بتوالي أيام المهرجان الوطني للفيلم بطنجة، الذي يدخل يومه السادس، يعود إلى الواجهة موضوع النقاشات الصباحية وما يفرزه، في بعض الحالات، من أصداء و«حراك» ومزايدات وتصفية حسابات وإشارات رمزية، التي حدثت، وتتم ما بين مخرجين وممثلين والنقاد ومهنيي السينما. وإذا كان من المعقول، أن تشكل هذه النقاشات فرصة للتداول والحوار حول الأفلام المغربية بحضور مخرجيها، فمع أشغال هذه الدورة يمكن القول إن النقاشات هي ضرب من التعبير عن العلاقة بالسينما. وأكيد أن تلك العلاقة الحوارية مع المخرج التي تخلقها هذه المناقشات، هي تعبير واستجابة لتقديم مجموعة من التساؤلات التي قد تكون لها علاقة مباشرة بالسينما، كما قد لا تكون لها أية علاقة. كما أن هذه النقاشات، قد تفرز نوعا آخر من النقاش لا يملك مسافة نقدية وفكرية مع القضايا التي طرحتها الأفلام المشاركة في المسابقة الرسمية، بينما نجد أخرى تسعى إلى ربط الفيلم بانطباعات ونعوت نابعة من السرعة في الحكم على إبداع سينمائي يتطلع إلى أفق أفضل للسينما المغربية، وأخرى لا نعرفه منبتها وجذورها وشفراتها، إلا أصحابها. وإجمالا، فكل النقاشات التي أفرزتها الأفلام المشاركة في المسابقة قد تعد إرهاصات وبدايات لنقاش عميق حول السينما المغربية الذي لم يكتمل بعد. أما أن تتحول إلى حصر الوقت الزمني المخصص للأفلام لمناقشاتها في أفكار وأعطاب قديمة، فالأطراف الصادرة عنها لها من الحس يساعدها في الكف من ترويجها. كذلك، وقعت هذه الدورة على الحضور الهام، لممثلي العديد من المهرجانات الدولية التي هي ممثلة بمدرائها، حيث تعقد على هامش البرنامج العام للمهرجان العديد من اللقاءات مابين المخرجين المغاربة وممثلو هذه المهرجانات، وذلك بغرض البحث عن أفلام مغربية لبرمجتها ضمن فقراتها ، وذلك لما أصبحت تتمتع به السينما المغربية من سمعة فنية سينمائية بالخارج. قيمة هذا الحضور يعززها التواجد الهام للعديد من الصحافيين الدوليين الذين يمثلون منابر ومجلات وإذاعات وتلفازات دولية وعربية، منها من يقوم بمراسلات مباشرة، ومنها ما يقوم بإعداد برامج حول السينما المغربية وحركيتها وإجراء حوارات مع المخرجين والفنانين المغاربة.. اللافت للانتباه، كذلك، هو حجم طلبة وطلبات معاهد والشعب الدراسية للسينما منها من هو تابع للكليات وأخرى خاصة، الذين يشاركون بمداخلاتهم ومتابعتهم اليومية لأشغال المهرجان وفقراته. أما بخصوص الأفلام المشاركة في المسابقة الرسمية، صنف الفيلم الطويل، عرض المخرج الشاب أحمد بايدو فيلمه الأول «أغرابو» (القارب) ، وهو الفيلم الأمازيغي الوحيد في هده الدورة، الذي يحكي حكايات متجاورة داخل قرية أمازيغية مطلة على البحر تتفاعل حول تيمة الصراع الأزلي بين الخير والشر، بين إرادة التحرر وغطرسة السلطة. قصة ساكنة بسيطة تدافع عن حقها في الحياة الكريمة أمام تسلط «أمغار». في تجربته الأولى، يعد بايدو بمستقبل سينمائي، جسدته جمالية الصورة التي تفاعلت مع الإنسان والمكان، وإدارة ممثلين موفقة، أخذا بعين الاعتبار محدودية الاختيارات المتاحة على مستوى النخبة السينمائية الناطقة بالأمازيغية. يعد الفيلم، أيضا، وثيقة بصرية ذات بعد إثنوغرافي واضح صنعه حضور البعد الأسطوري المحلي وأنماط الحياة الاجتماعية والاقتصادية وآليات ممارسة السلطة وطقوس الاحتفال والأزياء والموسيقى ونظام العلاقات الاجتماعية.. وتعليقا على مشاركة فيلم أمازيغي وحيد في المسابقة الرسمية للأفلام الطويلة، يرى المخرج أجمد بايدو، أن الأمر يتعلق أساسا بالمحدودية العددية للنخبة السينمائية الناطقة بالأمازيغية، حيث هناك مخرجون في صنف أفلام الفيديو لكن مازلنا بعيدين عن التواجد المنشود في الساحة السينمائية الوطنية. أنا على يقين أن المستقبل يعد بالأفضل في ظل توسع نطاق هذه النخبة تدريجيا. كما يؤكد أحمد بايدو أن «الفيلم الأمازيغي له سوق واسعة، سواء على المستوى الوطني أو في المهجر. سوق الأقراص المضغوطة (دي في دي) مزدهر بالنسبة للأفلام الناطقة بالأمازيغية، والجمهور الأمازيغي يتابع بشغف نجومه وإنتاجاتهم الجديدة»، ولو أنه يسجل بأسف غياب قاعات العرض في الجنوب المغربي من المغرب حيث تتمركز جل الجماهير الناطقة بالأمازيغية مما يطرح مشكل تواصل فني.وبالنسبة له، صناعة فيلم أمازيغي تحد كبير لا ينفصل عن مسار العمل من أجل النهوض بالثقافة الأمازيغية.