الاتهام الذي وجهه رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران إلى رئيس الفريق الدستوري ادريس الراضي بالغرفة الثانية، بمناسبة المساءلة الشهرية لرئيس الحكومة، اتهام خطير، ويجب ألا يمر مرور الكرام، على اعتبار أن التهمة التي وجهها رئيس الجهاز التنفيذي وهو المطلع على خبايا الأمور، وعلى الشاذة والفاذة، يستدعي من النيابة العامة فتح تحقيق في الموضوع، ومتابعة المستشار ادريس الراضي. فمن المفروض أن يكون كلام رئيس الحكومة منزها من كل الأباطيل والادعاءات، فنعت بنكيران لأحد معارضيه بأن »كرشه عامرة بلعجينة«، تعني أن ادريس الراضي من المفسدين، ولم لا من التماسيح والعفاريت الذي يتحدث عنهم كل مرة بنكيران وصحبه، سواء داخل قبة البرلمان أو خارجها، خاصة وأن هذه العبارة الشعبية »لعجينة في الكرش« لها دلالات بليغة، وأقوى من الاتهام بالفساد، حيث أعطت هذه الصفة أكلها، خاصة وأن هذه المساءلة الشهرية تتبعها الملايين من المشاهدين داخل المغرب وخارجه. لكن أن يهدد بنكيران كل من يعارضه بتوجيه اتهامات هكذا، دون أن تتحرك مسطرة المتابعة في حق المعنيين، خاصة وأن رئيس النيابة العامة تحت تصرفه، لا يزيد إلا في التضليل والالتباس، ويعمق الغموض لدى المواطن المغربي. لكن بما أن رئيس الحكومة لم يقدم على ذلك، فإن الأمر سيبقى مجرد مزايدات سياسية، ومحاولة من عبد الإله بنكيران تصفية كل من يعارضه عبر الإشاعة والتدليس وتشويه الصورة. هنا ليس الأمر يتعلق بأي دفاع عن ادريس الراضي أو غيره، بل هو دفاع عن منطق الأشياء، ومنطق المؤسسة أيضاً التي يجب أن تكون لها هيبتها، ولا يتم إقحامها في صراعات سياسية من أجل مآرب حزبية ضيقة، لكن الأخطر في هذه الجلسة الشهرية، هو حينما وجه بنكيران الكلام إلى المستشار الدستوري "»شكون انت«"، وبذلك يمتح رئيس الحكومة من قاموس وزير الداخلية الأسبق ادريس البصري، الذي عرف عهده، سنوات الجمر والرصاص، وكتم الجهر بالحق والأنفاس، وهي عبارة تحمل في طياتها دلالات عميقة، تكشف عن الوجه الآخر لحكم بنكيران وصحبه، الذي يروم التحكم في كل شيء، وهو الذي عانى من التحكم بمعية حزبه في السنوات القليلة الماضية، فكيف ننهى عن شيء ونأتي بمثله، كما يقول المنطق والعرف. التهجم بهذا الأسلوب لن يفيد الديمقراطية في شيء، وفيه محاولة للهيمنة على المؤسسة التشريعية التي جاءت من أجل مراقبة المؤسسة التنفيذية وليس العكس. ما قام به بنكيران، ليس الفعل الوحيد، بل أتاه من قبله وزيره في العدل مصطفى الرميد، الذي ما فتىء هو الآخر يهاجم ويتهم معارضيه بالفساد وغيره، دون أن يحرك مسطرة المتابعة في حق هؤلاء، وهو رئيس للنيابة العامة، بل الأنكى من ذلك، أنه لم يتورع عن التشكيك في المؤسسات نفسها، حينما اعتبر أن مجلس المستشارين فقد صفته الدستورية، قبل أن تنتفض في وجهه الأغلبية والمعارضة، وقبل أن يأتي المجلس الدستوري بفتواه، ليرد بها على تشكيكات مصطفى الرميد. هذه الانزلاقات التي تؤطرها الشعبوية، وإن كانت تؤتي أكلها على المدى القصير بالنسبة للحزب الأغلبي، فإنها على المدى المتوسط والبعيد ستشكل كارثة حقيقية، على هذه الديمقراطية الناشئة التي شيد بناءها الشعب المغربي »"طوبة طوبة«"، من خلال كفاحات ونضالات المناضلين والمناضلات عبر عقود من الزمن. فحذار، ثم حذار من اللعب بالنار.