دموعي كانت غزيرة جدا».. وأضاف: «أشعر بأسف بالغ من أجلهم ومن أجل العائلات التي ازدادت فجيعتها سوءا، بسبب الجدل الدائر حول سبب فراقهم لأحبائهم». وأقر رئيس الوزراء البريطاني الأسبق بأنه لم يكن يتوقع «الكابوس» الذي تَكشَّف في العراق، بعد الإطاحة بنظام صدام حسين. واعترف بلير في كتابه «رحلة» بأنه لم يأخذ في الحسبان دور القاعدة أو إيران في العراق أثناء التخطيط لغزوه، حيث لم يتوقف سفك الدماء بعد هزيمة نظام صدام حسين. وأعرب بلير في كتابه عن أساه الشديد لأقارب الجنود البريطانيين الذين قُتلوا في الحرب، و»للذين سقطوا في ريعان الشباب وللعائلات الثكلى التي ضاعف من إحساسها بفقد أعزائها الجدلُ الدائر حول السبب الذي من أجله قُتِل أحبّاؤها والظلم الذي وقع عليها بأن قُدِّر لها هي بالذات أن تعاني الخسارة». إلا أن رئيس الوزراء البريطاني الأسبق يصر على صواب قراره في إشراك بلاده في الحرب، «فوقوtنا ساكنين كان سيشكل خطرا أكبر على أمن بريطانيا من القضاء على نظام صدام حسين». وكان بلير قد أعلن أنه سيتبرع بريع الكتاب ومقدَّم الأتعاب التي تقاضاها من دار النشر، ومقداره 4 ملايين جنية إسترليني، لصالح «العصبة الملكية البريطانية» التي تعنى برعاية قدامى المحاربين، مساهمة منه في بناء مركز رياضي للجنود المصابين. وقد غاب بلير عن لندن عند إصدار كتابه، حيث كان في واشنطن، للتحضير لافتتاح مباحثات السلام في الشرق الأوسط، بصفته مبعوثا للجنة الرباعية للسلام في الشرق الأوسط (تتكون من الولاياتالمتحدة والاتحاد ألأوربي وروسيا والأمم المتحدة).. غوردون براون: خلَف لا بد منه.. انتقد بلير بشدة خلَفه في رئاسة الوزراء، غوردون براون، قائلا إنه «صعب المراس، وفي بعض الأحيان يدفعك إلى حافة الجنون، إلا أنه كان رجلا قويا قادرا وبالغ الذكاء، بنى لنفسه قاعدة في الحزب وفي الإعلام، وهذا وضع كان سيجعل من الصعب إخراجه من وزارة المالية»، وأكد أنه كان «في حكم المستحيل» حينما استقال من رئاسة الوزارة عام 2007 منعُ براون من تسلُّم السلطة. وقال بلير إنه «عندما يقال إنه كان علي أن أقيله -براون- من منصبه أو إزاحته إلى منصب أدنى، فإن هذا لا يضع في الحسبان حقيقة أنني لو فعلت ذلك لاهتزّ الحزب والحكم، فورا، وبشكل عنيف، وربما كان صعوده لمنصب رئيس الوزراء أسرع بكثير». وأضاف بلير أنه خلُص إلى أن «إبقاء براون في الداخل، محدودَ الحركة، أفضل من أن يكون في الخارج طليقا أو «أسوأ من أن يكون رأس حربة لقوة أشد تدميرا، وإلى اليسار بمسافة كبيرة». وحول فترة رئاسة براون للوزارة قال بلير إنها لم تكن لتنجح أبدا، لأسباب منها أن براون «منعدم الذكاء العاطفي». وأضاف بلير «من السهل القول الآن، وفي ضوء ما آلت إليه الأمور في فترة رئاسة براون للوزارة، إنه كان علي أن أوقفه، إلا أن هذا كان مستحيلا « لأنني كنت أومن رغم كل شيء ورغم ما كنت أشعر به في بعض الأحيان بأنه كان أفضل وزير للمالية في البلاد». وأشار بلير في مذكراته إلى أنه غيَّر رأيه حول عدد من سياسات حزب العمال، بما في ذلك حظر صيد الثعالب، والذي يُعتقَد أنه كان خطأ، وقانون حرية المعلومات، الذي يقول الآن إنه «غير عملي» بالنسبة إلى حكومة كفأة. وإلى جانب علاقته ببراون، تغطي مذكرات بلير أيضا انتخابه كرئيس لحزب العمال، عام 1994، ورئاسته الوزارةَ، بعد ذلك بثلاثة أعوام، ووفاة الأميرة ديانا ومحادثات السلام في إيرلندا الشمالية والحرب في البوسنة وكوسوفو وأفغانستان والحرب ضد الإرهاب.. وتطرقت صحيفة «أندبندنت» للقطة مهمة في مذكرات بلير، حيث اعترف بأنه استخدم الكحوليات كوسيلة للهروب من ضغوط مهام وظيفته كرئيس للوزراء. وأصر بلير على أنه لم يكن يُفْرط في الشراب بدرجة كبيرة.. لكن بلير قال في مذكراته إنه لم يكن أبداً متأكداً مما إذا كان تناول الكحوليات أمرا جيدا أم سيئا بالنسبة إليه، وأضاف: «يجب أن يكون المرء صريحاً، الخمور مثل المخدرات لا يمكن الابتعاد عنها». وكتب بلير يقول إنه، طبقاً لمعايير الأيام الماضية، لم يكن سكيراً، فلم يكن يشرب وقت الغداء إلا أيام الأعياد. وقال إنه كان يشرب «الويسكي» أو «جي أند تي» قبل العشاء، كوبين أو ربما نصف زجاجة، أي أنه لم يكن مفرطاً في الشراب، فقد كان لديه حد في ذلك، لكنه كان يعي أن الكحول بالنسبة إليه أصبحت وسيلة دعم.. يُذكَر أن بلير كان أوثقَ حليف للرئيس الأمريكي السابق جورج بوش -الابن، بشأن قرار غزو العراق، وهو ما أثار جدلًا على مدى السنوات العشر التي قضاها كرئيس للوزراء وانقسامات داخل حزبه واتهامات بأنه خدع البريطانيين في ما يتعلق بالأسباب التي ساقها لتبرير تلك الحرب، خاصة بعد عدم العثور على أي أسلحة للدمار الشامل في العراق. ومن المتوقَّع أن تلقى مذكرات بلير اهتمامًا واسعا بعد طرحها في الأسواق، يوم الأربعاء الماضي، بعد أن أصبحت بالفعل ضمن أكثر 20 كتابًا الأكثر مبيعًا لدار النشر والتوزيع «أمازون»...