عماد حسن، الشاعر المصري الكبير، ورث من البحر صفاءه غير مستعد للحقد أبدا.. الكلمات خواتم في أصابعه، محاط دائما بالكلمة، شهادة من المبدع المصري والعربي الكبير عمار الشريعي قدمها في حق شاعرنا عماد حسن في إحدى حلقاته «سهرة شريعي »وجدت هذه الشهادة تنطبق على ابن الاسكندرية الذي يحب البحر ويحب الكلمة الرقيقة الجميلة، تغنى بكلماته العديد من المطربين الكبار سميرة سعيد، هاني شاكر، مدحت صالح، أصالة، جنات مهيد، راغب علامة وغيرهم.. هذه القيم والرصانة في الحديث والحب، أيضا، لمستها عن قرب في الزيارة للاتحاد المصري للإعلام والثقافة والرياضة الذي يزور بلادنا بدعوة من جمعية المحمدية للإعلام والرياضة بالمغرب. في الحوار التالي الذي خص به جريدتي «الاتحاد الاشتراكي» و«ليبراسيون» تحدثنا عن المسار الفني وخبايا الأغنية العربية وواقعها وعن شركات الإنتاج التي تعمل على المس بذوق المستمع والمشاهد العربي والتدافع الذي كان من جهة بين الثلاثي عماد حسن، الملحن محمد ضياء الدين وسميرة سعيد. ومن جانب آخر بين الثلاثي لطيفة التونسية والملحن الكبير عمار الشريعي والشاعر الكبير عبد الوهاب محمد، وكيف كان الانتصار يكون حليف فريقه، كل ذلك لصالح الأغنية العربية. كما يكشف عن واقع الأغنية المصرية في ظل حكم «الإخوان المسلمون» بالإضافة إلى مواضيع أخرى تطرق لها الحوار التالي. ماهي الأسماء التي تعامل معها الشاعر والمبدع عماد حسن؟ تعاملت مع مطربين ومطربات كثيرين في مصر، مثلا تعاملت مع هاني شاكر، مدحت صالح، محمد الحلو، نادية مصطفى، غادة رجب وغيرهم. ومن المغرب تعاملت مع سميرة سعيد، حياة الادريسي، جنات مهيد، رجاء بلمليح، الله يرحمها، ليلى غفران. ومن سوريا تعاملت مع أصالة نصري، ومن لبنان تعاملت مع راغب علامة، إذ كتبت العديد من الأغاني لهؤلاء الفنانين، فمثلا غنت لي أصالة نصري مجموعة من الأغنيات منها: «لا تسألينيش عن الأحزان»، « على بابي»، «حالف أحبك»، وغنى لي هاني شاكر «غلطة»، «لاتخسري»، «عايشها من قلبك»، «ماتهدديش بالانسحاب»، «سموك القمر». وسميرة سعيد غنت من إبداعي «خايفة»، «لسه عيونك أحلى عيون»، «بشتاق لك ساعات»، «أحب الشمس»، «تخلص الحكاية»، «بعد الرحيل»، «أنت حبيبي»، «شكرا»، « ضيعتني» إلى غير ذلك من الأغنيات.. لك مسار طويل مع الفنانة المغربية سميرة سعيد، حدثنا عن البداية؟ أول مشوار كان مع سميرة سعيد من خلال أغنيتين كانتا ناجحتين بعد أن هاجرت إلى مصر، إذ التقيت بها في القاهرة. وبعد أن لقيت سميرة النجاح من خلال أداء «مش حتنازل عنك أبدا»، و«بعد يومين» بقيت لفترة لم تتمكن من إنجاز عمل يكون في مستوى نجاح هذين الأغنيتين رغم إنجازها لأكثر من ألبومين غنائيين إلى غاية أداء أغنية «إنساني» التي كتبت كلماتها، وقام بتلحينها الملحن محمد ضياء الدين، ومنذ ذلك الحين شكلنا ثلاثيا مدة طويلة، أنتجنا خلالها العديد من الأغنيات، إذ كنا نشكل فريقا مقابل فريق آخر يضم كلا من لطيفة التونسية وعمار الشريعي والشاعر الكبير عبد الوهاب محمد، إذ كنا مثل فريقي الأهلي والزمالك والرجاء البيضاوي والوداد البيضاوي. هل هذا التدافع والتنافس خدم الأغنية العربية؟ التنافس كان في صالح الفن، حيث أمتعنا الناس وأنفسنا، وكذلك الفريق الآخر، أمتع الناس وأمتعنا، وفي الأخير كان الفن هو المستفيد. ففي العالم العربي، كلما زرت بلدا معينا أجد الناس يحبونني قبل أن يروني ويقدرون الكلمة الجميلة واللحن الجميل. وهذا أسعدني كثيرا. وأحس أنني قدمت شيئا للفن. فأنا أعتبر نفسي مسؤولا عن وجدان الأمة العربية، وليس على وجدان الشعب المصري فقط. فكل الدول العربية أهلي وناسي. وأنا مسؤول عن وجدانهم مقابل الإسفاف الحاصل والمس بالذوق العام. هل انحياز الفنانة لطيفة التونسية إلى الملحن الكبير عمار الشريعي والشاعر الكبير عبد الوهاب محمد هو الذي جعلك لا تتعامل معها؟ يجيب ضاحكا: هذه حقيقة. أنا لم أتعامل مع لطيفة ولو بأغنية، إذ كنت أنحاز إلى الفرس الآخر. كان هناك فرسا رهان في هذا الوقت، سميرة ولطيفة. فسميرة سعيد أنتمي إليها قلبا وقالبا. وأعتبرها من أسرتي وبيتها في الرباط هو بيت أهلي، لها عندي قدر كبير من المحبة. هل اتصلت بك لطيفة التونسية للتعامل معها؟ اتصلت بي أكثر من مرة، وأغنية «إنساني» التي غنتها سميرة سعيد، كانت معجبة بها كثيرا لطيفة. تقول الأغنية: «إنساني يا أحلى كلمة على لساني أنا ياعمر عشت بالهنا يا عمر رايح مش يرجع ثاني إنساني، ما بقاش بيدي الاختيار يا شهد ذايب في المرار يا نور ونار يا أحلى نار عارفة أن بعدك عني معناه الانتحار». ومازالت لطيفة تحفظ هذه الأغنية وتؤديها في أي مناسبة نلتقي فيها، إذ كانت تقدم برنامجا تلفزيونيا، وتستضيف فيه المطربين والمطربات، وحدث مرة أن استضافت سميرة سعيد، وغنت لطيفة هذه الأغنية، حيث كشفت أنها تعشقها، وخاطبت سميرة قائلة:«أنا التي سأغني هذه الأغنية ولست أنت.» كمبدع وصاحب هذه الأغنية من أداها بإتقان، هل سميرة سعيد أم لطيفة التونسية، ومن تفضل أن يغنيها؟ صوتا هذين الفنانتين مختلفان، بالفعل أحببت سميرة، لأنها جزء من نجاحي وكياني. إذ كنا في مرحلة البدايات وإثبات الوجود والذات، لم نكن نجوما كبارا آنذاك. لكن كنا طاقات واعدة، وكنا نتحدى المجموعة الأخرى، لطيفة، الشريعي وعبد الوهاب محمد، كنا نحب الفن والابتكار، ونعمل شيئا مختلفا. من يختار مواضيع أغانيك، هل أنت أم المطرب؟ أنا الذي أختار المواضيع، وحينما أريد أن أتعامل مع أي فنان، لابد أن أحبه. وأتعرف على تكوينه النفسي، والإنساني، إذ لابد أن نوطد الصداقة بيننا لملامسة إحساسه، وأعرف الكلمة التي تصل إلى قلبه، حتى يستطيع إيصالها إلى قلوب الناس. هل تعاملت مع االفنانة المغربية جنات مهيد؟ تعرفت عليها، وهي في سن الخامسة عشرة من عمرها، وكتبت لها أربع أغنيات، أنتظر أن تخرج إلى حيز الوجود. هذه الأغنيات أعتبرها من أجمل الأغاني التي تتناسب وصوت جنات، وقد حصل خلاف مع المنتج الذي لم يحل بعد، لكن هذه الأغنيات جاهزة وأنتظر الإفراج عنها. من بين المطربين والمطربات المغاربة الذين تعاملت معهم؟ تعاملت مع الفنانة حياة الادريسي، وهي شخصية لطيفة وفنانة حقيقية، وتعاملت مع ليلى غفران، حيث كتبت لها «مشهد وداع» التي اعتبرها من أحسن الأغاني . هل جاءت هذه الأغنية بعد وفاة ابنتها؟ لا، كتبها قبل ذلك منذ سنوات. كان من المفروض أن يكون هناك عمل سيجمعك بالفنانة المغربية عزيزة جلال؟ التقينا معا في البداية التي التقيت بها مع سميرة سعيد. وبعد الاتفاق المبدئي للتعامل معها، كان المرحوم محمد الموجي هو من سيتولى تلحين أغنيتين من كلماتي، حيث طلب مني أن أكتب أحسن ما لدي، لكن فاجأتنا بالاعتزال. وعزيزة جلال من الأصوات التي حزنت على اعتزالها. وحزنت، أيضا، لأن كلماتي لم تلتق بصوتها. إنها صوت رائع، وهي إنسانة خلوقة، ولم تتكرر بعد. من تغنى بهاتين الأغنيتين؟ لن أبوح بذلك - يجيب ضاحكا - لكن غنتها مطربتان مصريتان، ولقيتا نجاحا كبيرا. وبالعودة إلى المطربة ليلى غفران، فإنها مطربة متمكنة، وسمعت أنها فتحت مطعما هنا في المغرب. أتمنى لها التوفيق وأقول لها «وحشتينا». في اعتقادك أستاذ عماد، لماذا تهاجر الأصوات المغربية إلى مصر، ولماذا الشهرة لا تأتي إلا من هناك، هل هناك عوائق تحول دون الشهرة داخل المغرب في نظرك ؟ هناك عوائق، منها أن اللهجة المغربية صعبة، في حين أن اللغة المصرية سهلة، وساهم في انتشارها المسرح والأفلام، وكل فروع الفن، لتصل إلى كل العرب. كما أن في القاهرة، هناك ملحنون ومؤلفون كبار، وشركات إنتاج، كما أن التلفزيون المصري كان رائدا في المنطقة العربية، حيث كان يقدم المطرب لكل الجماهير العربية. مما يساهم في انتشار شعبيته. هذه الهجرة قام بها الرواد الأوائل من المطربين المغاربة مثل الفنان الكبير عبد الوهاب الدكالي؟ . آه. عبد الوهاب الدكالي، هذا العندليب العظيم، ذو الصوت الرائع، عاش في المغرب و لم يتمكن الجمهور العربي الواسع من معرفته. لكن حينما هاجر إلى مصر عرف انتشارا واسعا، يا خسارة عاد إلى المغرب ولم يكمل مشواره الفني بالقاهرة، ولو بقي هناك لكانت شهرته تضاعفت بشكل كبير، لكن يبقى عبد الوهاب الدكالي المطرب العظيم. ما هي في نظرك الوصفة التي بإمكانها أن تجعل الأصوات المغربية من داخل وطنها تحقق الشهرة عربيا؟ أنصت إلى أصوات مغربية شابة متمكنة من التراث العربي الأصيل، لكن ضروري الانفتاح على روح العصر، وأقول للملحنين ألا تبقوا أسرى النغمة الشرقية القديمة، جددوا ولا تخشون أي شيء، هناك في المغرب غنى كبير، النغمات الأندلسية والغرناطية، وألحان رائعة، وتراث رائع. عليهم فقط أن يقدموا هذا التراث بروح جديدة من أجل تسويقه. بالإضافة إلى أن الموزعين الموسيقيين في المغرب للأسف «مش متطورين بالشكل الكافي» فالمهم اليوم هو التوزيع الموسيقي، وهو ما خدم الأغنية المصرية لتصل إلى الناس. كيف ترون حاضر ومستقبل الأغنية المصرية بعد وصول «الإخوان المسلمون» إلى الحكم؟ الفن لن يقف في وجهه أي عائق، خاصة الفن الراقي الجميل، ووصول «الإخوان المسلمون» للحكم في مصر، لا علاقة له بالفن، ولن يستطيع أحد أن يكمم فم الشاعر وحنجرة المطرب أو يمنع الكلمة الجميلة. لكن يحاولون تكميم أفواه الصحافة، ربما يأتي في القادم من الأيام الدور على الإبداع والفن؟ لن يتمكنوا من ذلك، والشعب المصري له حضارة 7 آلاف سنة أنارت العالم حينما كان في الظلمات والتخلف والظلم، لن يستطيع كائن من كان أن يغير من هوية الشعب المصري. ولا من روحه وتاريخه وثقافته وفكره. هؤلاء قلة، ولهم أفكارهم التي تخصهم لوحدهم. وليس من حقهم فرضها علينا، نحن أغلبية الشعب المصري، نرفض ذلك، ولن نقبله بأي شكل من الأشكال، فنحن نعيش في القرن 21، ونرفض أن يرجعنا أحد إلى الخلف، وإلى القرون الوسطى. الغناء أصبح صناعة، وقد أثرى هذا الحقل، إذ نجد الإيجابيات، لكن هناك بالمقابل سلبيات، كيف ترون هذه المعادلة؟ من يدفع للزامر يفرض اللحن، هذا ما تفعله بعض شركات الإنتاج التي تتخذ من الفن ومن الغناء وسيلة للتربح والكسب. وليس وسيلة لنشر الفن أو الرقي بأذواق الناس وأحاسيسهم، في مقابل ذلك هناك بعض الشركات الأخرى التى ترضى بالربح المقبول، في سبيل نشر الفن الجيد والمحترم، والإبقاء على شكل الفن الجديد، وهو صراع موجود منذ الأزل وسيظل كذلك. لكن يبدو أن بعض القنوات المتخصصة، كانت وراء شهرة بعض الأسماء التي ليست لها مقومات الفنان؟ هؤلاء الفنانون مثل أوراق الكلينيكس تستخدم ثم ترمى في القمامة، وسيبقى الذهب ذهبا واللؤلؤ لؤلؤا. الشيء النفيس له قيمة، وسيعيش وسيظل في وجدان الناس. كمبدع، إذا جاء عرض من هيفاء وهبي. هل ستتعامل معها؟ إذا أرادت أن ترقص فمرحبا بها، وإذا أرادت أن تتعاقد معي على هذا الأساس فمرحى، لأنها تجيد ذلك، أم الغناء فلا أعتقد. والمطربة نانسي عجرم؟ هي قطة لطيفة، أحب ما تقدمه من فن، وهي تعرف حدودها، وقدر صوتها، لها منطقة تجيد الغناء فيها. ولا تخرج عنها، ولا تدعي أنها مطربة عظيمة. لها حدود، لكنها جميلة في هذه الحدود، وأقبل التعامل معها. وبالنسبة إلى الفنانة إليسا؟ أتعجب حينما أسمعها في الألبوم، تغني غناء جميلا، لكن في المباشر، أجد هناك نشازا، وأتعجب، والسر يعلمه أصحاب الأستوديوهات وهندسة الصوت. ما هي مشاريعك الأستاذ عماد حسن؟ هناك أعمال ستجمعني مع شيرين عبد الوهاب، أمال ماهر، غادة رجب، وتلاحظ أنهن فنانات شابات، لكن كلهن أصوات جميلة جدا، أنا منذ أكثر من 30 سنة وأنا أتعامل مع كبار النجوم في العالم العربي، لكن أعتبر نفسي هاويا، ومازلت أحافظ على عملي الأصلي ككميائي في أكبر معامل تكرير البترول في مصر. أفخر أني مازالت الكميائي عماد حسن الذي يجد مهربا، حينما يجد أصواتا رديئة، فيدعي أنه الكيميائي، وليس له أية علاقة مع الشعر.