سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الساسي: الخوف من إسقاط الحكومة سيدفع بنكيران إلى القبول بالتسويات على حساب الإصلاح 2/1 قال إن هناك اتجاها لدى أطراف في الدولة نحو تجميد بنود أساسية في الدستور واعتبار أن العاصفة التي جاء في إطارها قد مرت
المرحلة الثالثة، هي التي يعيشها رفاق بنكيران حاليا، حيث يحسون بنوع من الخوف من إسقاط الحكومة. هذا الهاجس هو الذي سيدفع بنكيران إلى القبول بكل شيء وتغليب منطق التطبيع ولو على حساب الإصلاح. في هذه المرحلة وقعت حادثة اعتذار بنكيران إلى المستشارين الملكيين وإلى الملك. كما نجد أن هناك نوعا من مجاملة الأجهزة الأمنية واستساغة القمع، ولاحظنا، في هذا الإطار، بعض الوقائع الماسة بالحريات، التي كانت تثير في البداية نوعا من الجدل وردود الفعل لدى الحكومة، لكنها الآن تعتبر أن الأجهزة الأمنية تقوم بعملها على أكمل وجه، بل هناك شعور لدى بنكيران ورفاقه بأن القمع يمكن أن يؤدي إلى تخفيض الضغط الاحتجاجي على الحكومة.ومع ذلك، ليس من حقنا، الآن، إصدار حكم نهائي على هذه التجربة الحكومية الفريدة من نوعها. - هل تصريح عبد الإله بنكيران بكونه مجرد رئيس حكومة هو نتيجة لاصطدامه بواقع مر وبأطراف نافذة تتحكم في سير الحكومة، ولم يكن يدرك حجم قوتها، وهذا ما دفعه، مثلا، إلى الاعتذار إلى المؤسسة الملكية وإلى المستشارين الملكيين لأول مرة، كما قلت. كما نلاحظ أن رئيس الحكومة يحضر إلى البرلمان من أجل الإشادة بعمل الأجهزة الأمنية، بل لم يستطع أن يحصل حتى على اعتذار من وزارة الداخلية بعد ما وقع لبرلماني العدالة والتنمية عبد الصمد الإدريسي وما وصف بالاعتداء عليه من طرف رجل سلطة؟ هنا، نجد عدة قضايا تتعلق بالسياق الذي يجري فيه النقاش البرلماني. فبنكيران توقع أن معارضيه سيدافعون عن المؤسسة الأمنية، واعتقد أنه سيكون في موقع ضعف، وحاول أن يسحب منهم الورقة، التي كان يظن أنهم سيستعملونها ضده. وهكذا عشنا نوعا من المزايدة، ودخلت الوطنية والأمن في هذه المزايدة عوض أن يطرح الحقائق كما هي، بما للأمن وما عليه، خاصة أن السياق الديمقراطي يفترض الحكامة الأمنية. في المرحلة الثالثة، أيضا، برزت نظرية المساعدة، التي يحاول بنكيران تسويقها بالتصريح بأنه مجرد رئيس حكومة، وأن الملك هو المكلف بتنزيل الدستور. وهذا يعني أن بنكيران يحاول أن يقول: أنا لا أحكم ولكن أساعد في الحكم. الشيء الذي يدفع العديد من الفاعلين إلى التخوف على مصير هذه التجربة وقدرتها الحقيقية على الإصلاح. - العديد من المتتبعين اعتبروا أن بنكيران تنازل عن العديد من صلاحيات التعيين في مجموعة من المؤسسات خلال إعداد القانون التنظيمي للتعيين في المؤسسات العمومية. كيف يمكن تقييم هذه المحطة في مسار الحكومة، والمتعلقة بالمصادقة على القانون الذي عرف ب»ما للملك وما لبنكيران»؟ ربما ستفاجئنا أشياء أخطر في هذه المرحلة الثالثة، التي جاء في إطارها هذا القانون التنظيمي. عندما يحس بنكيران بأن منسوب الثقة يجب أن يرتفع، وأن عليه أن يقدم المزيد من التنازلات من أجل الثقة، خصوصا عندما يلاحظ أنه في حال غياب هذا المنسوب الضروري من الثقة يمكن أن يتم إسقاط الحكومة، و حينما يبدأ وزراء بنكيران يشتغلون بمنطق الخوف من الإسقاط، سينحرفون عن منطق الإصلاح، لأنه سيصبح الهدف هو ألا يسقطوا وليس أن يصلحوا، وسنجد أنفسنا نكرر نفس تجربة حكومة التناوب، لأنها بنيت على نفس المنطق. - تحدثت عن منسوب الثقة، هل يعني هذا أن العلاقة السائدة بين الأطراف المتدخلة في الشأن السياسي يجب أن تكون قائمة على أساس منسوب الثقة أم على أساس القوانين واحترام صلاحيات كل طرف؟ هذا يجرنا إلى إعادة فتح النقاش حول تجربة التناوب سنة 1998. إذ أن الذين انتقدوا هذه التجربة طالبوا بوجود أساس تعاقدي ملموس وواضح لهذه التجربة، واعتبروا أنه لا يمكن أن تنجح بدون هذا الأساس التعاقدي، الذي يعد الدستور أحد أبرز مظاهره. الذين دافعوا عن التجربة قالوا لنا إنه يمكننا أن نعول، من جهة، على المزايا الشخصية لرئيس الحكومة، ومن جهة ثانية، أن نعول على الثقة. فالحصول على الثقة، حسب وجهة نظر هؤلاء، هي الأمر الأساسي، أما باقي القضايا التعاقدية فستأتي فيما بعد بشكل تلقائي وسلس. ولكن اليوسفي قال في محاضرة بروكسيل وفي عرضه أمام اللجنة الإدارية سنة 2003 إن مسألة الدستور توجد في قلب الأولويات التي يجب أن نطرحها، وأن تكون لها الصدارة في أي مسلسل لإصلاح البلاد، بمعنى أنه انتبه إلى أن هذا الأساس التعاقدي المسبق يعتبر السلاح الأساسي في التجربة. لو كان بنكيران يريد الإصلاح الحقيقي العميق في البلاد لكان عمل على أن يتم التعاقد في إطار الوثيقة الدستورية لسنة 2011، وكان أحرص على مضامين الوثيقة الدستورية، التي يظهر للجميع اليوم عيوبها المتعددة. لكنه يرى بأن الإشكال ليس في نص دستوري مثالي، ولكن في كيفية التفاهم مع الملك، وأن ننجح في الحصول على ثقة الملك ومودة وحب الملك. لو كان بنكيران يريد التغيير في البلاد لكان بإمكانه أن يطرح ويدافع عن دستور ملكية برلمانية بالكامل، ولو كان يريد التغيير الحقيقي لاعتمد على الشارع وتحالف مع حركة 20 فبراير من أجل الضغط لإقرار دستور ينص على ملكية برلمانية. لكن، اليوم، ليس لدى بنكيران الكثير من وسائل الضغط، والدليل أن بعض رفاقه يتمنون عودة الحركة إلى الشارع بعدما ساهموا في إضعافها، لأنه إذا كان «البيجيدي» أول مستفيد من حركة 20 فبراير في السابق، فهو اليوم أكبر المتضررين من ضعف هذه الحركة في الشارع. - عبد الإله بنكيران هو أول رئيس حكومة يأتي في ظل زخم شعبي، وبدستور جديد، يتمتع فيه بعدد من الصلاحيات التي لم تكن متوفرة لدى الوزراء الأولين الذين سبقوه، وبالتالي فهو مطالب بأن يكون رئيس الحكومة لمرحلة ما بعد الربيع العربي، وسيكون كل رؤساء الحكومات القادمة «مقيدين» بالممارسات التي يقوم بها اليوم، في انتظار أن تأتي فرصة أخرى لصياغة دستور جديد. هل ترى أن طريقة تنزيل بنكيران لمقتضيات دستور 2011 ستؤثر سلبا على الحكومات المقبلة. عندما خرج عباس الفاسي من القصر الملكي وقال إن برنامجه هو برنامج الملك سجل الملاحظون أن تلك كانت سابقة، فجرم الفاسي هنا أنه فتح سوابق ستؤثر على من سيأتي بعده، ورئاسة الحكومة الحالية بدورها «تدشن» الآن سوابق، فإلى جانب الدستور المكتوب، نلاحظ الآن بعد انحسار حركة 20 فبراير عودة الدستور العرفي. والمعروف أن الدستور العرفي يكون في الدول التي ليس فيها دستور مكتوب، فيما نحن نتوفر على دستور مكتوب. وما قصدته بالدستور العرفي عندنا هو الحديث عن حالة شاملة، نكون فيها كما لو أننا لا نتوفر أصلا على دستور مكتوب، وما أردت قوله أن بنكيران يضع حاليا إلى جانب الدستور أعرافا ستلزم من يأتي بعده، وهو لا يضعها وحده وإنما يتجاوب مع بعضها، وهذا يعني الاستمرارية أكثر مما يعني التغيير، وهذا سيجعل رؤساء الحكومات المقبلة مضطرين إلى خوض معارك جديدة من أجل تفعيل مقتضيات دستورية كان يجب أن تكون بين أيديهم بدون أدنى مشكلة. وهذا سيسجل من الناحية التاريخية كخطيئة في ميزان بنكيران. ولكن لا يجب أن نحمل بنكيران أكثر مما يحتمل، ولا أن ننسب إليه كل خطايا المرحلة، فهناك اتجاه لدى أطراف أساسية في الدولة نحو تجميد بنود أساسية في الدستور، واعتبار أن العاصفة التي جاء في إطارها الدستور قد مرت، وأنه لم تكن هناك في الأصل حاجة إلى هذا الدستور، وأنه تم إعطاء حركة 20 فبراير أكثر من حجمها، وتم تصوير خطرها أكبر مما هو عليه في الواقع. ولذلك أصبح الواقع اليوم هو أننا نتعامل مع دستور 1996 كأنه الدستور العملي، أما دستور 2011 فهو مجرد وعد مستقبلي، وكأنه وثيقة استئناسية موجهة إلى المستقبل وإلى الطوارئ في حال ما عادت موجة الاحتجاجات إلى قوتها. وقد تجلى ذلك حقيقة منذ البداية، حيث إن استمرار فكرة وجود وزراء السيادة اللامنتمين فيه تناقض مع الدستور الجديد، الذي ربط المسؤولية بالمحاسبة. أضف إلى ذلك توسيع أدوار المستشارين، عكس ما يعنيه توسيع صلاحيات الحكومة في الدستور، والذي يحيل بداهة على تراجع أدوار المستشارين إلى حدود الاستشارة الملكية فقط، ولكن الذي يظهر، وخصوصا في الجولة الخليجية، أن المستشارين لا زالوا يقومون بأدوار رئيسية، باعتراف بنكيران، الذي قال إن عددا من المستشارين يتصلون مباشرة بالوزراء دون المرور برئيس الحكومة، ومعنى ذلك أن الوزراء يتلقون تعليمات من طرف المستشارين، وهو ما يضعهم في موقف حرج إذا لم تكن لهم الحصانة والقوة الكافية، فينصاعون لمستشاري الملك أكثر مما ينصاعون لرئيس الحكومة. وعندما يرى هؤلاء الوزراء الطريقة التي يعتذر بها رئيس الحكومة للمستشارين سيفهمون أن هؤلاء المستشارين هم الكل في الكل. ثم هناك النظرية التي بلورها الصف التقدمي وليس الصف المحافظ، والتي تقول إن الملك إذا تدخل فمعنى ذلك أنه لاحظ نقصا، وكان ذلك حينما عقد الملك، مثلا، اجتماعا لمعالجة مشاكل الجالية بدون العودة إلى رئيس الحكومة. ونظرية سد النقص هذه غير واردة في الدستور، لأنه لم يشترط أن لا يكون هناك نقص وإلا سيملؤه الملك عند وجوده. ثم هناك خطاب العرش الذي جاء مباشرة بعد تعيين الحكومة، والذي يصورها على أنها متلقية للتعليمات، ويتحدث عن برنامجها بصورة قارة، معتبرا إياه امتدادا لإصلاحات مدتها 10 سنوات، وليس برنامجا لهذه الحكومة وفق الدستور الجديد. ثم إن المقتضيات القديمة، القانونية أو العرفية قبل الدستور الحالي، كانت تعطي للملك سلطة تعيين رؤساء الكثير من المؤسسات، لكن كان من الممكن على الأقل، في ظل الدستور الجديد، أن يتم تعيين هاته المناصب بالتشاور مع رئيس مجلس النواب، مادام لا يمكن التشاور مع رئيس الحكومة لأنها ستراقب المؤسسات الموجودة تحت إمرته أو مع رئيس الحكومة في حالات أخرى، ولم نسمع في الإعلام الرسمي أنه وقع التشاور في هاته التسميات مع أي جهة كانت. إذن وقع التصرف بروح ما قبل الدستور الحالي. وكذلك الشأن بالنسبة إلى واقعة طنجة التي أظهرت أن قضايا الحريات العامة لا تدخل فعليا في المجال التدبيري لهذه الحكومة. بالإضافة إلى ذلك هناك إخوان لنا من أحزاب المعارضة اليسارية يمارسون المعارضة بشكل ناقص، حيث إنهم يتحدثون عن تنازل بنكيران عن صلاحياته، وأنه لا يمارس الآن إلا 30 بالمائة منها، ولكنهم يعارضون الآن تلك الثلاثين بالمائة، ولا يعارضون 70 بالمائة المتبقية عندما يمارسها غيره!. هذه في الحقيقة ليست معارضة، لأنها معارضة شخص وليست معارضة بالمعنى الموضوعي، وخاصة عندما لا نقدم بدائل لمن نعارضه، حيث نبدي نوعا من التطوع للتنازل عن الدستور أكثر مما يفعل بنكيران، فهناك من يعارض بنكيران وهو مستعد أن يقدم تنازلات أكبر لو وجد في موقعه. إنه يعارض من أجل التناوب وليس من أجل التغيير. يتبع