تداول إعلاميا خلال الأيام الماضية خبر مفاده أن الحكومة ستتجه نحو تقليص مناصب التوظيف في القطاع العام خلال السنة المقبلة إلى حدود 3000 منصب شغل فقط, وذلك حسب ما قيل بسبب الظرفية الاقتصادية الصعبة التي يواجهها المغرب . ولا ريب أن مثل هذا الخبر قد يثير الإستغراب والإمتعاض لاسيما إذا ما استحضرنا ما يموج به الوضع الإجتماعي من تحديات ، ذلك أنه في الوقت الذي كانت تعقد فيه الآمال في الزيادة في عدد مناصب التوظيف لتخفيض منسوب الإحتقان والغليان الذي بات يشهده واقع الأطر العليا المعطلة التي تزايد عددها بفعل ندرة فرص التشغيل التي توفرها المباريات ، نجد التوجه الحكومي وفق ما تم تسريبه إعلاميا يسير نحو تقليص المقلص، وكأن صناع القرار داخل حكومة بنكيران قد أبوا إلا أن يسبحوا ضد التيار تحت ذريعة شبح الأزمة الإقتصادية من غير أن يضعوا في حسبانهم التداعيات الإجتماعية السلبية المحتملة التي قد تترتب عن تقليص عدد مناصب الشغل . ولعل مثل هذا التوجه الحكومي المفترض يجرنا إلى إثارة التساؤل التالي : هل ضاقت مساحة الخيارات أمام أهل القرار لمعالجة تداعيات تلك الأزمة الاقتصادية حتى يتجهوا نحو التقليص من عدد مناصب التوظيف المزمع إحداثها لطالبي الشغل خلال السنة المالية المقبلة؟ . إنه حقا لأمر يدعو إلى الدهشة لاسيما إن وضعنا نصب أعيننا أن هناك مداخل وخيارات عدة ما فتئ خبراء الإقتصاد يشيرون إليها في مختلف المناسبات والملتقيات ويطرحونها كحلول ناجعة لمواجهة الوضع الإقتصادي الذي بات يستبد به التقهقر . ونزعم أنه يمكن لأهل القرار لو توفرت لهم الإرادة القوية والجرأة اللازمة تبني بعض تلك الخيارات لمجابهة انعكاسات الأزمة الإقتصادية على الوضع الاجتماعي, خصوصا وأن تلك الخيارات قد حظيت بدعم وتثمين شريحة واسعة من الخبراء والمختصين . أما التوجه الحكومي المفترض نحو التقليص من عدد مناصب التوظيف فنعتقد أنه خيار غير ذي جدوى وينم عن قصور في الرؤية وتخبط في آليات التدبير و ضيق في مساحة القرار. ولعل ما سلف ذكره يسوغ لنا القول بأن أي جنوح نحو التقليص في عدد مناصب التوظيف ستكون له لا ريب تبعات سلبية على واقع حاملي الشهادات المعطلين الذين دأبوا على الإحتجاج في شوارع الرباط والذين تزايد عددهم في الآونة الأخيرة وارتفعت وتيرة حراكهم الإحتجاجي السلمي بعدما أوصدت وبإحكام حكومة بنكيران باب الحوار في وجوههم واعتمدت في مقابل ذلك على المقاربة الأمنية في التعاطي مع حراكهم ومطالبهم، وهي المقاربة التي كما هو معلوم قد أثبتت فشلها في حث الأطر العليا المعطلة المحتجة على الإنسحاب من شوارع الرباط . وبالعودة إلى الخبر المتداول الذي يشير إلى توجه الحكومة نحو تقليص عدد مناصب الشغل والذي نشرته جريدة «المساء» في صفحتها الأولى في عددها 2034 الصادر يوم الثلاثاء 9 أبريل 2013 ، يستوقفنا ما ورد في ثناياه من أن» الحكومة عمدت إلى تنقيل مناصب الشغل التي وفرتها من ميزانية 2012 بعد أن لم تعلن عن فتح مباريات بشأنها إلى السنة المالية الحالية ...وأن الحكومة ما زالت تتوفر على 6 آلاف منصب شغل برسم القانون المالي لسنة 2012 لم تستعمل إلى حد الساعة...» حسب تعبير الجريدة المذكورة . ويستشف من خلال قراءة مضمون هذا الخبر أن عددا من تلك المناصب المحتفظ بها يفترض أنها كانت مخصصة لمعطلين وقعت حكومة عباس الفاسي مع ممثليهم التزاما( محضرا) يوم20 يوليوز 2011 ،حيث تعهدت بموجب مقتضيات ذلك المحضر برمجة المناصب المالية الخاصة بعملية إدماج الأطرالعليا المعطلة المعنية بمحضر 20 يوليوز ضمن القانون المالي لسنة 2012. ومعلوم أن ثلة من أعضاء ووزراء حكومة بنكيران كانوا قد تعهدوا عقب توليهم تدبير الشأن العام بتنفيذ مضمون محضر 20 يوليوز القاضي بإدماج الدفعة الثانية من الأطر العليا المعطلة في إطار المرسوم الوزاري رقم 211100 .إلا أنهم ما لبثوا أن نقضوا عهدهم لتبقى فيما يبدو مناصب معطلي «محضر 20يوليوز» محتفظا بها لأسباب سياسية واقتصادية واجتماعية بل وفي رواية لأسباب شخصية ومزاجية. وكما يعلم الجميع ، فإن معطلي «محضر 20 يوليوز» ما يزالون يشدون رحالهم بلا كلل ولا ملل إلى الرباط يومين أو ثلاث من كل أسبوع للإحتجاج أملا في انتزاع مناصبهم المصادرة .وفي سياق قراءة دلالة التسريب الإعلامي للخبر السالف ذكره الذي يشير إلى توجه الحكومة نحو تقليص مناصب التوظيف خلال السنة المالية المقبلة ، يتبدى أن الطرف الذي يقف وراء ذلك التسريب إنما يسعى إلى التعبير عن تمسكه بموقفه الرافض للتوظيف المباشر وإلى زرع بذور التيئيس والإحباط في نفوس «معطلي محضر 20 يوليوز»قصد ثنيهم عن مواصلة تواجدهم بشوارع الرباط لاسيما بعد أن لم تفلح المقاربة الأمنية في وضع حد لمسلسل حراكهم الاحتجاجي السلمي الذي انطلق منذ سنتين ونيف وما زالت وتيرته مستمرة وتنذر بالتصاعد لاسيما وأن معطلي» المحضر « قد اتخذوا قرارا بمقاطعة جميع المباريات التي تنظمها القطاعات الحكومية إيمانا منهم بعدالة قضيتهم وبحتمية تفعيل مقتضيات منطوق محضرهم الحكومي. وغني عن البيان أن إغلاق حكومة بنكيران لقنوات الحوار مع ممثلي «معطلي محضر20 يوليوز» قد حجب عنها حقائق مزعجة ومقلقة نزعم أنه يجدر بأعضائها الإطلاع عليها ليدركوا من جهة حجم المأساة النفسية والأسرية والمادية التي بات المعنيون بمنطوق المحضر يكتوون بنارها بعدما تنصل أصحاب القرار من إحقاق حقهم ،وليهتدوا من جهة أخرى إلى حقيقة يتعين عليهم وضعها نصب أعينهم في التعاطي مع المطلب المشروع لتلك الشريحة من الأطر العليا المعطلة ، ألا وهي الإيمان الراسخ لدى معطلي «المحضر» بعدالة قضيتهم حتى أن هؤلاء وبحسب تصريحاتهم لم تراودهم يوما ذرة شك في حتمية إدماجهم في أسلاك الوظيفة وذلك بسبب إيمانهم بأنهم يملكون محضرا حكوميا موثقا ومذيلا بتوقيعات ممثلي القطاعات الحكومية وممهورا بأختامها، وهو بذلك يمتلك القوة القانونية والدستورية والأخلاقية لتنزيل مقتضياته وترجمتها إلى أرض الواقع، كما أنهم يحسبون أنفسهم موظفين مع وقف التنفيذ ، وهم لأجل ذلك عازمون كما يقولون على مواصلة المطالبة بالإفراج عن حقهم حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا .ولعل مما يمكن استحضاره لإبراز إحدى تجليات ذلك الإيمان اليقيني والتشبث الراسخ لدى «معطلي المحضر» بعدالة قضيتهم وإصرارهم على عدم التنازل عنه قيد أنملة مهما كلفهم ذلك من تضحيات ، هو تلك التصريحات التي أصبحت متداولة في صفوفهم والتي مفادها أن بعضهم أوصى بأن يدفن معه محضر 20 يوليوز إن هو وافته المنية قبل إنصافه في دلالة واضحة على عزمهم عن عدم التفريط في حقهم المسلوب في الدنيا وعلى متابعة من أجهز عليه في الآخرة ، يوم يأخذ الناس حقوقهم ويحاسبون على أعمالهم. يقودنا ما سبق بسطه إلى الإقرار بأن تمادي الطرف الحكومي في حرمان «معطلي محضر 20 يوليوز»من حقهم المشروع في الإدماج في أسلاك الوظيفة من شأنه أن يزيد في تأجيج احتجاجات تلك الشريحة من الأطر العليا المعطلة لاسيما وأن مطلبها في إنصافها وإحقاق حقها بات يحظى بدعم جمهور الحقوقيين والسياسيين ، ومن ثمة ، نعتقد أنه آن الأوان لكي يتحلى الطرف الأساسي داخل الأغلبية الحاكمة بالشجاعة اللازمة ويعيد الحق إلى أهله من معطلي « محضر 20 يوليوز « بدلا من التمادي في تبني سياسة طمر الرأس التي تحجب المأساة عن العين.