(و.م.ع) من وحي التجربة الدنماركية في مجال الإعلام، انبثقت فكرة إحداث شبكة الصحافيات بالمغرب، رأت النور في نونبر سنة 2001، بمبادرة من صحافيات مغربيات متمرسات يحملن هاجس حضور أقوى للصحافية في المشهد الإعلامي وظروف عمل أفضل، ويحلمن بغد لا تنضاف فيه إلى «مهنة المتاعب» التي اختارتها الصحافية متاعب التمييز والحيف والتحرش التي تعانيها المرأة عموما في مكان العمل. وفي خضم النقاش العمومي الذي تشهده الساحة الإعلامية الوطنية، ولاسيما في شقه المتعلق بوضع الصحافية، وجدت طموحات العضوات المؤسسات للشبكة إطارا مناسبا لطرح الفكرة بل والدفاع عنها وجعلها واقعا ملموسا لتجاوز الحواجز النفسية والثقافية التي تعيق تدرج المرأة في مسارها المهني وقيادتها للمقاولة الصحافية. كان همهن في بادئ الأمر كسر طوق الصمت عن المشاكل التي تواجهها الصحافية داخل المقاولة الإعلامية، ليتحول بعد ذلك بحماس وهمة عاليين، إلى إصرار على تجاوز الواقع والتحليق إلى فضاء أرحب حيث التكوين والدعم والممارسة والمواكبة آليات لولوج مراكز القرار وتسيير أقسام التحرير. وأمام واقع الإجحاف والحيف الذي تتعرض له الصحافية ليس لشيء سوى لكونها امرأة، والذي لا يتماشى مع المقتضيات الدستورية التي تنص على المساواة بين المرأة والرجل، وكذا مع التحولات العميقة التي يشهدها الحقل الإعلامي في مجال التنظيم والتقنين، جاءت مبادرة إحداث الشبكة للدفع بالكفاءات الصحافية النسائية إلى تطوير قدراتها في قلب المقاولة الإعلامية، ومن ثم تحسين ظروف الممارسة من خلال التكوين المستمر في مختلف التخصصات. في هذا السياق، تقول الصحافية مرية مكريم، عضو مؤسسة لشبكة الصحافيات بالمغرب، ومديرة موقع (فبراير كوم)، «راودتنا فكرة إحداث شبكة للصحافيات المغربيات بعد رحلة مهنية قمنا بها نحن سبع صحافيات من منابر إعلامية مختلفة إلى الدنمارك حيث زرنا مجموعة من المؤسسات الإعلامية بهذا البلد، وانبهرنا بالتجربة الدنماركية التي تركز بشكل كبير على تعزيز حضور الصحافية في مختلف وسائل الإعلام». وتضيف مكريم في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء على هامش يوم دراسي نظمته الأربعاء الماضي بالدار البيضاء وزارة الاتصال وهذه الشبكة «لفتت انتباهنا المكانة التي تحظى بها الصحافية في هذا البلد والعمل الجبار الذي يتم القيام به من أجل إبراز إسهامها من خلال بلورة برامج وأهداف مسطرة لبلوغ نسبة معينة من حضور الصحافية في مراكز اتخاذ القرار في المجال الإعلامي». وبالعودة إلى الواقع المغربي تكشف معطيات لوزارة الاتصال أن المرأة الصحافية لا تمثل سوى 28 في المائة من مجموع الصحافيين الحاملين لبطاقة الصحافة المهنية برسم سنة 2011، في حين لم تتجاوز هذه النسبة 23 في المائة سنة 2005 و26 في المائة سنة 2010، وهي أرقام لا تعبر حسب المعنيات بالأمر عن طموحاتهن وقدراتهن وكفاءتهن المهنية. وتؤكد الصحافية مكريم أن المغرب يزخر بأسماء وأقلام نسائية بارزة، فضلا عن صحافيات صاعدات واعدات وخريجات معاهد الإعلام، لكن العقلية الذكورية والعوامل الاجتماعية والثقافية والصور النمطية التي ترسخ النظرة الدونية للمرأة، قد تحول دون تقدم الصحافية في مسارها المهني، وتحد من تطلعاتها لاقتحام مواضيع أخرى تتجاوز تلك المتعلقة بالأسرة والثقافة. ولا تخفي مكريم أن صعوبات كبيرة اعترضتها بحكم طبيعة المواضيع التي اختارت الاشتغال عليها في إطار جنس التحقيق والتي كان من المحتمل أن تعيق مسارها المهني، لكن إصرارها وإرادتها القوية للرقي بمسارها المهني جعلها تتحدى هذه الاكراهات، معتبرة أنه «إذا كانت الصحافية ذات شخصية ضعيفة، فإنها ستتأثر بما سيوجه لها من انتقادات، وستنطوي على نفسها ولن تقدر كفاءتها». وأضافت «استطعنا أن نقنع صحافيات بأهمية الانخراط في هذه المبادرة من أجل تمكينهن من إبراز دورهن ومنتوجهن الإعلامي ووضع حد للتهميش الذي قد يتعرضن له». بدورها توضح نزهة المغاري، عضو مؤسسة للشبكة، في تصريح مماثل، أن الشبكة تتوخى أن تكون منبرا للتواصل والتفاعل بين الصحافيات داخل وخارج المغرب لمقاربة القضايا التي تهم في جوهرها الجانب المهني وتسائل وضعية المرأة الصحافية في المشهد الإعلامي، فضلا عن توفير إطار مناسب لتبادل الأفكار والانفتاح على مستجدات المهنة على الصعيد العالمي. وعبرت الصحافية المغاري، التي سبق أن شغلت منصب رئيسة تحرير بإذاعتين خاصتين، عن ارتياحها لكون الشبكة لقيت صدى طيبا، وتمكنت في ظرف سنتين من تأسيسها من عقد شراكة مع عدد من المؤسسات من قبيل وزارة الاتصال والشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، والقناة الثانية، ومؤخرا مع وكالة المغرب العربي للأنباء? للتحضير لتنظيم ورشات حول القيادة لفائدة الصحافيات، ومع الاتحاد العام لمقاولات المغرب لتنظيم دورات تكوينية متخصصة في قطاع الاقتصاد من أجل تمكين الصحافية من الاشتغال على مواضيع أخرى «غير تقليدية»، وتكوين جيل جديد من الصحافيات متخصصات بكفاءات عالية. من المؤكد أن نضال هذا الجيل من أجل تموقع أفضل في الساحة الاعلامية لن ينطلق من فراغ، لأن شروط الانفتاح والتألق ستكون متوفرة بفضل مثل هذه المبادرات التي حولت طموحا مشروعا لصحافيات غيورات على المهنة تفاعلن مع تجربة بلد متقدم، إلى واقع ملموس همه الأكبر تكسير الحواجز النفسية والثقافية التي تعيق، حيفا، تدرج المرأة في مسارها المهني.