لم تكن 10 سنين كافية لكي تجف ينابيع الإرهاب. ولا كانت متأخرات الضربة الأليمة التي أوجعت البلاد بالشكل الذي يجعلنا نعتقد بأنها هزيلة أو غير ذات بال. حقيقة الواقع أن التربة الوطنية، مدعومة من الأسمدة الخارجية خصبتها الدعوات التكفيرية التي تجاهد في المغرب. منذ أيام قليلة فقط، اكتشفنا أن خليتين، بالمسميات نفسها وبالأهداف نفسها التي كانت تحملها خلايا 16 ماي، قد تم تفكيكهما. وعدنا، من جديد إلى المربع الأول في التوجس. وخلال السنوات العشر التي نودعها، لم تسلم أي بقعة من أرض المغرب من خلايا الإرهاب، والتنظيمات التكفيرية والتي تريد اغتيال المغرب. من الشمال إلى الجنوب. ومن الشرق إلى الغرب. من خلية التوحيد في الناظور إلى خلية أمغالا، تبين أن زرعة وطنية غير مشروعة تعتمل في أحشاء الأرض، وأن الواقفين على التدمير، باسم العقدية لم يضعوا سيوفهم ولا فكوا متاريسهم ولا هم تنازلوا عن شهوة الدم فيهم. ماذا يعني هذا؟ يعني أن تهديد الإرهاب مازال موجودا، وسيكون من العبث أن نعتبر 16 ماي ضربة سيف في بركة قديمة، بل إن رؤوسنا مطلوبة. فما الذي تغير؟ أول ما تغير هو أن الذين كانوا، في 16 ماي من ضمن جنود التكفير، بالأفكار أو بالفعل، أصبحوا، بعد العقد الأخير من صناع الرأي، في الفضاء العمومي قبل أن يتحولوا، أو هم في طور التحول، إلى قادة سياسيين. والمثير، هو أن ذلك سيجعلهم جزءا من «الاختيار المغربي» غدا: عليك أن تختار بين الريسوني أو بين الفيزازي وأبو حفص أو امحمد العبادي (تباعا: حركة التوحيد، السلفية، العدل ..). وتماشيا مع هذا المنحى، أصبح جزء من الفتوى، الذي كان يتم تحت الستار وبين الجدران، وينفذ أحيانا من باب التعزير أو إقامة الحدود (كما وقع مع قتل رجل القضاء في الناظور، ومحاولة الاغتيال في حق عناصر الأمن أو السرقة باسم استحلال أموال الطاغوت ..)، (أصبح) يتسلل إلى الفضاء العمومي، وقد تابعنا فتاوى إهدار الدم في حق الصحافيين والمثقفين والقادة السياسيين. ويتزامن ذلك، مع سيادة المناخ العقدي، والأصولية السياسية، وتواجد الحزب الأصولي الإسلامي، العدالة والتنمية في موقع التدبير الحكومي وإصدار القرار أو عدم إصداره فيما يتعلق بالمتابعة والردع. وأكثر من ذلك، تواجده في عمق الفضاء العمومي، كنقطة ارتكاز، تتطور من يمينها على شمالها القوى الراديكالية، وهو ما يخلق حالة من تقوية المناخ الأصولي.. مشابه لما يقع في دول هيمنة الإسلام الحزبي واضحة وقوية فيها. عنصر التغيير الثاني، هو أننا نخلد اليوم 16 ماي، وقد أصبح لرجال الأمن شهداءهم. فمنهم عناصر تم اغتيالها ولقيت حتفها وهي تقوم بواجبها. وكان واضحا أن الاستشهاد زاد من القوة الأخلاقية للمؤسسة الأمنية، وهو أمر لا يمكن أن نلغيه، لاسيما وأن الجاهدي والسلفي الراديكالي يعتبر أن الأمن يد الطاغوت وتجوز فيه عملية الاغتيال. ويحاول أن ينزع الفضيلة الأخلاقية عن مسلمين مغاربة في أجهزة الأمن. والمقاربة الأمنية لم تعد شنآنا مستهجنا، بعد ثبوت الاستهداف المتواصل للبلاد، وأيضا مع ارتباط التحولات الجارية في الإرهاب مع التحولات الجارية في المنطقة، وتلاقي الانفصال مع الإرهاب (أمغالا). وهو ما يجعل الإرهاب يتخذ خطورة غير مسبوقة، لأنه لا يضع التناحر وتوازن القوى بين القدرة الداخلية للبلاد وجزء من قواها المنشقة، بل يدخل عناصر التبدلات والصراعات الاستراتيجية كعنصرأساسي في المعادلة. 10 سنوات كانت، أيضا، كافية لكي يسقط الربط الميكانيكي بين الفقر وبين الإرهاب. في البداية اعتبرنا أن خروج أبناء «كريان طوما» وسيدي مومن هو دليل على قيام الزواج بين البؤس والإرهاب، وتبين من بعد أن في ذلك نوعا من التجني على أبناء الحيين وإلغاء لدور الإيدلولوجيا، والشحن العقائدي والتستر والتقية في بناء الشخصية الإرهابية. عموما، الذين اعتقلوا في الخلايا البعدية، هم بعيدون عن البؤس الكبير، كما أن ذلك الربط المشوب أخلاقيا، بين الفقر والإرهاب لا يستقيم، لأن الفقر كان دوما، ولم يكن مدرسة للإرهاب. الملاحظة الثالثة أن الضربات لم توقف العمل الوطني من أجل الاصلاحات، كما أن التهديد الانفصالي والتهديد باللجوء إلى السلاح كخيار حل في الصحراء، لم يؤثر في البلاد أو يعطل مسيرتها، لأن الإصلاح لم يساير النزعات الارتدادية التي تريد أن تشد البلاد إلى الأسفل. بل جاء الدستور متماشيا مع التطلعات الأكثر حداثة في البلاد، مع ضمان توازن دقيق بين مكونات المجتمع. وهوما يطرح، أيضا، تطوير الترسانة القانونية وتوسيع النقاش حول الحكامة الأمنية.. وهو عمل مطروح على المجتمع كليا، ولكن مطروح أصلا على الفريق الذي يسير الحكومة.