كنا قد تنبأنا، وها هو بنكيران يؤكد نبوءتنا: إنه يريد أن تكون الحكومة والمعارضة في جملة واحدة. السيد بنكيران رئيس الحكومة، السيد بنكيران رئيس المعارضة. السيد بنكيران هو الشيء وضده، هو الماء والنار، هو الوجود والعدم، وهو الشيء واللاشيء. وبدون أن يسأله أحد، قال بنكيران في حشود إخوانه بالدارالبيضاء: الحكومة معارضة! ودون أن نسأله: من تعارض الحكومة؟ يمكن أن نجازف بالقول، إنه يقول وقال وسيقول : إنه يعارض المعارضة، ويعارض من يعارض المعارضة، ويعارض الحكومة، ويعارض من يعارض الحكومة. وسيتخذ القرار ويطالب بمعارضته. كما يقول المغاربة «واحد الراس كا يقوللي هادي، وواحد الراس آخر كايقوللي هاديك لوخرى..» وهو في ذلك يريد أن يكون داهية سياسية. كما العلم والإيمان، ليس هناك تعارض، الحكومة والمعارضة مكتملان في ذهن رئيس الحكومة. والمعارضة تنفخ الحماس، وتزيد من حرارة الخطاب، ويريد الرئيس أن تعود إليه حيوية المعارضة وحماسها، فخطاب الحكومة بارد: لنسأل مجددا: هل يشعر بنكيران أن كلامه، كمسؤول حكومي، لا يقنع؟ هل يشعر بالكلمات ملساء، باردة، جوفاء.. ويريد أن يعطيها من حرارة المعارضة؟ أم هل يشعر بأنه قادر على أن يكون الشيء ونقضيه، في آن واحد. المنزلة بين المنزلتين، الثالث المرفوع، المادة والفكرة. هل يريد أن يلعب الأدوار كلها، ويعفي المغاربة من دستورهم، ومن سياستهم ومن قوتهم الاقتراحية، ويعفيهم من .. معارضته؟ ماذا سيقترح على نفسه كمعارض؟ لأننا نعتقد بأن المعارضة بدون اقتراحات تكون في الغالب «حركة مزاج» بلغة روبير ساباتيي، صاحب أعواد الكبريت السويدية (ليس في هذه الإشارة أي تلميح ساخر !). ولهذا نعتقد بأنه سيقترح علينا .. التغيير ( أو الإصلاح كما يحب)، لأن الوسيلة الوحيدة للهروب من الإصلاح أو من التغيير هي المطالبة به باستمرار!! وهو، كما يفعله رئيس الحكومة، يحتاج إلى قبعة المعارضة لكي يثبت بأنه في .. الحكومة ( وافهم شي حاجة !). بالرغم من أن الاستاذ بنكيران لا يحب الكاريكاتور، نعتقد بأن الحكومة عليها أن تجرب حظها مع الكاريكاتور: في الصباح حكومة، وفي المساء معارضة، وما بينهما الغداء ( باعتباره أيضا مهمة دستورية في دستور التماسيح!!). لنطرح عليه سؤالا يتوجب الشجاعة؟ عندما تكون البنيات الدستورية واضحة في دستور واضح: هناك تعريف في الدستور لبنية النظام: تعريف بالبرلمان، تعريف بالملكية، تعريف بالحكومة، تعريف بالمعارضة، تعريف بالقضاء، تعريف بإمارة المؤمنين. فمن ستعارض الحكومة في عرف بنكيران؟ يقول الأستاذ عبد الإله، إنها تعارض الفساد. طبعا، إلى حد الساعة، ليس منصوصا على الفساد كمؤسسة دستورية. ويقول الحكومة تعارض الاستبداد: والاستبداد، منذ كتاب الكواكبي معروف، ويجسده الحكم في كل تاريخ البشرية، ولا نعرف استبدادا موجودا في .. الخلاء !! أو استبدادا موجودا في الدواوير، أو في الغرف الليلية، أو في ملصقات الجمعيات الشبيبية!! الاستبداد يكون أداة الحكم. فهل نفهم من عبد الأله أنه يعارض الحكم (حتى لا نقول شيئا يجعله يرد : راكوم كاتقنيو ليا مع الملك !!). وسوف لن يقنعنا بأن الاستبداد هو السيد إلياس العماري والرونو 5 ديالو!! لنكن دستوريين، مثل عبد الله ساعف مثلا، ومحمد الطوزي، ونقرأ الفصل 10 . ففي تعريف المعارضة يقول الفصل المذكور من الدستور: «يضمن الدستور للمعارضة البرلمانية مكانة تخولها حقوقا، من شأنها تمكينها من النهوض بمهامها، على الوجه الأكمل، في العمل البرلماني والحياة السياسية.» «ويضمن الدستور، بصفة خاصة، للمعارضة الحقوق التالية : - حرية الرأي والتعبير والاجتماع ، - حيز زمني في وسائل الإعلام الرسمية يتناسب مع تمثيليتها، - الاستفادة من التمويل العمومي، وفق مقتضيات القانون، - المشاركة الفعلية في مسطرة التشريع، لاسيما عن طريق تسجيل مقترحات قوانين بجدول أعمال مجلسي البرلمان ، - المشاركة الفعلية في مراقبة العمل الحكومي، لاسيما عن طريق ملتمس الرقابة، ومساءلة الحكومة، والأسئلة الشفوية الموجهة للحكومة، واللجان النيابية لتقصي الحقائق ، - المساهمة في اقتراح وانتخاب الأعضاء المترشحين لعضوية المحكمة الدستورية، - تمثيلية ملائمة في الأنشطة الداخلية لمجلسي البرلمان، - رئاسة اللجنة المكلفة بالتشريع بمجلس النواب ، - التوفر على وسائل ملائمة للنهوض بمهامها المؤسسية ، - المساهمة الفاعلة في الدبلوماسية البرلمانية، للدفاع عن القضايا العادلة للوطن ومصالحه الحيوية. - المساهمة في تأطير وتمثيل المواطنات والمواطنين، من خلال الأحزاب المكونة لها، طبقا لأحكام الفصل 7 من هذا الدستور، - الحق في ممارسة السلطة عن طريق التناوب الديمقراطي، محليا وجهويا ووطنيا، في نطاق أحكام الدستور، - يجب على فرق المعارضة المساهمة في العمل البرلماني بكيفية فعالة وبناءة. - تحدد كيفيات ممارسة فرق المعارضة لهذه الحقوق، حسب الحالة، بموجب قوانين تنظيمية أو قوانين أو بمقتضى النظام الداخلي لكل مجلس من مجلسي البرلمان». فأين يجد بنكيران نفسه في هذا التعريف؟ أعتقد شخصيا أنه لن يستطيع معارضة البرلمان ولا المعارضة ولا الحكم ولا القضاء ، ولا بعبع الفساد سيعارض المواطنين. هكذا أفضل. وسيكون كما الرئيس الفرنسي الراحل جورج بومبيدو، مثل ذلك الشاعر الذي «يقضي حياته كلها وهو يقرأ ويحكم على أشعار الآخرين». وإذا كتب سطرا، محاه!