علاقةُ الفيلم المغربيّ بالجمهور المغربيّ علاقة لا يمكن تحديدها بسهولة وبساطة كما قدْ يرى البعض...إنّ موْضوع هذه العلاقة موضوع شائك ومتعدّد الزّوايا والرّؤى. وهو أيضا متعدّد في الاحْتمالات. فهذه العلاقة التواصلية بيْن السّينما المغربيّة والجمْهور المغربيّ تفرضُ عليْنا لدراستها دراسة صحيحة أنْ نتّكئ على سنَد علميّ دقيق قائم على إحصائيات مضبوطة (ما هو الفيلم الذي يجذب المشاهدين أكثر من الآخر؟). ولماذا الآخر ينفّره الجمهور؟ وما هي موضوعات الأوّل والآخر؟ ما هي التيمات، بلْ من هم أهل التمثيل؟ وهل يلعب النقد السينما دورا طلائعيّا في هذه الحالة أو تلك؟ وما دور الإعلام المكتوب والمرئيّ والمسْموع في الحضور أو النفور؟ يقال هنا وهناك إن المغاربة يشجعون المنتوج السينمائي الوطني، وهل هذا القول يعكس فعلا حقيقة ملموسة على أرض الواقع؟ الملاحظة الأولى، الجديرة بالانتباه، هي أنّ الجمهور المغربيّ عازف فعْلا عن جلّ الأفلام المغربية، لكنه سرْعان ما يظهر بقوة ويندفع بكلّ لهفة عند ظهور فيلم من الأفلام الذي خلق ضجة أو ضجيجا في هذا المهرجان أو ذاك؟ أو وصل إلى قبّة البرلمان أحيانا؟ وهناك أفلام أخرى استقبلها الجمهور عن طريق (من الفم إلى الأذن) وتدخل الإعلام المرئيّ ليلعب دور الوسيط، كمثال الفيلم الأخير للمخرج إبراهيم الشكيري «الطريق إلى كابول». تلاحظون معي أنّ الأفلام المغربية، في العقد الأخير، تختلف فيما بينها اختلافا شاسعا أحيانا من حيث التيمة، ومن حيث الأسلوب، ومن حيث الرؤية السينمائية، ومن حيث التعامل مع الكاميرا وإدارة الممثلين والصوت والصورة، وقسْ على ذلك. فالجمهور المغربيّ، على هذا الأساس، يحبّ التنوع ويعشق الاختلاف والتعدّد... فبغضّ النظر عن القيمة الإبداعية الحقيقية لهذا الشريط أو ذاك، وبصرف النظر عن قيمة المخرج وكفاءاته في مجال الفنّ السابع، فالجمهور في المغرب يتربّص الجديد دون رصيد نقدي عميق، يشاهد... يصفّق أو يحتجّ، وعلى الدنيا السلام! إذن، من المستبعد جدا تفسير نفور الجمهور المغربي، وعزوفه عن مشاهدة الفيلم بسبب انحطاط المستوى الفنّي والإبداعي، صورة وصوتا وموضوعا... هناك بعض الأعمال السينمائية المغربية حطّت الرّحال في مهرجانات هنا وهناك، وفازتْ بجوائز من كلّ بقاع العالم، غيْر أنها مرّت داخل القاعات الوطنية مرور الكرام (فوزي بنسعيدي ومحمد مفتكر على سبيل المثال لا الحصْر...). هناك أفلام أبدعتْ بحق في حقل الإخراج السينمائي لكنها، في المقابل، لمْ تثرْ فضول الجمهور، لا لشيء سوى لأنه رأى أنها بعيدة كل البعد عن واقعه هُوَ... عن آلامه وآماله هو... عن مفارقاته وتناقضاته هو... عن حياته اليومية هو... فالجمهور المغربيّ يطلب منَ الفيلم المغربيّ أنْ يتحوّل إلى مرآة يرى عبْرها وجهه، وسيما أم قبيحا...