الكتابُ الذي ننشر ترجمته الكاملة إلى العربية هو- كما أراد له صاحباه (حبيب المالكي ونرجس الرغاي)- ثمرةَ لقاء. لقاء ما بين رجل سياسة وبيْن إعلامية: الأوّل يريد أنْ يقدّم شهادة، والثانية تريد أنْ تفهم. ليس من عادة رجال السياسة أنْ يقدّموا شهاداتهم. قليلون جدا هُم الذين يَقبلون الانصراف إلى تمْرين تقديم الشهادة. ورَغم ذلك، فإنّ تاريخ المغرب المعاصر بإمكانه أن يشكّل تمرينا جيدا للشهادة. فمنذ مستهل التسعينيات، طوى المغرب صفحات مصالحة لم تكن دائما هادئة. إنها مادة رائعة أمام المُنقّبين الذين يرغبون في الذهاب أبعد من الطابع الآنيّ للمعلومةّّّ! كما أنّ هذا الكتاب هو كذلك ثمرة رغبة ملحّة في الفهم، فهم هذا الحُلم المقطوع المتمثّل في التناوب التوافقي الذي دشّنه الوزير الأول السابق المنتمي إلى اليسار، عبد الرحمان اليوسفي. وهو أيضا رغبة في فهم ذلك الإحساس بالطَّعْم غير المكتمل للتناوب الديمقراطي. - هل استوعب الحزب التجربة الحكومية؟ وهل استخلص منها الدروس؟ - أعتقد أن الأمر كذلك وبشكل كبير. لكننا لم نتمكن لحدّ الآن، من تحديد كيف يمكن للحزب استيعاب التجربة. - بصرْف النظر عن الأجهزة القيادية، هلْ استطاع الاتحاديون هضم المشاركة الحكومية؟ وهل أثار ذلك نقاشات؟ - إنّ الجدلَ حول التجربة الحكومية، وطريقة معايشة هذه التجربة، لمْ يصلا إلى مستوى النضج. - هل استوعب المناضلون حقا بيداغوجية المشاركة؟ - على الحزب أنْ يعتبر نفسه كحزب حكوميّ، وهذا ما يتطلب مرة أخرى تغييرا في الثقافة. فعلى هذا الأساس يمكننا حقّا تصوّر الانفتاح. - لكنْ ثقافة المعارضة مازالت مترسّخة داخل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. - لقد أتيحتْ لنا الفرصة أنْ نبرز بأنّ هناك حركةَ تأرجح بين ثقافة المعارضة وثقافة المشاركة. وهذه الحركة معبّرة عن أية تجربة سياسية. فنحن اليوم في الحكومة، وغدًا سنكون في المعارضة. إن مهمّتنا هي المساهمة والمشاركة، من خلال أسس شفافة وديمقراطية، في تدبير الشأن العام على جميع الأصْعدة: محليّا وإقليميّا ووطنيّا. وهذا يعني أن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية هو حزب حكومي أكثر حتى وإنْ مارس المعارضة. إن مواقفه ومبادراته والحلول التي يقترحها تندرج ضمْن منطق حزْب حكوميّ. - إذا كنتُ قد فهمتُ جيّدا، فإنّ الاتحاد الاشتراكي لمْ يعدْ يريدُ أن يمارس المعارضة من أجل المعارضة؟ - بالنسبة لنا، لا يتعلق الأمرُ بممارسة المعارضة دون تقديم حلول ذات مصداقية، وقابلة للتطبيق إذا أصبح الاتحاد الاشتراكي في الحكومة. - هناك شعور بأنّ الاتحاديين يتخلون عن الحزب بمجرّد أن يصبحوا وزراء؟ - لا، لا أظن ذلك! فجميع الرفاق الذين تحمّلوا مسؤوليات حافظوا على روابط وثيقة داخل الحزب، وحتى داخل المجتمع عموما. إنّ المشكل يكمن في كيفية وضْع ميكانيزمات وقواعد تنظّم العلاقات بين الحزب وبين المسؤولية الحكومية. أكرّر مرة أخرى: هناك حدود داخلية تفسّر إلى حدّ ما حدود مشاركتنا. - كيف يمكن لاتحاديّ يتحّمل مسؤوليات معينة أن يتصرّف؟ - أنْ يتجنب ازدواجية الخطاب والغموض. فالمصداقية عبر خلق التوافق والعمل الجاد هي الطريق الأوحد الذي يجب اتباعه. - وأنت بكل التأكيد لست من الذين يتبنّون المَثَل الشائع الذي يقول «قَدَمٌ هنا وقَدَمٌ هناك». - أنت من أثار الموضوع ! فهذه الوضعية، من الناحية السياسية، خطيرة ولا تؤدي إلى مخرج. إنّ ازدواجية الخطاب أمر غير محمود في السياسة. - أليس التواجد في المعارضة مريحا أكثر بالنسبة للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية؟ - ليس قَدَر كلّ حزب سياسي أن يحافظ على بريقه، وأن ينصّب نفسه في المعارضة إلى الأبد. إنّ مهمة الحزب هي أن يتحمّل مسؤوليات من أجل تحقيق برنامجه السياسي. - ماذا عن الذين يشدّهم الحنين إلى المعارضة؟ - إن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، كما أسلفنا سابقا، تخترقه تناقضات المجتمع. هناك بطبيعة الحال حساسية تعتبر أنّ الثلاثين سنة المجيدة من عمر الحزب هي إلى اليوم وجود الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في المعارضة، والنضال ضد السياسات التي تمّ تبنّيها! لا يجب أن ننسى بأننا كاتحاديين نشكل حزب التغيير، وأننا أصحاب رسالة هدفها تطوير المجتمع المغربي نحو مزيد من الديمقراطية، مزيد من الحرية ومزيد من المشاركة. وبكل تأكيد، إنّ مجرد وجود الحزب في الحكم، يعني نهاية أسطورة. وهناك الكثيرون الذين يؤكدون ذلك: عندما أصبح الحزب داخل الحكومة، فقد بات حزبا كباقي الأحزاب. إن طبيعة ثقافتنا وخطابنا هي التي أوحتْ بأن يكون محكوما على حزبنا بأن يكون حزب معارضة. وفي نفس الآن، ومن باب المفارقة، لا بدّ من الاعتراف بأننا منذ دخلنا في الحكومة، بات المشهد السياسي أعرج... نظرا لغياب المعارضة. - أنتَ بصدد القول إن المعارضة الحالية لا تمارس المعارضة الحقيقية. - إنها تبحث عن طريقة لممارسة المعارضة، وهو مشكل أسلوب ومشكل خطاب، ومشكل تموقُع... ليس من السّهل، كما يتصور البعض، أنه كلما كانت هناك إصلاحات كبرى، إلاّ واعتبرت كلُّ الأحزاب نفسَها أحزابا إصلاحية. - هلْ تغيّر الاتحاد الاشتراكي بفعل ممارسة السلطة؟ - الحزب يتغير بفعل قوة الأشياء. هناك إجماع حول ما هو أساسي، لكن هذا يدعو إلى التفكير باستمرار في أوْراش إصلاح جديد . نحنُ نعتبر أننا حققنا تقدما لأنّ هناك توافقًا حول ما كنا نطالب بالأمْس . فتطوّر الأشياء يظهر أننا كنا في المسار الصحيح ما دمنا نشهد نوعا من «تأميم « الخطاب وتحليلات الحزب. بلْ يمكنني القول إنّ طريقة العلاج التي دافع عنها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية هي التي ألْهَمَت الكثير من المبادرات . - منذ 1998 إلى 2010 ، اثنا عشر عاما مرّت كانت، بشكل من الأشكال، هي سنوات الانتقال. كيف تنظر إلى المشهد السياسي كما يتبدّى اليوم ؟ - لقد خبا بريقُ السياسة اليوم بسبب الفساد الذي ينخُرُها. والنتائج المترتبة عن هذا هي التشكيك في الإنجازات وإضعاف الديمقراطية. هناك أزمة خانقة تعيشها المؤسسات التمثيلية إنْ على المستوى المحلي أو الوطني. إنّ المسألة أخطر من كونها مسألة صورة. فمصداقية العمل السياسي على المحكّ. فالرأي العام اليوم يميل إلى اعتبار السياسة مجرد مسرحية. ما هي الأسباب العميقة وراء أزمة السياسة هذه ؟ أكتفي هنا بذكْر عامليْن اثنيْن: استعمال المال والترحال السياسي. إننا نعيش أزمة مشروعية المؤسسات التمثيلية. لقد قاطع المواطنون الانتخابات الأخيرة، والعمل السياسي يكتسي شيئا فشيئا شكل مساومة حيث المال يفسد المنافسة السياسية. - إنّ استعمال المال في الزمن الانتخابي يهدّد الديمقراطية بالمغرب . - بكل تأكيد ? وإذا لم يوضع حد لسلطة المال، فإن ما لا تُحمد عقباه سيصبح هو القاعدة. يجب اتخاذ تدابير صارمة في هذا الشأن . - هل يتضمن القانون هذه التدابير؟ - هذه التدابير هي القانون وليست القانون وحده. إنها التطبيق الصارم للقانون من طرف السلطات المحلية. فإذا لم يكن هناك وعي بضرورة القطْع مع هذه الممارسات فلا مفرّ من الإفلاس! - لكنّ الدولة تقول إنها تلتزم الحياد. فكيف تفسّر طبيعة هذا الحياد السلبي؟ يُلاحظ تزايد لممارسة الحياد على المستوى المحلي، غير أنه حياد سلبي. وهولا يظهر على المستوى المركزي، إذْ يكون العقاب فوريا كلما طرح المشكل. حاليا، هناك عوْدة لمخلفات الماضي وتوظيف المال على مسْتوى أوسع. وهذا ما يشكّل خَطَرا كبيرا على المسلسل الانتخابي. يخامرنا إحساس بأنّ السلطات العمومية لا تبالي بالأمْر حقيقة. من الناحية الرسمية، الكلّ يقول نفْس الكلام. لكن المشكل هو كيف السبيل إلى وضع حدّ لممارسات تفسد السياسة. السياسةُ التي فَقَدَتْ أصلا هدفها الرئيسي. يُضافُ إلى كلّ هذا ضبابية العمل البرلماني. فلم يعدْ هناك مجال للنزاعات والخصومات. فتشكل جماعات الرحل، التي تنتمي إلى الأغلبية كما تنتمي إلى المعارضة، هي اليوم مؤشر سلبي على الحياة البرلمانية. إنها ممارسات غيْر صحيّة، لا يمكن أنْ يفهمها الرأي العام. الرأي العامّ هو في حاجة إلى الوضوح والتماسُك. كلّ هذا مؤسف لأن المواطن يقاطع صناديق الاقتراع. وأعيد القوْل مرّة أخرى بأنّ ظاهرة الترحال تشكّل خطرا كبيرا يفرغ الالتزام من محتواه، ويمسّ بالمؤسسة البرلمانية. - ومع ذلك، فإنّ المجلس الدستوري سمح بالترحال، وتحوّل البرلمانيون على غرار كرة القدم ؟ - لأنه ليس هناك انسجام واضح بين القانون المتعلق بالأحْزاب السياسية، وبين قانون الانتخابات! وقد قام المجلس الدستوري بقراءة دقيقة للبند الخامس، وهو البند الذي يمنع ظاهرة الترحال. إن المال وظاهرة الترحال السياسي هما من بين المشاكل التي يلزم مواجهتها في الإصلاحات التي يتم التحضير لها في أفق انتخابات 2012. ومن الضروري أنْ تتوصّل الأحزاب في هذا الشأن إلى حلول مشتركة. - هل الأحزاب السياسية كلها مستعدّة للقيام بذلك؟ - هذا كلّه في مصلحة الديمقراطية المغربية! وبالتالي في مصلحة الأحزاب التي هي الفاعل الرئيسيّ في الانتخابات. - هلْ يزعجكَ هذا العدد الكبير للأحزاب على الساحة السياسية؟ - في هذا الميدان، لم يكن التّضخّم أبدا مسألة محمودة. ليستْ لي دروس أعطيها لأحد ، غيْر أنّ الجميع واع بضرورة ترشيد الحقْل السياسي عبْر تشكيل أقطاب كبرى لكي يغدو الحقل السياسي واضحا اكثر، ولكيْ تعاد الثقة إلى المواطنين. هؤلاء المواطنون الذين يحارون أمام هذا الكمّ الهائل من الأحزاب ومن البرامج. وهو ما يفسر، في جزء منه، ظاهرة الامتناع عن التصويت. إن تشكيل أقطاب كبرى هي الاختيار المستقبلي الذي يفرض نفسه. لكن تشكيل الأقطاب الكبرى لا ينبغي أن يتم بملقط الولادة، بقدر ما يجب أن يخضع لمنطق حتى يكون الحقل السياسي الجديد المرتقب غدا تتويجا لعملية نضج، وذلك تفاديا لأيّ تراجع إلى الخلف. - لقد ظهر على الساحة السياسة مولود جديد. هلْ يخيفكم حزب الأصالة والمعاصرة؟ وكيف تنظرون إليه؟ - لقد أصبح حزب الأصالة والمعاصرة أمْرا واقعا. فقد أصبح لهذا الحزب السياسي وجود برلماني؛ وهو يسيّر أو يساهم في تسيير العديد من الجماعات منذ الانتخابات الأخيرة لسنة 2009. وهو يصرّح بأنّ رغبته وهدفه هو العمل من أجل ترسيخ الديمقراطية في بلادنا. غير أنني ألاحظ بأنّ الأصالة والمعاصرة يقول بأنه لا ينتمي لا إلى اليسار ولا إلى اليمين. فهلْ يمكننا التواجد على الأقلّ في الوسَط، بدون يمين ولا يسار؟ وبناء على أية أسس سوفَ يُْجري هذا الحزب مستقبلا تحالفات واضحة وقوية؟ هذه بعض الأسئلة التي أطرحها ولا أجدُ لها جوابا... } هل يمكننا تصوّر تحالف واضح وقوي بين الاتحاد الاشتراكي وبين الأصالة والمعاصرة؟ لا يوجد على جدول أعمال أجهزة الاتحاد الاشتراكي أيّ شكل من أشكال التحالفات. نحنُ حاليا منشغلون أكثر بمستقبل الكتلة ومستقبل اليسار. هذه هي أساسيات الحزب، أيْ أساسياته في مجال التحالف. وهذا لا يتناقض مع فتح نقاش حول الإصلاحات السياسية والدستورية التي ننتظرها. إنّ قضية التحالفات لا يمكن أنْ تُطرح إلا بعد اتنخابات 2012، وظهور خريطة سياسية جديدة. وفي هذا الشأن، فإنّ ثقافتنا إجرائية، أي بعبارة أخرى ثقافة عملية أكثر مما هي استباقية. إلا في حالة واحدة جرت سنة 1993، حيث تقدم حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي بترشيح موحّد في إطار الكتلة. - باستماعنا إلى حزب الأصالة والمعاصرة، نجده مسرورا بخطه الأحمر: كل شيء إلا إسلامييّ العدالة والتنمية. - هذا ليس كافيا لكيْ نحدد خطا سياسيا! خلال الانتخابات المحلية الأخيرة، قدم الاتحاد الاشتراكي مقترحا يقضي بإقامة تحالفات على أساس وجود برنامج محدد. لكن اليوم لابُدّ من تقييم ما قرّرناه، لأننا نلاحظ بأنَّ هذه التحالفات سرعان ما تنحل وتتهاوى. ومن ثَمّ يجب أن يخلص هذا التقييم إلى إدخال عدد من التصحيحات. - لم تكنْ تجربة عُمُودية الرباط مقنعة دائما. - لقد بيّنت لنا التجربة، في المدن التي تمّتْ فيها هذه التحالفات، بأنّ التحالفات الظرفية لا تسمح بإبراز آفاق الحياة السياسية. - نتكلم كثيرا عن التحالف، فما موقع الكتلة من كل هذا؟ -من المفروض علينا اليوم إعادة النظر في تحالفاتنا، واعتماد خطاب الحقيقة مع توضيح لخطوط الفصل الحقيقية. وخطّ الفصل هي الديمقراطية. ينبغي اعتبار أن الكتلة قد أنْهَتْ مهمتها الأولى، التي كانت تتجلىّ في التحضير لمجيء التناوب. كما استنفدتْ مهمّتها الثانية التي كانتْ تتمثل في وضع أُسُس التناوب داخل التناوب. واليوم، يتعلق الأمر بتحْديد مهمة ثالثة لها هي تحضير جيل جديد من الإصلاحات. - لكنّ الكتلة لمْ تجتمع في الحقيقة منذ أن أصبح الزعيم الاستقلالي، عباس الفاسي، وزيرا أوّل! - كانت هناك بعض الاجتماعات، غير أنها اجتماعات ظرفية وليستْ اجتماعات عمل تهمّ موضوعات وملفات ملموسة. أظن بأنه في إطار تحديد مهمة ثالثة، يمكن للكتلة أنْ تنفتح، بصورة فعلية، على قوى سياسية أخرى تشترك معها في نفس القيم، ونفس الرؤية المتعلقة بمغرب أفضل. لقد فضّل الاتحاد الاشتراكي أن يعمل بمفرده، ويوجه لمن يهمه الأمر مذكرة حول الإصلاحات الدستورية والسياسية. فضّل حزب الاستقلال عدم الالتحاق بهذه المبادرة، وقد برّر ذلك بقوله: «إننا على مشارف الانتخابات المحلية، ومن شأن هذه المذكّرة حول الإصلاحات الدستورية أنْ تصْرف اهتمام الرأي العام». لم يكنْ هناك، في الحقيقة، خلافٌ بين الاتحاد الاشتراكي وبين حزب الاستقلال حول المبدأ، بقدر ما كان الخلاف حول التوقيت. - وهل كان الاتحاد الاشتراكي مُصيبا حين بعث بهذه المذكرة بمفرده، وقبل الانتخابات الجماعية؟ - أعترفُ بأننا تسرّعنا قليلا. فالمطالبة الفردية بإجراء إصلاحات دستورية، كما فعل الاتحاد الاشتراكي، لا تذهب بعيدا. فهي مسألة تتعلق بالمصلحة الوطنية، وبالتالي كان ينبغي حثّ قوى سياسية مغربية أساسية إلى الانخرط في هذا المشروع. لكننا كنا محْكومين بالالتزام بقرارات المؤتمر الثامن. - الأستاذ حبيب المالكي، هناك عدد كبير ممن يطلب توقيع شهادة وفاة الكتلة. كما أن وحدة اليسار هي اليوم على كل الشفاه السياسية. ومع ذلك، فإن الاتحاد الاشتراكي يعطي الانطباع بكوْنه أدار ظهره لليسار. الاتحاد الاشتراكي حزب ينتمي إلى اليسار. ونقطة قوّته هي أنْ يظل أساسا حزبا يساريا. فلا ينبغي أن يذوب داخل خليط يفقده هويته بصورة تدريجية. ومن جهتها، فإن مكونات اليسار ما فتئت تتحدث عن وحدة اليسار. المشكل هو أنّ هذا النقاش يجري أكثر على مستوى المبادئ. ونحن لمْ نتمكن لحدّ الآن من الذهاب أبعد، وتصوّر حلول من شأنها حقيقة جعل وحدة اليسار واقعا حيّا وفعليا. هذه في النهاية هي الصعوبة التي لمْ ننجحْ بعد في تجاوزها. نحن، بين مكونات اليسار، نحبّ الكلام وتقديم التحليلات... ولكننا لا نحب الذهاب أبعد. ولا بدّ من توفّر الشجاعة من أجل الذهاب أبعد، لا بد من توفّر الشجاعة من أجْل تشكيل قطب سياسي حقيقيّ. اليسار المغربي في وضعية مزْرية. ينبغي القبول بأنّ اليسار عندنا جدّ مفتّت ومشتت. ثم إنّ الأسس الوجودية لبعض هذه المكونات لا تسهّل تسريع وتيرة عملية التوحّد. وكل الانقسامات التي عرفها الحزب في السنوات الأخيرة لا تستند إلى أسس سياسية وإيديولوجية. إنها بالأحرى انقسامات مرتبطة بخلافات تمليها تقديرات ذات طابع ظرفي. هذه بعض العوامل التي تجعل النقاش هشّا، وتجعل الحلول غير مؤكدة. - هل وحدة اليسار حلم ممكن؟ - يجب مع ذلك الوصول إلى هذه الوحدة. إنّ الاتحاد الاشتراكي يظلّ مفتوحا في وجه هذا المشروع الكبير. ونتمنى في هذا الإطار أنْ يعود كل الذين غادروا الاتحاد الاشتراكي إلى قواعده. إنها الطريقة المثلى لإعطاء معنى للعودة إلى «البيت». ولا أجد حلولا أخرى لتحديد شروط العودة، لأنه لا تفاوض بين أفراد العائلة! ومع ذلك، فإنّ هناك مقاومات وعوائق تَحُولُ دون وحدة اليسار. - من طرف مَنْ؟ - من طرف الاتحاد الاشتراكي خصوصا. أبدًا! صدّقيني إذا قلتُ لك بأنّ هذه النية السيئة لَمْ توُجَد أبدا. بلْ نحن نتمنى بأن تسير الأمور بشكل أسرع. - ألا يكمنُ المشكل في أن الاتحاد الاشتراكي يعتبر نفسه أكبر حزب في اليسار، أي الحزب الواحد والوحيد؟ -الاتحاد الاشتراكي ليس هو الحزب الوحيد في اليسار، بل نحن هو التنظيم اليساري الكبير..