عبد الحق الريحاني يعتبر إصلاح منظومة العدالة ، من أهم القضايا المطروحة على أنظار المؤتمر الثامن والعشرين لجمعية هيئات المحامين بالمغرب ، الذي تتواصل أشغاله بمدينة السعيدية ، خصوصا أن المؤتمر ينعقد في ظرف سياسي دقيق، الكل ينادي فيه بإصلاح القضاء وضمان استقلاليته ، كما يؤكد النقيب عبد الرحيم بنبركة ، مشددا أنه" لابد من إشراك فعلي للمحامين في أي إصلاح للقضاء". وأوضح النقيب أن السؤال المطروح هو :أي إصلاح نريد والذي ينبغي تحقيقه على أرض الواقع؟، ليؤكد في اتصال مع الجريدة "صحيح كانت مجهودات سابقة سعت لتحسين القوانين والأنظمة، لكن هذه المجهودات لم تكن كافية، لذلك نعتقد أن أي إصلاح لابد أن يشرك الجميع وكل الفئات التي لها علاقة بالتشريع بصفة فعلية، وليس بصفة شكلية وأن تكون لها أدوار فعلية في هذا الاصلاح وليس أدوارا شكلية، حيث الملاحظ أن الهيئة المسؤولة عن إصلاح منظومة العدالة تضم أشخاصا لا يمثلون فئات عريضة من مهنة المحاماة". أما في ما يتعلق بمهنة المحاماة، فأوضح النقيب بن بركة أن ظهير 101 الصادر في اكتوبر 2008 كان قفزة نوعية لمهنة المحاماة، لكنه لوحظ عند التطبيق بعض الثغرات ويجب أن تدخل عليه تعديلات وإصلاحات تواكب تطور المجتمع المغربي. أما بالنسبة لأهم رهان للمؤتمر، فأكد بنبركة أنه يجب "أن يكون للمحامين دور أساسي وفعال في أي إصلاح قضائي بالبلاد " كيفما كان نوعه، وكمثال في هذا الباب ما حدث في مرسوم تطبيق الفقرة الثانية من المادة 41 المتعلق بالمساعدة القضائية . من جهته اعتبر عبد الرحيم الشرقاوي نقيب هيئة المحامين بالرباط في اتصال هاتفي مع جريدة "الاتحاد الاشتراكي"، بمناسبة انعقاد المؤتمر الثامن والعشرين لجمعية هيئات المحامين بالمغرب ، أن مهنة المحاماة قد عرفت تقليصا كبيرا بفعل التعديلات القانونية. وأوضح عبد الرحيم الشرقاوي بنفس المناسبة، أن هناك العديد من التعديلات القانونية التي تم تشريعها مؤخرا ساهمت بشكل كبير في الاحتكار المهني. فالمفروض أن تتوسع مهنة المحاماة لتشمل كل مؤسسات الدولة العمومية في الوقت الذي نجد فيه الترافع بواسطة المحامي في عدد من القضايا، أصبح فيه نوع من التضييق. وبخصوص الأسباب والدواعي التي تكمن وراء هذا التقليص لمهنة المحاماة، ذكر الشرقاوي أن عدد المحامين والمحاميات يزداد بالمغرب لذلك المطلوب أخذ بعين الاعتبار هذا المعطى في التشريعات والإصلاحات المستقبلية لمنظومة العدالة، كي يتم الترافع في القضايا أمام المحاكم بواسطة المحامي، مسجلا في هذا السياق أن الشفوية تطغى في غالبية الأحيان في هذا الإطار. وبخصوص النقاش الذي يعرفه المؤتمر الثامن والعشرون والقضايا الأساسية التي يتدارسها المؤتمر للخروج بتوصيات، أكد الشرقاوي أن الشعار الذي ينعقد حول هذا المؤتمر يطرح سؤالا مركزيا، يتم التداول فيه بشكل عميق ومستفيض ومن جميع الجوانب وهو " منظومة العدالة أي إصلاح؟"، بمعنى "سيتم التداول في الرؤية التي نراها كمحامين لإصلاح منظومة العدالة، كما أن المؤتمر سيناقش عددا من القضايا الوطنية والدولية، وفي مقدمتها القضية الوطنية". وفي ما يتعلق برهان مهنة المحاماة اليوم ، يعتقد ذ. عبد العزيز الرويبح المحامي بهيئة الرباط في تصريح هاتفي ل "الاتحاد الاشتراكي" أن أهم رهان اليوم في إصلاح القضاء هو أن يتم تجاوز التهميش والاقصاء وتبخيس المهنة، وأن تتمكن مهنة المحاماة من العودة إلى سابق عهدها وأن يكون لها موقع قدم وأن تكون في طليعة إصلاح القضاء، وأن تتصدى بقوة لكل محاولات التهميش والإقصاء والتبخيس. ولا يتصور ذ الرويبح، إصلاح القضاء إصلاحا حقيقيا، بدون محاماة قوية مستقلة ، ولها قيمة في هذا الإصلاح العام، مضيفا في هذا الاتجاه، "لقد سجلنا للأسف أنه كانت إشارات في ما يتعلق باللجنة العليا لإصلاح منظومة العدالة، نوع من الإشارات التي تنطوي على نوع من الاقصاء والحذر من المحامين". وبالنسبة لرؤيته لمهنة المحاماة اليوم، أكد الرويبح أن القادة الأساسية للمحامين هم المحامون الشباب، فالمؤسسات المهنية اليوم لم تعد كما كانت في السابق. فغالبية أعضائها شباب، حيث أصبحت الكتلة القوية في كثير من المؤسسات المهنية للشباب ما معناه يقول الرويبح أنه يجب التركيز على هموم أخرى مرتبطة بالدفاع عن كرامة المحامي وعن استقلاليته وعن مستقبله. وأوضح الرويبح بنفس المناسبة أن الكيفية التي طرح بها المرسوم المتعلق بالمساعدة القضائية هي أكبر إشارة على سوء تقدير أهمية وقوة مهنة المحاماة لما فيه من ضرب للاستقلالية والمس بصلاحيات مؤسسة النقيب على الخصوص لما تعنيه هذه المؤسسة من تكثيف لكل القيم والمبادئ المرتبطة بمهمة المحاماة. المحاماة المهنة التي ظلت في صلب التغيير السياسي «أتعاب» بناء دولة الحق والقانون ودعم السؤال الحقوقي محمد دهنون لماذا ظلت المحاماة لصيقة بهموم الوطن في مغربنا، ولماذا اختار روادها أن يكونوا في خضم وبجانب الأسئلة الحارقة لعملية التغيير السياسي. لِمَ لم تحصر في الجانب التقني والقانوني البحث، واختار لامعوها التوسع عبرها في مجالات حقوقية سياسية ومدنية؟ لعل هذه الورقة محاولة للوقوف على بعض من أهم ما مارت به وما أنتج داخلها من مبادئ ومواقف غذت مسارات النضال الرصين من خلال استبطان تاريخ بعض الشخصيات التي مارستها، وإن بمستويات متقاطعة أو متضاربة .. هي محاولة ليس إلا .. «المحامي يولد محاميا .. أما القاضي فتصنعه الأيام..» تحضر هذه المقولة بقوة عند الحديث عن المحاماة وتاريخ المحاماة .. هاته المهنة النبيلة التي لعبت أدوارا مركزية في مسارات النضال المدافع عن أسئلة الدمقرطة والتحديث .. لن يكون الكلام عن المحاماة فضفاضا واسعا و قابلا للتدويل .. فالأمر سيكون أشبه بفتح نافذة على التجارب الغربية والعربية الغنية والثرية بتراكمات سجلها التاريخ لرجال وشخوص نذروا أنفسهم للدفاع عن القيم الكبرى .. ولن يسعف الحيز و لا الزمن الإعلامي في طرق تلكم التجارب التاريخية بامتياز . التجربة المغربية هي المعنية بالأساس، وتراكمات هذه المهنة داخل الحياة السياسية الوطنية.. على الأقل بعد الاستقلال وما تلته من معارك بناء الدولة الحديثة والصراع المشحون بكل أنواع التوترات .. هنا كانت المحاماة وكان المحامون في صلب وأتون المواجهة، وكانوا في طليعة النخب التي آمنت بالديمقراطية وبالتغيير السياسي وبالدفاع عن منظومة وثقافة حقوق الإنسان .. بل أكثر من ذلك بلغ التسييس مداه وبرز رجال القانون ومحامون أصفياء وشجعان وأقوياء شكيمة لا ديدن لهم إلا مواجهة الاستبداد الخارج من ثنايا الاستقلال والحضور في المحاكمات السياسية التي كان فيها القانون يُداس .. ولا صوت يعلو فوق "حذاء النظام" ...!! هذه هي الصورة التي علقت بأذهان الوطنيين والمناضلين.. ولم يسجل قط أي تخاذل أو مساومة أو بيع ماتش .. فالزمن، كان زمن سياسة ومبادئ ومواجهات. وجوه وطنية وتقدمية ارتبطت بهذه المهنة وأثثت مساربها بالموقف والفكرة العميقة.. الأسماء كثيرة أغلبها تربى وسط الحركة الوطنية ومنها إلى اليسار، هذا اليسار الذي كان مشتلا حقيقيا لتخريج الأطر السياسية والحقوقية والحزبية. لنتذكر الاتحاد الوطني للقوات الشعبية.. لنتذكر الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية .. وليتذكر المغرضون الذين ينتجون التفاهة هذه الأيام .. أن هذا التيار التاريخي التأم حوله وصبت فيه النخب الوطنية كل مجهوداتها الفكرية والنفسية .. وبطبيعة الحال كان المحامون هناك، وكانت لهم تلك الوظيفة المركزية والرمزية الحقيقية .. ليتذكر معتوهو السياسة في مغرب اليوم هذا الكلام.. عبد الرحيم بوعبيد .. الوطن والديمقراطية منير الشرقي حين اختار عبد الرحيم بوعبيد مساره الدراسي العالي بسلك الحقوق بباريس ، لم يكن منشغلا بهواجس مهنية شخصية ..بل كان الرجل يهيئ نفسه للترافع من أجل الدفاع عن استقلال البلاد بلغة " أهل الحماية "، متسلحا بالقيم الكونية والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان ..كانت أولى معاركه على هذا المستوى، إدارته لمفاوضات عسيرة رفقة امحمد بوستة بباريس في خريف 1954 ، كان لابد له من مواجهة ترافعية تجاه الساسة الفرنسيين في حكومة مانديس فرانس وحكومة إدكارفور من أجل استعادة السيادة الشعبية للبلاد .. يقول عبد الرحيم، و بلغة الواثق من قضيته " لا حل إلا برجوع محمد الخامس إلى عرشه" هكذا خاطب إدكارفور وهو يعلم جيدا معنى الإجماع المغربي على هذا المستوى...كانت تلك أولى دروس المهنة الممزوجة بالحس العالي للوطنية ... عاد ملك البلاد وولي عهده والأسرة الملكية يوم 16 نونبر1955 ، وعادت معه الشرعية التاريخية للمؤسسة الملكية ، كانت تلك أولى "انتصارات عبد الرحيم المهنية" .. لم يتوقف عند هذا الحد بل استأنف دفاعه من جديد من أجل إنجاز مهام وطنية كبرى لبناء المغرب الحديث والمستقل... تقلد عبد الرحيم بوعبيد مهمة وزير الدولة في أول حكومة مغربية للمطالبة بالاستقلال التام ، لبس لحظتها " جبة " المحامي من جديد ليدشن مرحلة أخرى من المفاوضات العسيرة رفقة وفد مغربي، ستتوج بتوقيع وثيقة الاعتراف باستقلال المغرب ..عاد عبد الرحيم من فرنسا حاملا معه وثيقة استقلال البلاد محفوظة في حقيبة ملابسه المتواضعة ... سيسجل التاريخ لعبد الرحيم العديد من المواقف المبدئية النبيلة ، فقد أبى إلا أن يرتدي بذلة المحامي كلما استشعر خرقا لحقوق الإنسان أو حاجة إلى محاكمة عادلة .. دافع عبد الرحيم عن الراحل المحجوب بن الصديق الكاتب العام للاتحاد المغربي للشغل الذي اعتقل يوم 9 يوليوز 1967 غداة إصدار نقابته لبلاغ ناري عقب هزيمة الجيوش العربية أمام العدو الصهيوني. ورغم اعتراض العديد من المناضلين الاتحاديين على موقف عبد الرحيم نظرا لمقاطعة نقابة المحجوب بن الصديق للاتحاد الوطني للقوات الشعبية عقب الاعتقال الشامل لأطر الحزب في يونيو 1963 ، فقد اختار عبد الرحيم المحامي والزعيم السياسي أن يرد على منتقديه بالآية الكريمة :" إن الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم ." من مواقفه الرفيعة ، أريحيته وانخراطه الواعي لدعم المبادرات ذات البعد الحقوقي والإنساني.. تلك المبادرات جعلت من بوعبيد " فريد زمانه " ... كانت أيام الجمر في عز لهيبها .. اعتقالات واختطافات بالجملة شهر مارس 1973 ، محمد الوديع الآسفي ومحمد منصور يأخذان المبادرة بعد أن نالا نصيبهما من هذه المحنة، قررا معا الاتصال بعبد الرحيم لجمع الدعم لعائلات المعتقلين والمختطفين. ، ثمن عبد الرحيم الخطوة، وقدم لهما شيكا موقعا على بياض ، طالبا منهما ألا يتعدى مبلغ السحب مليون سنتيم ، وهو الرصيد الموجود بحسابه ...لنا أن نتمعن جيدا رمزية هذه الإشارة... هو ذا عبد الرحيم الذي اختار الانتصار للقضايا العادلة أسلوبا في الحياة.. ألم يرفض الرجل بطاقة المقاومة وما يجنى منها، معتبرا أن المقاومين الحقيقيين هم من حملوا السلاح واستشهدوا في ساحة الشرف ؟ هكذا كان عبد الرحيم القائد و المحامي المؤمن بعدالة قضيت ، لم يتردد كعادته دائما في الترافع بصوت مرتفع هو الذي صدح في محاكمة منفذي جريمة اغتيال الشهيد عمر بنجلون : "إن المحاكمة التي تطلبون منا حضورها في هذه الظروف لا يمكن أن تكون إلا محاكمة صورية ...وإذا كان من المحتمل أنكم ستحاكمون فقط ، بمقتضى القرار الذي ستصدرونه ضد منفذي الجريمة الشنعاء التي تعرض لها الشهيد عمر بن جلون ، فإن من المؤكد أنكم لن تحاكموا المدبرين الحقيقيين لهذه الجريمة ...إن المحاكمة الحقيقية ستجري في وقت آخر، وسنلتقي يومئذ بالمسؤولين عن ارتكابها .... " هي ذات الصرخة التي تعكس نقاء الضمير حين جهر وهو الزعيم السياسي المتهم بقاعة المحكمة : " رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه " .كانت المناسبة اعتقاله يوم 7 شتنبر 1981 رفقة أعضاء من المكتب السياسي : محمد اليازغي ومحمد لحبابي ومحمد منصور ومحمد الحبيب الفرقاني ، بعد موقف القيادة الاتحادية الرافض لقبول الحكومة المغربية لقرار مؤتمر نيروبي بإجراء الاستفتاء بالصحراء المغربية بدون قيد أو شرط ... رحم الله عبد الرحيم الذي اختار مساره الفريد .. زعيما سياسيا لامعا ومحاميا كبيرا جعل من انشغالاته المهنية الأولى والأخيرة .. الوطن والديمقراطية . امحمد بوستة .. مرافع سياسي من الزمن الجميل قادم من عبق خاص، انتمى هو الآخر إلى سؤال الوطن في زمن مبكر مفتوح على كل الاحتمالات، زمن الفرنسيس وصراعه مع حركة وطنية ناشئة لا تبغي سوى تحرير جغرافية بلدها ، بلكنة مراكشية مميزة وبهدوء مميز أيضا.. خرج امحمد بوستة إلى العلن السياسي والنضالي ، كان من أصغر المفاوضين رفقة عبدالرحيم بوعبيد على الاستقلال في "إكس ليبان" ، جبة المحامي لم تفارقه حتى وهو يمر بين أروقة الحكم والاستوزار، بقي كما هو .. يتقن فن المناورة السياسية ويعرف متى وكيف ينحني للعواصف، لكنه ظل نظيفا في مهنته ، واستحق أن يكون محاميا من نمط المحامين الذين لم تعلق بهم أدران ولا أوساخ المرحلة . بوستة كان محاميا حتى وهو برلماني .. من يتذكر معارك المعارضة مع حكومات اليمين السائدة في مغرب القرن العشرين ، لابد سيعثر على صورة للرجل وهو يناهض السياسات اللاشعبية بجانب برلمانيي و قيادات الاتحاد الاشتراكي .. قولته الشهيرة "ما قدوه فيل زادوه فيلة" بقيت راسخة أو ستبقى في معجم السياسة المغربية، مرافعاته السياسية الممهورة ببناء قانوني واضح تؤشر إذا ما استحضرنا المقارنة ، على تردي الخطاب السياسي في المرحلة التي نعيشها اليوم.. في الحقيقة لا قياس مع وجود الفارق .. الفارق بين التماسيح والعفاريت وبين الأمثال الشعبية المنسجمة مع روح المساجلة السياسية، مبنى ومعنى . نورالدين الشرقاوي: المحاماة كانت دوما مع دولة الحق والقانون بالمغرب المحاماة رسالة إنسانية ترتكز على فن رفيع، وتهدف إلى الدفاع عن الحقوق والحريات وبناء دولة الحق والقانون وإشاعة العدل والسلام. المحامون كانوا وما زالوا من المدافعين عن القيم الكبرى التي أنتجتها الإنسانية ، كانوا في طليعة المطالبين بفصل السلط وجعل القضاء في مرتبة السلطة، كانوا مع وضع وإخراج دستور ديمقراطي يراعي متغيرات البلد ويطور مفهوم المواطنة. مهنة المحاماة من أوثق المهن ارتباطا بواقع البلاد السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، من هنا يمكن القول أن لها مكانة متميزة بالنظر للدور المحوري لرجل الدفاع .. وللخدمات القانونية التي يقدمها والتي لا يمكن تصور مجتمع ديمقراطي حداثي دون أن تتاح لمواطنيه إمكانية الوصول بفعالية إلى هذه الخدمات القانونية دون أن يتمتعوا بحقوقهم المدنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية . المحامون لم يتأخروا قط في الدفاع عن مبادئ حقوق الإنسان وفي مواجهة الخروقات القانونية زمن المحاكمات السياسية القاسية، انتموا إلى السياسة التقدمية وانخرطوا في الصراع الذي عرفه المغرب عن كيفية بناء الدولة الحديثة .. أسماء كبيرة وعظيمة بصمت تاريخ هذه المهنة وخلفت تراكمات عميقة لا يزال جزء كبير من الجيل الجديد يسير على نبراسها. والمؤتمر منعقد لجمعية هيئات المحامين .. يسود نوع من القلق في الجسد المهني جراء بعض المبادرات الرسمية غير المدروسة، نعتقد كمحامين أن الرسالة ستكون واضحة مضبوطة وموضوعية، هدفها الحفاظ على قدسية رسالة المحاماة و على كرامة ممارسيها . عمر بنجلون محامي الفكرة التقدمية و لأن بطن الوطنية واليسار والاتحاد الاشتراكي دائما ولادة كما ذكر سابقا ، كان جسم المحاماة في المغرب قابلا للتطور والنضج والعطاء، رجل ثان قادم من فيافي السياسة وصحاري القمع اختار هو الآخر بعد أن كان لامعا في تخصص دقيق يومئذ، التحول نحو الدفاع ولبس بذلة المحاماة .. إنه قائد اتحادي أيضا.. وموتوا بغيظكم .. عمر بنجلون هو ليس فقط - و هذا الكلام لمثقوبي الذاكرة السياسية - منظرا للسؤال النقابي أو كاتب افتتاحيات وحامل قلم في جرائد اليسار وشهيد صحافة الاتحاد، بل كان مرافعا ومحاميا هو الآخر في القضايا السياسية والمحاكمات الملغومة التي استعمل فيها القضاء مثل رشاش يرمي صدور المناضلين والمعارضين بما "تيسر" من رصاص الانتقام و القمع . عمر رحمه الله كان لا يهادن ولا يقيم لأنصاف الحلول وزنا، و لا يتراجع أمام من أراد للبلاد أن تعيش تحت سطوة الجلاد، كانت قوته في وضوحه، الالتفاف حول الفكرة التقدمية، تحويرها أمر لا يعنيه .. مدافع ومنافح قوي عن مبدأ المحاكمة العادلة واستقلالية القضاء .. هذا أمر كان محسوما فيه وفي حكم البديهيات عند الاتحاديين و عند قادة الاتحاد وقطاع المحامين داخله .. فقط ينقص اليوم من يستنطق بكل الموضوعية اللازمة مسارب ومسارات هذا الفعل النضالي على مستوى مهنة المحاماة وروادها في تاريخ المغرب الحديث. عمر رحمه الله رغم أنه ذهب غيلة وغدرا، مواقفه ودفاعه المستميت ستظل راسخة في الذاكرة الجمعية لأهل اليسار و الوطنيين.. عندما تحول إلى المحاماة لم تكن تهمه الأتعاب ولا الأموال، بل كانت أتعابه التي يريد أن يستخلصها.. هي سيادة العدالة وبناء دولة الحق والقانون، أتعابه التي كان يريد تحصيلها هي معارضون أحرار في بلد المؤسسات التي تحترم مواطنيها، وسؤال المواطنة سؤال حقوقي واضح ، هذا هو عمر الذي ساهم في رسم صورة بهية عن رجل الدفاع المهووس بهموم وطنه. واليد التي اغتالته أصبحت أصابعها وامتداداتها تتحرك اليوم في المجال الرسمي وبتلوينات و لبوسات شتى وأخرى ... إنه مكر التاريخ ..!! رضا اكديرة .. محامي النظام صديق ملك وكاتم سره، مهندس بارع لما كان "الحكم" يفكر فيه، لم يأل جهدا في تنزيل "الفلسفة المخزنية" في جميع مناحي الحياة السياسية على عهد المرحوم الحسن الثاني. بالمختصر يمكن أن نطلق عليه محامي النظام ، تكوينه الفرنسي الصرف وإطلالته على مجريات وتفاصيل بلاد الأنوار .. شحذ ذكاءه السياسي و الحقوقي، تقلب هو الآخر في المناصب الرسمية ومارس الصحافة بطريقته طبعا ، لكنه ظل وفيا لمهنة المحاماة وبذلتها ومرافعاتها .. عندما يتعلق الأمر بمواجهة طروحات محاميي وقادة المعارضة الوطنية في المحاكمات السياسية .. منظر للحزب الأغلبي المنفذ لأطروحات الحكم بالتعبير القديم للمرحلة. أحمد رضا اكديرة رغم أدواره التي سيحكم عليها التاريخ .. كان محاميا حقيقيا، يشهد له بذلك الخصوم قبل المحاسيب .. وهذا كلام للتاريخ . زيان .. محامي الحكومة الفريد من نوعه عرف واشتهر بمحامي الحكومة، يوم لم تجد تلك الحكومة من يدافع عنها ضد تصريح قاله زعيم نقابي . كان زيان المحامي الوحيد الذي اختار أن يكون في طابور الحَوَل السياسي الذي دمغ تلك المرحلة، مرافعاته صياح في صياح، فكرته حول القانون وحول مبدأ الحق تؤطرها ليبرالية خاصة جدا، لا تجد مقوماتها إلا عند هذا الرجل، فهمه الخاص لمهنة المحاماة سيظل نسخة غير مكررة ومعرضة للانقراض .. شخصية بمزاج حاد ليس لها إلا عداء وحيد للاشتراكيين و للاتحاد الاشتراكي .. لكن مع ذلك يظل محاميا بمقاييس غير التي حازها من سبقه من الرواد.. إنه محام والسلام ... الرميد .. دونكيشوت العدالة المحامي الوزير أو الوزير المحامي.. لا فرق بين الاثنين، عرف بانتمائه للسؤال الحقوقي على "الطريقة الإسلامية".. في السنوات الأخيرة لم يكتف بقبة البرلمان ورفع عقيرته بالصياح ضدا على الانتهاكات وخروقات حقوق الإنسان، بل أسس مع صحبه منتدى كرامته، وراح يدافع عن ملفات اللحي ومعتقلي السلفية، حتى إذا ما استوزر ونال عضوية في الفريق الحكومي للبيجيدي .. تخلص من كل ذلك وأصبح شغله الشاغل هو هدم وضرب كل ما كان يؤمن به ويدافع عنه لما كان محاميا، دخل في المعارك الدونكيشوتية مع مكونات السلطة القضائية، وبدأ بكتاب الضبط، بل حارب بلا هوادة حق الإضراب الذي لم تجرؤ حتى حكومات اليمين على المس به،التجأ إلى الاقتطاع، ساق قضاة من ناد فتي وناشئ إلى مقاصل التحقيق والتأديب ، لأنهم أبدوا وجهة نظرهم في الإصلاح المزعوم والمنتظر لمنظومة القضاء. ولم يتوقف عند هذا وذاك، بل خاض ويخوض الآن صراعا يشبه طواحين الهواء مع المحامين أبناء جلدته حول مفهوم وإطار وآليات المساعدة القضائية، لعله الوزير المحامي الأكثر جدلا في تاريخ وزارة ووزراء العدل. محصلة الكلام.. علمنا التاريخ أن أقصى الراديكالية الحزبية تؤدي إلى أقصى الانتهازية السياسية .....