المغرب يعزز دوره القيادي عالميا في مكافحة الإرهاب بفضل خبرة وكفاءة أجهزته الأمنية والاستخباراتية    هزة ارضية تضرب نواحي إقليم الحسيمة    ارتفاع رقم معاملات السلطة المينائية طنجة المتوسط بنسبة 11 في المائة عند متم شتنبر    إيداع "أبناء المليارديرات" السجن ومتابعتهم بتهم الإغتصاب والإحتجاز والضرب والجرح واستهلاك المخدرات    بلومبرغ: زيارة الرئيس الصيني للمغرب تعكس رغبة بكين في تعزيز التعاون المشترك مع الرباط ضمن مبادرة "الحزام والطريق"    لقجع وبوريطة يؤكدان "التزام" وزارتهما بتنزيل تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية بالمالية والخارجية    أشبال الأطلس يختتمون تصفيات "الكان" برباعية في شباك ليبيا    مؤامرات نظام تبون وشنقريحة... الشعب الجزائري الخاسر الأكبر    الرباط.. إطلاق معرض للإبداعات الفنية لموظفات وموظفي الشرطة    بوريطة: الجهود مستمرة لمواجهة ظاهرة السمسرة في مواعيد التأشيرات الأوروبية    اللقب الإفريقي يفلت من نساء الجيش    منتخب المغرب للغولف يتوج بعجمان    ‬النصيري يهز الشباك مع "فنربخشة"    الجمارك تجتمع بمهنيي النقل الدولي لمناقشة حركة التصدير والاستيراد وتحسين ظروف العمل بميناء بني انصار    عبد الله بوصوف.. النظام الجزائري من معركة كسر العظام الى معركة كسر الأقلام    نهضة بركان يتجاوز حسنية أكادير 2-1 ويوسع الفارق عن أقرب الملاحقين    عمليات تتيح فصل توائم في المغرب    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    بعد قرار توقيف نتنياهو وغالانت.. بوريل: ليس بوسع حكومات أوروبا التعامل بانتقائية مع أوامر المحكمة الجنائية الدولية    أنشيلوتي يفقد أعصابه بسبب سؤال عن الصحة العقلية لكيليان مبابي ويمتدح إبراهيم دياز    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة        المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة الجاحظ ويحافظ على حصته من التونة الحمراء    التفاصيل الكاملة حول شروط المغرب لإعادة علاقاته مع إيران    الأخضر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    كرة القدم النسوية.. توجيه الدعوة ل 27 لاعبة استعدادا لوديتي بوتسوانا ومالي    اغتصاب جماعي واحتجاز محامية فرنسية.. يثير الجدل في المغرب    الحسيمة تستعد لإطلاق أول وحدة لتحويل القنب الهندي القانوني    هتك عرض فتاة قاصر يجر عشرينيا للاعتقال نواحي الناظور        قمة "Sumit Showcase Morocco" لتشجيع الاستثمار وتسريع وتيرة نمو القطاع السياحي    انتخاب لطيفة الجبابدي نائبة لرئيسة شبكة نساء إفريقيات من أجل العدالة الانتقالية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    نمو صادرات الصناعة التقليدية المغربية    اعتقال الكاتب بوعلام صنصال من طرف النظام العسكري الجزائري.. لا مكان لحرية التعبير في العالم الآخر    بعد متابعة واعتقال بعض رواد التفاهة في مواقع التواصل الاجتماعي.. ترحيب كبير بهذه الخطوة (فيديو)    محمد خيي يتوج بجائزة أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    المعرض الدولي للبناء بالجديدة.. دعوة إلى التوفيق بين الاستدامة البيئية والمتطلبات الاقتصادية في إنتاج مواد البناء    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    مثير.. نائبة رئيس الفلبين تهدد علنا بقتل الرئيس وزوجته    ترامب يعين سكوت بيسنت وزيرا للخزانة في إدارته المقبلة    فعالية فكرية بطنجة تسلط الضوء على كتاب يرصد مسارات الملكية بالمغرب        19 قتيلا في غارات وعمليات قصف إسرائيلية فجر السبت على قطاع غزة    "السردية التاريخية الوطنية" توضع على طاولة تشريح أكاديميّين مغاربة    بعد سنوات من الحزن .. فرقة "لينكن بارك" تعود إلى الساحة بألبوم جديد    "كوب29" يمدد جلسات المفاوضات    ضربة عنيفة في ضاحية بيروت الجنوبية    بنسعيد: المسرح قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النظام القانوني والمهني للحق في الولوج للمعلومات
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 15 - 05 - 2013

تشكل «المعلومات » أحد المرتكزات الرئيسية للعمل الإعلامي، أكان الأمر يتعلق، بالإعلام المكتوب، أو السمعي البصري أو على مستوى جميع المجالات المرتبطة بهذه الممارسة.
وقد تكون «المعلومات، خبرا آنيا، يعكس حدثا ما. وقد يكون، خبرا يسلط الأضواء على وقائع سابقة لها مدلول تاريخي متميز. وهي في حالات أخرى تجسد جملة من المعطيات «الكمية منها والكيفية، مما يسهل للباحث أو الممارس، بشكل عام - عمله - الذي يؤدي إلى نتائج غاية في الأهمية.
ولا تقتصر «المعلومات » من الناحية المبدئية، على قطاع دون آخر، غير أنه، يمكن أن تكون جاهزة، في شكل، أرقام ومؤشرات وقد يتطلب الأمر إيجادها،
مبدئيا بواسطة، عمل، مباشر يعتمد آليات وطرق عملية محددة .
وفي كل الحالات، فان العمل الإعلامي، لا يمكن أن تبنى أسسه ومرتكزاته، دون «معلومات» لكن كيف يمكن التعامل مع واقع، لا يسمع بإيجاد نظرة مؤسسية لمفهوم «المعلومات» في عمل إعلامي ذي صبغة دائمة ومستمرة، أو عمل يكتسي، طابع العمل الأكاديمي، مهما كانت توجهاته.
فالحدث العادي، الذي قد يشكل مادة خبرية، لصحيفة ما يمكنه أن يصبح «معلومة» ذات مدلولات متعددة في محيط يتعامل مع الأحداث ومتغيراتها.
والمعلومات، معادلة يسهل معها، استخلاص أهمية ما تقوم بممارسته، أكان ذلك يرتبط بأسلوب حصر نوعية «معلومة» أو تمييزها، أو تصنيفها، أو توظيفها، أو أرشفتها.
إن الواقع الإعلامي، في كثير من الدول السائرة في طريق النمو وبالأخص الدول العربية، لا يسمح بالتعامل مع «معلومة» بفكر «معلوماتي» ممارسة وتوظيفا، وبالتالي لا نجد، ذلك التقليد، الموجود في البلاد المتقدمة في تعاملهم مع المعلومات كمجموعة، من المعطيات، قد تكون محلية، وقد تكون دولية من شأنها أن تعضد العلاقات فيما بين المؤسسات، وفيما بين الأفراد فهي إما عرضة للتسيب والإهمال، أو حبيسة لمجموعة من التقنيات التي تحول دون الاستفادة من عديدة من أدوات الممارسة.
وسأعمل من خلال هذه المداخلة، أن أناقش هذا الأمر، على أن أصل إلى بعض الخلاصات الأساسية في هذا المضمار.
إشكالية استخدام المعلومات
الممارسة الإعلامية من خلال » الموهبة « و » التجربة «
لمعالجة إشكالية المعلومات، لدى الإعلامي الوطني، لا بد من التطرق إلى واقع الممارس، الذي يتعامل، وبصفة يومية مع كمية من المعلومات، ذات التصنيفات المختلفة، والتي تتجاوز حدود الأنباء، التي تعكس أحداثا معينة إلى الإنتاجات الثقافية، والمعرفية، المتعددة، تلك التي يحتاج إليها الصحفي أو يحتاج إليها الممارس، في مجال بحوث التنمية العلمية، والمستحدثات التقنية والأنشطة التجارية والصناعية ((1 .
فالتعامل مع هذه الكمية، من المعلومات، تتم من طرف ممارس كسب «حرفته» بالموهبة، وصقلها بفعل التجربة، الأمر الذي يجعلنا أمام طاقم من العاملين، لا تتعدى موهبتهم، وإمكاناتهم، حدود ما اكتسبوه في إطار عملهم. إضافة لذلك، فإن المؤسسات محيط العمل، بحكم بنيات تكوينها، لا يمكن أن تقدم أي شيء، من شأنه أن يطور العمل فيها مهما كانت درجته ومستوى عمله.
((1 اليونسكو : التقرير النهائي للمؤتمر الدولي للسياسات الإعلامية في إفريقيا، ياوندي والكامرون ? 22 ? 3/7/80
2- تقنية العمل الإعلامي وحدود الحصول على المعلومات
حينما نقرر، أن الممارسة الإعلامية اليومية في أكثرية البلاد العربية لا ترتكز على أي فهم في عملها، يرتبط بالمعلومات كمادة أولية آنية وبالمعلومات، كذخيرة أساسية، يعود إليها الممارس حينما يتطلب عمله ذلك.
ولغياب وعي بأهمية المعلومات.
ولغياب البنيات المؤسسية، التي تسهل عملية الاستفادة من المعلومات.
فإنما لنؤكد حقيقة، لا يمكن تجاهلها، والتي تدلنا على أنه ليس لدينا تنظيم، واضح للاستفادة من المعلومات، ومن ثمة نتساءل عن ماهية المعلومات المطلوبة وكيف يتم الحصول عليها؟.
وكما سبقت الإشارة إليه، فإن المعلومات، لا يمكن حصرها في مسألة الأخبار عن شيء معين، ذات طبيعة آنية، وتأثير ظرفي، وإنما تلك التي تشمل الإخبار وتمس الحياة العامة للفرد والمجتمع، بغرض معالجتها ونشرها وقد تكون ذات طبيعة علمية أو تكنولوجية أو إخبارية أو تقريرية .. ويمكن حصرها في مستويات ثلاثة:
1) المعلومات والبيانات التي يحتاجها الباحثون والتقنيون كأساس لبحوثهم، أو من أجل التطبيق العملي، وذلك بواسطة ? المكتبات ومراكز التوثيق، ومراكز المعلومات?
2) تبادل المعلومات بين بلدان المنطقة المعنية .
3) تبسيط العلوم، ونشر، وتعميم المعارف الأولية اللازمة لفئات عريضة، من السكان أكانوا في الحضر،أم الريف، بصفة خاصة.
- وتنظيم هذه المجالات الثلاثة، على مستوى الشكل البنيوي المعد من طرف الدولة، يتم من خلال البحث، والتنقيب، ومن خلال شكل الاستفادة، وفي حجم المساعدة التي تقوم بها المؤسسات الإعلامية.
غير أن ثمة عددا من الإشكالات، التي تكون عائقا كبيرا، في مسألة الاستفادة، وهذه الإشكالات، منها ما هو ذاتي. يتعلق بشخص الممارس وطبيعة تكوينه، ومنها ما هو موضوعي، وهو مرتبط بالتقاليد والقيم السائدة فيما يتعلق بالتعامل، مع المعلومات، وحينما يجتمع الذاتي والموضوعي، فإنهما يشكلان حدا فاصلا، يحدد ويقنن حجم الاستفادة كما ويحدد نوعية هذه الاستفادة.
وإذا كانت كثير من الأنظمة، قد قللت من أهمية حجب المعلومات فإن الدول المتخلفة، قد وسعت منها مما شكل عرقلة حقيقية في وجه الممارس الإعلامي.
وثمة قضية أساسية لا بد من مناقشتها وهو أن الممارس بغض النظر عن الحدود المرسوم لتصرفه، من لدن الحكومة أوالمؤسسة فإنه لا يقدم على طلب « المعلومات « لأن منهجية عمله، لا تسمح له بأن يركز في تحليله، أو كتاباته على استدلالات، ذات صفة مادية، وإنما سهل له الأمر بنهج أسلوب إنشائي يكيفه مع حجم القضية، المعالجة، لذلك لا تجد المؤسسات أو الحكومات كبير عناء، في خلق حواجز، وحدود الاستفادة من المعلومات وتقنيتها.
أهمية المعلومات في العمل الإعلامي
- نوعية المعلومات، المطلوبة في العمل الإعلامي:
كما سبق التأكيد عليه، فإن «المعلومات» التي يتطلبها الممارس الإعلامي، تتعدى الأنباء، إلى كل ما يمت للإنتاج الثقافي والمعرفي بصلة، غير أن طبيعة الأحداث، ذات الطبيعة الآنية أو الظرفية تلزم الإعلامي، بأن يكون ملما،بمعظم الحيثيات، المكونة لعملية التداول الأنبائي، وهي من الناحية المبدئية ترتبط بجميع الفعاليات الإنسانية والاجتماعية ومن ثمة، فإن خبرا « ما لا يمكن فصله عن محيطه، حتى يمكن تحديد العوامل المباشرة أو غير المباشرة التي سببت فيه . وعدم الفصل هذه لا تتم دون معرفة المحيط، وبالتالي فإن « خبرا « ما، لا يرتكز على خلفية تذكيرية موثقة، لا يمكن اعتباره خبرا مكتملا من الناحية التقنية.
ومن غير شك ، فإن الفعاليات، الموازنة في العمل الإعلامي، تتطلب رصيدا من المعرفة بالقدر الذي بإمكان الممارس أن يقدم إضافة، نوعية لما هو بصدد إنجازه والمعرفة المطلوبة هي كل ما يرتبط بالموضوع المعالج من علوم ومن حالات عامة، وحالات خاصة.
فالممارس، لا يتعامل مع الأحداث، ومكوناتها بصفة مجردة حيث أنه مطلوب منه أن يندمج ويوظف كل المعطيات المتوفرة، توظيفا لا يتناقض مع الإطار العام، الذي يشتغل داخله، ولعل التصنيف الوظيفي للقضايا المعيشة، تلزم المتتبع لها، بأن يعلم عنها، الحد الأدنى من مسبباتها.
ولتمكين هذا المتتبع، من تكوين نظرة عامة ومفصلة عن ما يدور من أحداث، لا بد من تقديم عمل بتضمن شروط الإفادة، ويتوفر على رصيد من المعلومات التي تفي بالغرض المطلوب، وهذا لن يتم ما لم تتوافر عناصر ذلك، ومن أهمها :
1. الوعي بأهمية «المعلومات» في أي عمل يستهدف التأثير على المستقبل.
2. إحداث مؤسسات « معلوماتية « تساعد على ذلك إضافة لهذا، فإنه لا بد من أن يكون واضحا لدى الممارس، كيفية توظيف « المعلومات « وبالتالي كيفية تطبيقها وتحديد نوعيتها، وأنه لمن شأن هذه العملية، أن تجعل الممارس يتعامل مع موضوع الحدث، طبقا لإمكاناته المتاحة، وفي حدود ما هو مسموح به، فليس بالإمكان التعامل مع « المعلومات « بطريقة غير معيارية، لا تراعي لما هو سائد، من قيم، وتقاليد تعكسها القوانين الجاري بها العمل.
فالتصنيف وتحديد النوعية يسهل أمر التعامل مع التقنيات ويوضحان الإطار العام للصياغة.
3- الأرشفة، والتوثيق، ومدلولها الإعلامي:
- من غير شك، فإن عملية التصنيف وتحديد نوعية المعلومات في العمل الإعلامي لا يمكن أن تتم في غياب مطلق، أو جزئي لنظام أرشيفي وتوثيقي في مؤسسة من المؤسسات ولا يمكن تصور « معلومات « بلا أرشيف، وبدون نظام توثيقي معين، يؤهل الممارس بأن يقوم بمهامه دون الخروج عن الإطار العام المحدد له، كما وتؤهله، بأن يقدم عملا يتوفر على الحد الأدنى، لما هو مطلوب. ويمس النظام التوثيقي، كل ما يتعلق بالممارسة الإعلامية أكانت تتعلق بنوعية الموضوعات وتوجهاتها، أو نوعية المواد المساعدة لذلك.
ولعل نظاما توثيقيا وأرشيفيا متطورا يكمل البنيات التركيبية لأي عمل إعلامي، وهذا ما يفسر جدية ورزانة ما هو موجود في الدول المتقدمة وهزالة أغلبية الإنتاجات الوطنية في الدول المتخلفة
و يطبع العمل الإعلامي، في بلدان المغرب العربي، على وجه الخصوص، غياب التعامل مع الأرشيف، حتى لا يجد المتتبع أي عناء في استخلاص هذه الظاهرة.
والدارس للدوريات أواليوميات الصادرة في المغرب مثلا ، يمكنه أن يلاحظ بأن العمل المنشور بها، لا يعتمد على أية خلفية توثيقية، وبالتالي فإن التعرض للحدث، يتم بشكل مجرد دون ربطه بالعوامل المسببة فيه.
ففي الوقت الذي نجد الممارس الإعلامي في الدول المتقدمة، بإمكانه أن ينجز تحقيقا مفصلا عن دولة من الدول ولو كانت مهمته طارئة، فإن الأمر يختلف عند الممارس في الدول المتخلفة، لأن الإمكانات المتوفرة لديه لا تسمح له بإنجاز مثل هذا العمل.
والعجز المشار إليه لا يقتصر على القضايا البعيدة أو الدولية وإنما يمس القضايا المحلية أو الإقليمية..ولقد أدى إهمال الجانب التوثيقي في العمل الإعلامي ، إلى إتلاف عديد من المواد، التي تشكل في كيانها العام ذخيرة « معلوماتية « غير منظمة، بسبب أن الممارس ليس بإمكانه، أن يلتجئ إلى معين، يساعده على إنجازه، لأن هذا المعين المتمثل في التوثيق والتنظيم المعلوماتي، غائب، وعلى هذا فإنه من غير الممكن القيام بتحقيق مفصل من صحفي وطني في بلد متخلف، عن التطورات السياسية وبمناسبة تنظيم الانتخابات في دولة مجاورة، لأن المعلومات الأولية، غير موجودة ولا يمكنه الحصول عليها لطبيعة تنظيم المعلومات الموجودة في وطنه.
ولعل خير مثال على ذلك، علاقة بلدان المغرب العربي فيما بينها، فالممارس، أكان إعلاميا، أم أكاديميا، لن يعثر عن البلد الآخر، أي شيء، بدءا بالمعلومات الأولية إلى الصحف اليومية إلى مختلف الإصدارات.
وبالتأكيد، فإن مرد هذه الظاهرة، غياب الإحساس بأهمية وضرورة الاعتناء بالوثيقة، والتعامل معها وتصنيفها وتبويبها وتحديد نوعية ودرجة الاستفادة منها. بالقدر الذي يعرقل عملية تداول المعلومات في البلدان النامية.
وتوجد هذه الظاهرة على ثلاثة مستويات هي :
-1 قاريا : حيث تتمثل جوانب النقص في ضالة المعلومات المتداولة عن هذه البلدان في المناطق الأخرى.
2. إقليميا : وتنحصر في طبيعة تبادل وتداول المعلومات، بين الشمال والجنوب وبين الشرق والغرب، بوجه خاص، حيث يتعرض لأكبر قدر من الاختلال ويعود ذلك بصفة أساسية، فيما يبدو إلى ضعف وسائل الإعلام الوطنية والإقليمية.
3. وطنيا : وتعود إلى الضغوط الدولية والوطنية التي تتسم كلها بالطابع الاقتصادي، علما أن عدم كفاية البنيات الأساسية تؤدي إلى الحد من برامج التوسع في معظم البلاد (1) .
(1) اليونسكو، المؤتمر الدولي للسياسات الإعلامية في إفريقيا، نفس العدد 24 - 25
3-3 إشكالية الحصول على المعلومات، ومنظور السلطة:
بينا فيما سبق أن الممارس الوطني، يفتقد إلى البنيات الأولية لإيجاد وتنظيم المعلومات، وهذه الخاصية تشترك فيها، حتى مؤسسة الدولة، أو السلطة في دول العالم الثالث، وذلك لأسباب متعددة أهمها افتقاد الوعي بأهمية المعلومات، غير أن أشكال أخرى، تتعدى الجانب التنظيمي، والإداري المتعلق بالمؤسسات، إلى اتخاذ مواقف أساسية من مسألة تبادل وتداول «المعلومات « على كافة المستويات، حفاظا على بعض الحدود، التي ترى فيها الدولة، مجال محرم على العموم.
هذه التقنينية في المعلومات، تشترك فيها حتى الدول العظمى، التي سنت جملة من القوانين بموجبها، تم تحديد المعلومات ونوعيتها، وإمكانات الاستفادة منها، ويشكو الكثير من المتهمين العاملين في مجال الأعلام، من عدم قدرتهم وبصفة دائمة على النهوض بدورهم الواجب بسبب القيود المفروضة عليهم في ممارسة مهامهم.
ولقد دعت كثير من المنتديات الدولية، المنظمة من طرف اليونسكو إلى ضرورة دراسة العلاقة بين المهتمين العاملين في وسائل الإعلام من جانب وبين الحكومات والجمهور المستقبل من جانب آخر.
والملاحظ أن كثيرا من الندوات، قد أجمعت في بياناتها وتقاريرها على أنه توجد عوائق تقلل من موضوعية، وصدق المواد التي تتداول بين الأمم والمجتمعات وبين الأفراد وتتخذ هذه العوائق، شكل عقبات سياسية وإجراءات إدارية وقيود بيروقراطية وتتعارض هذه الظواهر مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والإعلان الخاص بوسائل الإعلام.
ولقد انعكست هذه العوائق على العلاقات الموجودة بين الدول فيما بينها، وبالأخص فيما بين دول العالم الثالث، وهذا بالرغم من المواقف الإجرائية، المتخذة لتنمية تداول المعلومات، على مستوى بلدان العالم الثالث، متمثلة في دول عدم الانحياز، بإنشائهم مجمع وكالات الأنباء سنة 1976، بغرض تقريب التعاون المباشر بين عدد من وكالات الأنباء، وتوزيع المعلومات فيما بين هذه البلاد.
وتدعيما لهذا الإجراء من الإجراءات المماثلة، اتخذت اليونسكو عددا من الإجراءات والتدابير لإنشاء شبكة دولية لمراكز التوثيق والمعلومات في مجال بحوث الإعلام، وسياسته ولإنشاء مراكز للتبادل على الصعيد الإقليمي غير أن هذه الإجراءات صاحبها تخوف من أن تؤدي إلى إنشاء بنيات أساسية وطنية، لإنتاج الأنباء والبرامج الثقافية، والتقليل من تنوع الرسائل، أو من تنوع الأنباء أو إلى توحيد محتويات البرامج أو إلى منع الأجانب من الوصول إلى مصادر الأنباء، ولقد لفت، هذا التخوف الانتباه، إلى حقيقة وحدود تصرف وحركية الممارسين غير الوطنيين، أو الأجانب ذلك أن الحرية التي يوجد عليها الأجنبي لا تقارن بضالة ومحدودية الحركة لدى الممارسين الوطنيين.
وتؤكد كثير من التجارب والحالات ذلك من خلال ما ينشر في صحف الدول المتقدمة، على أن الممنوع أو المحجوب على الممارس الوطني غير ممنوع على الممارس الأجنبي. فهذا الأخير تتاح له كل الإمكانات ليجمع ما يطلبه من معلومات، مهما كان شكلها أو حجمها، وهذه الظاهرة تعكسها حالة التبعية، التي مازالت تطبع حركية تداول المعلومات، ولقد حدد اليونسكو أشكال هذه التبعية في خمسة عناصرهي :
1. بقايا السيطرة الاجتماعية.
2. العجز الاقتصادي
3. الحالة الراهنة للبنى الأساسية للاتصال والإعلام.
4. التعريفات البالغة الارتفاع
5. العزلة الجغرافية والاجتماعية والثقافية التي تعاني منها هذه الدول.
وإذا كانت هذه العراقيل أو المصاعب التي يتعرض لها الإعلامي الوطني ولا تمس الممارس الأجنبي، فإن هذا الأخير يعاني أيضا منها في بلده.
فهذه المشكلات لا تعني وسائل الإعلام الوطنية وحدها،أو الصحفيين الوطنيين في الدول النامية وحدهم. ذلك أن الصحفيين في الدول الكبرى يعانون من نفس المشكل ويتعرضون لصعوبات كبرى في التعامل مع المعلومات.
ففي الولايات المتحدة الأمريكية، مثلا دخل رجال الصحافة والإعلام في معركة مع السلطات الرسمية لإزالة الحواجز القانونية التي تحول دول الاستفادة من المعلومات. الأمر الذي أدى إلى إصدار ما يسمى بقانون حرية المعلومات الأمريكي في 4/6/67 والذي تضمن إعفاءات كثيرة، كما تضمن قيودا. وبالرغم من المرونة التي أعطاها القانون المذكور إلا أنه تم رفضه واستنكار وجوده، وقاوم الصحفيون « سرية الحكومة» وكان من نتائج تصلب موقف الصحافة الأمريكية، أن صدر في عهد الرئيس فورد مجموعة من القوانين عام 1975، استهدفت تعديل قانون 1967 مما أعطى لوسائل الإعلام وغيرها سلاحا هاما ضد التغطية البيروقراطية فقد ظلت القيود قائمة. وسرعان ما طلب من الوكالات المتعددة الحصول على معلومات بموجب قانون خاص أو الالتجاء إلى المحكمة لتقديم طلبهم، واعتبرت الصحافة الأمريكية وكذا رجال الإعلام قانون 1975 ومن قبله قانون 1967 « مرهقا قديما وجديدا». وقد لخص بعض الكتاب وجهة نظر الصحافة الأمريكية في قانون 1975 بأن القانون المنظم للاستفادة من المعلومات وخصوصا قانون الأسرار الرسمي لن يفعل أكثر من أن ينص على فقرات من قانون الجاسوسية الصادر عام 1917 الذي لا يزال ينظم النشرات إذاعة المواد التي تمس الأمن القومي الأمريكي.
وإذا كان الأمر في الدول الكبرى أو المتقدمة وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، على هذه الشاكلة، التي تعطي مؤشرات لا تعالج مسألة الوعي بأهمية المعلومات، ولكن تدخل مع المشرع في جدل حول حدود الاستفادة من المعلومات، وحول حماية، حدود وحماية الأمن القومي، فإنه في الدول المتخلفة كما سبق ذكره، فإن الأمر يأخذ بعدا آخر يتساوى مع فقدان الوعي بأهمية المعلومات. وهذه الظاهرة يعبر عنها، اتجاه عام سائد، له منظور، معين للفعاليات اليومية، وقد ترجم هذا السلوك في لجنة مكبرايد لحل مشكلات الإعلام، حينما طرح مبدأ مناقشة حق الإنسان في الاتصال، فجاء طرحا مقابلا لهذا الاتجاه ومناقضا له يؤكد على حق الإنسان في الامتناع عن الاتصال.
يتبع


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.