وراء حجاب من التهميش، رحل، بعد زوال يوم الاثنين 18 مارس 2013، الفنان الأمازيغي الشعبي عبدالنبي الكاس، بمريرت، إقليمخنيفرة، ووري الثرى جثمان هذا الفنان، بعد صلاة ظهر اليوم الموالي، الثلاثاء، حيث ودعه إلى مثواه الأخير حشد مهيب من المواطنين والمعارف، ومن الفعاليات الثقافية والجمعوية والفنية الأمازيغية، بينما تناقلت عدة مواقع اجتماعية نبأ رحيله المفاجئ بكثير من التعاليق المفعمة بالأسى والألم. وقد سبق لجريدة «الاتحاد الاشتراكي» أن زارته، خلال أوائل العام الماضي، بالمستشفى الإقليميبخنيفرة، حيث تم نقله من بيته إثر إصابته بأزمة حادة على مستوى الصدر، وزاره وقتها عدد من عشاقه ومعجبيه، ومن الفاعلين الجمعويين والمهتمين بالفن الشعبي الأمازيغي، لكونه من الفنانين الذين بصموا مسيرتهم الفنية المتميزة بالعشرات من الأغاني والألبومات التي أغنت الأرشيف الفني للأطلس المتوسط، لعل أشهرها «بيخ أغريب بيخ أبراني»، و»أيا ماري أوا بعدي»، ثم «إذا أوسمون أورغوري لخبار أيونو» التي لقيت نجاحا واسعا. ولم يفت الباحث والكاتب عبدالإله حبيبي حينها وضع تعليق خاص على صفحته بأحد المواقع الاجتماعية قائلا «لقد تأثرت كثيرا لحال فنان من عيار عبد النبي الكاس، هذا الذي فضل ممارسة فنه في تعفف كبير لا يستجدي المناسبات ولا التهافت على الحفلات، بل ظل وفيا لطرب أصيل، ومقتعدا فراش التواضع الشهم، وهو يترقب قدوم أصدقائه من كل حدب وصوب لكي يقتسم معهم رغيفا من وتر يختزن بدوره مدرسة موسيقية متميزة تقتات من فن بوزكري عمران ومصطفى نعينيعة ومحمد رويشة وغيرهم، كلهم سبكهم في قالب جديد منه استخرج تلوينه المتفرد الذي يمجرد أن يشرع في رسمه تعرف أنك في ميزان عبد النبي الكاس»، يضيف الباحث حبيبي. وإلى جانب الإعراب عن تضامنه مع الفنان الكاس في محنته، ضم الكثيرون صوتهم للمطالبين من الجهات الوصية على القطاع الثقافي والفني ببلادنا بالتدخل لرعاية هذا الفنان وأمثاله، وإيجاد حل نهائي وجذري لتأمين تغطية صحية وتقاعد مريح لكل الفنانين الذين ساهموا في ترسيخ الهوية الوجدانية للمغاربة، إلا أن مثل هذه النداءات لم يكن لها أي صدى لدى المسؤولين تجاه هذا الفنان الذي أعطى الكثير للأغنية الأطلسية التي تنامى عشاقها عبر أرض الوطن وخارجه. وعبدالنبي الكاس المولود عام 1963، يعد أحد الأصوات الغنائية التي صدحت عاليا بين جبال زيان الشامخة ومنتجعات آيت سكوكو، كان قد تولع بالفن منذ نعومة أظافره على إيقاعات كناوة وعيساوة التي مزجها بالأمازيغية، قبل أن يتعرف على فنانين شهيرين، وكان ضابطا للإيقاع في مدرسة الفنان محمد ستيتو قبل أن يحمل آلته الوترية في العلن، ويفرض على خصوصيته نمطا معينا من العزف، حيث اكتشفه الفنان الكبير محمد مغني مبدعا عرف كيف يطرح ظله الأطلسي على رقعة المنافسة الفنية بدعم فني ونفسي من صديقه حسن مرغنيس. وهو حينها ما يزال تلميذا بالإعدادي قام أهله بنقله إلى الرباط بهدف إبعاده عن «لعنة الفن» التي جعلتهم يتخوفون من انشغاله بها عوض الاهتمام بدراسته، وكلهم حلم بأن ابنهم «سينهي دراسته ويصير موظفا كبيرا»، يقول بنفسه في تصريح ل«الاتحاد الاشتراكي»، إلا أن هذا الفنان وجد نفسه متورطا حتى النخاع في منح الفن دمه وروحه وعمره كله، وغنى بأسمى المعاني و أرق الأحاسيس إلى حين ذاع صيته بين عشاق الفن الأمازيغي الأصيل كواحد من أشهر المحاورين لآلة الوتر، حتى أن عدد من شركات الإنتاج السمعي أخذت في التهافت على أعماله. ومن النوادر التي ظلت لصيقة بذاكرة الفنان عبدالنبي الكاس، كان قد حكى ل«الاتحاد الاشتراكي» عن اليوم الذي اتهمه فيه مدير إعدادية بمريرت بشبهة كيدية ل«عدم انخراطه في حفلات عيد وطني»، قبل أن يتأكد الجميع من أن هذا الفنان كان يومها قد حمل آلته الوترية وغنى بحفل نظمه أحد معامل السكر بالمناسبة. ولم يجد الحضور المتسارع لعبد النبي الكاس على الدرب الفني الطويل صعوبة في لفت انتباه الفنانين إليه، وقد تعرف على العديد منهم من أمثال رويشة، مغني، نعينيعة، عروب، شريفة وستيتو وغيرهم، ليرتفع «سهمه الفني» في إنتاجه لألبومه الأول عام 1983، ويضم أغان أمازيغية وعربية نالت إقبالا ملحوظا، كما شارك في عدة مهرجانات ولقاءات فنية على الصعيد الوطني، من بينها أساسا مهرجان ذكرى موحى واليزيد بالخميسات، وحفل تكريم «احساين» ببومية، كما كان من بين الوجوه الفنية المشاركة ضمن قافلة التحسيس والتوعية بحرف تيفيناغ، وفي أخرى ضمن الأصوات المتميزة في حفل سبق تنظيمه بباستيا بالديار الفرنسية تكريما للنجم الرياضي المغربي ميري. الباحث في الأغنية الأمازيغية، المكي أكنوز، سبق أن أفاد في شهادة له، خلال نشاط لجمعية وادكيكو للتنمية والسياحة الجبلية، أن عدة قطع غنائية للفنان عبدالنبي الكاس تعرضت للقرصنة من طرف فنانين كبار، ودون اعتراف ولو بكلمة شكر لصاحبها، منها على سبيل المثال : «الحبيبة لا تبكيش ولا تسيلي دموع»، التي أعادها الفنان الراحل ميلود المغاري، بينما لم تفت ذات الباحث الإشارة إلى أن عبدالنبي الكاس كان أول فنان أمازيغي يظهر، عام 1997، على شاشة القناة الثانية بعد أن أصبحت هذه القناة مفتوحة للعموم، وذلك خلال السهرة الافتتاحية للقناة، بينما شارك الكاس، يضيف الباحث المكي، في عدة تظاهرات فنية لا تقل عن مهرجان الأب الروحي للفن الأمازيغي حمو واليزيد، وسمفونية فزاز ليتشرف بقيادته لسمفونية أدرار بمهرجان الوتر لسطات، كما أنه سجل بالإذاعة الوطنية الأمازيغية (قسم الراديو) مع القيدومة الإذاعية رابحة عقا ما يفوق عشر قطع دون استفادته من حقوق التأليف.