1 رغم أنّ هذا العنوان شبيه بعنوان لرواية الكاتب الإيرلندي جيمْس جويْس (صورة الفنّان في شبابه)، إلا أنه يختلف عنه اختلافاً جذريّا: كوْن الكاتب، هنا، كاتبا مغربيا، وكوْن بطل جويْس واحدا متعدد الأبعاد والرغبات والميولات. إنّ صورة الكاتب في الرواية أو في القصّة، لتفُوقُ أحْيانا صورته في الصور الفوتوغرافيّة الملتقطة له في مختلف الأوضاع والأمكنة، إذْ ثمّة دقة في الوصْف والتفاصيل، لا تتوفّر عند المصور الفوتوغرافيّ الهاوي. صورة الكاتب الأولى: هي عندما يطلّ على الدنيا من بطْن أمّه، صارخا بملء فمه، مالئا الفرحة المنتظرة في قلب والديْه. فيوما بعد يوم، شهرا بعد شهر، سنة بعد سنة، ستبدأ ملامح الكاتب المُفترض في الاتضاح والتناسُق ضمن سياق النموّ البيولوجي المطّرد، أما في المدرسة، فإنّ صورته الأولى هي وجوده الفعليّ داخل جيله الذي يدرس معه في الفصل، رغم الفارق النسبيّ في السّنّ. سيكبر الكاتب ويجتاز عتبة البكالوريا ليلج الجامعة ويتخرّج منها أستاذا مرميّا إلى إحدى المدن البعيدة . هنا سيكشف بأنّ في داخله نزعة الكتابة كمؤنس عن غربته النفسية والجغرافية، لا صديقة تكمّد عظامه! هكذا سيجد نفسه مدفوعا إلى كتابة الشعر والرواية، ثمّ القصّة فالنقد الأدبيّ. وبتوالي السنين، سيصبح له رنين أدبيّ داخل الحقل الثقافيّ والإعلاميّ. سيكتب عن كتّاب آخرين، ويكتب عنه كتّاب آخرون. سيشارك في عدّة ملتقيات وندوات، ويوقّع آخر إصداراته، بل سيكرَّم في إحدى المدن اعترافا بما «أسداه» إلى الثقافة المغربية من «خدمات جلّى». وفي خضم هذه البهرجة الاحتفالية ستلتقط له صور عديدة صحبة زملائه الكتّاب والقراء والمعجبين والمعجبات، وها قد أصبحت للكاتب صورة فوتوغرافية حقيقية. 2 مناسبة هذا الكلام هو المعرض الفنّي الجميل الذي أقامه الرسام عبد الله بلعباس بمدينة الجديدة، مسقط رأسه، تخليدا لمجموعة من الكتّاب المغاربة ممّن يشكّلون هاجسا نفسيا وقرائيّا، وإعجابا إزاء ما يكتبون: محمد زفزاف، محمد شكري، محمد برادة، خناثة بنونة، أحمد بوزفور، الميلودي شغموم، عبد الله العروي، محمد جسّوس الخ. ليس المعرض صورا فوتوغرافية، كما يتبادر إلى الذهن، ولكنه «كروكيهات» شفافة ورهيفة تعكس ملامح هؤلاء الكتّاب القريبين إلى وعيه ووجدانه. يقول الراحل أحمد الطيب العلج في إحدى أغانيه: «لكن الصورة خيالو وخيالو ما شي بحالو». وإذن، فإنّ هذه «الكروكيهات» لا تعكس مطلقا وجوه الكتّاب المرسومين بدقة متخيلة، ولكنها مقتربة أكثر منهم ومن ملامحهم المختلفة. ثمة وجه مستدير، آخر شبه مستطيل، وجه أفقيّ وآخر عموديّ، شعر الرأس خفيف وشعر آخر كثيف. أنا أصلع، لكن صلعتي تغطيها «لبيرية» السوداء. والنتيجة أنّ عبد الله بلعبّاس رسمنا بناء على متخيّله هو، لا كما كنّا نريد أنْ نكون في لوحاته. لقد بنى بلعباس مشروعه الفنّي من أدوات بسيطة لكنها معبّرة عن هذا المشروع الهادف إلى تكريس البّورتريه كقيمة فنيّة، من جهة، وكتاريخ شخصيّ للكتّاب المغاربة. ليس في الأمر ما يثير الدّهشة: ثمّة قلم جافّ لا أقلّ ولا أكثر.ثمة سوائل أخرى في متناول اليد، مثل الماء. ثمّة قهوة كحلا وقليل من النبيذ الأحمر، هذه هي أدوات بلعباس الفنية الخالية من الصباغة المعروفة. هي المرّة الأولى التي يتفنّن فيها رسّام مغربيّ، مثل بلعباس، في رسم بورتريهات-كروكيهات لكتّاب مغاربة.