انتخب الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية غسان هيتو رئيسا لأول حكومة انتقالية في سوريا ستتولى إدارة المناطق التي تسيطر عليها المعارضة. وحصل هيتو على 35 صوتا من بين 49 ورقة انتخاب صحيحة في الجولة الأولى من الاقتراع الذي جرى في الساعات الأولى من يوم أمس بإسطنبول، فيما حصل المرشح الآخر أسعد مصطفى على سبعة أصوات، وتوزعت باقي الأصوات على باقي المرشحين. وجاء انتخاب هيتو بعدما حقق التوافق بين الكتل المشكلة للائتلاف السوري بالنظر إلى خبرته الإدارية الكبيرة في شركات تكنولوجيا الاتصالات والتي تمتد لأكثر من 25 سنة. ووفقا لعضو المكتب التنفيذي للائتلاف سمير نشار، فإن رئيس الحكومة الجديد سيعمل خلال فترة تصل إلى شهر على الدخول إلى الأراضي السورية واللقاء بالقيادات الميدانية ومختلف القوى السياسية والقوى المدنية والمواطنين للاستماع إلى انشغالاتهم واستطلاع آرائهم والحصول على ثقتهم. وأشار نشار إلى أن هيتو سيقوم بعد تشكيل فريقه الحكومي بزيارة إلى عدد من الدول للحصول على اعتراف منها بحكومته. يذكر أن انتخاب رئيس الحكومة المؤقتة جاء استجابة لطلب تقدم به مجلس وزراء الخارجية العرب إلى المعارضة السورية من أجل تكوين كيان سياسي لشغل مقعد سوريا في القمة العربية التي تستضيفها العاصمة القطرية نهاية الشهر الحالي. وكانت محاولات اختيار رئيس للحكومة الانتقالية قد فشلت مرتين في السابق بسب خلافات داخلية بين أطراف المعارضة، خاصة بشأن ما إذا كانوا يريدون حكومة فعلية أو مجرد هيئة تنفيذية تكون سلطاتها محدودة أكثر. وتزامن اجتماع الائتلاف السوري مع طرح مبادرة شعبية عرضت بداية على قيادات الائتلاف تضم أفكارا من الشعب وأخرى طرحها رئيس الائتلاف الوطني أحمد معاذ الخطيب، ونقحها أساتذة جامعيون وشخصيات وطنية من كل مكونات المجتمع السوري. واعتبرت المبادرة أن «اختيار السلطة الوطنية أو ما ندعوها حكومة مؤقتة هو حق عام ولن يصلح خارج الإرادة الشعبية»، وطرحت تصورات منها أنه لا بدّ لهذه الحكومة المؤقتة من أن تستوعب الجناح العسكري للثورة من أجل تحقيق اللحمة الوطنية بين شقّي العمل الثوري: العسكري والسياسي. واقترحت المبادرة، لتحقيق آلية رقابية على تشكيل الحكومة المؤقتة في هذا الظرف المعقد، أن يشرف الائتلاف الوطني السوري، بصفته ممثلا لفئة عريضة من الأطياف السياسية السورية، على عملية اختيار الشخصيات الوطنية للمقاعد الوزارية. كما اقترحت أن تأتي الحكومة المؤقتة ببرنامج سياسي واضح للمرحلة الانتقالية «لا بشار الأسد فيه ولا منظومته» ، وأن تترأس هذه الحكومة شخصية «وطنية تنويرية معتدلة، جامعة وتوافقية، تتمتع بثقة ومحبة الشعب، وتكون قادرة على توحيد صفوفه وكلمته، ولها هيبتها في القدرة على تنظيم حمل السلاح ومنهجته، وكذا النأي بالمجتمع السوري عن غلو التطرف الديني». وأعلن أصحاب المبادرة طرحها للاستفتاء الشعبي العام على شبكة الإنترنت وفي وسائل الإعلام لاعتمادها شعبيا قبل الاعتماد الرسمي. وغسان هيتو الذي انتخب بأغلبية 35 صوتا من أصل 49 من أعضاء الهيئة العامة في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، وصفته صحيفة نيويورك تايمز «بمواطن أمريكي يُختار كرئيس للحكومة المؤقتة للثورة السورية» . ويوصف هيتو ب«رجل التوافق»، ويحظى باحترام الإسلاميين في المعارضة وبقبول الليبراليين بالنظر إلى مساره المهني والإداري الناجح في أمريكا. وتنقل نيويورك تايمز عن أعضاء آخرين في الائتلاف أن هيتو هو خيار الإخوان المسلمين في سوريا. حتى العام الماضي، كان هيتو مديرا تنفيذيا لمدة 11 عاما في شركة «إينوفار» الأمريكية لتكنولوجيا الاتصالات في تكساس. لكن في نونبر 2012 ترك منصبه فجأة «لينضم إلى الثورة السورية» . وكان هيتو - غير المعروف لأغلبية السوريين - ناشطا منذ اندلاع الحركة الاحتجاجية ضد نظام الرئيس بشار الأسد في الولاياتالمتحدة في المجالين الإنساني والسياسي. وتولى منذ عام 2011 منصب نائب رئيس «تحالف سوريا الحرة» في الولاياتالمتحدة الذي شارك في تأسيسه، ويهدف التحالف إلى «دعم تطلعات الشعب السوري في تحقيق الحرية والعدالة والحريات المدنية واحترام القانون». كما شارك في تأسيس «هيئة شام الإغاثية» في الولاياتالمتحدة في 2011 وتولى منصب نائب الرئيس. وتعمل الهيئة على دعم الشعب السوري ورفع المعاناة عنه وتأمين الحاجات الأساسية له. يظهر هيتو غالبا مرتديا سروال جينز وقميصا قطنيا. وإذا كان شكله الخارجي متأقلما جدا مع محيطه الأمريكي ولكنته أمريكية واضحة، فإن خطابه يحوي نفحات دينية وإيمانية. فقد قال خلال مؤتمر أقيم السنة الماضية من أجل سوريا في الولاياتالمتحدة «الأمل.. يأتي من الله. إخوتنا وأخواتنا في داخل سوريا أدركوا ذلك منذ زمن». وأضاف «إن الله يحبنا ويُعنى بنا، سيقدم لنا العون، سيهتم بالشعب السوري. سيقدم له الغذاء وسيدافع عنه. وحده هو يمكنه القيام بذلك، لكن نحن لا بد لنا من التحرك اليوم». بعد انضمامه إلى الثورة، عمل هيتو على تأسيس وإدارة «وحدة تنسيق الدعم الإغاثي والإنساني في الائتلاف الثوري لقوى المعارضة والثورة السورية» التي تعمل عبر الحدود السورية التركية وتوصل مساعدات إلى الداخل السوري. وقال عضو في الائتلاف رفض الكشف عن اسمه لفرانس برس إن هيتو يملك، بحكم عمله ونشاطه في الولاياتالمتحدة، علاقات دبلوماسية واسعة، معتبرا مثل هذه العلاقات مهمة للحصول على الدعم المالي الذي تحتاجه سوريا في هذه المرحلة. ولد هيتو في دمشق في 1964 وتركها مطلع الثمانينيات، وأمضى قسما كبيرا من حياته في الولاياتالمتحدة حيث حصل على إجازتين في الرياضيات والمعلوماتية من جامعة بورديو في إنديانا عام 1989، وحصل على ماجستير في إدارة الأعمال عام 1994. وبما أن هيتو كردي فهذا شكل - حسب بعض أعضاء الائتلاف - نقطة في صالحه، وخصوصا بعد تزايد الاتهامات للمعارضة بأنها لا تُعير اهتماما للأقليات . كما أن هيتو عضو مؤسس في جمعية الدعم القانوني للجالية العربية والمسلمة التي تأسست في الولاياتالمتحدة عام 2001، وتهدف إلى الدفاع عن الحريات الشخصية والمدنية ومكافحة التمييز ضد العرب والمسلمين والآسيويين وخصوصا بعد أحداث 11 سبتمبر 2001. متزوج من مُدرّسة أمريكية ووالد لأربعة أبناء أحدهم عبيدة، لاعب كرة قدم أمريكي سابق، كان أكد لصحيفة نيويورك تايمز السنة الماضية تسلله إلى سوريا «لمساعدة الثوار» في المجال الإعلامي، وصوّر مقاطع فيديو تجسد معاناتهم ونقل صورهم إلى العالم، كما ساعد في إيصال المساعدات الإغاثية لمحتاجيها. ونقلت الصحيفة أنه كتب رسالة إلى والديه قبل سفره جاء فيها «صنعتما مني ما أنا عليه اليوم. يجب أن أذهب لأقوم بما علي القيام به». وقال هيتو إنه لم يعد لديه خيار إلا الانخراط في الثورة بعد ما قام به نجله.