شكل موضوع "الكتاب وإشكالية أزمة القراءة" محور ندوة نظمت الخميس بتطوان ضمن فعاليات ملتقى "تطوان الأبواب السبعة" بمشاركة نخبة من النقاد والباحثين المغاربة. وأكد الناقد والباحث المغربي نجيب العوفي -في عرض بالمناسبة- أن "سوق القراءة في المغرب بدأت في العد التنازلي إذا ما قارنا راهن القراءة في المغرب بالأمس القريب والبعيد"، مضيفا أنه ثمة تحولات ومتغيرات جدت في الساحة الأدبية والثقافية والتربوية والتعليمية أثرت على مسألة القراءة "سلبا، من ضمنها العولمة الكاسحة التي أدخلت وسائل إعلامية ثقافية جديدة وفي مقدمتها شبكة الانترنت والقنوات الإعلامية، التي سحبت البساط نسبيا من تحت أقدام الكتاب لعدم استغلالها بشكل أمثل". واعتبر الباحث المغربي أن الكتاب الورقي "لم يعد يحظى بتلك العناية والمكانة التي كان يحظى بها من قبل ولم يعد الكتاب (خير أنيس وجليس) للقارئ كما كان عبر الزمان. وأصبحت القراءة -في المقابل- رقمية الكترونية تحظى باهتمام منقطع النظير من طرف الناس. وأصبح الانترنيت الآن هو خير جليس للناس المتعلمين"، مشددا على أن الكتابة والقراءة الالكترونية "ينقصهما الكثير من الشروط المعرفية والقيمية والأخلاقية. ولم يعد لهما ضوابط وروابط". واعتبر- في الوقت ذاته- أنه وعلى الرغم من الظرفية الصعبة التي يجتازها الكتاب، تبقى لهذا الأخير "سلطته الرمزية عبر التاريخ ،ومهما تفوقت الصورة ?الآن- والإعلام الالكتروني، يبقى الكتاب حاضرا، وهو الحارس الأمين للقيم الجميلة في التراث الإنساني". من جهته، أكد الباحث المغربي جمال أزراغيد أنه على الرغم مما للكتاب والقراءة من "قدسية" باعتبارهما أساس المهارات للحصول على المعرفة وإغناء اللغة وتثمين الفكر وكمعيار من المعايير المهمة التي تقاس بها قيمة وتقدم المجتمع، وصناعة الشخص الكامل"، فإنهما أصبحا في "وضع مزري"، موضحا أن هذه الإشكالية "ليست وليدة اليوم، بل بدأت تنسج منذ أكثر من ثلاثة عقود، لأسباب لها ارتباط بما هو تربوي ثقافي اجتماعي واقتصادي، ولأسباب أخرى ترتبط بضعف البنيات الثقافية والميزانيات المخصصة للقراءة والنشر". وأضاف أن المغرب ورغم الجهود والإجراءات المؤسساتية والجمعوية التي اتخذها لاحتواء أزمة القراءة، منها إطلاق مبادرة زمن الكتاب ومنح جوائز تشجيعية قيمة خاصة بإصدارات الكتاب الأول ودعم دور النشر وخلق المقاهي الثقافية وإنجاز الخطة الوطنية للنهوض بالقراءة وإصدار الكتب الشعبية (كتب "شراع" و"زمن" نموذجا) وحملة مليون كتاب وحملة "يا لاه نقراو" ومعارض الكتب المستعملة وأعياد الكتاب بعدة مدن، إلا أن "التعاطي للقراءة بقي محدودا لأسباب ذاتية وموضوعية كثيرة". واعتبر أن من العوامل التي أسهمت في أزمة القراءة تكمن في "ضعف القدرة الشرائية للمواطنين وسيادة ثقافة الإعلام والاستهلاك المعرفي الرخيص والأمية وتمركز المكتبات في بعض المدن دون البوادي، وضعف التنشيط الثقافي، إضافة إلى قلة البرامج الإعلامية المخصصة للثقافة والقراءة وضعف البرامج التربوية والتعليمية الحاثة على القراءة واكتساح تقليد جديد، وهو ما يعرف ب "ثقافة المرئي"، والاكتفاء بالمشاهدة وغياب التحفيز في المنظومة التعليمية". وأبرز أن الحل لتجاوز أزمة القراءة يكمن في "إقامة حوار وطني موسع حول مستقبل وحاضر القراءة وتفعيل إجراءات الخطة الوطنية للتشجيع على القراءة، وكذا إنشاء مجلس أعلى للقراءة ووضع ميثاق أخلاقي مجتمعي للقراءة، والإشهار للقراءة في مختلف المحافل الوطنية والمحلية وتعميم المكتبات في مختلف مناطق المغرب وتنظيم قافلات للكتاب على غرار قافلات السينما، وتعاقد دور النشر مع الأسواق التجارية الكبرى وإدماج المكتبات في مخططات التنمية وبرمجة القراءة في البرامج التعليمية".