وأنت تتابع خطاب عبد الإله بنكيران رئيس الحكومة بمناسبة فاتح ماي ، تستوقفك الكثير من العبارات والكلمات التي رددها بصوت مرتفع وقوبلت بالتصفيقات والشعارات ، ومنها عبارات مثل ( أنا أخوتي جئت لأشتكي عليكم ...) أثارتني هذه الجملة بشكل كبير لأنها من رجل مسؤول يعتبره الدستور الجديد طرفا أساسيا في الحياة السياسية من خلال الاختصاصات الواسعة التي تم تحديدها لرئيس الحكومة ، فمن المفروض أن يكون هو الجهة والمؤسسة التي تحسم في الملفات العالقة وتدبير الأزمات وحلها في علاقة مع السلط الأخرى أو الأحزاب السياسية أو النقابات ، وليس طرفا ضعيفا لا حول له ولا قوة له إلى درجة التماهي بالضحية أو المغلوب على أمره ، استحضرتني مقولة لديغول ( ليس من حق وزير أن يشكو فلا أحد أجبره لأن يكون وزيرا). إن تحمل المسؤوليات السياسية يقابله دائما المعوقات واللوبيات ، ففي الدول المتقدمة كالولايات المتحدةالأمريكية يقول الرئيس أوباما ( نعم أستطيع :yes I can ) أستطيع أن أواجه تبعات الأزمة الاقتصادية ، نعم أستطيع مواجهة الإرهاب ومخلفات حرب العراق ... نعم أستطيع تحدي مشاكل البطالة ، التغطية الصحية .... واللائحة طويلة وثقيلة بحجم التحديات الخارجية والداخلية المطروحة على بلد يعد قوة عظمى في العالم . في المقابل يستنجد مسؤولونا في تبرير فشل سياساتهم بالتماسيح والعفاريت وبالإرث الثقيل والمفسدين في الأرض .. وكأن من سيتولى المناصب السياسية سيجد الطريق مفروشا بالورود ومعبدا بالزهور .. فالدول المتقدمة في أحلك أزماتها تضع الخطط والاستراتجيات للخروج من الأزمة .. وبالعودة إلى تاريخ الدول الكبرى كالولايات المتحدة تتجلى لك خطة النيوديل أو الخطة الجديدة التي اعتمدها روزفلت في مواجهة الأزمة الاقتصادية العالمية لسنة 1929 مستحضرا الأبعاد الاجتماعية بخلق أوراش كبرى تخفف من البطالة ، وشرعنة العمل النقابي وتحديد الحد الأدنى للأسعار و الأجور وتخفيض ساعات العمل... ورغم التصدي والمواجهة العنيفة التي قوبلت بها الخطة ، لم يتحدث روزفلت عن عفاريت أو تماسيح ، ولكن إرادته السياسية تحدت كل القوى الضاغطة وأرباب العمل والنقاشات الفكرية المحتدمة حول الليبرالية المطلقة والرأسمالية الموجهة ... والمتتبع لرئيس الحكومة المغربية لا بد أن يقف أكثر من مرة على عبارته الشهيرة ( الله هو الفاعل الرئيسي في السياسة كيف يمكن إدخال الله في مجال السياسة ؟ وهو مجال لا يختلف اثنان أنه مستنقع المراوغات والنفاق والخداع ... إذا كان الله فاعلا أساسيا في السياسة من نحاسب في هذه الحالة لأن كل الساسة سيكونون موجهين بإرادة إلهية , فهم مسيرون في كل ما يقومون به من أفعال حتى وإن كانت أعمال دنيئة .. ألا يعود بنا هذا القول إلى نظرية الحق الإلهي التي اعتمدها الحكام في الأنظمة الاستبدادية في أوربا حتى القرنيين 17 و18م لضمان طاعة الرعايا مادامت الذات الإلهية منزهة عن الأخطاء والزلات . فإذا كان الله فاعلا أساسيا في السياسة كيف نربط المسؤولية بالمحاسبة والحكامة الجيدة؟ وهذا يعيدني إلى مقولة سابقة لرئيس الحكومة ( الضامن هو الله ) إن إغراق خطاب فاتح ماي الحماسي بالمقولات الدينية سيجد لا محالة ترحيبا لدى فئات مجتمعية واسعة خاصة الأمية منها ، لأنه خطاب يعزف على وتر الدين بشكل كبير ولا يقدم أية إجابات عن مرحلة الأزمة التي يعيشها المغرب ، والتي تحاول الدول الرأسمالية الخروج منها بالخطط والاستراتيجيات والمحافظة على مكتسبات الطبقة العاملة خاصة في مجال الحماية الاجتماعية وليس بالتبريرات غير المقنعة وعفا الله عما سلف وعن المفسدين وناهبي المال العام .