بدأ التفكير في إيجاد حل لظاهرة الباعة الجائلين منذ سنة 2008 ، بعد تزايد شكايات المواطنين حول انتشار البيع بالتجوال و احتلال ممتهنيه للملك العمومي بالشوارع و الممرات و الأزقة و أمام بعض الأماكن والفضاءات العمومية كالمساجد والمحطات الطرقية و المؤسسات العمومية . حلم إيجاد حل ل«البيع بالتجوال» في ظل هذا الوضع الشاذ ، اتخذت مجموعة من المجالس المنتخبة قرارات للحد من اتساع رقعة هذه الظاهرة ذات التداعيات السلبية العديدة ، و ذلك بعقد اتفاقيات مع بعض الشركات أو الخواص لبناء أسواق نموذجية تحل محل العربات المجرورة و المدفوعة و المستقرة المنتشرة بالشارع العام ، إيمانا من هذه المجالس بأن هذه القرارات هي الحل الذي سيحرر الشارع العام من هذه الظواهر التي أصبحت في تزايد مستمر، غزت و احتلت حتى أماكن بالشوارع التي كانت محرمة على مرور العربات بها ، فأصبحت اليوم «قارة» بعدة نقط استراتيجية بها. و من بين تلك القرارات التي اتخذتها مجالس كل من الجماعات الحضرية «عين الشق البرنوصي عين السبع مرس السلطان الفداء انفا سيدي بليوط بوسكورة ...» العمل على بناء أسواق نموذجية ، حسب الاتفاقيات المبرمة التي تؤكد على ضرورة أن يكون المستفيدون من أبناء المنطقة، ومن ذوي الأمراض الخطيرة و المزمنة بسومة كرائية، حسب القرار البلدي المستمر، و الذي لم يكن موحدا في عهد نظام الجماعات السابقة ، على أن يقدم كل مستفيد مبلغا من المال كتسبيق للمحل الذي سيستغله مستقبلا إلى مسؤولي الشركة التي أنجزت هذا المشروع مقابل أداء واجب شهري و قدره 150 درهما لكل مستفيد، في المقابل الجماعة المحلية تكتري البقعة الأرضية التي ستشيد عليها هذه الشركة هذا السوق النموذجي بسومة كرائية للمتر المربع الواحد ، تؤدى بشكل منتظم إلى الجماعة التي أبرمت هذه الاتفاقية مع تلك الشركة و بعد جمع الأداءات الشهرية من كل مستفيد من طرف الشركة، و بعد أداء الشركة الواجبات الشهرية للجماعة، تبقى لهذه الأخيرة مبالغ مالية جد هامة ، تعتبر ربحا و سببا في بناء هذا السوق النموذجي ، الذي يشكل تدبيرا مفوضا لمرفق تجاري عمومي! أُنجزت للباعة الجائلين فاستفاد منها آخرون! إذا كانت فكرة إنشاء الأسواق النموذجية جاءت للحد من تزايد أعداد الباعة الجائلين، فإن أول صفة يجب أن تكون لكل من تقدم بطلب الحصول على محل تجاري و أراد الحصول على واحد من تلك المحلات هي امتلاكه لعربة مجرورة أو مدفوعة أو صاحب فراشة و ما شابه ذلك ، وأن يشمله الإحصاء الذي قامت به مسبقا بعض الجماعات المحلية، لكن الواقع، في العديد من الحالات، يبقى مغايرا لذلك، إذ نجد مستفيدين لا علاقة لهم بالبائعين الجائلين، بل غالبا ما تكون لهم مهن أخرى، حرة أو رسمية، و مع ذلك يتطاولون و أحيانا يتحايلون للسطو على محل أو أكثر! و الغريب في الأمر أن بعض الأسواق أصبحت جل محلاتها مملوكة لأسماء بارزة في عدة مجالات ، كالمجال الرياضي، حيث استطاعت مجموعة من الأسماء الرياضية مارست كرة القدم سابقا بفرق بيضاوية عتيدة ، أن «تشتري» محلات عن طريق التنازل بسوق نموذجي مُحاذ للمحطة الطرقية أولاد زيان كان المراد من بنائه و تشييده هو محاولة الحد من أصحابا الفراشات بقيسارية الحفارين و الأزقة المجاورة لها ، و ليست هذه المجموعة لوحدها ! بل هناك أسماء من أهل الفن ، و أخرى من السلطات المحلية من بينهم عامل سابق بإحدى العمالات، و هناك أطر أخرى تابعة لنفس المجال، أما المنتخبون فحدث و لا حرج، يقول متتبعون للشأن المحلي البيضاوي ، «فهناك من لم يستحي حتى من نفسه و من موقعه كمنتخب و استغل نفوذه و علاقاته و استطاع أن يسطو على عدد من المحلات و اتخذها وسيلة إضافية لتحقيق ربح سريع ، حتى و لو كان ذلك على حساب الغير، ضاربا عرض الحائط بالقوانين الجاري بها العمل التي تمنعه من حق الاستفادة و لو لمرة واحدة فما بالك بالمرات المتعددة»! بنفس السوق يوجد مجموعة من كبار التجار يملكون عشرات المحلات للعديد من أنواع التجارة، و التي لا يمكن لتاجر متوسط القيام بها فما بالك بتاجر عادٍ أو تاجر في بداية مساره المهني بهذا النوع من الأسواق! و هناك من حول المحلات الخارجية إلى ورشات ميكانيكية أو للحدادة و كهرباء السيارات وبيع قطع غيار السيارات و الحافلات و الشاحنات مما حول هذه النقطة إلى ورشات ميكانيكية. يقع هذا أمام أعين المسؤولين المنتخبين و في السلطات المحلية و لا متدخل لإيقاف هذا النزيف أو الحد منه أو حتى تنظيمه و المحافظة على رونق و جمالية السوق النموذجي و المنطقة. الأهداف المسطرة .. والواقع الملموس لا يمكن الجزم قطعيا أن فكرة إنشاء الأسواق النموذجية أتت أكلها ، كما لا يمكن أن نعلن رسميا فشلها لاعتبارات كثيرة، فبالنسبة لجانب النجاح و الوصول إلى احد الأهداف التي أحدثت من أجلها هذه الأسواق النموذجية، و المتجلية في الحد من ظاهرة الباعة الجائلين، نلاحظ بكل واقعية، أن هذه الظاهرة لم يُحد من اتساعها و لم تنقص، بل على العكس من ذلك، زادت و اتسعت دائرتها و كثرت مساحاتها و غزت عرباتها جل الطرق و الشوارع و الأزقة البيضاوية دون وجود وصفة حقيقية ناجعة لوقف الظاهرة عن التزايد و اتساع الرقعة، و أصبح امتلاك عربة أو فراشة لا يقتصر على بعض النازحين من القرى و المدن المجاورة للدار البيضاء، ولكن عددا كبيرا من أبناء المدينة أنفسهم ، دخلوا على خط هذه الظاهرة ، إضافة إلى كل عاطل لم توفر له الحكومة مقعد شغل فاضطر إلى البحث عن مورد للعيش فلم يجد سوى العربة أو الفراشة أو التهريب أو ترويج و بيع الممنوعات و في مقدمتها المخدرات أو الخمور ، فصارت الشوارع و الأزقة و أمام الأماكن العمومية تعج بالعربات و الفراشة، هذا بالإضافة إلى نوع آخر لم تفكر أي حكومة في احتوائه، لأنه لا يسبب لها إي إزعاج و لا أي مضايقة، و هم الباعة الجائلون الذين يطوفون بين المقاهي حاملين بضائعهم، المهربة في الغالب ، التي تلحق الضرر بالاقتصاد المحلي! صرخات المتضررين... و«توريث» الاستفادة إذا كانت العديد من الأحياء لا يستطيع قاطنوها البوح بمعاناتهم بما يسببه هذا «التجمع العرباوي» نسبة إلى العربات من إزعاج و تلوث، لأن جل أصحاب تلك العربات هم من أبناء ذلك الحي و أن أبناء العديد منهم أو رجالاتهم أو نسائهم من البائعين و البائعات، فإن أحياء أخرى نفد صبر ساكنيها و زادت معاناتهم و دخلوا في مواجهات مباشرة مع العديد من الباعة، وصلت العديد منها إلى المحاكم ، نظرا لموقف السلطات المحلية المحتشم. إن فكرة إنشاء الأسواق النموذجية لم تحل المشكل بل زادت من انتشاره ، و السبب، بالإضافة إلى ما سبق ذكره، هو عدم المساهمة في تطبيقها واقعيا بشكل سليم من طرف كل المتدخلين، و في مقدمتهم الباعة أنفسهم، إذ نجد أنه كلما قامت السلطات المحلية أو بعض المجالس المنتخبة ، على قلتها ، بعملية إحصاء لحصر لائحة هؤلاء الباعة في منطقتها للبحث عن حلول للحد من الظاهرة و تحرير ذلك الملك العمومي الذي تم الترامي عليه ، فإننا نجد العديد من هؤلاء الباعة يسجل نفسه و يبتعد بعد ان يستفيد، لكنه في المقابل يأتي بأحد أفراد عائلته أو أقاربه أو أصحابه و يمكنه من عربة ثانية من أجل الاستفادة ، كما يحدث في عملية محاربة دور الصفيح. و من ثم نجد أن الخلف يأتي للاستفادة و هكذا دواليك ! نقطُ ضوء معدودة.. ولكن! في خضم ما سبق، لابد من الإشارة إلى بعض الأسواق النموذجية التي نجحت إلى حد ما في تنظيم هذا النوع من التجارة و تحرير الملك العمومي، إلا أن هذا النجاح سببه المستفيدون أنفسهم، الذين تحولوا من باعة جائلين إلى تجار منظمين و أسسوا جمعيات عوض أصحاب المشروع، الذين شيدوا السوق النموذجي بسبب انقطاعهم عن أداء مستحقات الجماعة الحضرية، المتراكمة عليهم، مما جعل هذه الأخيرة تبعث بإشعارات التذكير حسب القوانين الجاري بها العمل، ثم وقف الاتفاقية نهائيا ، و هو الشئ الذي جعل تلك الجمعيات تتكفل بتدبير شأن السوق كما هو حاصل اليوم بمقاطعة عين الشق، حيث أن سوق ياسمينة و سوق الشريفة و بعد الصراعات غير المنتهية التي شبت بين أصحاب المحلات وإحدى الشركات المشيدة لهذه الأسواق، نظرا لعدم استمرار ما التزمت به حسب الشروط المتفق عليها ، حيث تم بيع بعض المحلات و تحويل بعض المرافق العمومية إلى محلات و تفويتها بأثمنة، الأمر الذي استدعى تدخل السلطات المحلية بعين الشق ضد هذا التفويت، ليتم اللجوء الى مجلس المدينة و الحصول على رخصة موقعة من طرف النائب الأول لرئيس المجلس في خرق للقانون، لأن محلات مثل هذه الأسواق لا تسلم لها رخص، لكن للمسؤولين عن تسيير المدينة رأي آخر، مساهمين بكل الطرق في تعميم سوء التدبير ، الذي كان أيضا سببا في عدم فتح سوق نموذجي «سوق عين الشق» بشارع بغداد بالقرب من الخيرية ، إذ أن الطلب أكبر بكثير من العرض ! و بمعنى آخر فإن «التسبيقات» المدفوعة و التي يصل مبلغها إلى 3500 درهم لكل مستفيد، ، أكثر من عدد المحلات، الذي لا يتجاوز 350 محلا، في وقت ، أكدت بعض المصادر ، أن طلبات الاستفادة فاقت 500 طلب! و أمام هذا الوضع يصعب ، لحد الآن، فتح هذا السوق المغلق منذ ما يفوق خمس أو ست سنوات على الأقل، لتتبخر بذلك أحلام العديد من الشباب. في انتظار تدارك النقائص لقد أصبح الوضع اليوم أكثر تعقيدا و الشوارع ازدحمت بالعربات و دوابها ، و لم تعد الحملات التمشيطية كافية من طرف السلطات المحلية والأمنية، هذا في الوقت الذي زحفت مجموعة من الأسواق الكبيرة التجارية و اختارت مكانا لها قرب المشاريع السكنية الكبيرة و أضحت وجهة العديد من المواطنين و لو مرة في الأسبوع، لتبقى ظاهرة الباعة الجائلين في تزايد مستمر، إلى غاية تقنين الأسواق النموذجية و تدارك ما يشوب الاستفادة منها من «خروقات» ونقائص عصفت بمضمون فكرتها الأصلية!