لا بأس في أن ننطلق بخصوص موضوع هذا المقال من حيث يجب أن ننتهي : الديمقراطية وحدها تحمي وحدة الحزب . الأخير مجتمع صغير تحكمه مجموعة من القوانين و الأعراف ، و تتخلله العديد من السلوكيات و الممارسات المقبولة أحيانا و المرفوضة أحيانا أخرى . و السؤال المطروح دائما ، من وجهة نظر شخصية ، يكمن في كيفية تحقيق البناء المنشود وفق قواعد واضحة ، صارمة ، تسري على الجميع و دون أي تمييز .. الديمقراطية هي بالضرورة سلوك مؤسس على معطى الارتباط بمجموعة من المبادئ المحددة لطبيعة الفعل كيفما كان في الممارسة السياسية ، و هذا الفعل لا يمكن أن يسقط ، بالمطلق ، في خانة الذات ، لأن ذلك معناه خلق ديمقراطية مشوهة على مقاس فئة أو شخص معين ، حتى و إن كان الأمر يتعلق بالبحث الصادق عن وحدة الكيان . هل يصح القول في هذا الباب بتعارض التوافق مع جوهر الممارسة الديمقراطية ؟ إذا انطلقنا من مسلمة أن الانتخابات هي مرآة الممارسة الديمقراطية، سنكون بالضرورة أمام جواب شاف يعفينا من أي تحليل تبريري لوقائع سابقة تحكمت فيها ظروف معنية ذات زمن جميل . و بصرف النظر عن ردود الأفعال المصاحبة لكل محطة انتخابية كيفما كان لونها ، يمكن القول ، و بكل بساطة ، بأن في الأمر شيئا من رهبة التغيير ، إذ لا يتعلق الأمر فقط بثمار المحطة و نتائجها ، و لكن ، أساسا ، بحسابات خاصة تؤسس للمستقبل من منطلق ثنائية الربح و الخسارة على أوجه متعددة . هل يمكن القول بأن المؤتمر التاسع للإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية و ردود الافعال المرتبطة به يشكلان صورة واقعية للمشار إليه أعلاه ؟ لا يمكن للمرء أن يؤسس مواقف معينة من منطلق تحليل نوايا الآخر ، لأن الأمر سيصبح مشابها لقصة القرد و الفيل الشهيرة ، و إن كانت العبرة منها ذات أثر بليغ على حقيقة ما يروج في ساحة الإساءة لصورة الاتحاد الاشتراكي و مناضليه . فأن ينتهي المؤتمر إلى ما انتهى إليه هو أمر جد طبيعي ، مرتبط بسياقات التحضير و عصارة قراءة قاسية لمسار الحزب منذ حكومة الأخ المجاهد عبد الرحمان اليوسفي ، حكومة التناوب التي لا تزال في حاجة ملحة ، من الاتحاديات و الاتحاديين بالخصوص ، إلى قراءة موضوعية جريئة تلامس حقيقة التحول ببلادنا . فالحزب اليوم ، و هو يدفع ثمن مشاركة حكومية عرجاء منذ ما سمي بالخروج عن المنهجية الديمقراطية سنة 2002 ، في غير الحاجة إلى سقوط مناضليه في الذات حد الاساءة إليه ، خاصة و أن مؤتمره الأخير ، و على عكس ما يروج له البعض ، كان نوعيا من حيث تصريف الممارسة الديمقراطية على أرض الواقع ، حتى و إن لم ترق أشغاله و النتائج المترتبة عنه إلى الكمال لأسباب ذاتية أكثر منها موضوعية . طيب إذن ، هل يكفي أن نهلل للديمقراطية لنكون كذلك ؟ و هل يمكن أن نصل إلى الحزب المؤسسة بتدبير قاعدي و قيادي غارق في الذات ؟ سيكون من اللازم التذكير بجدوى اختيار الحزب ، منذ مؤتمره الوطني السادس ، الاقتراع السري لانتخاب أجهزته ، و هي السرية التي تضع كل مناضل أمام ضميره بعيدا عن أي تأثير كيفما كان نوعه قد يدفعه إلى انتخاب أخ دون آخر ، و التي ، في ذات الوقت ، تضع نتائج الانتخاب أمام احتمالات متعددة ، لا يمكن بالضرورة أن ترضي الجميع .. هي في العمق صمام أمان للعملية الديمقراطية داخل الحزب ، حتى و إن كانت ، كما يظن ذلك البعض ، تؤدي إلى نتائج غير منتظرة يغيب معها مجموعة من الاطر الحزبية عن الاجهزة لحصولهم على عدد أصوات غير كاف في عملية إنتخابية مفتوحة على كل الاحتمالات . هو أمر أكيد ، و قد عرفت عملية انتخاب اللجنة الادارية الوطنية في المؤتمر الوطني الاخير سقوط أسماء وازنة من المناضلات و المناضلين ، لكن الأمر لا يخلو من أهمية إذا ما نظرنا إلى النتائج من باب التفكير في المستقبل ، إذ يتعلق الامر بتجديد نخب الحزب ، و فتح المجال أمام طاقات جديدة للدلو بدلوها فيما يتعلق بتفعيل مقررات المؤتمر الاخير للحزب و بناء الاخير وفق قواعد مؤسساتية تعيد له مكانته التي يستحقها داخل المجتمع ، بل ، و أكثر من ذلك ، تخلص الحزب ، تدريجيا ، من ثقافة التوافق و البحث عن استمرارية معينة بدعوى حاجة الحزب لبعض أطره .. هنا يمكن القول بأن الاشكال يكمن ، أساسا ، في ثقافة تحصين المواقع و الرهبة من كل من هو جديد ، و تلك حقيقة يجدر بالجميع الاعتراف بها و الحزب أمام انطلاقة جديدة لا شك سيكون لها ما بعدها تنظيميا و إشعاعيا ، و الدليل على ذلك أن الحديث عن العديد من التغيرات الجوهرية التي طالت النظام الداخلي للحزب و المتعلقة بحالات التنافي و تداول المسؤولية و غيرها ، ظلت سجينة قراءات ذاتية عقيمة مقتصرة على عملية انتخاب الكاتب الاول للحزب و اللجنة الادارية الوطنية .. في أول اجتماع لهذه الاخيرة من أجل انتخاب أعضاء المكتب السياسي للحزب ، أوصى الاخ عبد الواحد الراضي ، في كلمة مؤثرة و صادقة ، جميع المناضلين و المناضلات بوحدة الحزب مرددا ذلك ثلاث مرات . هي وحدة ضرورية و أساسية لمواجهة خصوم الديمقراطية في هذا الوطن العزيز ، و استكمال مسلسل النضال من أجل مغرب الحرية و الكرامة و العدالة الاجتماعية ، مغرب كل المغاربة ، و مغرب الحق و القانون . لكنها وحدة لا يمكن أن تكون كذلك إلا بامتثال الكل للقواعد القانونية المنظمة للحياة داخل الحزب ، و بالتعاطي الايجابي للجميع مع مختلف النتائج المترتبة عن القبول الجماعي بتلك القواعد المحددة من قبل المؤتمر الوطني باعتباره أعلى سلطة تقريرية في الحزب ، و لعل الانخراط الصادق في الحركية الفاعلة التي يعيشها الحزب اليوم ، بعد انتخاب قيادته الجديدة ، لطريق سيار نحو وحدة متينة للإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ، و نحو واقع حزبي جديد يكون الاتحاد ، كما كان دائما ، عموده الفقري و صورته المعبرة عن النضال الحقيقي من أجل مستقبل الوطن و المواطن . انخراط جماعي قد لا يعني بالضرورة التصفيق الاعمى لكل ما تأتي به قيادة الحزب ، و لكن فقط من باب الوعي بأن محطة الحساب هي المؤتمر الوطني العاشر لا غير ، لأن دون ذلك معناه الرقص على نغمات جوقة همها الوحيد الاساءة للإتحاد و مناضليه لغاية في نفس مريضة لا غير ... * عضو اللجنة الادارية الوطنية للحزب