نظمت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، بشراكة مع سفارة النرويج وسفارة مملكة الأراضي المنخفضة، أربع جامعات تكوينية جهوية، بكل من : طنجة، الناضور، أكادير، والقنيطرة. خلال الفترة الممتدة ما بين 21 و 27 فبراير الأخير. موجهة لفائدة 600 تلميذ وتلميذة من أبناء اعداديات وثانويات الجهات الأربع، تهدف الى تعزيز التربية على حقوق الانسان ونشرها في صفوف هذه الفئة العمرية. لأجل ذلك وضعت برامج تتضمن عروضا نظرية ذات الصلة بموضوع حقوق الانسان أهمها: حقوق الانسان تاريخ و آفاق، الحقوق المدنية والسياسية، الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التربية على حقوق الانسان......الخ. وورشات تكوينية أهمها: التمييز بسبب الدين، الجنس، الثروة، اللغة، الحق في الشغل، في التعليم، في الصحة، في السكن، النهوض بثقافة حقوق الانسان بالجامعة ،اية افاق، الشباب، العولمة وحقوق الانسان. كما تخللت هذه البرامج لقاءات مفتوحة مع ممثل المكتب المركزي للجمعية حول وضعية الهجرة واللجوء، وحول الأمراض المتنقلة جنسيا وغيرها من المواضيع التي تهم بشكل مباشر هذه الفئة من المستفيدين. كما تضمنت فقرات هذه البرامج انشطة فنية موازية تجلت في تنظيم سهرات فنية، لاكتشاف المواهب في الغناء والمسرح والموسيقى والفن التشكيلي...الخ. واختتمت فعاليات هذه الجامعات بلقاءات تقييمية لأشغالها تقدم المستفيدون خلالها بتوصيات واقتراحات ليسدل الستار بتوزيع شواهد المشاركة و أخذ صور جماعية. في ما يلي حوار مع خديجة رياضي، رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان: { نظمت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان, أربع جامعات تكوينية اختارت لها موضوع التربية على حقوق الإنسان . كيف تقيمون نتائج هذه اللقاءات الهادفة على ضوء ما حددتموه من أهداف؟ تعتبر الجامعات التكوينية التي تنظمها الجمعية, من ضمن الأنشطة التي نعتز بها في الجمعية، نظرا لتمكننا من تحقيق مستوى عال من الأهداف المرسومة لها، فعلى مستوى الأهداف الكمية تتمكن الجمعية من تنظيم الجامعات في الوقت المحدد لها، واحترام البرنامج كما هومقرر دون تغيير، وحضور ما بين 90 إلى 120% من المشاركين المنتظرين، وتحقيق نسبة 40 إلى 55% من المشاركة النسائية التي نحدد لها دائما هدف 50% أي المناصفة، باستثناء الجامعة الموجهة للأساتذة الباحثين التي حددت لها نسبة 30 % كهدف وحضرتها 40% من الأستاذات الباحثات وغيرها من الأهداف. أما على مستوى الأهداف النوعية فهناك استمارات يعبئها المشاركون والمشاركات دون ذكر أسمائهم لتشجيعهم على تقديم كل الانتقادات الممكنة، وتعكس مستوى مرتفعا جدا من الارتياح إلى مجريات الجامعة ومدى الاستفادة من مضامينها. ثم على مستوى الأثر, فالأهداف الموضوعة غالبا هي أن يصبح عدد من المشاركين فاعلين في المجهود الجماعي لتطوير حقوق الإنسان ببلادنا من خلال سلوكهم في محيطهم، ومن خلال نشاط جماعي عبر الانخراط في الجمعية أو أي إطار جمعوي آخر، أو أن يساهموا في خلق أندية حقوق الإنسان ويفعلوها بالمؤسسة التي ينتمون لها، وهنا أيضا نحقق نسبة متقدمة من الأهداف المرسومة. { كيف تقيمون ما بذل على الصعيد الرسمي التعليمي في مجال التربية على حقوق الإنسان, اعتبارا لكون هذا الموضوع حظي خلال العقد الأخير باهتمام وصل لحد وضع لجان في المؤسسات التعليمية تهتم بهذا الجانب التكويني في مجال التربية على حقوق الإنسان يستفيد منه التلاميذ؟ ساهمت مذكرات وزارة التربية الوطنية، في حكومة اليوسفي، الخاصة بتخليد اليوم العالمي لحقوق الإنسان واليوم العالمي للمرأة، وأيضا المذكرة المعنية بتشكيل الأندية التربوية، انطلاقة لاهتمام المؤسسات التعليمية بنشر ثقافة حقوق الإنسان وسط التلاميذ. لكنها بقيت خاضعة لمدى وجود رجال ونساء التعليم مقتنعين بهذا العمل ليجسدوا مضامين هذه المذكرات على أرض الواقع. كما ظل بعض المسؤولين الإداريين المناهضين لحقوق الإنسان يعرقلون تفعيلها بشتى الوسائل. ثم شكل توقيع اتفاقية الشراكة والتعاون، في 8 مارس 2004، بين وزارة التربية الوطنية من جهة والجمعية المغربية لحقوق الإنسان والمنظمة المغربية لحقوق الإنسان ومنظمة العفو الدولية-فرع المغرب من جهة أخرى، منعطفا في تعاطي الدولة مع إشكالية نشر الثقافة الحقوقية من خلال فتح المجال لتشكيل أندية حقوقية وليس تربوية بشكل عام، ووضع تصور مشترك يروم إعداد برامج وأنشطة للتحسيس والتوعية والتكوين في مجال حقوق الإنسان وتوسيع شبكة نوادي حقوق الإنسان بالمؤسسات التعليمية. إلا أن هذا المشروع ،ورغم الفرص المتاحة التي وفرها للجمعيات العاملة في المجال من تطوير عمل الأندية الحقوقية، لم يحقق كل ما كان منتظرا منه لعدة اعتبارات من ضمنها: غياب مذكرة خاصة باتفاقية الشراكة مما يجعل تفعيل مضامينها متفاوتا، ضعف الإمكانيات المرصودة داخل المؤسسات التعليمية كغياب الفضاءات والوسائل البيداغوجية لنشر الثقافة الحقوقية وفق مقاربات بيداغوجية تشاركية، ضعف الحيز الزمني لأنشطة الأندية الحقوقية، غياب قنوات التواصل مع مختلف مكونات ومستويات المنظومة التعليمية (نيابات -أكاديميات-.مصالح مركزية.....). ينضاف إلى ذلك التناقض الواضح في المرجعيات من خلال التضارب بين القيم الكونية لحقوق الإنسان التي يتم نشرها عبر الأنشطة الحقوقية و المضامين المنافية لها في الكتب المدرسية، مع غياب الإرادة لإشراك المنظمات الحقوقية في صياغة المناهج أو على الأقل غايات المنظومة التعليمية، كما جاء في الاتفاقية. { تصاعدت في الآونة الأخيرة علاقة بموضوع تنامي الاحتجاجات الشعبية، وثيرة استعمال العنف ضد المتظاهرين بشكل يذكر بسنوات اعتقدنا أنها ولت لغير رجعة. كيف تنظرون إلى هذه الهوة المتزايدة بين منطوق القوانين وواقع الممارسات، والذي وصل ذروته في ما تناقلته كل الأخبار حول وفاة طالب جامعي بفاس متأثرا بجروح عميقة في الرأس والأطراف؟ شكلت ممارسات الأجهزة الأمنية والقوات العمومية بشكل عام مصدر انتهاك لحقوق الإنسان باستمرار في المغرب، وصلت في العديد من الحالات إلى انتهاك الحق في الحياة، كان آخرها حالة الطالب محمد الفيزازي الذي توفي على إثر ما تعرض له من اعتداء من طرف القوات العمومية بفاس، وربما أحد المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء بالناضور، حسب ما راج من أخبار يجب التحري بخصوصها. ويرجع ذلك أساسا لإفلات المتورطين في تلك الانتهاكات من المساءلة والعقاب مما يشكل تشجيعا لهذه الممارسات الخطيرة، حيث تعتبر الحالات التي فتح فيها تحقيق وتوبع المسؤول الأمني عما ارتكبه من عنف أو تعذيب حالات نادرة مقارنة مع الحالات الموثقة. وذلك بدوره ناتج عن غياب سلطة قضائية مستقلة قادرة على إنصاف ضحايا القمع والاستعمال المفرط للقوة، ومعاقبة المنتهكين للقانون من القوات العمومية سواء كانوا من المنفذين أو رؤسائهم. ثم هناك غياب أي مراقبة على تلك الأجهزة من طرف المواطن الذي يؤدي لها أجرا لتحميه لا لتعتدي على سلامته. فلا الحكومة ولا البرلمان ولا المجتمع المدني ولا القضاء قادر على مراقبة المؤسسات الأمنية في بلادنا. وشساعة الهوة بين القوانين والواقع من سمات البلدان المتخلفة ديمقراطيا التي تفتقد مقومات دولة الحق والقانون مثل بلادنا. { ما هي في تقديركم على ضوء هذه التطورات السلبية، الشروط والمقتضيات الأولية لحكامة أمنية طال الحديث عنها وطال انتظارها؟ أعتقد أن هذا يتطلب أولا إرادة سياسية حقيقة لدى الدولة لإعمال حكامة أمنية جيدة والتي تستوجب أولا وضع الأجهزة الأمنية كلها دون استثناء تحت المراقبة الشعبية وتكون خاضعة للمساءلة. فالملاحظ أن العكس هو الحاصل، إذ حاولت الدولة تعزيز حصانة العسكريين وحمايتهم من المساءلة عما قد يصدر منهم من خروقات للقانون في إطار ممارساتهم لمهامهم بالداخل، من خلال مشروع قانون حول الضمانات الممنوحة للعسكريين، لولا المعارضة القوية لذاك المشروع والتخفيف من تلك الحصانة بالتعديل الذي أدخل عليه قبل إخضاعه للتصويت في البرلمان. كما يتطلب ذلك أن تكون الدولة في مستوى التزاماتها وتنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة والتي مرت على إصدارها أكثر من 7 سنوات دون تنفيذ العديد منها وهي الأكثر أهمية خاصة تلك التي تنص على وضع إستراتيجية وطنية لمناهضة الإفلات من العقاب. ويستوجب ذلك أيضا القطع مع الانتهاكات المتواترة لحقوق الإنسان وفتح تحقيق في العديد من حالات الوفيات الجديدة الناتجة عن تدخل القوات العمومية بشكل غير متناسب والتي أدت إلى انتهاك الحق في الحياة وإعمال القانون بصددها. وهو ما ظلت الحركة الحقوقية تطالب به منذ تسجيلها لتلك الحالات دون جدوى. فكيف يمكن الحديث عن حكامة أمنية في ظل استمرار التعذيب وسوء المعاملة والممارسات الحاطة من الكرامة في مختلف المجالات، أصبحت الأجهزة الرسمية نفسها تعترف بواقعها البشع في تقاريرها مثل تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان. واستمرار ممارسات لرجال السلطة تمتح من قاموس العبودية كما وقع في ميدلت حسب المعطيات الواردة من هناك... إن الأوامر التي تعطى للقوات العمومية أثناء أغلب تدخلاتها ضد التظاهرات الاحتجاجية لا تنتهك فقط التزامات المغرب الدولية، بل القوانين المحلية كذلك، حيث تنتهك مسطرة فض التجمهرات المنصوص عليها في القانون المغربي، فبالأحرى المعايير الأممية لاستعمال القوة العمومية التي تنص على عدد من المبادئ. فالحكامة الأمنية الجيدة مرتبطة بوجود مقومات دولة الحق والقانون التي نفتقدها، والتي يتساوى فيها المواطنون أمام القانون وهذا يتطلب بدوره دستورا ديموقراطيا يقر بفصل حقيقي للسلط ويجعل كل السلط بيد الشعب تمكنه من تقرير مصيره، ويضمن سلطة قضائية مستقلة قادرة على حماية الحقوق والحريات...كما ينص على ذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. { أمام تعاظم وتزايد الخروقات في مجال حقوق الإنسان. ألا تعتقدون انه آن الأوان للتقدم خطوات حاسمة باتجاه تنسيق المواقف بين المنظمات المعنية بحماية حقوق الإنسان؟ إن التنسيق بين المنظمات المعنية بحقوق الإنسان موجود منذ الثمانينات من القرن الماضي. فقد دشنته العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان والجمعية المغربية لحقوق الإنسان بخلق لجنة التنسيق بينهما. ثم في 10 دجنبر 1990 وقعت 5 منظمات وهي التي كانت متواجدة آنذاك على الميثاق الوطني لحقوق الإنسان وهي بالإضافة للعصبة والجمعية، كل من جمعية هيآت المحامين والمنظمة المغربية لحقوق الإنسان وجمعية الحقوقيين المغاربة. ومنذ ذلك الحين لم تتوقف الحركة الحقوقية عن ابتداع مختلف أشكال العمل التنسيقي والوحدوي للضغط من أجل تحقيق أهدافها المشتركة وهي الدفاع وحماية حقوق الإنسان والنهوض بها. وهو ما ساهم في تحقيق العديد من المكاسب. وقد اشتغلت الهيآت الحقوقية بشبكات موضوعاتية كالائتلاف من أجل إلغاء عقوبة الإعدام، والائتلاف من أجل انضمام المغرب للمحكمة الجنائية الدولية، أو الائتلاف من أجل حظر تشغيل القاصرات في البيوت، أو تنسيقية السجون أو اللجنة المغربية ضد التعذيب...، وكذلك تنسيقات ظرفية لتقديم مذكرات كشبكة الجمعيات لتقديم مذكرة إصلاح القضاء، أو تنسيقات لتقصي الحقائق في بعض الأحداث كسيدي إفني، أو اكديم إزيك، أو تازة ...ثم الآن وفي إطار الدينامية النضالية التي خلقتها حركة 20 فبراير بادرت الحركة الحقوقية بدعوة من المنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف، بتشكيل تحالف للحركة الحقوقية وهو ما سمي بعد ذلك بالإئتلاف المغربي لهيآت حقوق الإنسان الذي يضم 18 هيأة ولازال يتلقى طلبات الالتحاق من طرف هيآت أخرى. كما عملت الجمعيات على تقديم تقاريرها الموازية بشكل تنسيقي في العديد من المناسبات ...وغير ذلك من أشكال ومناسبات العمل التنسيقي الذي يبرز مدى نضج الحركة الحقوقية وتجاوزها للعديد من معيقات العمل المشترك رغم الاختلافات وتباين التقديرات والأولويات فيما بينها، فهي تجد دائما أرضية مشتركة للعمل. { انتهت مؤخرا محاكمة المعتقلين في الأحداث الأليمة لاكديم إزيك قرب العيون، التي ذهب ضحيتها 11 من أفراد القوات العمومية ، ماذا عن الانتقادات الشديدة الموجهة للجمعية في تعاطيها مع هذا الموضوع؟ من المعلوم أن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان شكلت على غرار هيآت حقوقية أخرى لجنة لتقصي الحقائق حول أحداث اكديم إزيك إبانها، وطالبت بالحقيقة في مقتل أفراد القوات العمومية ومعاقبة المتورطين في تلك الجرائم وجبر ضرر العائلات وذوي الحقوق. وطالبت بنفس الشيء بالنسبة للمتوفين من الصحراويين والذين لم يفتح بشأنهم أي تحقيق لحد الآن ولا يتكلم عنهم أحد. وتابعت الجمعية من منطلق مرجعيتها الحقوقية هذا الملف وطالبت بالتحقيق في مزاعم التعذيب التي صرح بها المعتقلون، وانتقدت إحالة المتهمين على المحكمة العسكرية، كما انتقدت المدة الطويلة للاعتقال الاحتياطي الذي تعرض له المتهمون. واعتبرنا في الجمعية كل ذلك مسا بمعايير المحاكمة العادلة. وخلال أطوار المحاكمة تبين أن هناك غيابا للحجج ضد المتهمين وعبرنا كجمعية عن رأينا الذي نحن مقتنعون به، كما فعلنا دائما وفي كل القضايا مهما كانت حساسيتها. وبالنسبة للانتقادات التي تلقيناها في هذا الصدد فهي غالبا ما تتجنب الموضوعية، وهو ما أوضحناه في بياننا الصادر في 18 من هذا الشهر، الذي يرد على عدد من الاتهامات الموجهة لنا. والجمعية غالبا ما تعبر عن مواقف لا تتقاسمها معها العديد من الهيآت المغربية، خاصة في قضايا تدخل ضمن الطابوهات والملفات الحساسة، لكن تلك المواقف التي تعبر عنها الجمعية تكون هي نفسها التي يتم التعبير عنها بعد ذلك من طرف هيآت حقوقية دولية لها مصداقية عالية ولا يمكن التشكيك في منهجية عملها. وللتذكير فقد قلنا أنه رغم الانفتاح الذي عرفته المحكمة أمام الصحافة والمراقبين وحرية الكلام للدفاع والمتهمين، فالأحكام لا علاقة لها بما راج في المحكمة. وهذا ما عبرت عنه منظمات وهيآت دولية، ذلك أن المحاكمة التي جرت والأحكام الصادرة ضد معتقلي أحداث اكديم أزيك التي نطقت بها المحكمة العسكرية، لقيت استنكارا من عدد من الهيآت الدولية كالمفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية والشبكة الأورمتوسطية لحقوق الإنسان التي تضم منظمات حقوقية عديدة، واللجنة التحضيرية للمنتدى الاجتماعي العالمي بتونس، كلها اعتبرت المحاكمة غير عادلة ومنها من طالب بإعادتها أمام محكمة مدنية مع احترام شروط ومعايير المحاكمة العادلة، بدءا بفتح تحقيق في ما صرح به المعتقلون من تعرضهم للتعذيب.